مواضيع

التاريخ الفاصل بين مرحلتين في المنطقة

يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه المجيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

< وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 169 فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 170 يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ> صدق الله العلي العظيم.

اليوم؛ نحن نُقيم احتفالاً تأبينياًّ تكريميّاً لقائدٍ جهاديٍّ إسلاميّ عالميٍّ عظيم، هو الحاج قاسم سليماني قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلاميّة، ولقائدٍ كبيرٍ ومجاهدٍ عزيزٍ الحاج أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبيّ المقدّس في العراق، وصحبهما من الشهداء الإيرانيّين والعراقيّين الذين استشهدوا في الجريمة الأخيرة.

طبعاً؛ اليوم هو اليوم الثاني من كانون الثاني الخميس مساءً ليلة الجمعة، وبشكل مكتوب: 2 كانون الثاني 2020، وهو تاريخٌ فاصل بين مرحلتين في المنطقة، هو بداية مرحلة جديدة وتاريخ جديد، ليس لإيران أو للعراق وإنّما للمنطقة كلّها، هذا ما سوف أعود إليه بعد قليل.

لكن اسمحوا لي في البداية أن أقف قليلاً عند الجانب الشخصيّ من الحادثة ومن الجريمة ومن الاغتيال.

المشروع هو الشهادة

في مساء الخميس 2 كانون الثاني 2020، حقّق الحاج قاسم سليماني الأخ الحبيب والعزيز غاية آماله وآمانيه، حقّق هدفه، أليس نحن دائماً نتكلّم عن تحقيق الأهداف، وأنّ هذا العمل هو يُحقّق هدفنا أو يُحقّق هدف عدوّنا؟ الحاج قاسم سليماني تحقّق له هدفه في ليلة الجمعة الماضية؛ لأنّ الشهادة هي الأمنية وهي الهدف الشخصيّ بالنسبة إليه. دائماً في ذكريات الشهداء كنت أقول: الشهادة عند المجاهدين وعند القادة هي مشروع شخصيّ، هم لا يريدون الشهادة للأمّة، يُريدون للأمّة الخير والحياة الهانئة، والسعادة في الدنيا والآخرة، والعزّة والكرامة، والقوّة والمنعة، والعيش في طيبات الله وفي حلال الله، أمّا على المستوى الشخصيّ فمشروعهم الشخصيّ هو الشهادة.

هذه هي نيّته منذ أن كان شاباً والتحق بجبهات القتال في إيران، وبقي يحمل هذه الأمنية وهذه الغاية وهذا الهدف. الذين يمشون في هذا الطريق؛ بعضهم يسقط في ربعه أو في وسطه قبل النهاية، تَخمد فيه هذه الشعلة، ويبرد فيه هذا العشق، ويموت فيه هذا الشوق للقاء. وقومٌ آخرون؛ كلّما تقدّم بهم الزمن، ازدادت توهّجاً وقوةًّ وحضوراً واشتعالاً. الحاج قاسم وأبو مهدي المهندس كانا من النوع الثاني، وخصوصاً في السنوات الأخيرة. عندما يمتدّ العمر بالإنسان، ويرى الشيب قد ملأ لحيته وشعره، ويُصبح خائفاً من أن يموت مريضاً أو على الفراش، وهو الذي كان حاضراً دائماً في الجبهات بين القذائف والشظايا التي تملأ جسده، تزداد لديه هذه الرغبة. الحاج قاسم في السنوات الأخيرة عندما كان يأتي إلى الشام، كان الإخوة في المقاومة يوكَّلون أمنه وحمايته، ويبقون معه في الليل وفي النهار إلى أن يعود إلى مطار دمشق، الكثير من الليالي كان يقضيها باكياً، عندما يُذكر الشهداء يبكي، في كثير من اللقاءات كان يقول لي: «ضاق صدري في هذه الدنيا من شدّة شوقي للقاء الله وللشهداء الذين مضوا». إخوته وأصدقاؤه وأحباؤه الذين عاش معهم وقاتل معهم وتألّم معهم وعانى معهم، أغلبهم مضى، وكان مشتاقاً جدّاً للالتحاق بهم.

على كلٍ؛ هو حقّق هذه الأمنية، وهذا ممّا يُمثّل لنا ـ نحن جميعاً أحبّته وأصدقاءه وإخوانه ـ عامل المواساة الأساسيّ.

أنا من هنا من الضاحية الجنوبيّة أتوجّه إلى عائلة الحاج قاسم سليماني، وإلى كلّ أقاربه وأهله، وخصوصاً إلى زوجته الفاضلة وإلى أبنائه وبناته، وأقول لهم: إنّ ما يجب أن يُواسيكم هو أنّ أباكم حقّق غاية الآمال، ووصل إلى منتهى المنى، وأنا أعلم وأنتم تعلمون أكثر منّي أنّ هذا كان دائماً هدف الحاج قاسم سليماني وأمله وغايته وشوقه وعشقه وحبّه. هذا المعنى نفسه بالنسبة إلى الحاج أبو مهدي، قبل شهرين أو ثلاثة كان عندي، هنا في بيروت في الضاحية، زارني وشرّفني بزيارته، وجلسنا لساعات، وفي آخر اللقاء قال لي: «يا سيّد؛ يبدو أنّ المعركة مع داعش في العراق شارفت على النهاية، وقد استشهد من استشهد، وبقيت على قيد الحياة، وقد طال بي العمر وشاب رأسي ولحيتي، ادعُ الله لي أن تكون عاقبتي الشهادة». وأيضاً أقول لزوجته الفاضلة ولبناته الكريمات: إنّ هذا يجب أن يكون عامل مواساةٍ لكنّ جميعاً. وهذا حال الشهداء الأحبّة الذين استشهدوا مع الحاج قاسم ومع الحاج أبو مهدي.

في الشقّ الشخصيّ إذاً – لننهي هذا الجانب ولننتقل إلى صلب المواجهة والموضوع – اليوم تحقّقت لهم هذه الأماني، ففي ثقافتنا الإيمانيّة الشهادة هي إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة. من عجائب الثقافة الإيمانيّة أنّها تُبدّل المعادلات؛ فإنّ أقصى ما يملكه عدوّنا هو أن يقتلنا، وأقصى ما يمكن أن نتطلّع إليه هو أن نُقتل في سبيل الله عزّ وجلّ، المعادلة الإيمانيّة تُحوّل نقطة قوّة العدو القصوى إلى نقطة قوّتنا القصوى، وبالتالي نحن لا نُهزم، عندما ننتصر ننتصر، وعندما نُستشهد ننتصر، ويوم الخميس ليلاً هو أيضاً يوم انتصارٍ للمقاومة ولمحور المقاومة ولرجال المقاومة، وسيكون نموذجاً جديداً لانتصار الدم على السيف إن شاء الله.

مباركٌ للحاج قاسم، ومباركٌ للحاج أبو مهدي، ومباركٌ لصحبهما الشريف من المجاهدين الإيرانيّين والعراقيّين هذه الشهادة العظيمة وهذه العاقبة الحسنة وهذه الخاتمة الجميلة، وفي مدرسة الحسين وزينب (ع) نعشق الشهادة ولا نرى إلّا جميلاً.

المرحلة الجديدة

ندخل إلى صلب الموضوع، طبعاً؛ اليوم أنا أودّ أن أتحدّث مباشرةً عن هذا الحادث، الحدث الكبير والعظيم، ماذا حصل؟ ولماذا حصل؟ ولماذا الحاج قاسم سليماني ومعه أبو مهدي بالذات؟ ماهي الأهداف؟ المنطقة إلى أين؟ وما هو الموقف وما هو الواجب وما هي المسؤوليّة؟

أنا قلت نحن أمام مرحلة جديدة بالكامل. طبعاً؛ لو أردت أن أتحدّث الآن – وهذا لم يكن موضوع حديثي – عن شخصيّة الحاج قاسم: عن مميّزاته، وعن صفاته، وعن تديّنه، وشجاعته، وعلمه، ومعرفته، وعقله الاستراتيجيّ، وتواضعه… وكلّ الصفات الجميلة التي يحملها، وعن إنجازاته، وعن تعبه، وعن سهره، وعن جهاده، وعن تضحياته، وكذلك عن الحاج أبو مهدي، فسنتحدث لساعات وأيام وأسابيع، وهذا سوف نجد له – إن شاء الله – وقتاً آخر، لكن ما يجب أن ندخل إليه هو صلب الموضوع، لنبني على الشيء مقتضاه.

أوّلاً: ماذا حصل؟

ما حصل هو أنّه في ليل يوم الخميس، الحاج قاسم سليماني وصحبه يُغادرون مطار دمشق علناً إلى مطار بغداد، في مطار بغداد، كان الحاج أبو مهدي المهندس وبعض إخوانه من مسؤولي الحشد الشعبيّ في استقبال الحاج قاسم سليماني. بعد صعودهم إلى السيّارات، وبعد أن مشوا مسافة معينة، يتعرّض كلّ الموكب وكلّ السيارات في الموكب لقصف بالصواريخ المتطوّرة من الجوّ من قبل الطائرات الأميركيّة، وبشكل وحشيّ – كلّكم شاهدتم  المشاهد – يضمن تدمير السيارات وتمزيق كلّ شيء فيها. يستشهد القائدان العزيزان ومن معهما، ويتحوّل الجميع إلى أشلاء ممزّقة ومحترقة يصعب تمييزها. بين قوسين؛ أنا أعرف الحاج قاسم والحاج أبو مهدي والإخوان الذين معهم. هو كان يتطلّع للشهادة، ربّما الذي حصل عليه هو أكثر من الذي كان يتمنّاه، أن تكون الخاتمة بلا رأسٍ كالحسين، وبلا يدين كالعباس، والجسد مقطعٌ إرباً إرباً كعلي الأكبر، لا أدري إذا كانت هذه الصورة هي التي كانت حاضرة في مخيلة الحاج قاسم والحاج أبو مهدي.

على كلّ حال؛ بعد ساعات قليلة تُصدر وزارة الدفاع الأميركيّة بياناً تتبنّى فيه العمليّة، وأنّها قامت بهذا الاغتيال بأمرٍ من الرئيس ترامب. بعدها تتوالى بيانات التبنّي الأميركيّة، ونرى مؤتمرات صحفيّة أيضاً؛ وزير الخارجية الأميركيّ، ووزير الدفاع الأميركيّ، ومستشار الأمن القومي الأميركيّ، وصولاً إلى ترامب نفسه في تغريداته المتعدّدة، والتي يُفاخر فيها بأنّه شخصيّاً مَن أمر بقتل الحاج قاسم سليماني، ويذكر الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وكلّها أكاذيب.

إذاً؛ نحن أمام جريمةٍ علنيّة واضحة تماماً. مَن أعطى الأمر فيها هو يقول أنا أعطيت الأمر، ترامب من نفّذ الاغتيال، هو يقول أنا نفّذت الاغتيال، وزارة الدفاع الأميركيّة والجيش الأميركيّ وقوّة من الجيش الأميركيّ الموجودة في المنطقة؛ سواء من داخل العراق أو جاءت من خارج العراق… هذا تفصيل.

وبالتالي؛ نحن لسنا أمام عمليّة اغتيال مبهمة؛ سيّارة مفخخة أو عمليّة انتحاريّة، أو كمين نجا منفّذوه، وتحتاج إلى لجنة تحقيق وتحتاج إلى لجنة تقصّي حقائق، ويوجد فيها احتمالات. أبداً؛ نحن أمام جريمة واضحة شديدة الوضوح وصارخة، وهذان السطران سوف نبني  عليهما، ترامب الرئيس الأميركيّ أمر الجيش الأميركيّ بتنفيذ هذه الجريمة، فقامت قوّةٌ من الجيش الأميركيّ بتنفيذها على التفصيل الذي ذكرناه. إذاً؛ الأمور واضحة.

ثانياً: لماذا الإقدام على هذه الجريمة بهذه الطريقة العلنيّة المفضوحة، بشكلٍ مفضوح، ويتبنّى وبشكل رسميّ وعلنيّ، دون أن يهمّه شيءٌ في الدنيا كلّها؟

هناك أمران:

  • فشل كلّ محاولات الاغتيال السابقة التي كانت من دون بصمة، ومن دون دليل. حصلت محاولات عديدة لاغتيال الحاج قاسم، بعضها كُشف عنه، وبعضها الآخر ما زال طيّ الكتمان، وآخر تلك المحاولات ما كان يحضّر للحاج قاسم في كرمان. وقد اعتُقلت تلك المجموعة التي جاءت بالمتفجّرات، وكانوا يريدون شراء بيت قرب الحسينيّة، وحفروا نفقا تحتها من البيت وصولاً إلى أسفل الحسينيّة، فيضعون فيه كميّة هائلة من المتفجّرات. فالحاج قاسم لديه التزام سنويّ بالحضور في بعض المراسم والمناسبات الدينيّة وإقامة مجالس العزاء في تلك الحسينية، التي يحضر فيها ما بين 4 إلى 5 آلاف إنسان. شاهدوا العقل الشيطانيّ الجهنميّ الذي يعمل به الأميركيّون والإسرائيليّون، كانوا يريدون قتل 5 آلاف إنسان في الحسينيّة ليضمنوا أنّهم قتلوا الحاج قاسم سليماني!

الله – سبحانه وتعالى – أجّل له وحماه وحرسه واختار له هذا النوع من الشهادة – كما قال سماحة السيّد القائد – وهو لائق بهذا النوع من الشهادة، بهذا المستوى من الشهادة. إذاً؛ فَشَلُ كل محاولات الاغتيال السابقة التي كانت من دون بصمة، ومن دون دليل، ألجأهم إلى الذهاب إلى العمل العلنيّ والمكشوف.

  • الأمر الثاني المتعلّق بالدوافع للإقدام في هذا التوقيت وبهذا العمل المفضوح والعلنيّ، هو مجموعة الأوضاع والظروف التي تعيشها منطقتنا والإخفاقات والإنجازات ومحصّلة الصراع القائم وصولاً إلى تطوّرات العراق الأخيرة ونحن على أبواب انتخابات رئاسيّة أميركيّة. هذا ما سأتناوله بالتفصيل قليلاً.

عندما نستعرض هذا المشهد، هو الذي سيوضّح لنا أهداف الاغتيال، وهو الذي سيحدّد مسؤوليّاتنا جميعاً لمواجهة أهداف الاغتيال، فهذا العرض هو ليُبنى عليه، وليس لمجرّد الاستعراض والتحليل.

فشل ترامب

وتفصيل هذا العنوان هو أنّه بعد ثلاث سنوات من تولي ترامب للرئاسة في أميركا – وكان قد أعلن سياسة خارجيّة في منطقتنا وفي العالم – عندما ينظر ترامب وإدارته إلى حصيلة ثلاث سنوات التي مضت، ماذا يتبين؟ فشل على فشل على عجز على ارتباك، ليس هناك ما يقدّمه للشعب الأميركيّ على مستوى السياسة الخارجيّة وخصوصاً في منطقتنا، وهو ذاهب إلى الانتخابات الرئاسيّة.

لو دخلنا قليلاً بالعناوين:

الملفّ الإيرانيّ

أوّلاً العنوان الأكبر: إيران. ترامب، منذ اليوم الأوّل، وضع هدفاً أعلى هو إسقاط النظام الإسلاميّ في إيران، وهذا ما عبّر عنه جون بولتون الذي وعد قبل عام بالتحديد، في احتفالات رأس السنة الماضية، في احتفال للمنافقين الإيرانيّين في فرنسا؛ حيث قام خطيباً فيهم ووعدهم أنّ الاحتفال في رأس السنة الميلاديّة القادم سيكون في طهران، فذهب جون بولتون وبقي النظام الإسلاميّ في طهران. هذه لم تكن سياسة جون بولتون، هو كان مستشار الأمن القوميّ، وهو يعبّر عن استراتيجية ترامب تجاه إيران. إذاً؛ الهدف الأعلى إسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، والهدف الأدنى، أقلّ شيء كان يتطلّع إليه هو ما يسميّه تغيير السلوك، إخضاع إيران، أو ضبط إيران، أو السيطرة على الأداء السياسيّ لإيران وما شاكل…

وبالتالي؛ الوصول إلى اتفاق نوويّ جديد، وإلى اتفاق حول الصواريخ البالستيّة، وإلى اتفاق حول قضايا المنطقة. إيران لم تستجب، فخرج من الاتفاق النوويّ الإيرانيّ، فرض عقوبات لا مثيل لها منذ 40 عاماً على إيران، عقوبات على كل من يتعامل مع إيران في العالم، محاولة الحصار، محاولة العزل، الترهيب، الرهان على جوع الناس، على الأزمة الاقتصاديّة داخل إيران، على الانقسامات الداخليّة إن وجدت، الدفع باتجاه الفتنة الداخليّة، الاستفادة من كلّ العناصر الإقليميّة والأدوات الإقليميّة، وفشِل هذا كلّه.

إذاً؛ الآن هو ذاهب إلى الانتخابات، لا يستطيع أن يقول للشعب الأميركيّ أنا أسقطت نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، ولا يستطيع أن يقول أنا أخضعت نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، ولا يستطيع أن يقول إنني فرضت اتفاقاً نوويّاً جديداً على إيران؛ بل أسوأ من هذا، ترامب وصل إلى مرحلة يوسّط بعض الرؤساء الأوروبيّين في جلسة الأمم المتحدة في نيويورك ليعقد لقاءً مع رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الشيخ روحاني، وإيران ترفض اللقاء مع ترامب. ترامب كلّ سياسته أن يأتي بإيران إلى المفاوضات بمعزل عن الاتفاق، تحت الضغط والتهويل، وهذا ما أعلنه، وقال إنّهم سيأتون، وفي النهاية سيرنّون الهاتف وسيأتون إليّ… وستنتهي ولايته وإيران لم تذهب إليه، ولم يتصل معه أحد بالهاتف.

ماذا سيقول للشعب الأميركيّ بشأن هذا الهدف؟ فشل وعجز؛ بل تجرّؤ إيرانيٌّ أعلى وأكبر.

سأدع العراق للأخير؛ فله خصوصية بما حدث على الحاج قاسم وعلى أبو مهدي.

الملفّ السوريّ

ثانياً: فشل وارتباك في سوريا، فشل واضح، مشروعهم فشل في سوريا، وكان آخر «طحنة»، آخر ما حصل هو خيانته لحلفائه أو أصدقائه أو سمّوهم ما شئتم في «قسد»[1]، الجماعات الكرديّة المقاتلة في شرق الفرات، والارتباك الذي شاهدناه، فساعة يصدر قراراً يريد سحب القوّات من شرق الفرات، وساعة يريد أن يترك جزءاً منها، يخوض مشاكل طويلة عريضة على موضوع سحب القوّات الأميركيّة، وينتهي بإبقاء جزءٍ منها، لحماية من؟ ليس لحماية حلفائه من الأكراد؛ بل لحماية آبار النفط وحقول النفط السورية لسرقتها، هو أعلن ذلك؛ أنّه سيتحدّث مع شركات للتنقيب وتصدير النفط لتضع يدها وتصادره. هذا يعبّر عن الارتباك الأميركيّ في سوريا، أبقى جزءاً من القوة في شرق الفرات من أجل النفط، وجزءاً بسيطاً في التنف، وقال إنّ ذلك جاء بناءً على طلب إسرائيل وتوصيتها في أن تبقى قوّة أميركيّة في التنف؛ لأنّه إذا سقطت التنف وأصبحت في يد الجيش السوريّ، فإنّ كامل الحدود السوريّة العراقيّة ستصبح مفتوحة وخصوصاً معبر الرطبة الدوليّ.

الملفّ اللبنانيّ

ثالثاً: فشل في لبنان، فشلت كلّ الضغوط، وكلّ العقوبات، وكلّ التحريض، والأموال التي أنفقت في لبنان لتشويه صورة المقاومة، ولتحريض بيئة المقاومة عليها، ولتحريض بقيّة اللبنانيّين على المقاومة، وكلّنا نتذكّر الغزو الأخير لبومبيو إلى لبنان والبيان المكتوب الحربيّ الذي أعلنه من وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، وصولاً إلى زيارات ساترفيلد المتنوّعة، وما لم يُقل في الإعلام سأقوله اليوم لكم في الإعلام، وكنت قد قلته في جلسة داخلية وسُرّب، وهو أنه في آخر زيارات ساترفيلد كان يهدّد المسؤولين اللبنانيّين، قائلاً: لديكم مهلة 15  يوما، إذا لم تزيلوا منشآت المقاومة في البقاع، ولا حزب الله قام بإزالتها، فسوف تأتي إسرائيل وتقصف وتدمّر هذه المنشآت، ونحن سنضع لبنان في دائرة العقوبات ووو… تهديد وتهويل وترهيب – طبعاً لم يجدِ نفعاً – ولم تجرؤ إسرائيل على أن تأتي وتقصف تلك المنشآت خلال 15 يوماً؛ لأنّنا قلنا له إذا قصفت إسرائيل هذه المنشآت، فسنقوم بردّ سريع ومناسب ومتناسب. وإذا كنتم تتذكّرون عشيّة يوم القدس أوردت هذا الموضوع ولو من باب الإشارة. إذاً؛ كلّ محاولات تحجيم المقاومة في لبنان، والضغط على المقاومة في لبنان، والسيطرة بالمطلق على القرار اللبنانيّ، لم تجدِ نفعاً.

الملفّ اليمنيّ

رابعاً: في اليمن، الصمود في اليمن والعجز عن تحقيق أيّ إنجاز عسكريّ، فالحرب في اليمن هي بالدرجة الأولى أميركيّة، وقرار وإرادة ومشروع أميركيّ، وليس فقط سعوديّ وما شاكل. ولم يجنِ سوى المجازر والحصار.

الملفّ الأفغانيّ

خامساً: في أفغانستان، حيث يبحث عن صيغة الخروج التي تحفظ ماء وجهه وبارتباك أيضاً، يرسل سفيره خليل زاد، يتفاوض مع طالبان في قطر، يتفقون، ويكون من المفترض أن تلتقي طالبان مع ترامب في البيت الأسود، لكن في اليوم الثاني، ترامب يلغي اللقاء ويلغي الاتفاق، ويقول: «خرجت طالبان ومعها المفاوضات من حياتي»، ثمّ بعد أيّام قليلة، يطالب بالتفاوض مع طالبان؛ لأنّه يريد أن يخرج من مأزق أفغانستان. إذاً؛ في أفغانستان أيضاً لا إنجاز لديه.

صفقة القرن

سادساً: صفقة القرن، صفقة القرن التي كان يريد أن يحقّقها في السنة الأولى ويفرضها على الأنظمة العربيّة والحكومات والشعوب العربيّة، وعلى الشعب الفلسطينيّ بالدرجة الأولى، أين هي صفقة القرن؟ من يتكلّم الآن بصفقة القرن؟ نتيجة صمود الشعب الفلسطينيّ والقيادات الفلسطينيّة، رغم الحروب على غزّة والحصار والعقوبات، وما يتعرّض له أهل الضفّة الغربيّة والفلسطينيّون في الداخل والخارج من صعوبات معيشيّة واقتصاديّة وتهديد للأونروا ووو… ومعاناة المعتقلين وانسداد الأفق بحسب الظاهر أمامه، لم يستطع أن يفرض صفقة القرن.

الملفّ العراقيّ

سابعاً: العراق، وهو هنا بيت القصيد الذي عندما أصل إلى التحليل الأخير أقول هو الذي عجّل بهذه الجريمة.

في العراق ما هو مشروع ترامب الحقيقيّ؟ والله يا إخوان؛ هذا لا يحتاج أن يكون عندنا مصادر سريّة في الـ«CIA» وبالبنتاغون لتعطينا معلومات، لا؛ الرجل واضح جداً، ترامب واضح جداً، وشفاف جداً؛ لأنّه مستعلٍ ومستكبر، ولا يرى أحداً أمامه، ولا يعترف لا بدول ولا بقانون دوليّ ولا بمؤسسات دوليّة ولا بمجتمع دوليّ ولا بأحد، في كلّ الحملة الانتخابيّة ماذا كان يقول ترامب؟ كان يقول نفط العراق هو حقّنا – (كأميركا)، ومقابلاته بالصورة والصوت موجودة – هو يطمع ببعض الحقول المتواضعة في سوريا، في شرق الفرات، ونفط سوريا أصلاً لا يقاس بنفط العراق -، ونحن يجب أن نضع أيدينا على نفط العراق؛ حتّى نستوفي كلّ الأموال التي أنفقناها خلال كلّ السنوات الماضية في العراق وفي المنطقة. وعندما يُسأل كيف ستفعل ذلك وفي العراق دولة؟ – أنا أتمنّى أن ننتبه لهذه الجمل خصوصاً إخواننا في العراق إذا كانوا يسمعونني – يقول: لا يوجد دولة في العراق، لا يوجد شيء اسمه العراق! عودوا إلى نصوصه بصوته وصورته. كيف ستسيطر على حقول النفط؟ فيقول: نرسل قوّات إلى مناطق حقول النفط، نأخذ مساحات واسعة، ونقيم حولها أحزمة أمنيّة نسيطر عليها ونقوم باستخراج النفط وتصديره وبيعه للعالم.

إذاً؛ مشروع ترامب الحقيقيّ، من ثلاث سنوات إلى اليوم، في العراق هو السيطرة على آبار النفط والثروة النفطيّة العراقيّة. هو لا يريد دولة في العراق فتمنعه من فعل ذلك، أو إذا كان هناك دولة يجب أن تكون خاضعة لقرارات الأمريكيّ؛ السفير الأمريكيّ والجيش الأمريكيّ، خاضعة سياسياًّ وعسكريّاً وأمنيّاً. من سبقهُ جاء بداعش، وهو نفسه ترامب يقول إنَّ أوباما وهيلاري كلينتون هم الذين صنعوا داعش، وأراد الأمريكيّون أن تستمرّ داعش وتطول الحرب معها لسنوات، ويكون هناك حجّة للبقاء في العراق، هم قالوا إنّ الحرب على داعش تحتاج إلى 10 أو 20 أو 30 سنة، وتحت عنوان «الحرب على داعش» يعيد تثبيت القواعد الأمريكيّة في محيط مناطق النفط، ويستنزف خيرات العراق، ويبيع السلاح للعراق، ويتدخّل بقرار العراق، ويضعّف الدولة العراقيّة. وهنا كانت مشكلته في الحقيقة مع الحاج قاسم سليماني ومع أبو مهدي ومع الشباب، وسأعود لها بعد قليل. حسناً إذاً؛ هذا هو مشروعه الحقيقيّ للعراق، لكن ما واجهه في العراق هو فشل هذا المشروع، فكيف فشل هذا المشروع؟

كيف فشل المشروع الأمريكيّ في العراق؟

أوّلاً: من خلال إسقاط حجّة داعش. العراقيّون ككلّ، والقيادة العراقيّة، والشعب العراقيّ ومن فوقهم المرجعيّة الدينيّة الشريفة في النجف الأشرف، كان موقفهم حاسماً في لزوم إنهاء المعركة مع داعش في أسرع وقت ممكن. وهنا يأتي قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بوصفهما عاملاً أساسيّاً في هذا الحسم، قوّات الحشد الشعبيّ، وفصائل المقاومة العراقيّة إلى جانب الجيش العراقيّ والقوّات الأمنيّة المختلفة، وبدعم من الشعب العراقيّ، وبدعوة وتأييد ومساندة مطلقة من المرجعيّة الدينيّة، استطاعوا أن يحسموا هذه المعركة في سنوات قليلة.

سقطت الحُجّة من يد الأمريكيين، وبعد انتهاء داعش وانكشاف حقيقة الدور الأمريكيّ، بدأت الأصوات ترتفع في العراق للمطالبة بخروج القوّات الأمريكيّة، أنتم تقولون أتيتم من أجل أن تساعدونا في القضاء على داعش، هذه داعش انتهت، الله معكم. لكنهم لا يريدون أن يخرجوا، يريدون البقاء؛ لأنّه هو استخدَمَ داعش حجّة للعودة العسكريّة إلى العراق ولتحقيق أهدافه في العراق. حسناً؛ أيضاً بعد الانتهاء من داعش، كانت الانتخابات النيابيّة في العراق، من انتصر فيها؟ لا أريد التحدّث عن تكتلّ أو حزب معيّن، وإنّما أريد أن أتحدّث عن اتجاه سياسيّ، الاتجاه السياسيّ العام الذي انتصر في الانتخابات العراقيّة هو الاتجاه الذي لا يخضع للأمريكيّين، ولا يصغي لأوامرهم، ويفكّر وطنياًّ بالكامل أو بدرجة كبيرة، ويحلو للأمريكيّين أن يقولوا عن هؤلاء إنّهم الخطّ الإيرانيّ، وهذا توصيف غير دقيق، لكن التوصيف الدقيق أنّ الأغلبيّة النيابيّة في المجلس النيابيّ هي من الكتل والأحزاب والقوى والشخصيّات الوطنيّة التي ترفض الخضوع للإرادة الأمريكيّة وللإملاءات الأمريكيّة، وعلى ضوئها تشكّلت حكومة أزعجت الأمريكيّين – أنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل العراقيّة، وإنّما أريد أن أعرض هذا الجانب ممّا له صلة بالأمريكيّين – وأزعجت السياسات الأمريكيّة؛ لأنّ الحكومة العراقيّة التي تأسّست بعد الانتخابات النيابيّة العراقيّة برئاسة السيّد عادل عبد المهدي:

أوّلاً: رفضت أن يكون العراق جزءاً من الحملة على إيران وتنفيذ العقوبات على إيران؛ يعني هنا وقفوا بوجه أمريكا.

ثانياً: الحكومة العراقيّة برئاسة السيّد عادل عبد المهدي رفضت تأييد صفقة القرن والمساهمة في تصفية القضيّة الفلسطينيّة.

ثالثاً: حكومة السيّد عادل عبد المهدي ذهبت إلى الصين لإجراء عقود بمئات مليارات الدولارات؛ لبناء العراق وازدهار العراق دون دفع فلوس وعُملة في مقابل مشاريع، وأميركا تريد المشاريع في العراق لشركاتها هي؛ لتنهب العراق من خلال الشركات والمشاريع؛ لأنّ حكومة السيّد عادل عبد المهدي رفضت أن تبقى الحدود مغلقة مع سوريا، وأصرّت على فتح معبر البوكمال. كلّ هذا الأداء السياسيّ أغضب الأمريكيّين جداً، يُضاف له ارتفاع الصّوت في المجلس النيابيّ للمطالبة بخروج القوّات الأميركيّة، وتوترات ميدانيّة معيّنة، فشعر الأمريكيون في الآونة الأخيرة كما قالوا هم أنّهم يكادون يخسرون العراق! هم احتلّوا العراق ليس لأجل إيجاد ديمقراطيّة وانتخابات واستقلال العراقيّين وازدهارهم، هم احتلّوا العراق وأسقطوا نظام صدّام حسين من أجل أن يسيطروا على العراق وخيرات العراق، وعندما وجدوا أنّ الشعب العراقيّ يريد أن يستقرّ وأن يتحرّر، أطلقوا عليه كلّ جماعتهم الإرهابيّة التي أسّسوها هم وجاؤوا بها من أفغانستان وباكستان والسعوديّة واليمن وكلّ دول العالم. وواجه الشعب العراقيّ من 2003 إلى 2011 موجة من العمليّات الانتحاريّة، آلاف الانتحاريّين فجّروا أنفسهم في المساجد والكنائس والمدارس والأسواق والأماكن الدينيّة، وقتلوا خيرة القيادات والشخصيّات العراقيّة، وكان يقف خلف هذه الجماعات الإرهابيّة ويسهّل لها ضبّاط الاحتلال الأمريكيّ. وفي الآونة الأخيرة حاول الأمريكيّون أن يفتنوا بين الشعب العراقيّ، وأن يدفعوا بالعراقيّين إلى الحرب الأهليّة، لكن الموقف الواعي والحكيم للمرجعيّة الدينيّة وللقيادات العراقيّة، والموقف الحازم والقوي للعشائر العراقيّة، وفصائل المقاومة، حال دون ذلك.

الأمريكيّون سعوا عبر جيوشهم الإلكترونيّة وأدواتهم الخبيثة لإحداث فتنة بين الشعب العراقيّ والشعب الإيرانيّ، لماذا؟ لأنّ الإخوة في إيران كانوا خير داعم ومساعد للشعب العراقيّ. الأمريكيّون تصرّفوا في الأسابيع الأخيرة بهلع، وهم يشعرون بأنّ العراق سيفلت من أيديهم. حسناً؛ عندما يذهب ترامب إلى الانتخابات الرئاسيّة على هذه الحال، فهذا أيضاً فشل، هذا كلّه قبل 2 كانون الثاني 2020 قبل قتل الحاج قاسم والحاج أبو مهدي.

ادعاءات ترامب حول نجاحه في السياسة الخارجيّة

إذاً؛ ترامب والإدارة الأميركيّة أمام هذا الفشل والعجز في المنطقة، ذاهبان إلى انتخابات رئاسيّة. ماذا يفعلان؟ نعم؛ لنكون أيضاً واقعيّين، هناك إنجازات يتحدّث عنها ترامب، وأنا شخصيّاً أتابع خطاباته، انظروا في الترجمات العربيّة لخطابه، هو ينتقل من ولاية إلى ولاية ويخطب، ماذا لديه من إنجاز في السياسة الخارجيّة؟ أليس من المفترض أن يعرضه على الشعب الأمريكيّ والآن موسم انتخابات؟ ماذا يقول لهم، ليس فقط في منطقتنا بل في العالم:

في فنزويلا أجرى مشروع إسقاط الرئيس والنظام الفنزويلي وفشل، انتهى الموضوع. كوبا، لم يستطع أن يفعل شيئاً. كوريا الشماليّة، هدّد وأرعب وأرسل حاملات الطائرات وكاد الأمر أن يصل إلى الحرب، ثمّ ذهب إلى المفاوضات، وخدع الشعب الأميركيّ بأنّه سينزع السلاح النوويّ في كوريا الشماليّة، لكن لا وجود لشيء من هذا القبيل.

حسناً؛ الصين؟ روسيا؟ حتّى مع الحلفاء والأصدقاء، ما الإنجاز الذي فعله؟ حتّى حلفاؤه وأصدقاؤه يهينهم يوميّاً ويذلّهم، ويسبّهم، ويستهين بهم، ويخذلهم، ويتخلّى عنهم، هذه السياسة الخارجيّة.

نعم؛ في السياسة الخارجيّة الأمريكيّة كلّ ما تحدّث عنه ترامب في خُطبه ثلاثة أمور، وللأسف كلّها من منطقتنا، ماذا يقول لهم؟ لا شيء؛ هو لا يملك سياسة خارجيّة، فيحدّثهم في كلّ خطاب عن الـ 400 مليار التي أخذها من المملكة العربيّة السعوديّة، وأيضاً يتحدّث عنها بطريقة فيها سخرية، فيها إهانة، ويبدأ الجميع بالضحك والتصفيق، هذا الإنجاز الأوّل.

الإنجاز الثاني: يتحدّث عن صفقات بيع السلاح للدول العربيّة أيضاً بعشرات مليارات الدولارات، ويقول للشعب الأميركيّ: من الـ 400 مليار دولار ومن عشرات مليارات الدولارات في صفقات السلاح أنا أؤمّن لكم مئات آلاف الوظائف، ويصفّقون له.

والإنجاز الثالث: قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.

يعني إنجازاته الثلاث هي نهب أموال العرب والمسلمين، والاعتداء على مدينة القدس ومقدّسات العرب والمسلمين والمسيحيّين. هذه إنجازاته، غير هذا ماذا هناك؟ فليخرج أحد ويدلّني على الإنجاز في السياسة الخارجيّة.

لماذا قاسم سليماني؟

لذلك؛ ترامب والإدارة الأمريكيّة أصبحوا معنيّين – والآن أمام موسم انتخابات وهناك تحدّ مباشر اسمه العراق – أن يذهبوا إلى مرحلة جديدة، إلى سياسة جديدة. نحن لسنا أمام عمليّة اغتيال منفصلة؛ بمعنى أنّ هذه حادثة تمرّ وبعدها نتفاهم. كلّا؛ هم لا يتعاطون مع الأمر بهذه الطريقة، هذه بداية أمريكيّة في المنطقة، لسنا نحن من يذهب للاعتداء عليهم، هم بدؤوا حرباً جديدةً من نوع جديد في المنطقة يوم الخميس 2 كانون الثاني؛ ولذلك هم بحثوا في الشيء الذي يمكن أن يقدموا عليه والذي يغيّر في المعادلات، ويمكنه أن يكسر محور المقاومة، ويُضعف محور المقاومة، ويهزّ إيران، ويعيد الثقة لدى حلفائهم وأدواتهم في المنطقة، ويعيد هيبتهم، وينفعهم في الانتخابات الرئاسيّة، ويساعدهم في فرض شروطهم في المنطقة، ويقدّم لهم إنجازاً في السياسة الخارجيّة. ذهبوا ليبحثوا عن هذا الشيء، ولم يكن حرباً؛ لأنّ الحرب فيها مغامرة كبيرة؛ إسرائيل تحمل همّ معالجة قطاع غزّة، والحرب على لبنان ليست بسيطة، أنا لا أقول مستحيلة وإنّما أقول مسألة كبيرة ومعقّدة، ومن يستمع إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ قبل أيّام يفهم ما أقول. أمّا الحرب مع إيران، فيدرك ترامب أنّ هذه مسألة كبيرة وخطيرة ومغامرة كبيرة جداً. إذاً؛ يجب أن يكون ما دون الحرب، وممّا لا يؤدّي إلى الذهاب إلى حرب. ما هو الشيء الذي اذا أقدمت عليه أمريكا يمكن أن تضعنا أمام مرحلة ومعادلة وظروف جديدة؟ تبيّن معهم – هنا لماذا قاسم سليماني؟ – الذهاب إلى نقطة مركزيّة في محور المقاومة. حسناً؛ من هي هذه النقطة المركزيّة؟ أيضاً أجروا دراسة، وهذا كلّ يوم كنّا  نقرأه، قبل أسابيع عدّة كان الحاج قاسم عندي، وقلت له هذا الكلام، وسبحان الله هو يوم الأربعاء أوّل يوم في السنة الميلاديّة الجديدة، أتى لزيارتي، لم يكن لديه عمل، وقال لي: «ليس لديّ شيء، لكن أتيت لكي أراك وأسلّم عليك ونتحدّث». وأنا قلت له: «هذه بداية عام جميل أن يبدأ عامي الميلادي بلقائك والجلوس معك والتشرّف بالنظر إلى وجهك الشريف». لكن قبلها بمدّة كان عندي وقلت له: «حاج! هناك تركيز كبير في أميركا، في الصحف والمجلّات الأميركيّة عليك، يقومون بوضع صورك في الصفحات الأولى، وبدأ الكلام في أميركا (الجنرال الذي لا بديل له)، هذا تمهيد إعلاميّ وسياسيّ لاغتيالك». طبعاً؛ الحاج يضحك ويقول: «يا ريت، ادعي لي»، وعندما كنا نتكلّم عن كرمان، قلت له: «الحمد لله عالسلامة»، فقال لي: «والله، الحمد لله عالسلامة بس ضاعت الفرصة»، هكذا كان يفكر الرّجل. حسناً؛ بدؤوا يحضّرون للحاج قاسم، عندما قاموا بدراسة رأوا أنّهم عندما يذهبون إلى محور المقاومة أينما ذهبوا يوجد واحد متكرّر اسمه (قاسم سليماني). نذهب إلى فلسطين، غزّة، المقاومة الفلسطينيّة وفصائل المقاومة الفلسطينيّة، إلى دعم المقاومة الفلسطينيّة بالسلاح والتدريب والإمكانات التكنولوجيّة، إلى دعم القضيّة الفلسطينيّة بالإعلام والمؤتمرات والعلاقات ودفع كل ما عندنا في المنطقة باتجاه فلسطين، يجدون قاسم سلماني.

يأتون إلى لبنان والمقاومة وتحرير الـ 2000، وحرب الـ 2006، وتعاظم قوّة المقاومة في لبنان وقدراتها الصاروخيّة والنوعيّة والصواريخ الدقيقة وثباتها وصلابتها، يجدون قاسم سليماني.

يذهبون إلى سوريا؛ تراهن أميركا وإسرائيل على الإرهابييّن التكفيرييّن، فإلى جانب الجيش والشعب في سوريا والقيادة في سوريا، يجدون قاسم سليماني.

يريدون السيطرة على العراق واللعب بالعراقيّين من خلال داعش لعشرات السنين، فيجدون قاسم سليماني. يراهنون على تمزيق العراقيّين، فيجدون أنّ هناك من يجمعهم ومن ينسق بينهم ومن يوحّدهم، يجدون قاسم سليماني.

في اليمن يجدون قاسم سليماني، في أفغانستان يجدون قاسم سليماني، في كلّ تفصيل من تفاصيل المقاومة يجدون قاسم سليماني، وأمّا في إيران فمن نافل القول، ماذا يعني قاسم سليماني لإيران، هذا يعرفونه، إسرائيل تعدّ قاسم سليماني الرجل الأخطر عليها منذ تأسيسها، تتحدّث عن قاسم سليماني الذي أحاط كيان العدو الغاصب لفلسطين بالصواريخ في كلّ المنطقة، تتحدّث عن قاسم سليماني، الخطر الوجوديّ على بقائها وعلى كيانها، ولكن لم تكن تجرؤ على قتله، كانت تستطيع أن تقتله في سوريا؛ لأنّ حركته في سوريا كانت علنيّة ومكشوفة، أماكن وجوده في الجبهات وفي البوكمال، لم تجرؤ، ولجأت إلى الأميركيّين.

 إذاً؛ النقطة المركزيّة التي تمثل نقطة تواصل المسار وترابطه وقوته ووحدته ووحدة الهدف التي تبعث روحاً واحدة في دول المقاومة وقوتها وفصائلها وشعوبها، كانت تتجسّد بقاسم سليماني. إذاً؛ لنقتل هذا الرجل، ولنقتله علناً، علناً لأنّ الموضوع هادف، وليس لأنّه بالمجان أو استعراض إعلاميّ؛ بل لأنّ له أهدافا معنويّة ونفسيّة وسياسيّة وعسكريّة، هذا القتل العلنيّ وهذا التبنّي المباشر من قبل الأميركيّين لقتل الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، له أهدافه وتطلّعاته وما بعده عند الأميركيّين. إذاً؛ لجؤوا إلى هذه الخطوة. حسناً؛ لنبنِ عليها. وهم يأملون من خلال هذا الاستهداف أن يحصل وهن في العراق وفي قوّة المقاومة، وأن تتراجع الصلة المتينة بين محور المقاومة في منطقتنا والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، يأملون أن تخاف إيران وأن ترتعد وأن تذهب إلى التنازلات، ويأملون ويأملون ويأملون.

مشروعان يتصارعان

نحن يجب أن نضع أهداف الاغتيال…؛ لأنّنا عندما نتكلّم عن الانتقام والثأر وعن القصاص العادل، فنحن لسنا عشيرتان تقتتلان، وهم قتلوا منا ويجب أن نقتل منهم وكم قتلوا منا وكم نقتل… هنا يوجد مشروعان يتصارعان، يوجد مشروع الهيمنة الإسرائيليّة الأميركيّة على منطقتنا – فلنخرج من التفاصيل الآن؛ التفاصيل اللبنانيّة والعراقيّة والسوريّة والخليجيّة واليمنيّة الخ – وعلى مقدّساتنا من خلال تثبيت إسرائيل، ووضع اليد على الغاز والمياه والخيرات الموجودة في كل المنطقة، يا أخي حتّى نفط سوريا طامع به، حتّى نفط لبنان الذي لم يظهر بعد طامع به! والمشروع الآخر هو مشروع المقاومة، مشروع الاستقلال، مشروع السيادة، والتحرّر والحريّة، مشروع أن تكون خيرات شعوبنا لشعوبنا ومقدّسات أمتنا لأمتنا، يوجد أناس هنا في هذا المشروع، وأناس في ذاك المشروع، وأناس ضائعون لا بالعير ولا بالنفير، ويوجد أناس واقفون على التلّ؛ إذا ربح هذا المشروع يلتحقون به، وإذا ربح ذاك المشروع يلتحقون به، يوجد أناس ـ على قول أحد أخواننا ـ لا يعرفون «أين يضعهم الله»، يعني لا يعرفون أين يجب أن يكونوا، لكن الذين يعرفون أنفسهم جيداً إما في هذا المشروع وإما في ذاك المشروع، هذا الذي أتت حادثة 2 كانون الثاني لتؤكّده.

ما هي مسؤوليّتنا؟

حسنا؛ في مواجهة المشروع والأهداف، أهداف الاغتيال ما هي مسؤوليّتنا؟

هذا المقطع الأخير من كلمتي، المواجهة بدأت مع الجريمة منذ الليلة الأولى، نبدأ من إيران، ماذا كان يأمل ترامب من خلال هذا القتل؟ هو يريد أن يقول للإيرانيّين: أحد أكبر جنرالاتكم، أحد أعظم مفاخركم أيّها الإيرانيّون، من تعتبرونه صلة الوصل في وجودكم ونفوذكم وتعاطيكم مع المنطقة أنا أقتله علناً. فمن جملة الأهداف ترهيب إيران وإخضاعها، وأن تستسلم إيران وتذهب إلى المفاوضات، ولا تقوم بأيّ ردة فعل على جريمة بهذا الحجم. لكن الردّ بدأ في إيران منذ اللحظة الأولى، بيان سماحة السيّد القائد الخامنئي دام ظله الشريف واضح، بيان رئيس الجمهوريّة والمسؤولين الإيرانيّين وقيادات القوّات المسلّحة والمراجع الدينيّة في قم والمدن الأخرى في إيران، والشعب الإيرانيّ الذي نزل بشكل عفويّ في كلّ المدن الإيرانيّة، واليوم التشييع في الأهواز والتشييع في مشهد والتشييع غداً، سيشهد العالم التشييع في طهران وفي كرمان. بومبيو كتب  أنه يراهن على موقف الشعب الإيرانيّ وكيف سيتعاطى مع استشهاد قاسم سليماني. أنا اليوم أقول لبومبيو: غداً لا تستمع لمستشاريك، فلتجلس أمام التلفاز، وتتلقّى رسالة الشعب الإيرانيّ من طهران ومن كرمان كما تلقّيتها اليوم من الأهواز ومن مشهد. هذه هي إيران، إيران التي أعلنت على لسان جميع مسؤوليها واليوم في مجلس النواب الإيرانيّ أنّها لن تخضع ولن تتراجع ولن تستسلم؛ بل ستنتقل إلى خطوات هجوميّة وأنّها ستردّ وأنّها ستنتقم. إذاً؛ هذا أوّل هدف سقط، سقط خلال 6 ساعات، خلال 24 ساعة أحد أهداف العمليّة بل أكثرها أهميّة، أسقطه سماحة السيّد القائد والمسؤولون والشعب الإيرانيّ العزيز والعظيم، هذا أوّلاً.

ثانياً: نذهب إلى العراق، وقلت إنه يراهن من خلال هذه العلميّة أن يتضعضع الحشد الشعبيّ، ويتضعضع كل هذا الفريق المقاوم والاستقلاليّ والوطنيّ في العراق. أن يذهب العراق إلى محنة داخليّة وإلى اضطراب في الوضع الداخلي، فتحصل عملية الترهيب لبقية العراقيّين، وهذا شهدناه في وسائل الإعلام عندما بدؤوا يقولون: (فلان قُتِل وفلان قُتِل)، وبدؤوا يتحدّثون عن غارات لا أساس لها من الصحة، شكّلوا جوّاً من الإرهاب والتخويف للقادة والمسؤولين العراقيّين بشكل كبير جداً، لكن أيضاً الردّ العراقيّ بدأ، بدأ بتشييع الشهداء معاً، وهذا فلنضعه بين هلالين، من أهمّ ما حرص عليه الأميركيّون خلال السنوات الماضية وخلال الشهور الماضية أن يفتحوا كلّ الجروح، ويثيروا كلّ الأحقاد، ويختلقوا القصص التي لا أساس لها بين العراقيّين والإيرانيّين، وشتم إيران وحرق القنصلية الإيرانيّة والأعلام الإيرانيّة وما شاكل، والناتج تشييع الشهداء الإيرانيّين والعراقيّين صفّاً واحداً في بغداد وفي الكاظميّة وفي كربلاء وفي النجف، ولا يوجد داع للشرح، كلكم رأيتم، هذا وفاء الشعب العراقيّ، القوى السياسيّة، والمرجعية الدينيّة والعلماء والأحزاب، وفصائل المقاومة، والمسؤولين الرسميّين والحكومة ورئيس الحكومة، والبرلمان والكتل النيابيّة، والمواقف والبيانات التي صدرت والمندّدة بشدّة بهذه الجريمة، والتصاعد القوي جداً للمطالبة بخروج القوّات الأميركيّة من العراق. هذا الحراك الشعبي الذي شهدناه من الخميس إلى اليوم في العراق، دليل على أنّ هذا الهدف بدأ يسقط إن شاء الله؛ بل انقلب السحر على الساحر. اليوم يتطلّع العالم – وأنا أخاطب مجلس النوّاب العراقيّ – إلى مجلس النوّاب في العراق، رئيس الوزراء حاضر أن يقدم مذكّرة للانسحاب من الاتفاقية العراقيّة الأميركيّة، لكن هذا يحتاج إلى تحصين مجلس النواب، أغلب الكتل اليوم أكّدت أنّها ستصوّت، وكتبت مسودة قانون، وخلال الأيام والليالي الماضية استنفرت أميركا كل شياطينها في العراق وفي العالم للضغط على العراقيّين حتّى لا يصدر مجلس النواب العراقيّ قراراً من هذا النوع، ونأمل ونرجو أن يتحقّق، هذا رجاؤنا وأملنا، وظنّنا بإخواننا في مجلس الوزراء العراقيّ أن يحققوا هذا الأمر؛ إصدار قانون يطالب بخروج القوّات الأميركيّة من العراق.

في كلّ الأحوال؛ هنا أيضاً الهدف الأميركيّ يجب أن يسقط، إن لم يكن في مجلس النوّاب، فأنا أقول لكم وأنا أعرف، أنا لا أعطي أمراً ولا أصدر قراراً ولست قائداً ولا آمِراً في الساحة العراقيّة، ولكن ما أعرفه عن العراقيّين وعن فصائل المقاومة العراقيّة أنّ المقاومين الشرفاء الحسينيّين أبناء أبي الفضل العباس لن يُبقوا جندياًّ أميركيّاً في العراق. أيّها الشعب العراقيّ الشريف والأبيّ والكريم والعزيز، إن القدر المتيقّن وأضعف الإيمان في الردّ على جريمة قتل الحاج قاسم والحاج أبو مهدي ومن معهما، هو إخراج القوّات الأميركيّة من العراق، وتحرير العراق من الاحتلال الجديد، وهنا سيكتشف الأميركيّون الذين قتلوا الحاج قاسم وأبو مهدي المهندس لكيلا يخسروا العراق، قد  خسروه، وأنا قرأت لبعض الكبار من الاستراتيجيّين الأميركيّين يوم الجمعة حيث يقول: «اليوم خسرنا العراق». هذا لا يتحقّق إلّا بإرادة الشعب العراقيّ والمجاهدين والمقاومين الشرفاء في العراق. الحاج قاسم كان خلف المقاومة التي حرّرت العراق من الاحتلال بين الـ 2003 و2011، والحاج قاسم كان عاملاً حاسماً في تحرير العراق من الإرهاب هو وأبو مهدي وإخوانه من الأحياء والشهداء، ويجب أن يؤدّي دمه ودم أبو مهدي ودم الشهداء إلى التحرير الثاني للعراق من الاحتلال الأميركيّ، هذا أضعف الإيمان في الردّ على جريمة الاغتيال.

ثالثاً: فيسوريا، يجب أن نواصل المسير بصلابة باتجاه النصر النهائي، لا يجوز أن يهتزّ أحد أو يقلق أو يخاف نتيجة استشهاد هذا القائد العظيم، هذه عمليّة طبيعيّة في كلّ الحروب تجري وتحصل ويستشهد العظماء والكبار، ويمضي الباقون ليحقّقوا أهدافهم.

رابعاً: في اليمن، يجب أن يمضي اليمنيّون أيضا بشجاعة وبإرادة وبصلابة وبالثقة نفسها التي كانوا يقاتلون فيها.

أمّا نحن في حركات المقاومة، فعلينا  أمران:

الأمر الأوّل: أحد أهداف ترامب هو ترهيبنا وإخافتنا جميعاً. الآن بدؤوا الحديث عن باقي اللائحة، في بقية اللائحة فلان، وفلان، وفلان، وفلان. ترهيب قوى المقاومة وقيادات حركاتها في كلّ المنطقة هو من أجل أن يتراجع هؤلاء ويخافوا ويتوانوا عن تحمّل المسؤوليّة.

وأوّل ردّ من حركات المقاومة هو التالي:

هو ما قالوه، واليوم أنا أعود وأقوله، قيادات المقاومة وحركات المقاومة سوف تبقى متمسّكة بأهدافها، بقضيّتها المركزيّة، وبصراعها الأساسي، لن تتراجع، لن تضعف، لن تخاف، لن تصاب بأيّ إرهاب، ولا بأيّ ارتباك؛ بل سريعاً جمعت صفوفها ولمّتها.

وعلى المستوى المعنويّ، فإنّ شهادة الحاج قاسم والحاج أبو مهدي وهؤلاء الأخوة، سيشكلّ حافزاً إضافيّاً قويّاً ودافعاً هائلاً لنا لنتقدّم نحو الأهداف؛ لأنّنا نشعر أنّنا على مشارف انتصار تاريخيّ واستراتيجيّ كبير على مستوى المنطقة.

هذه الحادثة وضّحت لنا مستوى الغضب والفشل الأمريكيّين، ومستوى (الحَشْرَة) الأمريكيّة حتّى ذهب إلى خيار أحمق من هذا النوع.

إذاً؛ نحن على مشارف انتصار كبير، لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائد عظيم من قادتنا؛ بل يجب أن نحمل دمه، ويجب أن نحمل رايته، ويجب أن نحمل أهدافه ونمضي إلى الأمام بعزم راسخ، وإرادة وإيمان وعشق للقاء الله كعشق قاسم سليماني.

هؤلاء الذين يهددوننا بالقتل وبالموت لنضعف ونتراجع، نستحضر لهم التاريخ، ونقول لهم: نحن أبناء من قال: أ بالموت تهدّدني يا بن الطلقاء؟! إنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.

والأمر الثاني: على عاتق قوى المقاومة أن تتعاون وتتناسق وتستمر في الجهد لتعظيم قوّتها وقدراتها؛ لأنّ المنطقة – كما يبدو – ذاهبة إلى حراك مختلف وإلى وضع مختلف. شهادة الحاج قاسم سليماني على مستوى المنطقة لا يجوز أن تؤثّر أو تؤدّي إلى ضعف أو وهن في استكمال الخطّة والبرنامج الذي كان يقوده.

واستشهاد الحاج أبو مهدي في العراق لا يجوز أن يؤثّر في استكمال إيجاد وتعزيز القوّة المدافعة عن العراق وكرامته ومقدّساته وخيراته في وجه أيّ احتلال وفي وجه أيّ إرهاب.

القصاص العادل

وأخيراً؛ في الردّ يأتي القصاص العادل، ماذا يعني القصاص العادل؟ يعني هذه الجريمة مرتكبها واضح، ويجب أن يتعرّض للعقاب. أنا لا أريد أن أتحدّث بمنطق الثأر وما شاكل؛ فموضوع الحاج قاسم سليماني يختلف، لو قامت أمريكا مثلاً بضرب هدف إيرانيّ معيّن؛ منشأة إيرانيّة، مؤسسة إيرانيّة، أو حتّى شخصية إيرانيّة غير الحاج قاسم سليماني غير معنيّة بما يقوم به محور المقاومة، فمن الممكن لأيٍّ منّا أن يدّعي ويقول: هذا اعتداء على إيران، هذا شأن إيرانيّ فلتذهب إيران وتردّ.

أمّا قاسم سليماني، فليس شأناً إيرانيّاً بحتاً، قاسم سليماني يعني كلّ محور المقاومة، قاسم سليماني يعني كلّ قوى المقاومة، قاسم سليماني يعني فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وأفغانستان وكلّ بلد فيه مقاومة شريفة وفيه مؤيّد للمقاومة وعاشق للمقاومة.

قاسم سليماني يعني الأمّة، ليس قضيّة إيرانيّة فقط، الإيرانيّون يريدون أن يردّوا، أين يردّون؟ كيف يردّون؟ ومتى يردّون؟ هذا شأنهم، وهم يتّخذون القرار. لكن هذا لا يعفي محور المقاومة من المسؤوليّة، وأنا أيضاً أقول لكم اليوم، أقول لإخواني وأخواتي هنا، وأقول لكل أصدقائنا في قوى محور المقاومة وفصائله وأحزابه ودوله: إيران لن تطلب منكم شيئاً، لن تقول لكم افعلوا، ولن تقول لكم لا تفعلوا.

فيما يعني إيران هي ستقرّر، وإرادة شعبها وقيادييها ومسؤوليها واضحة. أمّا قوى محور المقاومة فعليها هي أن تقرّر كيف تتعاطى مع هذا الحدث، كيف تتصرّف مع هذا الحدث، ولذلك إذا قرّر أيّ أحد من قوى المقاومة – على امتداد منطقتنا – أن يقوم بقصاص عادل فهذا قراره، هذه إرادته، هذه مشيئته، هؤلاء ليسوا أدوات لإيران تحرّكهم إيران. أقول لكم بصراحة؛ إيران لن تطلب من أصدقائها ومن حلفائها ومن الذين وقفت معهم وإلى جانبهم ودافعت عنهم ودعمتهم خلال أربعين سنة، لن تطلب شيئاً.

في إيران اليوم هناك عزاء؛ لأنّها فقدت أحد أعظم رجالاتها وجنرالاتها وقادتها ومفاخرها، ولكنّها لن تطلب شيئاً.

يبقى نحن وأنتم والناس والأصدقاء والأحبة والإخوة، كيف يتصرفون؟ هل نكتفي بالتأبين وبالبيان وبالعزاء؟ والمسألة ليست استهدافا لإيران، المسألة استهداف لمحور المقاومة، المسألة تحضير لمرحلة كاملة يُراد أن يبنى عليها إنجازات لأمريكا ولإسرائيل في المنطقة، وتستهدف الجميع، وتخدم أهداف الأمريكيّين والإسرائيليّين.

نحن يجب أن نذهب جميعاً – على امتداد منطقتنا وأمّتنا – إلى القصاص العادل. حسناً؛ ما هو القصاص العادل؟ أيضاً سأكون شفّافاً؛ لأنّنا نحن مررنا بتجربة كهذه، ولا أريد أن أدخل الآن في التفاصيل.

ممكن أن يخرج أحد في النقاشات – وهذا موجود اليوم بالجلسات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعيّ، وفي إيران أيضاً، في الصحف ووسائل الإعلام – ليقول هل أنّ القصاص العادل يجب أن يكون من شخصية بوزن قاسم سليماني؟ يعني مَن؟ رئيس أركان الجيش الأمريكيّ؟! وزير الدفاع الأمريكي؟! قائد القيادة الوسطى؟! لا؛ لا توجد شخصيّة بوزن قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، «ما في»، حذاء قاسم سليماني يساوي رأس ترامب وكلّ القيادة الأمريكيّة.

لا يوجد عِدل لقاسم سليماني أو لأبي مهدي المهندس لنقول: فلنذهب لنقاصص هذا ونثأر منه وننتقم منه، لا.

القصاص العادل هو ما يلي بشفافية ووضوح: الوجود العسكريّ الأمريكيّ في المنطقة؛ القواعد العسكريّة الأمريكيّة، والبوارج العسكريّة الأمريكيّة، كلّ ضابط وجندي عسكريّ أمريكيّ في منطقتنا وفي بلادنا وعلى أراضينا. الجيش الأمريكيّ هو الذي قتل هؤلاء وهو الذي سيدفع الثمن، هذه هي المعادلة.

عندما نطرح هذا، لا نعني على الإطلاق الشعب الأمريكيّ – وأتمنى أن يكون هناك وضوح شديد – لا نعني المواطنين الأمريكيّين. على امتداد منطقتنا يوجد مواطنون أمريكيّون، وتجّار، وإعلاميون وصحفيون وشركات ومهندسون وأطباء، ليس المقصود المسّ بهؤلاء، ولا ينبغي المس بهؤلاء.

بل أنا أقول لكم المسّ بالمدنيّين والمواطنين الأمريكيّين في أيّ مكان هو يخدم سياسة ترامب، ويجعل المعركة مع الإرهاب.

بل المعركة والمواجهة والقصاص العادل هو من الذين نفّذوا – أيّ مؤسسة الجيش الأمريكيّ – ما يبقيهم في دائرة المعركة المشروعة، الطبيعيّة، ورد الفعل على المجرمين القتلة المحتلين.

هذا رأيي أنا، وأنا أتحمّل المسؤوليّة عن هذا الكلام، والآن بعض الناس سيقولون السيد كبّر الموضوع. لا؛ أنا لم أكبّر الموضوع، أنا أراه بحجمه الطبيعي، هذا هو حجمه الطبيعي.

إذا كانت قضية قتل الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي وهذه الحادثة بهذه الطريقة وبهذا الشكل مرّت بشكل عابر، فأنا أقول لكم، هذه بداية خطيرة لكل حركات المقاومة، قيادات المقاومة، ودول المقاومة، وكيانات المقاومة، ومحور المقاومة، وقضية فلسطين، وقضية القدس، و«خلص» المنطقة ستذهب إلى الاستباحة الأمريكيّة الإسرائيليّة.

من أوّل الطريق، اعمل ما تريده <فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا>. «في أكثر من هيك؟!»، ولكن أن نقبل بأن تستباح دماؤنا وكراماتنا وبلداننا وخيراتنا وشعوبنا وتُسلّم مقدساتنا للصهاينة،  فلا؛ نحن لن نقبل بذلك. من يقبل «يصطفل»، غداً سيقول أحد هذه نقطة خلاف. نعم؛ نقطة خلاف، نقطة نقاش من زمان وليس من الآن، من زمان، بالحد الأدنى منذ العام 1982 نحن مختلفون على هذه النقطة.

أمّا إذا ذهبت قوى المقاومة وشعوب المنطقة بهذا الاتجاه، أنا أقول لكم، الأمريكيّون سيخرجون من منطقتنا مذلولين، مهزومين، مرعوبين، مرهوبين، كما خرجوا في السابق. الاستشهاديّون الذين أخرجوا أمريكا في السابق من منطقتنا ما زالوا موجودين وأكثر بكثير ممّا كانوا في السابق.

المجاهدون والمقاومون الذين أخرجوا الأمريكيّين من منطقتنا في السابق كانوا قلّة قليلة، مستضعفة، تخاف أن يتخطّفها الناس، واليوم هي شعوب وقوى وفصائل وجيوش، وتملك إمكانات هائلة.

إذا عملت شعوب منطقتنا على هذا الهدف، ما هي النتيجة؟ عندما تبدأ بهذه الشفافية، ليس المطلوب أعمالاً صوتية، «أو شي بلا طعمة»، بالدقة؛ عندما تبدأ نعوش الجنود الأمريكيّين والضبّاط الأمريكيين بالانتقال، عندما يأتون عمودياً ويعودون أفقياً إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، سيدرك ترامب وإدارة ترامب أنّهم فعلاً خسروا المنطقة وسيخسرون الانتخابات.

يجب أن تكون إرادتنا وهدفنا في محور المقاومة، هو التالي: الردّ على دماء قاسم سليماني وأبو مهدي هو بإخراج القوّات الأمريكيّة من كلّ منطقتنا.

إذا تحقّق هذا الهدف، وسيتحقق هذا الهدف إن شاء الله، سوف يصبح تحرير القدس واستعادة الشعب الفلسطينيّ والأمّة لفلسطين وللمقدّسات في فلسطين على مرمى حجر.

عندما تخرج أمريكا من المنطقة سيجمع هؤلاء الصهاينة ثيابهم في حقائبهم ويرحلون. قد لا نحتاج إلى معركة مع إسرائيل.

سأختم بالقول؛ ترامب الجاهل والذين معه من الحمقى، هم لا يعرفون ماذا فعلوا! يبدو أنّهم لا يعرفون ماذا فعلوا. الأيّام ستكشف لهم، وأنا أقول لهم، وأستعير بعض أدبيات السيدة زينب (ع): يا ترامب ويا أمريكيّين؛ أيّ دم لنا سفكتم! وأيّ كبد لنا فريتم! هذا ليس كأيّ دم، وهذا ليس كأيّ كبد، هذه قصة مختلفة، اليوم القصاص العادل من أجل قاسم سليماني هو القصاص العادل من أجل عماد مغنية ومن أجل عباس الموسوي ومن أجل راغب حرب ومن أجل مصطفى بدرالدين ومن أجل أبو مهدي المهندس ومن أجل كلّ شهداء هذه الأمّة.

نحن عندما نأخذ هذا الخيار، فليس من موقع الانفعال، بالعكس، بالنسبة إلى الحاج قاسم، شخصيّاً، أنا أغبطه، أنا سعيد له، هو ارتاح، هو إنسان جاهد كثيراً وتعب كثيراً في حياته، من شبابه من عمر العشرينات وهو في الجبهات وفي القتال، آن له أن يستريح. والحمد لله، الله سبحانه وتعالى منّ عليه أنه عاش وقطع الـ 61 سنة، هذه من نعم الله سبحانه وتعالى.

لسنا منفعلين ولا غاضبين ولا خائفين، بالعكس، نحن نقول هذا الدم الزاكي، هذا الدم العظيم فرصة للأمة، للتخلّص من الهيمنة، ومن الاحتلال والاستكبار، حتّى ولو كانت التبعات كبيرة؛ لأنّ الانتصارات ستكون حاسمة ونهائيّة إن شاء الله.

مع هذا الدم، كما مع كلّ شهيد من شهدائنا العظام والكبار والأحبة والأعزة، نحن وإياكم يا شعب المقاومة، يا جمهور المقاومة، أيّها الصابرون، أيّها الصادقون، أيّها المحتسبون، يا أشرف النّاس وأكرم النّاس وأطهر النّاس سنواصل الطريق، لن تضيع دماء الشهداء، وسننتصر في نهاية المطاف.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] قوات سوريا الديمقراطية

المصدر
كتاب يحبهم ويحبونه | سماحة السيد حسن نصرالله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟