مواضيع

فرعون يأمر ببناء برجٍ عظيمٍ تمويهاً

<وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ 36 أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَاب>

وكان لبيان مؤمن آل فرعون ومنطقه وقع شديد في نفس فرعون وحاشيته، وقد خاف فرعون معه أن يفقد هيبته ومكانته وموقعه وسلطته، فلم يستطع تجاهله، ولكنه وجد نفسه عاجزاً عن مواجهة الحجة بالحجة والدليل بالدليل فبادر لاحتواء الموقف وإخفاء خوفه وعجزه بخبث شديد ومكر ودهاء بالغ، شأنه في ذلك شأن كل الأدعياء والمزورين، فخاطب وزيره الأعظم وشريكه في التآمر والتدبير هامان، وطلب منه أن يبني له برجاً عظيماً عالياً مكشوفاً لعله يصل بالصعود فيه إلى طرق السماوات الكاشفة عن خباياها، سماء بعد سماء يبحث بالنظر في الطبقات العليا، أو بترصد الأوضاع السماوية وأحوال الكواكب، ويعثر عما يستدل به على وجود إله موسى الكليم(ع) الوهمي الذي يدعى أنه رب العالمين وأنه أرسله إليهم أجمعين لهدايتهم بعد اليأس من الظفر عليه بالوسائل الأرضية، أو بالمكوث على وجه الأرض والبحث من خلالها ليراه حتى يصدق به.

وقد نسب الإله إلى موسى الكليم(ع) <إِلَٰهِ مُوسَىٰ>[1] كأنه يخصه، ليوهم بأن موسى الكليم(ع) قد اخترعه من نفسه ودعا إليه، فوجوده وهمي ولا وجود له في الواقع، كما يريد أن يوهم حاشيته وقومه بأن إله موسى(ع) ليس في الأرض لأنه لا إله في الأرض غيره، فإن كان له وجود فوجوده في السماء، ويمكن رؤيته، ولهذا فهو يصعد إلى السماء ليبحث عنه ويتحقق بنفسه من وجوده وصدق ادعاء موسى الكليم(ع) أو كذبه.

وهذا الطرح الفرعوني يقوم على التمويه والتضليل والمغالطة؛ لأنه في الواقع خلاف منطق موسى الكليم(ع) وأطروحته؛ لأنه يصف ربه بأنه ليس كمثله شيء وليس في مكان ولا في زمان، وخلاف عقيدة فرعون نفسه ودينه الرسمي، فهو يعتقد بأن واجب الوجود الذي هو إله الآلهة ورب الأرباب لا يمكن إدراكه أو التوجه إليه وعلى هذا الأساس يقوم الدين الرسمي في النظام الفرعوني.

وعليه: فإن فرعون أراد بهذا الطرح التمويه والتلبيس والتدليس على حاشيته وقومه، ولم يكن يطلب الوصول إلى الحقيقة أو البحث عنها، وهذا هو دأب الفراعنة المتجبرين والحكام المستبدين الظلمة الذين يحمون أنظمتهم ومصالحهم وامتيازاتهم ويدافعون عن أنظمتهم وسياساتهم الشيطانية بالاعتماد على التضليل والتدليس والتلبيس والمغالطات ونشر الشكوك والشبهات، وليس بالاعتماد على المنطق السليم والحقائق التي تفضحهم وتسلب عن أنظمتهم وحكوماتهم وسياستهم الشرعية والتصويب، وتعريها أمام الجماهير والمراقبين.

ولهذا صار من الواجب عليهم بحسب منطقهم ومنهجهم طمس الحقائق وتغييب المنطق السليم وإظهار المغالطات ونشر الأباطيل، وقد جرت عادتهم إذا وقعت حادثة مهمة تربك سياساتهم وبرامجهم على أن يبادروا إلى خلق جو جديد يلهي الناس ويصرف أنظارهم عن تلك الحادثة؛ ليعيدوا سياساتهم وبرامجهم إلى مسارها وطبيعتها الأولى، ويستمروا فيها وقد يلجأون إلى تصفية المعارضين الواعين الشجعان الذين يسعون إلى فضح سياساتهم الشيطانية الخبيثة وبرامجهم الفاشلة ويطالبون بالإصلاح.

ولمّا كان النظام الفرعوني أمام خطر يقظة الجماهير بفضل ما جاء به موسى الكليم(ع) ومؤمن آل فرعون من الحجج واليبنات، فقد لجأ فرعون الطاغية إلى مشروع البرج العظيم من أجل إلهاء الناس وشغل أذهانهم بسلسلة من المسائل الذهنية والشبهات والمغالطات والملهيات، وصرفهم عن الاهتمام بالقضية الأساسية وهي نبوة موسى الكليم(ع) ورسالته وحركة بني إسرائيل التحررية، ومطالبهم الحقوقية والسياسية، مثل: المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين وعدم التمييز بينهم على أساس العرق والدين ونحوها، وحق الإقامة والسفر ونحو ذلك.

ويكشف مشروع البرج الفرعوني عن أن مؤمن آل فرعون الذي نجح ببراعته في ثني فرعون عن عزمه الشيطاني على قتل موسى الكليم(ع) لم ينجح في إزالة الغرور والتكبر على الحق وأهله والتجبر على الناس من نفس فرعون الطاغية؛ لأنه لم يكن يملك الاستعداد الفكري واللياقة الروحية والنفسية الكافية لنيل ذلك الشرف وتقبل نور الهداية، وذلك لسوء طبعه وفساد منطقه وفطرته، فمضى على نهجه الشيطاني الشرير، ومنه مشروع البرج العظيم.

وربما أراد فرعون الطاغية بمشروع البرج أن يستعرض قوته ويسترد هيبته وموقعه المهدور أمام حاشيته وقومه؛ ليحفظ بذلك نظامه وملكه وسلطته التي أصبحت كالهباء المنثور أمام عواصف المعجزات الباهرات والبينات الواضحات التي جاء بها موسى الكليم(ع) من عند ربه، وأمام المنطق المتين والبيان الساحر المؤثر والجدال المفحم بالتي هي أحسن الذي جاء به مؤمن آل فرعون بتسديد من الله تبارك وتعالى وتوفيقه، فاحتال فرعون أمام ذلك التحدي وجاء بهذا التمويه والخداع والتضليل الخبيث؛ لينقذ هيبته ومكانته وموقعه وسلطته ولكي لا يخامر حاشيته وبطانته وقومه الشك في قدرته، ولكن بدون جدوى.

وقد قدم فرعون بين يدي مشروعه التضليلي بإظهار الشك في وجود إله سواه، والظن بحسب علمه -وهو أعلم الناس في تقدير قومه – أن موسى الكليم كاذب فيما يدعيه من وجود رب العالمين الذي يزعم أنه أرسله إليهم لهدايتهم ويدعوهم لعبادته وطاعته وحده لا شريك له؛ لأنه هو ربهم المزعوم، فإن وجده طلبه للمبارزة، وإن لم يجده كان موسى الكليم(ع) كاذباً، وهذا الطرح في الواقع تمويه منه وإخفاء لحقيقة ما في نفسه من اليقين بصدق نبوة موسى الكليم(ع) ورسالته، فقد خاطبه موسى الكليم(ع): <قالَ لَقَد عَلِمتَ ما أَنزَلَ هـؤُلاءِ إِلّا رَبُّ السماوات وَالأرض>[2] وهذا يجعلنا أمام أربعة أصناف من الناس وهم:

1. لا يسمع ولا يرى بشكل صحيح.

2. يسمع ويرى بشكل صحيح، لكنه لا يفهم بشكل صحيح.

3. يسمع ويرى ويفهم بشكل صحيح ولكنه لا يعمل بشكل صحيح، وفرعون من هذا الصنف فيما يتعلق بالدين الحق الذي جاء به موسى الكليم(ع) من عند رب العالمين.

4. يسمع ويرى ويفهم ويعمل بشكل صحيح، وهم الصالحون.

والظاهر أن طلب فرعون إلى هامان بناء البرج العظيم يتضمن اعتراضاً على كلام مؤمن آل فرعون، وتكذيباً لموسى الكليم(ع) في دعوته إلى الإقرار برب العالمين وطاعته وعبادته وحده لا شريك له، لكنه أوهم حاشيته وقومه بأنه مجرد ناظر يطلب الحقيقة ويبحث عنها بموضوعية ونزاهة تامة، وليس له غرض خاص خلاف ذلك، حيث لم يحصل له العلم عن طريق ما جاء به موسى الكليم(ع) من الخوارق والبينات بأن هناك إلهاً غيره في الأرض هو رب العالمين كما يزعم موسى الكليم(ع)، بل هو على يقين لا يشوبه الشك بأنه ربهم الأعلى ومعبودهم ولا رب ولا إله لهم غيره في الأرض، ولو وجد لعلمه ولم يخف عليه بالضرورة.

وعليه: فلا وجود أصلاً لرب العالمين الذي يزعم موسى الكليم(ع) وجوده وأنه أرسله إليهم وكلفهم بطاعته وعبادته وحده لا شريك له، ولكنه من باب الاحتياط التام والتنزل في المجادلة، والسعي لإقامة الحجة التامة أمر ببناء البرج العظيم في سبيل البحث عن الإله الوهمي المزعوم وإثبات صحة ادعاء موسى الكليم(ع) أو كذبه بالدليل الحسي القاطع، وأن يتحقق من الأمر ويرى ما هو الحق بنفسه ولا يوكله إلى غيره تحملاً منه للمسؤولية تجاه رعاياه وأتباعه.

فإذا ثبت لديه بالدليل الحسي الذي لا يقبل الشك والتردد وبالتجربة كذب موسى الكليم(ع) أظهره إلى الناس فلا تبقى بعده لموسى الكليم(ع) حجة على ما يدعيه، فيجوز معاقبته والاقتصاص منه لكذبه ومؤامرته على النظام والدولة والحكومة والملك والشعب، ولا تبقى لغيره حجة لتصديقه واتباعه، وعلى هذا النحو الثقيل من الخداع والتدليس والتضليل زيّن الشيطان الرجيم لفرعون الطاغية المتجبر قبيح عمله من الشرك والتكذيب والظلم والطغيان ونحو ذلك، ولم يزل يزينه له ويحسنه حتى رآه حسناً فعلاً، ودعا إليه وناظر فيه مناظرة المحقين واستحسنته بطانته الفاسدة كما هي العادة لدى البطانات الانتهازية الفاسدة التي تلتف حول الفراعنة والحكام المستبدين الظلمة وتجاريهم في أطروحاتهم الباطلة وسياساتهم الشيطانية المرضية، وسلوكهم المنحرف ومواقفهم الجائرة تملقاً منهم إليهم من أجل مصالحهم الخاصة التي تأتي على حساب الحق والفضيلة والمصلحة الوطنية العامة، ويكونون شركاء الشيطان الرجيم في التزيين لفرعون أعماله السيئة القبيحة ومكائده الخبيثة لإدحاض الحق وإظهار الباطل بالباطل، والإيقاع بالمعارضين المطالبين بالإصلاح والحقوق، وصدّ الناس عن سبيل الهدى والرشاد والصلاح بالشبهات والتمويهات والمغالطات التي زينها الشيطان له فأراه الحق باطلاً والباطل حقاً، وأراه سبيل الهدى والرشاد ضلالاً وسبيل الضلال هدىً ورشاداً ونحو ذلك من أوجه الصد والإضلال، وتشجيعه على التمادي في البغي والطغيان والجدال في آيات الله تبارك وتعالى وبيناته بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين ولا حجة صحيحة أو برهان مستقيم، وزين لحاشيته وبطانته الانتهازية الفاسدة وقومه الجهله طاعته واتباعه فيما سلكه من الضلال والجهالات.

فانظروا إلى هذه الجرأة الفرعونية على الحقيقة والفضيلة، حيث ادعى أنه إله، وقال للناس أنا ربكم الأعلى وكذب بنبوة موسى الكليم(ع) ورسالته رغم كل ما جاء به من عند رب العالمين من المعجزات الباهرات والبينات الواضحات والبيان الساحر المؤثر، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق رب العالمين، وفعل كل ما في وسعه وبكل وسيلة لينفي وجوده من أجل أهوائه ومصالحه الخاصة، ولعب بعقول النخبة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والإعلامية ليصدقوه فيما ادعاه لنفسه بغير حق من الألوهية والربوبية والمالكية والسلطة المطلقة ونحوها، فصدقوه فعلاً، واتبعوه وناصروه ضد الأولياء الصالحين والمصلحين والمطالبين بالحقوق، وذلك لأنهم قوم أفسدت الأهواء والشهوات طباعهم ووجدانهم وضمائرهم ففسدت عقولهم وأديانهم، فلا عجب بعد ذلك أن نجد الادعاءات الباطلة الشنيعة في الملكيات المطلقة وقبول النخب قاصري العقل والوعي والإخلاص لهذه الادعاءات الباطلة الشنيعة بحكم العقل والدين والوجدان والدفاع عنها بالمغالطات والشبهات والتمويهات ونحوها من الأباطيل.

إلا أن المؤكد بحكم العقل والسنن الإلهية والتجارب التاريخية أن كيد فرعون وحاشيته الفاسدة وبطانته الانتهازية الأنانية وتدابيرهم الشيطانية التي أرادوا بها دحض الحق بالباطل في بوار وانقطاع، فلن توصلهم إلى ما أرادوا من إبطال آيات الله تبارك وتعالى وبيناته والتشويش على دعوة موسى الكليم(ع) الربانية وصرف الناس عن الإيمان بنبوته ورسالته، ولن تنجح في القضاء على حركة بني إسرائيل التحررية وإحباط أهدافها، بل على العكس من ذلك فإن كيدهم سيعود عليهم بالخسارة والدمار والشقاء والهلاك في الدارين الدنيا والآخرة، وعلى بني إسرائيل بالنجاة والخلاص والتحرر من العبودية والاستخلاف في الأرض بدلاً من آل فرعون، وسيرثون ما يخلفون وراءهم من الأرض والعمران والثروة والسلطة في مصر وتوابعها.

فإن الله(عز وجل) من ورائه محيط علماً بكل كيدهم ومكرهم وخططهم وقادر على إحباطها والوصول بها إلى ضد ما يريدون ويقصدون وهو نفس المصير الذي ينتظر كل نظام دكتاتوري وحكومة مستبدة ظالمة لشعبها، وكل ما يحاول أن يظلم الناس أو يخدعهم أو يمكر بهم من المترفين وأصحاب القوة والسلطة والنفوذ، وإن كان له مثل ملك فرعون وجيوشه وقوته ومثل سلطة هامان وخططه ودهائه، ومثل ثروة قارون وخدمه وعماله ونحو ذلك.

وقد ثبت بالتجربة والبرهان أن الخطط الشيطانية التضليلية والكيدية التي يلجأ إليها الفراعنة والمستكبرون والحكام المستبدون حتى وإن نجحت في خداع الناس وتضليلهم شطراً من الزمن، أي على المدى القريب فإنها تنتهي دائماً وحتماً إلى الفشل والخسران والدمار على المدى البعيد لهذه الكيانات المهترية.

فلا يغتر القائمون عليها بما في أيديهم من المال والسلطة والقوة وما يحققونه من نجاحات في مخططاتهم السلطوية الشيطانية على المدى القريب، ولا تيأس الشعوب المستضعفة المناضلة من رحمة الله ذي الجلال والإكرام فالنصر حليفها لا محالة، فعليها أن تعيش الأمل وتواصل النضال ولا تيأس حتى يتحقق النصر بإذن الله(عز وجل).

وقال علماء التفسير أن هامان قد شرع في بناء البرج العظيم الذي أمره فرعون ببنائه، فخصص مساحة واسعة من الأرض لهذا المشروع الضخم وهيأ أكثر من خمسين ألف من العمال المهرة والمهندسين والفنيين وفتح أبواب الخزائن وصرف أموالاً طائلة لإنجازه، واستخدم في البناء قوالب الطين المحروقة بالنار لتشتد صلابة، قول الله تعالى: <فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّين>[3].

وكان كلما ارتفع البناء في المشروع أكثر كلما جلب الاهتمام إليه أكثر وأصبح حديث الناس كلهم في المجالس، وذلك على حساب التفكير والتأمل في القضية الأساسية وهي قضية نبوة موسى الكليم(ع) ورسالته وما حققه من الانتصار على السحرة، والحركة التحررية لبني إسرائيل ومطالبهم السياسية والحقوقية، مما يدل على النجاح النسبي المؤقت لفرعون في التموية على الناس وخداعهم وصرفهم عن التفكير في قضية موسى الكليم(ع) وبني إسرائيل بغية حماية نظامه وملكه.

ولما بلغ البناء في مشروع البرج نهاية ما قدر عليه من الارتفاع صعوداً إلى السماء، حيث باتت الرياح الشديدة مانعاً عن الاستمرار في العمل، فاعتذر هامان لفرعون عن الاستمرار في البناء وعند هذا الحد هيأ البرج وصعد فرعون بصحبة هامان إلى قمة البرج، وقيل أنهما صعدا على ظهر جواد، وعند القمة صوب فرعون سهماً نحو السماء فعاد إليه النصل مخضباً بالدم فقال لمن حوله: لقد قتلت إله موسى !! وما ذلك – إن صح الخبر – إلا من كيد رب العالمين.

وقيل: أن السهم أصاب أحد الطيور، وقيل: أن فرعون غمس السهم بالدم خفية عن قومه قبل تصويبه، أراد بذلك خداع الذين تأثروا من قومه بما جاء به موسى الكليم(ع) أو ما نصح به مؤمن آل فرعون إذ يوهمهم بأنه قتل إله موسى الكليم(ع) وتخلص منه، وعليه ينبغي عليهم البقاء على ما كانوا عليه من الدين والولاء لفرعون ونظامه، ولا بأس عليهم في ذلك.

ومن المسلم به أن جماعة من البسطاء الموالين للنظام والملك ويتبعونهما إتباعاً أعمى قد صدقوا أكذوبة فرعون وتأثروا بها ونشروها في كل مكان، وهذه واحدة من التحديات التي تواجه المصلحين في التاريخ كله، فقد دأبت الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة الظالمة في طول التاريخ وعرض الجغرافيا على الاعتماد في وجودها والترويج لسياساتها الشيطانية المغرضة على التجهيل والتضليل والخداع والشبهات والمغالطات، وتستخف بعقول البسطاء والجهلة الذين يخدعون بالظواهر ولا تنفذ بصائرهم إلى ما ورائها من البواطن والحقائق، وهناك من يصدقهم من النخب خوفاً أو طمعاً أو سفاهة.

وفي تفسير القمي وغيره أن هامان بنى برجاً عظيماً حتى بلغ مكاناً لا يمكن الإنسان من الإقامة عليه من شدة الرياح، وأن الرياح الشديدة حطمت ذلك البناء بشدتها، فاتخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت، فعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وقاما على تربيتها حتى كبرت وبلغت أقصى قوتها، ثم عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة، فغرسا في كل جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كل خشبة لحماً، وجوعا الأنسر، وشدا أرجل الأنسر بأصل الخشبة وجلسا في التابوت فنظرت الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه تطلبه وصفقت بأجنحتها وارتفعت بها في الفضاء ارتفاعاً عظيماً لم يبلغه أحد من الناس قبلهما.


  • [1]. القصص: 38
  • [2]. الإسراء: 102
  • [3]. القصص: 38
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك – الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟