مواضيع

ثأر الله (شرح لمضامين زيارة عاشوراء)

جدول المحتويات

المقدمة

إن الله تبارك وتعالى خصّ الحسين (ع) بأن جعل بقاء الإسلام مرهون باستشهاده، ودماؤه الطاهرة، فالإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء، وهذا هو أحد معاني قول النبي (ص): «حسين مني وأنا من الحسين».

لذلك في جميع المناسبات الإسلامية هناك تأكيد خاص على زيارة الحسين (ع)، بل أفضل الأعمال وأكثرها استحباباً في المناسبات الإسلامية هو زيارة الحسين (ع)، وفي ذلك توجيه مقصود من المعصومين (ع) بصرف الأنظار بشكل دائم ومستمر نحو الحسين (ع) وقضيته، والسبب في ذلك يعود إلى:

  1. لولا الحسين (ع) لما بقي من الإسلام إلا اسمه، فضلاً أن تكون هناك مناسبات إسلامية.
  2. الهدف من إحياء هذه المناسبات هوالتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات، والحسين (ع) هو أسرع وسيلة للتقرب إلى الله، ولولاه لما بقيت هذه العبادات لنتقرب بها إلى الله.
  3. الحسين (ع) هو وارث جميع الأنبياء والأوصياء وامتداد لمحمد وعلي وفاطمة والحسين (عليهم السلام) وأب لتسعة معصومين، فعندما نزور الحسين (ع) نعلن البيعة لأولئك جميعاً.
  4. الانتصار النهائي لأهل الحق على الباطل بقيادة الإمام الحجة أرواحنا فداه سيتحقق بشعار يا لثارات الحسين.
  5. إن لم تكن حسينياً لن تكون مهدوياً.

وهناك زيارات كثيرة ذكرت للحسين (ع) ولا تكاد تخلو أي مناسبة إسلامية بزيارة خاصة بها للحسين، ولكن بين كل تلك الزيارات هناك خصوصية لزيارة عاشوراء بل يمكن القول زيارة عاشوراء وشأنها.

أهمية زيارة عاشوراء

هناك عدة نقاط نستدل بها على عظمة وأهمية هذه الزيارة، منها:

  1. بالنظر إلى سند الزيارة، فهي مروية عن المعصوم (ع) وفيه تأكيد من الإمام الباقر (ع) على زيارة الحسين (ع) في يوم عاشوراء بهذه الزيارة، ثم يقول الإمام (ع) لعلقمة الحضرمي: «وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة في دارك فافعل». وذكر الإمام (ع) لمن يأتي بهذه الزيارة سواء في يوم عاشوراء أو أي يوم ثواب: «ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة كلها مع رسول الله (ص) والأئمة الراشدين (عليهم السلام)». ويقول الإمام (ع): «وأنا الضامن لهم إذا فعلوا جميع ذلك».

ونستفيد من هذه المقدمة عدة أمور:

  • الزيارة مروية عن المعصوم.
  • هناك تأكيد من المعصوم على قراءة هذه الزيارة.
  • لمن قرأ هذه الزيارة ثواب جزيل والأهم أن الإمام المعصوم هو الضامن لهذا الثواب.

الخلاصة: المعصوم لا ينطق عن الهوى وليس في فعله عبث، فقوله وفعله حجّة، وما تقدم يعكس أهمية وعظمة وخصوصية وتأثير زيارة عاشوراء.

  • عند قراءة سيرة كبار العلماء والعرفاء، نجد من العوامل المشتركة بينهم هي الموظبة على قراءة زيارة عاشوراء والحث الشديد وتوصية المؤمنين بالمواظبة على قراءة هذه الزيارة، ومن المؤكد أن هذا الحرص وهذه التوصية من هؤلاء العظماء ليس من الفراغ وإنما مبنية على أسس علمية ومعنوية. وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد ذُكر في سيرة السيد الإمام الخميني(ق)على الرغم من انشغالاته ومسؤولياته كان يقرأ زيارة عاشوراء يومياً بعد صلاة الصبح مع الحرص على تكرار اللعن والسلام مئة مرة، وكذلك العارف سماحة الشيخ بهجت(رضوان الله تعالى عليه) ورد في سيرته حرصه على قراءة زيارة عاشوراء مع تكرار اللعن والسلام مئة مرة يومياً بعد صلاة الصبح، ولعل الحرص من هذين العظيمين على قراءة الزيارة يومياً بعد صلاة الصبح هو من أجل بدء اليوم بالسلام على الحسين (ع) وإعلان الولاية والبراءة، وبذلك يُعلن الولاء لوارث خط الأنبياء والأوصياء الحسين (ع) والبراءة من ورثة خط الشياطين والظالمين قتلة الحسين (ع).
  • هذه أهم نقطة وعلى أساسها جاءت فكرة كتابة هذا الشرح المتواضع لهذه الزيارة العظيمة، وهي احتواء هذه الزيارة على مضامين مهمة وحيوية وعالية كاللعن والولاية والبراءة وأخذ الثأر، وهي مضامين نابعة من جوهر وروح الإسلام، وهي دستور حياة المؤمن وما ينبغي أن يدعو به يومياً ويسعى إلى تحقيقه، باختصار برنامجه القولي والفعلي لتحقيق الهدف الأسمى وهو التمهيد لظهور بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء لإقامة الحكومة الإسلامية لبسط العدل في الأرض.
  • ثبتت بالتجربة الآثار العظيمة لهذه الزيارة، ومن المجرّبات كما يوصي العلماء أيضاً بقراءة زيارة عاشوراء لمدة أربعين يوماً لقضاء الحوائج ولكسب التوفيقات ونيل الظفر وتحقيق الانتصارات كما أن قرائتها يومياً تعد بمثابة الحرز لقارئها وتساعد على الابتعاد عن الذنوب والتوفيق للطاعات، فبالإضافة إلى آثارها اليومية من الجيد أن يقوم المؤمنين بعدة أربعينيات لقراءة هذه الزيارة بنيات مختلفة يسألون الله بها التوفيق لنيل الأمور التي تؤدي إلى بلوغ الكمال.

رؤية العرفاء

يقول الفيلسوف الكبير سماحة آية الله جوادي آملي: أن العارف الحقيقي هو الذي يجمع بين روح المناجاة مع الله وروح الجهاد ضد أعداء الله،هو الإمام الحسين (ع) الذي يعلمنا كيف نناجي الله في دعاء عرفة في قوله: «إِلَهِي مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِيَ، فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَسَاوِيهِ مَسَاوِيَ». أي إلهي لست أملك من المحاسن شيئاً، وما أملكه فهو نقص لأنه محدود جداً ولا يليق بشأنك، وفي موضع آخر في نفس هذا الدعاء يقول: «لَمْ تُخْرِجْنِي لِرأْفَتِكَ بِي وَلُطْفِكَ لِي وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الكُفْرِ»، فالإمام يشكر الله تعالى على أنه لم يولد في دولة أئمة الكفر لأن ذلك يحرم الإنسان من الوصول إلى المعارف الإلهية والأخلاق الإنسانية، إذ أن ذلك غير ممكن مع وجود حكومة الكافرين والظالمين، وفي هذا الكلام تشجيع للمجتمع على محاربة الأنظمة الفاسدة وإقامة الحومة الإسلامية، وكذلك هي سائد خطب وكلام وأدعية الإمام الحسين (ع) قبل وأثناء حادثة كربلاء، تجمع بين روح المناجاة (العرفان) وروح الجهاد (الحماسة)، فالحسين (ع) الذي يقول في مناجاته: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ كَأَنِّي أَرَاكَ»[1]، هو نفسه في ثورته يقول: «لو لم يكن لي ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية»[2]، فلو رأيتم أنكم ترغبون في قراءة الأدعية التي تتحدث عن المغفرة وأمثالها؛ فاعلموا أنكم تخافون من الله ومن غير الله، وأما إذا كانت رغبتكم أيضاً في قراءة القسم الآخر من الأدعية مثل: «وَقَتْلاً في سَبيلِكَ فَوفِّقْ لَنا»[3]، «اَللّهُمَّ إِنّا نَرْغَبُ إِلَیْكَ في دَوْلَةٍ کَریمَةٍ»[4]، إذا كانت هذه روحيتكم فكونوا شاكرين أنكم عرفتم الأئمة بتلك الوجهين: الحماسة والعرفان، وعند ذلك نعرف بأننا حسينيون وأننا من المنتظرين لإمام العصر أرواحنا فداه.

وما يميّز دعاء العارف من دعاء العابد هو أن العابد يذهب إلى الله لطلب حاجاته فيقول: إلهي أعطني، أما العارف يهذب إلى الله للتضحية بروحه فيقول: إلهي اقبل مني، كما قالت العارفة الكبرى زينب(عليها السلام): «ربنا تقبل منا هذا القربان»، وعندما نأتي إلى مضامين زيارة عاشوراء، نجدها تجمع بين الحماسة والعرفان، أي روحية المناجاة وروحية الجهاد، ففي الوقت الذي نعلن من خلال الزيارة الولاء نعلن فيها البراءة أيضاً، وفي الوقت الذي نصّب جام غضبنا على أعدا الله باللعن نسأل الله أن يثبت لنا قدم صدقٍ مع الحسين وأصحابه (عليهم السلام)، وفي الوقت الذي نسأل الله أن يرزقنا المقام المحمود نسأله أن يرزقنا الأخذ بثأر الحسين (ع)، لذلك هذه الزيارة هي زيارة العشاق العرفاء.

الفقرة الأولى من الزيارة

السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الأرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

ذكر النبي والأمير والزهراء (عليهم السلام)

تبدأ الزيارة بالسلام على الحسين (ع) مع إشارة مقصودة إلى انتماءه لرسول الله وأمير المؤمنين وسيدة النساء (عليهم السلام)، وليس المقصود الانتماء النسبي فقط.

وهو أمر مفروغ منه، وإن كان أمر مهم جداً في حد ذاته، ولكن الأهم هو أن الحسين (ع) امتداد لهذه الشخصيات العظيمة، بما لها من ولاية ومقام عند الله والأخلاق الحسنة والعصمة والعلم وسائر الفضائل، فالحسين (ع) هو تربية رسول الله وكان النبي (ص) معلمه الأول وقد قضى السنين الأولى من عمره الشريف في حجر رسول الله (ص)، ويقول النبي (ص) عن نفسه: «أَدَّبَني رَبّي فَأَحْسَنَ تَأْديبي»[5]، إذاً الحسين (ع) تأدّب بأخلاق الله على يد رسول الله (ص)، والحسين (ع) هو الخلق العظيم وهو رحمة للعالمين تماماً كما هو رسول الله (ص)، وقال الحسين (ع) عن ابنه علي الأكبر (ع): «أشبهُ الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً بِرَسُولِكْ»[6]، وهذا يبيّن أن هذه المكانة تشمل أبناء الحسين المعصومين (عليهم السلام) وتمتد إليهم، وكذلك علي الأكبر (ع)، وإذاكان هكذا هو الأكبر فما بالك بالحسين (ع)؟ ثم إن الحسين (ع) هو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وامتداد له على جميع الأصعدة، وهنا نذكر موقف يبيّن الأخلاق العالية والرجولة التي تربى عليها الحسين (ع) في مدرسة الأمير (ع)، كما يكشف عن أخلاق أعداء علي (ع) وأبناءه.

إذ ينقل التاريخ أن في صفين سبق جيش معاوية إلى نهر الماء ومنعوا أمير المؤمنين (ع) وأصحابه من الماء بحثاً عن هزيمتهم بسبب العطش ومن ثم حمل الأمير (ع) على نهر الماء واستولى عليه ولكنه سمح لمعاوية وجيشه بالتروي من الماء، وكذلك في كربلاء إذ عندما وصل موكب الإمام (ع) إلى منطقة تسمى «شراف» وفيها عين، أمر الإمام (ع) أصحابه أن يستقوا من الماء ويكثروا منه، ثم تحركوا وما لبثوا أن تقابلوا مع جيش الحر، وبالرغم من أنهم وقفوا قبال الإمام (ع)، وكان ذلك في وقت الظهيرة، وعندما رآهم الإمام قد أشرفوا على الهلاك بسبب حرارة الجو وشدة الظمأ، الإمام (ع) أمر أصحابه أن يسقوهم بل يرشقوا خيولهم أيضاً، وهذا هو الأخلاق العلوي، ولكن في المقابل نفس هؤلاء القوم باستثناء الحر في كربلاء حالوا بين الحسين وأهل بيته وماء الفرات حتى قتلوا رضيعه عطشاناً، وهذه الحادثة تكشف أخلاق الفريقين، إذ أحدهما قمة في الأخلاق والآخر قمة في الدناءة، فعندما نقول السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، أي السلام عليك يا بن الفضائل كلها والسلام عليك يا من تجلت الرحمة الإلهية فيك وفي أبيك.

ثم الحسين ابن سيدة النساء وريحانة رسول الله (ص) وبضعته كما يقول النبي (ص):«فاطمة بضعة مني» أي هي نسخة أخرى من رسول الله وروح واحدة في جسدين، وهي كفؤ علي وهي الكوثر، وقبل أن تكون أم الحسنين فهي أم أبيها، أي أن الحسين (ع) تربى في نفس الأحضان التي كانت ملجأ رسول الله (ص)، ويكفي الحسين (ع) فخراً بأنه ابن فاطمة التي بها يستمر النسل الطاهر لرسول الله (ص)، وهي نقطة الوصل بين شجرة النبوة والإمامة، فإذا كانت للجينات وللبيئة التي يتربى فيها الإنسان دور في شخصيته، فهذا هو نسب الحسين (ع) وهذه هي المدرسة التي نشأ فيها، وإذا كان الفضل ما شهدت به الأعداء، فها هو سنان بن أنس[7] لعنة الله عليه مخاطباً ابن زياد لعنه الله يقول:

املأ ركابي فضة وذهباً

إني قتلت السيد المهذبّا

قتلت خير الناس أماً وأباً

الخلاصة: إن الإشارة إلى انبي (ص) وعلي (ع) وفاطمة (ع) في بداية الزيارة هي من أجل:

  1. بيان نسب وانتماء الحسين والذي يعكس بدوره عظمة الحسين (ع).
  2. بيان صفات وأخلاق الحسين (ع) وأتباعه بالتعرف على المدرسة التي ينتمي إليها.

نقطة مهمة جداً: في الفقرات اللاحقة من الزيارة تتم الإشارة إلى نسب وانتماء المعسكر الآخر وقياداته، فنتعرف على صفاتهم وأخلاقهم، عند ذلك تكون الصورة أوضح من الغرض وراء هذه الإشارة.

  • الاعتداء على الحسين (ع) هو اعتداء على النبي وعلي وفاطمة (عليهم السلام)، فالخيول التي داست على صدر الحسين (ع)، هي في الواقع داست صدر النبي وعلي وفاطمة (عليهم السلام).
  • هذا يعكس لنا عظمة المصيبة والتي تم التعبير عنها في نفس هذه الزيارة بمصيبةً ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض.
  • مواجهة الحسين (ع) مع أعداءه هي مواجهة الفضائل كلها مع الرذائل كلها.

يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور

الوتر يعني الفرد المنفرد بالجمال، ومن هنا سميّت الركعة الأخيرة من صلاة الليل بالوتر لأنها فردية وهي زينة المؤمن في الآخرة وتبيّض وجهه وتزيده نوراً وبهاءً، وهل هناك جمال أعظم من أن يقف العبد في وقت السحر بين يدي ربه يستغفره ويتوب إليه ويناجيه.

الوتر هنا هو الحسين (ع) مظهر جمال الله على الأرض والذي قام بتكليفه على أكمل وأجمل وجه، ونال أعلى وأجمل وسام وهي الشهادة بل سيد الشهداء، ومن هنا ينكشف لنا جانب من عبارة زينب (ع) الحماسية العرفانية: «ما رأيت إلا جميلاً»، إذ أن زينب كانت في كربلاء تنظر إلى جمال وجه الحسين (ع) الذي كما في الرواية كلما ازدادت مصائبه وجروحه في عاشوراء ازداد وجهه نوراً وجمالاً، وها هو أحد القتلة يصف حال الحسين (ع) بعد أن نالته السهام والسيوف والرماح وسقط على الأرض، حيث يقول: «خرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله»[8].

نعم، فزينب كانت تنظر إلى مظهر جمال الله على الأرض وهو الحسين (ع)، ذلك الوتر المتفرد بالجمال في حياته واستشهاده.

الموتور هو من قُتل له قتيل فلم يدرك دمه، وصاحب الدم الذي نحن بصدد الحديث عنه، دمه ليس كأي دم، فهو الدم الذي به ينتصر الحق على الباطل الانتصار النهائي الساحق ليتحقق وعد الله بنص المؤمنين وتصبح العاقبة للمتقين، وبالتالي سيدرك هذا الدم بقية الله الأعظم أرواحنا فداه في آخر الزمان، ومن يكون في ركب الحجة (عج) فهو ممن يدرك هذا الدم، وهذا الدم يحمل من العظمة حيث أن الأخذ بثأره هو الله وديّته هو الله تعالى، وهذه خصوصية لعلي وأولاد علي (عليهم السلام) كما يقول سماحة آية الله جوادي آملي.

ومن هنا نقول يا ثار الله وابن ثاره، فالله هو صاحب الثأر في دم الحسين (ع)، وهذا الدم غالٍ لدرجة أنه لا تعد له دية إلا لقاء الله(عز وجل)، وهذا ما أراده الحسين (ع) وهكذا كان.

في الرواية عن إمامنا الصادق (ع): «سمعت أبي يقول: لما التقى الحسين (ع) وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب، أنزل الله تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين (ع)، ثم خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله، فاختار لقاء الله»[9].

نعم، فالحسين (ع) اختار لقاء الله، فالله تعالى أصبح صاحب ثأره، ونتعلم من الحسين يجب أن يكون قيامنا لله فقط لا غير، بما في ذلك البحث عن النصر، فإذا كان الهدف هو الله فأنت منتصر لا محالة، كما يقول الإمام الخميني العظيم: «سواء قَتلنا أو قُتلنا فقد أدينا واجبنا».

الأرواح التي حلّت بفنائك

هي أرواح الشهداء الذين قضوا نحبهم مع الحسين (ع)، فهم قد حلّوا بفناء الحسين (ع)، فصاحب البيت هو الحسين (ع) وهؤلاء الشهداء دخلوا هذا البيت وأصبحوا جزء منه، فالحسين (ع) جنته هو لقاء الله وأولئك الشهداء جنتهم أن يكونوا مع الحسين، لذلك في ليلة العاشر من المحرم عندما كشف الحسين (ع) لحبيب بن مظاهر مكانه في الجنة، بكى حبيب وقال: «هل أنا معك في الجنة؟» وإذا علمنا أن الحسين (ع) بلغ أعلى مرتبة ومقام وهو لقاء الله وهؤلاء الشهداء هم في المقام مع الحسين (ع).

وإذا كان الحسين (ع) هو مظهر اسم الله فلقاءه هو لقاء الله، إذاً هؤلاء الشهداء هم في المقام مع الحسين (ع) واقترن اسمهم باسم الحسين، فكلما ذُكر الحسين (ع) ذُكروا وكلما سلمنا على الحسين نسلم عليهم أيضاً، ولا يُستبعد أن الأرواح تشمل أرواح جميع الشهداء الذين يستشهدون في طريق الحق وعلى نهج الحسين (ع)، وكذلك الأولياء والعلماء وخَدَمة أبي عبدالله الحسين (ع)، وأيضاً الملائكة الصافين حول قبره الشريف.

السلام الدائم عليهم أجمعين

اتضح لنا أن السلام على الحسين يستتبعه السلام على جميع أهل بيته وأصحابه، وهنا لا بد أن نسير إلى نقطة وهي أن العُمر ثلاث:

  1. عمر الكون كله.
  2. عمر الأقوام والمجموعات البشرية في الأزمنة المختلفة.
  3. عمر كل إنسان.

ومن هنا عندما نقول: «عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ»، أي كل عمري ما دمت حياً لكم مني السلام، وبقي الليل والنهار أي ما دام هذا الكون باق ومستمر، بمعنى آخر إلى يوم القيامة، وهذا السلام الدائم المستمر منا عليهم هو أولاً أقل القليل في أداء الشكر للحسين (ع) وأصحابه لما لها من حق علينا.

أيضاً يجعلنا في ارتباط دائم بالحسين (ع) وقضيته، وهذا الارتباط هو الذي يجعلنا أن نكون من أنصار الحجة أرواحنا فداه، ولعلّ القول ما بقي الليل والنهار، أي نسلم على الحسين حتى بعد مماتنا إشارة إلى قضية الرجعة، أي نطلب من الله أن نكون ممن يرجع مع الإمام الحجة ويأخذ بثأر الحسين (ع).

الفقرة الثانية من الزيارة

يا اَبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ اَهْلِ الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ اَهْلِ السَّماواتِ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسَّسَتْ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَاَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ وَاَوْلِيائِهِم

عظمة المصيبة

مصيبة قتل الحسين (ع) عظيمة في بُعديّها المعنوي والمادي، أما البُعد المعنوي؛ فالحسين بصفته وارث جميع الأنبياء والأوصياء والفضائل بقتله قُتل جميع الأنبياء والأوصياء والفضائل، كما أن الحسين (ع) مظهر اسم الله الأعظم على الأرض وخليفته، فحربه حرب مع الله تعالى، والحسين (ع) هو سيد شباب أهل الجنة ومن أهل البيت الذين أوجب الله تعالى مودتهم في كتابه وجعلها أجر الرسالة، ومن أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير وهو ممن نزلت فيهم آية المباهلة وسورة الإنسان، وهو الذي قال عنه رسول الله (ص): «حسين مني وأنا من حسين»[10]، وهو ابن علي وفاطمة، ومعه خيرة من أهل بيته وأصحابه الذين بعضهم أدرك رسول الله (ص).

وعليه: لا توجد مصيبة أعظم من عاشوراء حلّت بالإسلام، وتجاوزت حدود المصيبة أهل الأرض وبلغت أهل السلماوات.

وأما البُعد المادي؛ فما ارتكبت من جرائم يندى لها الجبين ويشيب منها الرضيع، لدرجة أن إمامنا السجاد (ع) يقول ما مضمونه: «لو أن رسول الله (ص) أوصى بالتعرض وإيذاء أهل بيته لما كان بالإمكان أن يفعلوا أكثر مما فعلوه في كربلاء»، فكل مصيبة من المصائب التي نزلت على الحسين (ع) بحد ذاتها عظيمة، فما بالك بها مجتمعة، وكل مصيبة منها لو نزلت على الإنسان مرة طوال عمره لشقّ عليه أن يتحملها، فما بالك وهي نزلت على الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) خلال سويعات! ثم تعدّد وتنوّع هذه المصائب لتشمل الكبير والصغير بل حتى الرضيع ولتمتد إلى النساء والأطفال، فبعد قتل أهل بيت النبي رُفعت رؤوسهم على الرماح، والأدهى هو أخذ حرائر رسول الله (ص) سبايا من بلد إلى بلد، وانتهكت حرمة رسول الله (ص)، ويكفي في عظمة هذه المصيبة أن الإمام الحجة أرواحنا فداه يبكي عليها بدل الدموع دماً وأن الله تعالى هو صاحب الثأر.

توجيه اللعن للأمة

الأمة هي مجموعة من الناس تجمعها عقيدة معينة ومصالح مشتركة، وجريمة بحجم كربلاء لا يمكن أن تُرتكب من غير تضافر جهود مجموعة من الناس مع بعضها، ومن هنا لا بد من توجيه اللعن إلى تلك الأمة جميعاً وليس فقط زعمائها لأن من غير الأنصار الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم لم يكن بإمكان أولئك الطغاة تحقيق أهدافهم، والعبارات التالية من اللعن والفئات التي تم استهدافها باللعن تبين لنا مَن المسؤول عن هذه الجرائم؟ وإلى من ينبغي أن نوجه أصابع الاتهام؟ ومَن هم الذين يجب أن نصبّ جام غضبنا عليهم؟

البداية هي مع الأساس، أي أولئك الذين وضعوا أساس انتهاك حرمة أهل البيت وأباحوها بل وشرّعوا لها باسم الدين، فأعطوا الآخرين الجرأة ومهدّوا الطريق أمام الاعتداءات اللاحقة على أهل البيت (عليهم السلام)، وهؤلاء كان من فعلهم إراحة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من مواقعهم التي اختارهم الله تعالى لها، فحرموا الأمة الإسلامية من القيادات الإلهية الربانية، فكانت النتيجة هو ضياع جهود رسول الله (ص) وانحراف الأمة، فاستحقوا بذلك اللعن لأنهم السبب في ذلك، ثم وإن كان القتل يقع بواسطة أفراد إلا أن لولا التمهيد من قبل الأمة وتوفير المقدمات لما تمكن هؤلاء الأفراد من تنفيذ جريمتهم، لذلك نُسبت الجريمة إلى الأمة وهي في مجموعها تستحق اللعن تماماً كما في قصة ناقة صالح، فالذي عقر الناقة هو شخص واحد ولكن الله نسب الفعل إليهم جميعاً وقال: <فَعَقَرُوهَا>[11]، ولم يقل فعقرها، ثم نزل العذاب على الجميع: <فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا>[12]، ونلاحظ أيضاً قال بذنبهم ولم يقل بذنبه، فقد عدّهم الله تعالى جميعاً من المذنبين فشملهم العذاب جميعاً.

اللعن والبراءة

بعد اللعن يأتي الدور على البراءة إذ لا يكفي اللعن من غير البراءة ولا فائدة منه، فقد نلعن أعداء الله ولكن نتصف بصفاتهم، وكثيرين يلعنون الطغاة في الخفاء ولكن في العلن هم معهم باسم المصلحة، وهذا اللعن في الأغلب بسبب تعرّض مصالح أولئك للخطر وتفريغ للأحقاد الشخصية وليس لله أو انتصار للحق، إذاً اللعن حتى لا يكون مجرد لقلقة لسان يجب أن تتبعه البراءة من أولئك الملعونين رموزاً وأتباعاً وأشياعاً، وذلك على المستوى القولي والفعلي.

الفقرة الثالثة من الزيارة

يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي َكْرَمَ مَقامَكَ وَاَكْرَمَني اَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ اِمام مَنْصُور مِنْ اَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ

إعلان السلم والحرب

بعد أن عرفنا الحسين (ع) وفضله وعظمته، وقمنا بتوجيه اللعن لمن وضع أساس العداء لأهل البيت (عليهم السلام) الذي تسبب في قتل الحسين، وأتبعناه بالبراءة منهم.

الآن جاء دور إعلان السلم والحرب والمعيار هو الحسين (ع)، سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة، فنحن سلم لمن سالم الحسين وحرب لمن حارب الحسين، فما هو المقصود من هذه العبارة؟

الحسين (ع) عندما رفض إعطاء البيعة ليزيد قال: «مثلي لا يبايع»، فلم يقل أنا الحسين لا أبايع يزيد، فالقضية ليست قضية شخصية، وإنما مثلي لا يبايع مثله، يعني أينما وُجد يزيد وأتباعه فعلى من يدّعي أنه من شيعة الحسين أن لا يبايعهم ويكون حرب لهم، وبهذه الكلمات القليلة جداً وبهذه العبارة الجامعة المانعة أعلن الحسين (ع) عن أمرين مهمين جداً:

  1. أن صراع الحق والباطل غير مختزل في كربلاء ولم ينتهي هناك، وإنما مستمر إلى ظهور الحجة أرواحنا فداه.
  2. هناك في كل زمان حسين ويزيد، فمن ينصر الحق فهو مع الحسين ومن ينصر الباطل فهو مع يزيد، لذلك لا ينبغي أن نعرف الحق والباطل، ونعرف من الذي يمثّل دور بني أمية في هذا الزمان ومن يقوم بدور الحسين، فقضية الحسين (ع) ليست قضية تاريخية انتهت في كربلاء، وإنما هي قضية متجددة في كل زمان ومكان مع اختلاف الظروف والشخصيات، وبلا شك من يكون في مقام بني أمية في زماننا هذا هو رأس الاستكبار العالمي الشيطان الأكبر أمريكا، وفي المقابل من يقوم مقام الحسين (ع) هو حفيده الإمام المنتظر أرواحنا فداه، ويمثله الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخامنئي روحي فداه.

فمن يدّعي أنه مع الحسين ويريد أن يكون من أنصار الحجة (عج) فلا بد أن يكون مع محور المقاومة وضد أمريكا، حيث لا توجد قوة اليوم تحارب مبادئ الحسين وتبذل كل ما بوسعها لتأجيل ظهور الحجة بقدر الشيطان الأكبر أمريكا، فمن غير المفهوم أن يدعي إنسان أنه مع الحسين ويقرأ زيارة عاشوراء يومياً ومن ثم ينتظر الفرج من أمريكا أو يستند على بيانات وزارة خارجيتها ويتسوّل على أبوابها باسم المصلحة والواقعية! فهذا خلاف لنهج الحسين (ع) ومضامين زيارة عاشوراء.

قد علمنا الإمام الخميني(ق) والتجارب أن أمريكا هي عدوة الإسلام والإنسانية، ويقول لنا السيد القائد أن أمريكا شر مطلق ولا خير فيها. ويقول سماحته: «يجب أن نربي أبناءنا على بغض أمريكا»، وهذا مطلب عاشورائي وهذا هو معنى حرب لمن حاربكم، وهذه العبارة سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة، هي من العبارات العقائدية الثورية التي وردت في زيارة عاشوراء، وعبارة إلى يوم القيامة، أي أننا على هذه العقيدة حتى بعد موتنا إلى أن نُبعث يوم القيامة، بمعنى يجب أن نحيا ونموت ونُبعث على هذه العقيدة.

لعن بني أمية قاطبة

في هذا المقطع يوجّه الإمام المعصوم اللعن إلى عوائل بأكملها لأن هذه العوائل بأكملها أو في أغلبيتها الساحقة كانت في صف الباطل كآل زياد وآل مروان، ثم يلعن بني أمية قاطبة من غير استثناء، وإن كان لكل قاعدة شواذ، فقد يكون هناك أفراد لا بأس بهم في بني أمية إلا أن هذه هي الشجرة الملعونة في القرآن التي تستحق اللعن، فنحن نوجه اللعن لأصل الشجرة بعيداً عن بعض أفرادها الشواذ، وسيتضح لنا في الفقرات القادمة من الزيارة لماذا تم توجيه اللعن لعوائل بأكملها، ومن هنا فإن شعارات الموت لآل سقيفة والموت لآل اليهود هي شعارات صائبة ونابعة من ثقافة زيارة عاشوراء، والذين يُشكلون على هذه الشعارات ينبغي أن يقوموا بتصحيح مفاهيمهم، كما أن هؤلاء للأسف أغلبهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون واقعون تحت تأثير الثقافة الغربية التي تقول إن شعار الموت هو شعار إرهابي، وعلى حد زعمهم يمكنك القول تسقط أمريكا، فهذا تعبير عن الرأي أما الموت لأمريكا فهذا شعار إرهابي، بالإضافة إلى أولئك الذين يقولون أن ليس جميع أفراد عائلة آل سقيفة وآل يهود سيئون! هذه الحجج الواهية والمفاهيم الخاطئة قد تنطلي على من لا يملك ثقافة زيارة عاشوراء، أما أصحاب ثقافة زيارة عاشوراء، فلا تنطلي عليهم مثل هذه الحجج الواهية التي تخالف روح وجوهر زيارة عاشوراء.

لعن القيادات

بعد اللعن العام للعوائل التي شاركت في هذه الجريمة العظمى، ينتقل الإمام إلى اللعن الخاص للشخصيات التي لعبت دوراً قيادياً في هذه الجريمة، وتم تنفيذ هذه الجريمة بإدارة مباشرة منهم وعلى أيديهم وهم ابن مرجانة وعمر بن سعد وشمراً، وهنا إشارة مهمة وهي أن الإمام قال ابن مرجانة ولم يقل عبيدالله ابن زياد، في إشارة إلى أصله ونسبه، إذ أن مرجانة من أصحاب الرايات الحمراء، وهن النساء اللاتي تمارسن البغاء والفاحشة، وكن تضعن الراية الحمراء على بيوتهن علامة على ذلك، أي كن مشهورات بفعل الفاحشة، وتجدر الإشارة أن زياد وهو من نُسب إليه عبيد الله هو الآخر ابن سمية التي كانت أيضاً من أصحاب الرايات الحمراء، وفي الرواية دخل عليها 13 رجلاً وحملت بزياد فلم يُعرف هو إلى أي من أولئك ينتسب، فلذلك سُمي بزياد ابن أبيه، وفيما بعد ألحقه معاوية بأبي سفيان مصداقاً لقوله تعالى: <الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ>[13]، وعوداً إلى بداية الزيارة حيث يُعرف الحسين بأنه ابن فاطمة سيد نساء العالمين، فهذا يكتشف نوعية قيادات كل طرف في هذا الصراع ومعدنهم، ففي طرف ابن أطهر وأشرف نساء العالمين من الأولين والآخرين، التي انعقدت نطفتها من طعام الجنة، وفي الطرف الآخر أبناء البغايا، ومن هنا يتضح الحقد الذي كان يكنّه هؤلاء أهل البيت (عليهم السلام)، فكما يقول رسول الله (ص): «يَا عَلِيُّ … لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مَنْ خَبُثَتْ وِلاَدَتُهُ»[14].

لا حيادية في صراع الحق والباطل

من المفاهيم التي رسّخها الإمام الحسين (ع) في عاشوراء هو أن لا حيادية في صراع الحق والباطل، فمن لم ينصر الحق فهو قد نصر الباطل، ومصيره إلى جهنم، وهذا ما ذكره الحسين (ع) لعبيد الله بن الحر عندما امتنع عن نصرة الحسين (ع): «فواللهِ لا يسمعُ واعيتَنا أحدٌ ولا ينصرُنا إلّا أكبَّهُ الله في نارِ جهنّمَ»[15]، ومهما كان مقدار خذلانك للحق فهو نصرة للباطل ولو بمجرد السكوت وعدم الاستنكار القلبي، وهذا لا يخص زمان الحسين (ع) وإنما مستمر إلى يوم القيامة، لذلك نقول في زيارة الحسين (ع): «لَعَنَ اللَّهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِیَتْ بِهِ»، وكل من ساهم في دعم الباطل بأي مقدار كان فهو يستحق اللعن، وهذا هو منطق زيارة عاشوراء: «لَعَنَ الله اُمّةً أسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ»، أسرجت: أي وضعت السرج على الخيل، وألجمت: أي ألبست الخيل اللجام، وتنقبت: أي ألبست الخيل النقاب.

فلا مجال ليقول الإنسان أنا عبد مأمور، فكل من قام بتجهيز الخيل لمولاه ولو بمقدار وضع السرج وهو يعلم أنه ذاهب لحرب الحسين (ع) فهو شريك في الجريمة ويستحق اللعن.

إذاً من ليس مع الحق فهو مع الباطل، ومنسمع بهذا الصراع ولم يستنكر على المستوى القلبي فهو أيضاً يستحق اللعن، ومن هنا يتضح لنا لماذا نلعن عوائل بأكملها؛ لأنها إن لم تشارك في الجريمة بشكل مباشر فهي شاركت بشكل جزئي وفي الحد الأدنى كانت راضية بفعل أفرادها، وعليه عندما نرفع شعارات الموت لآل سقيفة وآل يهود من غير استثناء لأنهم كلهم شركاء في الجريمة ولكن بنسب متفاوتة، أو على الأقل راضين عن هذه الجرائم ولا يستنكرونها، وهم بالنتيجة نسل الشجرة الملعونة في القرآن وامتداد لها وأفعالهم وجرائمهم تشهد على ذلك، فهم يستحقون اللعن من الأساس لأن أساسهم فاسد وملعون.

طلب الثأر

بعد أن عرفنا عظمة المصيبة وحجم الجريمة، فقمنا بصب جام غضبنا على المجرمين بمختلف مستوياتهم بتوجيه اللعن لهم وإعلان البراءة منهم، نُتوّج ذلك بسؤالنا الله تعالى أن يجعلنا من طلاب ثأر الحسين (ع) مع الإمام المنصور من الله وهو المهدي أرواحنا فداه، وهذا طلب رسمي بالانضمام إلى معسكر الحق بقيادة الحجة أرواحنا فداه، كما نربط القضية الحسينية بالقضية المهدوية وذلك لأن الحق واحد لا يتجزأ، ثم من أراد أن يكون مع المهدي لا بد أن يكون حسينياً، ومن استجاب الله تعالى له وقَبِل طلبه بأن يكون من الطالبين بثأر الحسين (ع) فهو حتماً من أنصار الحجة (عج)؛ لأن الحجة هو حامل راية «يا لثارات الحسين» والمنتقم من قتلته وأتباعهم.

الوجاهة بالحسين (ع)

الحسين (ع) وجيه عند الله في الدنيا والأخرة، وله وجاهة خاصة ومميزة في الدنيا والأخرة، لذلك كل ما هو منتسب للحسين (ع) يحظى بالوجاهة والاحترام.

من هنا الناس تتسابق لنيل لقب خادم الحسين (ع) ولو بصب الماء في عزاء الحسين، ولا يألون جهداً في القيام بأي خدمة وتقديم كل ما يملكون ليكونوا من خدمة الحسين (ع)؛ لأن مجرد لقب خادم الحسين يعطي الإنسان الوجاهة، بل في الحقيقة أكبر وجاهة وأعظم مقام في الدنيا والآخرة هو خادم الحسين، وللحسين (ع) وأصحابه وجاهة في القيامة والجنة، فنسأل الله يجاه الحسين أن يوفقنا لنكون من خدام الحسين وقضيته في الدنيا والآخرة، وأن يحشرنا معه في الآخرة حتى نصبح من الوجهاء بالحسين في الدنيا والآخرة.

الفقرة الرابعة من الزيارة

يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلى اللهِ وَاِلى رَسُولِهِ وَاِلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَاِلى فاطِمَةَ وَاِلَى الْحَسَنِ وَاِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ اَسَسَّ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ وَاَبْرَأُ اِلَى اللهِ وَاِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ اَسَسَّ اَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعلى اَشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَاَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ ثُمَّ اِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ وَبِالْبَراءَةِ مِنْ اَعْدائِكُمْ وَالنّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ وَبِالْبَراءَةِ مِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ، اِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ اَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ اَعْدائِكُمْ اَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَاَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَاَسْأَلُهُ اَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الَمحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ وَاَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثاري مَعَ اِمام هُدىً ظاهِر ناطِق بِالْحَقِّ مِنْكُمْ وَاَسْألُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ اَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ اَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ مُصيبَةً ما اَعْظَمَها وَاَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الإسْلامِ وَفِي جَميعِ السَّماواتِ وَالاْرْضِ اَللّـهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْياىَ مَحْيا مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد.

تكرار المضامين من أجل التأكيد

في هذه الفقرة تكرار للمضامين والمفاهيم التي ذُكرت في الفقرات السابقة كالموالاة والبراءة واللعن لجميع من لهم دور في هذه الجريمة ابتداءً ممن وضع أساس ذلك، والطلب من الله تعالى أن نكون مع الحسين في الدنيا والآخرة، ونكون ممن يأخذ بثأره مع الإمام المنتظر (عج)، وهذا التكرار أسلوب قرآني وذلك من أجل التأكيد على تلك المفاهيم التي هي من صميم الإسلام المحمدي الأصيل، وتبني أمة تحمل ثقافة المقاومة الأصيلة الصحيحة، والتي تُعينها في صراع الحق والباطل.

التقرب إلى الله وأهل البيت (عليهم السلام) بالولاية والبراءة

تأكيد على أن الولاية والبراءة من أهم أسباب التقرب إلى الله؛ لأن بهما تقبل الطاعات وتصل إلى كمالها.

إذاً الروايات الكثيرة والمتواترة الوادرة عن أهل البيت (ع) تؤكد على أن الولاية شرط لقبول الطاعات ودخول الجنة، وقد ورد عن النبي (ص): «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَه وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ»[16]، ومن البديهي أن لا تكون الولاية صادقة لأهل البيت (عليهم السلام) من غير البراءة من أعدائهم، كما أن الولاية والبراءة المقصودة التي تقرب إلى الله بقبول الطاعات هي تلك التي تظهر في سلوك وأخلاق الإنسان وليس مجرد لقلقة لسان، وتشمل جميع أبعاد وحياة الشيعي الموالي وليس فقط فيما يخص الجهاد.

ينبغي أن نتخلق بأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) في أقوالنا وأفعالنا ومعاملاتنا وقراراتنا التي نتخذها في حياتنا اليومية، بما في ذلك موقفنا في صراع الحق والباطل، بحيث لا يصدق علينا قلوبهم معك وسيوفهم عليك، ولا تكون موالاتنا لأهل البيت (عليهم السلام) فقط في حالة الرخاء وفي الشدة نتخلى عن نصرة الحق الذي قضى في سبيله أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً، ونتخذ من موقف جون ذلك الغلام الأسود أسوة وقدوة عندما قال له الحسين (ع): «أنت في إذن مني، فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا. فقال: يا ابن رسول الله! أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم»[17] فذهب للقتال واستشهد دون الحسين (ع)، والأمر لا ربط له بحضور المعصوم أو غيابه، فالقضية هي ليست قضية أشخاص وإنما القضية الأساسية هي نصرة الحق، فمن نصر الحق في أي زمان ومكان فقد نصر أهل البيت ومن خذل الحق في أي زمان ومكان فقد خذل أهل البيت (عليهم السلام).

ولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم

قرارنا في السِّلم والحرب موقفنا تجاه الأشخاص والجهات مداره هو موالاتهم وعداواتهم لأهل البيت (عليهم السلام)، فمن يوالي أهل البيت (عليهم السلام) فنحن معه حتى لو كلفنا ذلك حياتنا، ومن يعادي أهل البيت (عليهم السلام) فنحن ضده حتى لو تطلب الأمر أن نخسر كل ما لدينا، وعلى هذا المبدأ نحن نوالي إيران الإسلامية التي تمثل خط أهل البيت (عليهم السلام) وهي الدولة الممهدة لصاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، ولنا الفخر والشرف في ذلك، ونعتبر سلمها سلمنا وحربها حربنا، وإذا تطلب الأمر سنضحي بأرواحنا في سبيل نصرتها، ويجب أن لا نشعر بالحرج والخجل من إعلان هذا الموقف، ونعكس هذا الادعاء «وَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ» في أقوالنا وأفعالنا وفي واقعنا العملي في حياتنا اليومية.

وقد كان للشعب البحراني المسلم المجاهد قدم السبق وشرف نصرة قضايا الحق والإسلام، فقد قدّم شهداء من أجل إيران الإسلام في حرب الثمان سنوات، وشهداء من أجل قضية المسلمين الأولى فلسطين وفي مواضع أخرى.

والمعيار دائماً هو نصرة الحق والإسلام بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، لذلك وكما يقول الأستاذ المربي المجاهد عبدالوهاب حسين فرج الله عنه: «ولاؤنا للجمهورية الإسلامية في إيران هو ولاء للإسلام ولو وُجد هذا الإسلام في الصين سنوالي الصين».

قدم صدقٍ عندكم

بعد أن حسمنا موقفنا في صراع الحق والباطل على قاعدة ولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم المبنية على المعرفة التي ألهمنا الله إياها ببركة أهل البيت (عليهم السلام)، نشكر الله على هذه المعرفة ونسأله أن يثبت لنا قدم صدقٍ مع الحسين (ع) إمام الحق، أي بمعنى أن نكون من أنصار الحق في الدنيا مصداقٌ لقوله تعالى: <الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ>[18]، فلا فائدة من إيمان من غير عمل صالح كما لا فائدة من علم من غير عمل، وكذلك في الآخرة، وحتى تكون لنا قدم صدق مع الحسين في الآخرة، لا بد أن نثبت على الحق في الدنيا ونستشهد في سبيله، وهذه أعظم نعمة ومن التوفيقات الإلهية أن يكون الإنسان مع الحسين (ع) في الدنيا والآخرة.

المقام المحمود

في الرواية المقام المحمود هو منبر من نور في الآخرة، وله ألف درجة، والنبي (ص) في أعلى هذا المنبر، أي في درجة الألف والمؤمنين في الدرجات الأخرى بحسب أعمالهم ومقاماتهم، فنسأل الله بحق أهل البين أن يبلغنا هذا المقام، وبلا شك السائرين على نهج الحسين (ع) الناصرين للحق والمستشهدين في سبيل الله سيبلغون هذا المقام، وهؤلاء يسألون الله أن يكونوا في الدرجات العليا قرب النبي (ص).

عدة مطالب

بعد الطلب من الله أن يثبت لنا قدم صدق مع الحسين في الدنيا والآخرة، وأن يبلغنا المقام المحمود، يسأل الإمام المعصوم (ع) الله تعالى عدة أمور أخرى وهي:

  1. التأكيد على أن نكون ممن يأخذ بثأر الحسين (ع) مع الإمام الحجة أرواحنا فداه، وارتباطنا بهذا الدعاء يعكس عقيدتنا في الحياة التي على أساسها نتحرك وبالتالي تكون كل سلوكياتنا وتحركاتنا في الحياة نابعة من تلك العقيدة، وهنا نذكر قصة معبّرة تعكس هذه الحقيقة، يقول السيد الگلبيكاني الذي استلم أعباء المرجعية بعد السيد الإمام والذي صلّى على جنازة السيد الإمام: كان السيد الإمام يشاركني نفس الحجرة أيام الدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة، وكنت أكبر منه بعامين، إذ كان عمري 18 عاماً والسيد الإمام 16 عاماً، وكنت أسمعه ليلياً يدعو في قنوت وتره بالدعاء التالي: «اللهم اجعلني ممن يأخذ بثأر دم جدي الحسين (ع)» فلا غرابة أن يكون هذا الإنسان هو الممهد لدولة الحجة الذي سينتقم لجده الحسين ويأخذ بثأره، فمنذ صباه وهو يعيش هذا الهم ويملك هذه العقيدة التي على أساسها فجّر أعظم ثورة في القرن العشرين والتي غيّرت مجرى التاريخ والمنطقة وأعلنت عن بداية عصر الظهور.
  2. الإشارة مرة أخرى إلى عظمة المصيبة على أهل الإسلام وفي السماوات ومن ثم نطلب من الله أن يعطينا الأجر أولاً ما يتناسب مع عظمة هذه المصيبة وثانياً كأفضل ما يعطي أي مصابٍ بمصيبته.
  3. نسأل الله أن يشملنا في هذا المقام أي مقام المصيبة وأيضا مقام الزيارة، أي أثناء قراءة الزيارة بصلوات منه تعالى وبرحمته الواسعة وبمغفرة من لدنه وكل واحدة من هذه الثلاث إذا نالها الإنسان تكفيه للدنيا والآخرة، وهذه إحدى بركات زيارة عاشوراء.

حياة وممات محمد وآل محمد

بلا شك من أفضل الأدعية التي ينبغي المداومة عليها هو: اللهم أحييني حياة محمد وآل محمد وأمتني ممات محمد وآل محمد، وهذا غاية ما يتمناه المؤمن في هذه الحياة الدنيا، ولكن علينا أن نعلم أن حياة محمد وآل محمد ليس فيها الدعة والراحة، وإنما كلها مشقة وجهاد، لذلك نتمنى الموت إما مقتول أو مسموم، فحياة محمد وآل محمد ليست مجموعة طقوس وعبادات في المساجد والحسينيات أو إحياء للمناسبات أو افتراش للموائد التي فيها ما لذَ وطاب من الأطعمة أو الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة مراقد المعصومين (عليهم السلام)، وإن كانت كل هذه الأمور مطلوبة وممدوحة، وإنما حياة محمد وآل محمد كلها تعب وجهاد بشقيه الأكبر والأصغر وعمل دؤوب ومستمر في طاعة الله وخدمة دينه وعباده من غير توقف أو كلل وملل، وهو قوله تعالى لنبيه الكريم: <فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب>[19].

ونتيجة ما تقدم هو الموت بالشهادة في سبيل الله، نعم، فعندما نقول نريد حياة وممات محمد وآل محمد يجب أن يتطابق فعلنا مع قولنا لنكون صادقين في إدعاءنا، ونعلم أن هذه الحياة فيها مشقة وفيها جهاد النفس ومراعاة التقوى وقيام الليل والتخلق بأخلاق محمد وآل محمد، كما فيها التضحية بالمال والنفس، وفيها التضييق والسجن والتعذيب والنفي والتشريد وأخيرا القتل.

الخلاصة حياة وممات محمد وآل محمد جهاد ضد النفس والطاغوت وقتل في سبيل الله بالسيف أو بغيره.

الفقرة الخامسة من الزيارة

اَللّـهُمَّ اِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الأكبادِ اللَّعينُ ابْنُ اللَّعينِ عَلى لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فيهِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزيدَ ابْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبِدينَ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِياد وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ، اَللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ الأليمَ اَللّهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ فِي هذَا الْيَوْمِ وَفِي مَوْقِفي هذا وَاَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ.

الفارق بين الفريقين

من المسائل التي تعرضت لها زيارة عاشوراء هو الإشارة إلى قيادة كل طرف وذكر حسبه ونسبه للوقوف على التاريخ الممتد بالصلاح أو الفساد وبيان طينة وأخلاق كل طرف لما في ذلك من تأثير مهم في خيارات وتصرفات كل طرف، فتتكون لدى القارئ لأحداث كربلاء قدرة أكبر في فهم أخلاقيات كل طرف.

في بداية الزيارة تم ذكر إلى أي أب وأم وجد ينتمي الحسين (ع)، وعليه نعرف السجايا التي ورثها منهم، وقد ذكرنا أمثلة منها في البداية، وفي هذا المقطع يتم الإشارة إلى يزيد ونسبه وانتماءه والصفات التي ورثها.

أولاً هو من بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن والذين استحقوا اللعن الدائم من الله ورسوله ولهم تاريخ حافل في محاربة الله ورسوله وهم رأس الكفر، وقد عجنت طينتهم بالكفر، ويقول عنهم أمير المؤمنين (ع): «مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ»[20]، في إشارة إلى دخولهم الإسلام على الظاهر وقد استبطنوا الكفر وذلك بعد فتح مكة رغماً عنهم وليس باختيارهم حفاظاً على أنفسهم ومصالحهم، وهم من الطلقاء الذين عفا النبي (ص) عنهم في فتح مكة وقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». ويقول ابن أبي الحديد وهو من علماء العامة عن بني أمية: «خرجوا من الكفر إلى النفاق ورجعوا من النفاق إلى الكفر». أي بني أمية لم يسلموا يوماً بل لم يوقفوا حربهم على الإسلام يوماً، فكل ما فعلوه هو إعادة التموضع بحسب الظروف والمصلحة، ففي فتح مكة خرجوا من الكفر إلى النفاق ثم ما لبثوا بعد أن تمكنوا من رقاب المسلمين رجعوا من النفاق إلى الكفر العلني، وسنذكر أمثلة على ذلك عند الحديث عنهم، ثم يزيد هو حفيد آكلة الأكباد وهي هند زوجة أبي سفيان وأم معاوية، وسميت بآكلة الأكباد إشارة إلى حقدها الذي أظهرته وأفرغته في أكل كبد حمزة عم النبي (ص) وسيد الشهداء بعد استشهاده في معركة أحد، وذلك بعد أن مثلوا ببدنه الطاهر ومزّقوا بطنه وأخرجوا كبده بأمر من هند، فلا غرابة أن يمثّل ببدن الحسين (ع) ويجلس الحفيد وبين يديه الرأس الطاهر للحسين وهو يضربه بعصاه إذا كانت تلك هي الجدة، وأما يزيد ومعاوية وأبو سفيان، الأخير معروف بعداءه للإسلام وكان رأس حربة المشركين في مواجهة النبي واستسلم بعد فتح مكة وأظهر الإسلام واستبطن الكفر، وما إن وصلت الخلافة إلى عثمان وهو من بني أمية حتى أظهر كفره من جديد وذهب إلى قبر حمزة سيد الشهداء وركله برجله النجسة وهو يقول مخاطباً حمزة: « يا أبا عمارة، إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس، في يد غلماننا اليوم يتلاعبون به»[21] ويقصد بذلك الحكم، وقال لبني أمية: «يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة! فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرّن إلى صبيانكم وراثة»[22] ويشير هنا إلى السلطة، فالأمر عند أبي سفيان متعلق بالحكم ويجب أن يكون هذا الحكم وراثة بني أمية وكفى. وهذا يبيّن بوضوح أنه لم يؤمن بالنبي والإسلام أبداً.

أما معاوية الذي اشتهر بخبثه وغدره وألحق الضرر والأذى بالإسلام ما ألحق، فهو من شقّ عصا المسلمين بحربه أمير المؤمنين (ع) ومن سبّ أمير المؤمنين على المنابر، وأبدع في الإسلام بما يخالف روح وجوهر الإسلام، وهو قاتل الإمام الحسن (ع) وخيرة صحابة النبي الأكرم (ص) وأمير المؤمنين (ع) واستأثر بالفيء، وهو من حوّل الخلافة إلى ملك كملك كسرى وقيصر وجعلها وراثة ورّثها إلى ابنه، وهذه بعض من أفعاله التي تعكس بوضوح عدم إيمانه بالإسلام ومبادئه وقيمه، وتوّج ذلك بالكفر العلني حيث ينقل البخاري في صحيحه أن معاوية ذات يوم وبينما المؤذن يصدح بصوت الحق ويرفع الأذان، وعندما قال أشهد أن محمداً رسول الله، قال معاوية: «والله دفناً دفناً»[23]، أي سيعمل على دفن ذكر رسول الله حتى لا يرفع على المآذن، ولكن أنّى له ذلك والله تعالى يقول لنبيه في كتابه: <وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ>[24].

وأخيراً يزيد شارب الخمر واللاعب بالكلاب، حكم ثلاث سنوات وفي كل سنة ارتكب جريمة، الواحدة منها يندى لها جبين الإنسانية وتبكي لها السماوات والأرض دماً، ففي السنة الأولى قتل الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وقام بسبي حرائر رسول الله (ص)، وفي السنة الثانية استباح مدينة رسول الله (ص) بالقتل والنهب واعتدى جيشه على شرف نساء المدينة حتى أن التاريخ ينقل أنهم اغتصبوا النساء على قبر رسول الله (ص)، وفي السنة الثالثة رمى الكعبة بالمنجنيق، وأما فسقه وكفره فلم يتوان من الجهر بهما، فقد كان يشرب الخمر علناً ويستهزئ بآيات الله وهو يقول:

دع المساجد للعباد تسكنها

وقِف على دكة الخمار واسقينا

ما قال ربك ويل للذين شربوا

بل قال ويلٌ للمصلينا

وها هو يفتخر بقتله سبط رسول الله (ص)، ويُعلن عقيدته الصريحة بإنكار الوحي والنبوة بقوله:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

هذا جانب من السيرة السوداء لبني أمية، ويستغرب كيف يمكن لمن يدّعي الإسلام أن ينبري للدفاع عن بني أمية، والأدهى الذي يضحك الثكلى أن تعتبر هذه الشخصيات من الصحابة!

وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة، ليس هدفنا من طرح سيرة طرفي الصراع في كربلاء، المساهمة في تكريس نظرية الصراع بين بني هاشم وبني أمية كما يريده البعض، أبداً، وإنما الهدف كما أشرنا هو بيان مواصفات أتباع الحق وأتباع الباطل لأن عند ذلك نستطيع أن نفهم سلوكيات كل طرف في هذا الصراع بشكل أفضل، فالمعركة هي بين الفضائل والرذائل اللتان تمثلنا في بني هاشم وبني أمية، والأول مثّل الإسلام والإنسانية، أما الثاني مثّل الكفر واللاإنسانية، وكما يقول الكاتب المسيحي جورج جرداق: «إن جملة الحوادث التي عاشها الحسين تقطع بأنه في مقياس الأخلاق سماءٌ أيّ سماء، وإن جملة الحوادث التي عاشها يزيد تقطع بأنه في مقياس الأخلاق أرضٌ تحت أرض، وحسبك مأساة كربلاء دليلاً ذا ألسنة تقول وأيدٍ تشير».

التبرك والفرح

لقد اتخذ بني أمية وآل زياد وآل مروان يوم عاشوراء يوماً للتبرك والفرح بقتلهم الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فأخذوا يصومون في هذا اليوم ويقومون بتوزيع الحلوى، وأبدعوا في وضع الأحاديث التي تنص على أن صيام عاشوراء من أفضل صيام بعد شهر رمضان، فأصبح هذا الأمر ثقافة في الأمة لذلك إلى يومنا هذا بعض المسلمين يصومون هذا اليوم ويوزعون فيه الحلوى تبركاً، ولكن ليس بسبب قتل الحسين (ع) فيه وإنما بسبب استحباب هذا العمل كما ذُكر في الأحاديث الموضوعة من قبل بني أمية عليهم لعائن الله.

التمييز

بما أن أعداء أهل البيت (عليهم السلام) اتخذوا من هذا اليوم يوماً للتبرك والفرح وجعلوا له أعمالاً خاصة، فكان لا بد من أتباع أهل البيت (ع) أن يمتنعوا من القيام بتلك الأعمال لكي لا يكون هناك تشابه بينهم وبين أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وأن يميّزوا أنفسهم بأعمال أخرى تعكس انتماءهم وولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) وتبرؤهم مما يقوم به أعداء أهل البيت من أفعال، وتقوم بإحياء هذا اليوم بما تعطيه حقه وتتناسب مع شأنه وتبرز عظمة المصاب بما جرى على أهل بيت رسول الله (ص) في عاشوراء.

ومن هنا قام أهل البيت (ع) بإتخاذ بعض الإجراءات وإصدار التعليمات إلى شيعتهم بخصوص مصيبة الحسين ويوم عاشوراء بما يضمن إحياء هذا اليوم العظيم كما يستحق ويميّز الشيعة عن غيرهم، كما على الشيعي الموالي أيضاً أن يراعي هذه التعليمات ويكون حريصاً على عدم التشبه بأعداء أهل البيت (عليهم السلام) في أخلاقهم وأفعالهم وفي إظهار ولاءه لأهل البيت (عليهم السلام) وبراءته من أعداءهم في هذا اليوم المهم والمحوري في الصراع بين الحق المتمثل في أهل البيت والباطل المتمثل في أعدائهم، وهنا سنذكر بعض الأمثلة:

لبس السواد: أولاً من المتعارف أن لبس السواد دليل على الحزن والعزاء، ثم أن أعداء أهل البيت يلبسون الملابس الجديدة ويعلّقون الزينة في عاشوراء، فلا بد في المقابل لأتباع أهل البيت أن يعلقوا ويلبسوا السواد لإظهار الحزن وتمييز أنفسهم عن الآخرين، ولأهمية هذا الأمر عدّ العلماء لبس السواد من شعائر أبي عبدالله الحسين (ع)، حتى أولئك الذين يفتون بكراهة لبس السواد والصلاة بها، رفعوا الكراهية عند لبس السواد لإحياء مصاب الحسين (ع)؛ لأن ذلك جزء من الشعائر الحسينية، وللأسف هناك فهم خاطئ لدى البعض الذين لا يلتزمون بلبس السواد، قائلين أن الحزن في القلب وليس بالمظهر، وهذا خلاف للمنطق وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، فالحزن القلبي الذي لا ينعكس على ظاهر وأخلاق الإنسان العملية لا فائدة منه، لذلك قرن الله تعالى في كتابه الإيمان بالعمل الصالح: <الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ>[25]، إذ لا فائدة من الإيمان الذي لا يتبعه عمل.

كما أن لبس السواد من قِبل مجموعة من الناس في زمان ومكان واحد، علاوة على أنه إظهار علني لولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) مصداق لقول الإمام الصادق (ع) عن الشيعة: «یَحْزَنُونَ لِحُزْنِنا»[26] وتطبيق علني لمفهوم الولاية والبراءة الذي يرّكز عليه زيارة عاشوراء وهو من فروع الدين، فإنه يلفت أنظار الآخرين ويثير تساؤلاتهم فيتعرفون على قضية الحسين (ع) وجرائم أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، ليتحقق أحد أهم أهداف إحياء ذكرى عاشوراء ومصائب أهل البيت (عليهم السلام).

الصيام

من الأمور التي تتبرك بها بنو أمية في يوم عاشوراء هو الصيام، وقد وضعوا أحاديث كثيرة في فضل صيام هذا اليوم، ذكروا فيها الفضيلة والشرف لكل نبي في هذا اليوم، وفي حديث طويل للصحابي الجليل ميثم التمار(رضوان الله تعالى عليه) وبعد أن يُخبر كما علّمه أمير المؤمنين (ع) أن الحسين (ع) سيُقتل في يوم العاشر وسيتخذ أعداء الله ذلك اليوم يوماً للبركة، يقول(رضوان الله تعالى عليه): «سيزعمون لحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود، وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وإنما أخرج الله يونس في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي، وإنما استوت في الثامن عشر من ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله(عز وجل) البحر لبني إسرائيل، وإنما كان ذلك في ربيع الأول»[27].

لذلك صيام عاشوراء مكروه عند الإمامية لعدم المشاركة في جريمة التحريف وعدم التشابه في الفعل مع أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وينبغي للشيعة الإمساك عن الطعام والشرب والإفطار آخر النهار بعد العصر مواساة للحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وحزناً عليهم.

البكاء واللطم

إن البكاء واللطم من أبرز مظاهر إحياء مصاب الحسين (ع)، ومن الأمور العملية التي تعكس حزننا على مصاب الحسين (ع)، والتي جعلت هذه القضية حية وباقية كل هذه السنين، وهما ليسا مطلوبان في نفسهما، وليس المطلوب الموقوف عندهما، والاكتفاء بالإتيان بهما، فهما سلاح ذو حدّين إن تم توظيفهما بالشكل الصحيح كما أراد أهل البيت (عليهم السلام) سيصب ذلك في خدمة القضية الحسينية، وإذا أصبحا روتين وعادة وتحوّلا من وسيلة إلى غاية فهذا هو مطلب أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وبذلك يُقتل الحسين مرة أخرى ويكون هذه المرة على يد شيعته.

إن للبكاء واللطم آثار معنوية ومادية، فبهما نطهّر أنفسنا من الذنوب ببركة الحسين (ع)، ونستذكر قضية الحسين لنستلهم منها الصبر، ونجدد البيعة مع إمام العصر أرواحنا فداه لأخذ ثأر دم جده الحسين (ع)، كما نتزود بالحماس والقوة والمفاهيم الثورية لمواجهة طواغيت هذا الزمان، وللبكاء واللطم أبعاد سياسية واجتماعية لها تأثير في حياة الأمة ومصير صراع الحق والباطل، ويقول في ذلك السيد الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه): «لا تظنوا أن هدف المآتم والمواكب وغاياتها تنتهي عند حدّ البكاء على سيد الشهداء، فلا سيد الشهداء بحاجة إلى هذا البكاء ولا هذا البكاء ينتج شيئاً في حد ذاته، إنما الأهم من كل هذا هو أن هذه المجالس تجمع الناس وتوجههم إلى وجهة واحدة، القضية ليست قضية بكاء فحسب، ليست قضية تباكي فحسب، إنما هي قضية سياسية، فأئمتنا (عليهم السلام) يريدون وعبر بصيرتهم وعمق رؤيتهم الإلهية أن يوحدوا صفوف الشعب ويبعثوه بالطرق المختلفة كي يصان من الأذى، لقد ضحينا بشبابنا وضحّت كربلاء بالشبان وعلينا أن نحافظ على تلك التضحيات، ولا تظنوا أن الأمر مجرد بكاء فحسب أبداً، فالقضية سياسية اجتماعية، لو كان الأمر مجرد بكاء فقط فلِم التباكي؟ وأساساً ما حاجة سيد الشهداء إلى البكاء؟ إن تأكيد الأئمة (عليهم السلام) على أن التجمعات والبكاء إنما يستند إلى ما لذلك من شأن في حفظ كيان الدين وصيانة المذهب».

إذاً إن الإمام الحسين (ع) لم يخرج ويُقتل لكي نبكي عليه فقط، ولم يستشهد وهو سيد الشهداء من أجل أن نحيي ذكراه في كل سنة مرتين، مرة في العشرة الأولى من محرم الحرام ومرة في الأربعينية ثم ننسى مبادئ الحسين وثورته إلى السنة القادمة، الإمام (ع) يريد بنا أن نطبق مبادئه وأن نسير على نهجه يومياً وفي كل ساعة من عمرنا الغالي، الإمام الحسين (ع) يريدنا أن نحاسب الباطل الموجود في نفوسنا وفي أفعالنا، فنفوسنا أمّارة بالسوء وزائفة، نفوسنا تركن دائماً إلى الظلم والباطل، لذلك يجب أن تكون ثورتنا هي تغيير هذا الواقع المريد الذي نعيشه في ذاتنا، فإن استطعنا فعل ذلك فنستطيع تغيير ما أصابنا من سوء بفعل أيدينا.

إن جميع مظاهر الحزن وما تشمله من أمور أخرى في عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين (ع) هي أفعال يُثاب عليها وعلى أدائها كل إنسان، ولكن الإمام يريد منا التغيير وليس البكاء فقط، فالإمام (ع) يريد منا القيام بالواجب وأن لا نركز على المستحب فقط، من هنا نعرف لماذا كان أعداء الإسلام يخافون من هذا البكاء بالذات لأنه بكاء على المظلوم وصرخة بوجه الظالم.

مظاهر الفرح والضحك

إن أعداء أهل البيت اتخذوا من يوم عاشوراء يوماً للفرح والسرور ابتهاجاً بمقتل الحسين (ع)، وفي المقابل اعتبر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عشرة محرم الحرام موسماً للعزاء والبكاء، حزناً على ما جرى في عاشوراء، وقد وردت روايات عن حالات المعصومين (عليهم السلام) من بعد الحسين إذا دخل شهر محرم تقول لم يكن المعصوم ليُرى ضاحكاً، ومن هذه الروايات عن الرضا (ع): «كَانَ أَبِي صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ اَلْمُحَرَّمِ لاَ يُرَى ضَاحِكاً وَكَانَتْ كَآبَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ»[28].

وهنا لا بد من بيان نقطة مهمة وهي أن ضحك المعصوم يعني ابتسامته لأنه يُكره في الإسلام للمؤمن الضحك بصوت، فعندما نقول لم يُرَ المعصوم ضاجكاً أي لا تُرى الابتسامة على وجهه المبارك، وليس هذا فقط وإنما كما أشار الرضا (ع) في وصف أبيه (ع): «كَانَتْ كَآبَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ» أي آثار الحزن كانت بادية على وجه المعصوم.

وهذا يبيّن وبالاقتداء بسيرة المعصومين (عليهم السلام) أن حزن الشيعة في عشرة محرم يجب أن لا يختزل في عدة سويعات أثناء المجلس والموكب الحسيني فقط، وبعد ذلك لهم أن يفعلوا ما يشاؤون كسائر أيام وليالي السنة، وإنما يجب أن يعيشوا الحزن في كل ساعة من ساعات أيام وليالي عاشوراء.

من المؤسف أن يتحوّل موسم عاشوراء إلى مظاهر كرنفالية يُلبس فيها أفضل الملابس العصرية، ويتسابق فيه في توزيع ما لذّ وطاب من الأطعمة التي تستهدف بدن الإنسان بعيداً عن روحه وعقله، وإن كان توزيع الطعام في حد ذاته أمر مطلوب، والأسوأ من ذلك أن يلتقي فيه شيعة أهل البيت والابتسامة تغطي كل وجوههم فرحاً، ويتبادلون الأحاديث في كل شيء إلّا قضية الحسين ليُصبح محتوى هذا الإحياء فارغاً، وتتعالى أصواتهم بالضحك والمزاح، إذاً ما الفارق بين شيعة أهب البيت وأعدائهم الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوماً للفرح والسرور؟ فكيف لمن يدّعي أنه شيعة أهل البيت وفي أعظم مصيبة في الإسلام وفي السماوات والأرض وعلى قلب صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه يعيش كبقية أيام السنة ويعيش الفرح والضحك؟

إنّ من عرف عظمة مصيبة عاشوراء لا يمكن أن يهنأ له عيش في كل أيام حياته فضلاً عن موسم عاشوراء، والحزن الحقيقي هو الذي يسيطر على قلب الإنسان فينعكس على تصرفاته وسلوكه أينما كان، سواؤ كان حراً طليقاً أم أسيراً سجيناً أم كان تحت الأرض، وسواءً كان وحيداً أو مع مجموعة من الناس، من المفارقة أن يقرأ الإنسان زيارة عاشوراء ويلعن أعداء أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم فرحوا بهذا اليوم ثم هو يعيش الفرح والضحك، والشيعي الحقيقي هو من يتميز في عاشوراء عن أعداء أهل البيت بهجرانه للضحك والفرح ويغلب الحزن والكآبة عليه.

خطأ شائع

هو الاعتقاد أن مصيبة الحسين (ع) ومأساته تتمثل في الأيام العشرة الأولى من المحرم وتنتهي في اليوم العاشر، والواقع أن المصيبة تبدأ من عصر اليوم العاشر بقتل الحسين (ع) وسبي بنات وحرائر رسول الله (ص)، وعلى رأسهن زينب(عليها السلام)، وهذه هي المصيبة التي يبكي لها إمام زماننا بدل الدموع دماً، فالمصيبة تبدأ من يوم عاشوراء وليس تنتهي فيه وأعظم ليلة على أهل البيت هي الليلة التي عانت فيها مولاتنا زينب(عليها السلام) ما عانت في الحفاظ على نساء وأطفال الحسين (ع)، وصلّت فيها صلاة ليلها من جلوس لفظاعة ما جرى عليها، وهي ليلة الحادي عشر من محرم.

الولاية والبراءة العملية والدائمة

بعد ذكر رموز الفريق الذي حارب الحسين وأخلاقهم وأفعالهم، يأتي الحديث المتكرر في زيارة عاشوراء من جديد عن المفاهيم التي تشكّل صلب زيارة عاشوراء وهي الولاية والبراءة واللعن، ولكن هذه المرة الحديث عن الولاية والبراءة واللعن العملي والدائم بعد أن تم الإشارة إلى أفعال وأخلاق أعداء أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المقطع، وذلك بأن يتميز الشيعة في أخلاقهم وأفعالهم العملية عن أعدائهم، وهذا هو الولاية والبراءة واللعن العملي الذي لا يكون فقط لقلقة لسان وعلى مستوى القول وإنما ينعكس في سلوك وتصرفات شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، على أن يكون ذلك في جميع الأيام وبشكل دائم وليس في أيام وساعات معيّنة ولوقت محدود، وذلك ابتداء من يوم عاشوراء الذي قُتل فيه الحسين (ع) وحتى الأخذ بثأر الحسين (ع) بل إلى يوم القيامة.

الفقرة السادسة من الزيارة

اَللّـهُمَّ الْعَنْ اَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَآخِرَ تابِع لَهُ عَلى ذلِكَ، اَللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ (ع) وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلى قَتْلِهِ، اَللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً

معنى اللعن

اللعن هو الطرد من رحمة الله، والملعون هو المطرود من رحمة الله.

أهمية اللعن

في الرواية أن الإمام الصادق (ع) ذهب إلى محل أحد شيعته في السوق ليشتري قميصاً، فعرض صاحب المحل على الإمام قميصين وقال له: هذين القميصين قمت بخياطتهما بنفسي، والأول منذ أن بدأت بخياطته إلى أن انتهيت كنت أصلي على محمد وآل محمد، والثاني منذ أن بدأت بخياطته إلى أن انتهيت كنت ألعن أعداء محمد وآل محمد، فاختار الإمام القميص الذي تم خياطته باللعن.

لأن ليس كل من يصلي على محمد وآل محمد يلعن أعداءهم أيضاً، ولكن الذي يلعن أعداءهم فهو يصلي عليهم حتماً، كذلك في الولاية والبراءة، فليس كل من يوالي أهل البيت فهو يتبرأ من أعدائهم، خصوصاً في زماننا هذا، هناك الكثير ممن يتصدى لرئاسة مواكب وشعائر الحسين (ع)؛ فيكتسب بذلك وجاهة تُعينه على أمور دنياه وفي الوقت نفسه هو مع أعداء الحسين (ع)، يقدم لهم الطاعة والولاء بل يُعينهم في تنفيذ مخططاتهم التي تستهدف شعائر وشيعة الحسين (ع)، وهناك من بإسم الدين وفي لباس علماء الدين يقوم بعرض سيرة وحياة المعصومين بطريقة تبرر القبول بالذل والأمر الواقع وعايشة الطغاة والظالمين وعدم الثورة عليهم.

فالولاية من غير البراءة ليست مكلفة بل مُربحة وتجلب المنافع الدنيوية، كما أنها لا تُغيض أعداء أهل البيت (عليهم السلام) والطغاة والظلمة بل أنها تُعينهم في تحقيق أهدافهم وتثبيت عروشهم، من هنا البراءة أهم وهي تسبق الولاية على قاعدة النفي والإثبات كما هو في الإقرار بالتوحيد، فنحن ننفي أولاً بوجود أي إله فنقول (لا إله) ثم نثبت وجود الله الأحد ونقول (إلا الله)، فالأصل هو النفي ثم الإثبات لأن ليس كل من يؤمن بوجود الله ينفي وجود شريك له تعالى، فأولاً نتبرأ من أعداء أهل البيت (ع) وذلك باللعن، وهذا هو السبب وراء تركيز زيارة عاشوراء على اللعن وتكراره، ونلاحظ أن لعن أعداء الحسين (ع) وإعلان الولاية، ونحن بالمداومة على اللعن نعيش حالة من الاشمئزاز القلبي تجاد أعداء أهل البيت (ع) ونتبرأ عملياً منهم ومن أفعالهم لينعكس ذلك على أخلاقنا في حياتنا اليومية، كما ستبقى شعلة الحماس والثورة متوقدة في قلوبنا لأخذ ثأر الحسين (ع) بمحاربة الطغاة في هذا الزمان والقضاء عليهم لتمهيد الأرضية لظهور صاحب راية يا لثارات الحسين الإمام المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

الفقرة السابعة من الزيارة

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْد ِاللهِ وَعَلَى الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ.

الارتباط بالحسين (ع)

كان الحسين وارث جميع الأنبياء والأوصياء وقيم السماء، وبدماءه الطاهرة التي سوف يأثر لها المهدي (ع) سينتصر الحق على الباطل ويعمّ العدل الأرض، فالارتباط به هو ارتباط بجميع الأنبياء والأوصياء وقيم السماء وصاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، لذلك المعصومين (عليهم السلام) يوجهوننا في المناسبات الإسلامية بل وفي كل يوم للارتباط بالحسين (ع) وتبقى قضيته حية في وجداننا، ونجدد البيعة معه كما نجدد الطلب يومياً من الله أن يجعلنا ممن يأخذ بثأره.

والأهم من ذلك أننا بالسلام على الحسين (ع) ندخل السرور على قلوب أهل البيت (عليهم السلام) وبالأخص على سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فيقومون بالدعاء لنا، كما من المؤكد أن الحسين يرد على سلامنا، ودعاء أهل البيت وسلام الحسين لنا يكفينا لخير دنيانا وآخرتنا.

خصوصية علي بن الحسين (ع)

كل الأضرحة في الدنيا تتكون من أربعة زوايا إلا ضريح الحسين (ع) يتكون من ستة زوايا، حيث هناك عند قدم الحسين يرقد أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسول الله (ص)، علي الأكبر صلوات الله وسلامه عليه، وهو أول من استشهد من أهل البيت (عليهم السلام)، إذ أن القائد الإلهي عاشق الله، الحسين (ع) قدّم درساً للتاريخ ونموذجاً للإخلاص في التضحية في سبيل الله عندما تعلق الأمر بالبذل في سبيل الله دفاعاً عن الحق، قدّم أعلى ما يملك أولاً، وهو فلذة كبدة علي الأكبر الذي كلما اشتاق الحسين (ع) إلى جده رسول الله (ص)، نظر إلى الأكبر، وتخصيص الأكبر بالسلام لما له من عظمة ومقام وشمائل الأنبياء والأوصياء، فهو ليس كسائر أبناء الأوصياء، وإنما هو أفضل أبناء الأوصياء جميعاً.

أولاد الحسين (عليهم السلام)

إن تخصيص أبناء الحسين (عليهم السلام) بالسلام؛ لأن كل واحد منهم في نفسه عظيم وهم الوسيلة إلى الله فضلاً عن أنهم أبناء الحسين (ع)، ومن هؤلاء باب الحوائج إلى الله عبدالله الرضيع الذي يرقد على صدر الحسين، وهو صغير في العمر ولكن كبير في الشأن وبه يفرج عن المؤمنين وتقضى حوائج شيعة الحسين (ع).

عظمة الأصحاب (عليهم السلام)

قال الحسين (ع): «فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَ لَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي»[29]. لاحظ أن الحسين إمام معصوم ولديه علم ما كان وما سيكون، فعندما يقول: لا أعلم، فهذا يعني أنه لا يوجد أوفى وأكثر خيراً من أصحابه، وأصحاب الحسين أفضل حتى من شهداء بدر، وذلك لأن أصحاب النبي في بدر قاتلوا وأمامهم خيارين النصر والشهادة، أما أصحاب الحسين فقاتلوا للشهادة فقط، ويكفي في عظمة أصحاب الحسين (عليهم السلام) أنهم بلغوا من المقام حدّاً بأن المعصومين (عليهم السلام) يقفون على قبورهم ويخاطبونه بأبي أنتم وأمي، أي: الإمام المعصوم كالصادق (ع) يفديهم بأبيه وهو إمام معصوم أيضاً وبأمه الطاهرة.

الفقرة الثامنة من زيارة عاشوراء

اَللّـهُمَّ خُصَّ اَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَابْدَأْ بِهِ اَوَّلاً ثُمَّ الْعَنِ الثّانيَ وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ اَللّـهُمَّ الْعَنْ َيَزيدَ خامِساً وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِياد وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْد وَشِمْراً وَآلَ أَبي سُفْيانَ وَآلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

نهاية الزيارة تأكيد على اللعن بذكر اللعن العام والخاص والفئات والشخصيات التي ذُكرت في الزيارة مع التأكيد على الاستمرار باللعن على هؤلاء كل يوم إلى يوم القيامة من أولهم إلى آخرهم.

البداية مع من وضع أساس الظلم على محمد وآل محمد، ومن ثم الذين استمروا في هذا الأمر، وتم توجيه اللعن عموماً إلى آل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان، وخصوصاً بذكر أسماء الشخصيات التي كان لها دوراً تأسيسياً وقيادياً وتنفيذياً، فاللعن على كل من له أي دور أو ساهم بأي نحو في ظلم أهل البيت (عليهم السلام) وجريمة قتل الحسين (ع)، أي اللعن الشامل والدائم عليهم جميعاً إلى يوم القيامة بل أبد الآبدين.

فقرة السجود من زيارة عاشوراء

اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ لَكَ عَلى مُصابِهِمْ اَلْحَمْدُ للهِ عَلى عَظيمِ رَزِيَّتي اَللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَاَصْحابِ الْحُسَيْنِ اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.

السجود حمداً لله

تختم زيارة العشاق والعرفاء بسجدة عرفانية إلى الله تعالى، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت من العرفاء كالسيد الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) والشيخ بهجت أن يتعلقوا بهذه الزيارة ويواظبوا عليها، إذ أقرب حالات الإنسان إلى الله تعالى هي حالة السجود، وهي الحالة التي يعشقها العرفاء، وقد يسجد الإنسان سجدة إنابة وتوبة وإقرار ومغفرة وهي حالة المذنبين، ولكن السجدة هنا سجدة الشاكرين، الشكر على ماذا؟ على عظيم الرزية والمصيبة التي حلّت بالإسلام وجميع أهل السماوات والأرض، وخصوصاً أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فأي نوع من الشكر هذا؟ إنه شكر العرفاء والعشاق من أهل عاشوراء وكربلاء.

حمد الشاكرين

في مدرسة عاشوراء كل شيء من الله جميل ويستحق الشكر، هكذا علمتنا زينب(عليها السلام) عندما سُئلت عن ما جرى عليها من قتل أهل بيتها ورفع رؤوسهم على الرماح وسبيها مع الأطفال والنساء من بلد إلى بلد، كيف رأت ذلك؟ قالت: «ما رأيت إلا جميلاً»، فكل شيء من الله وفي سبيله جميل ويستحق الشكر وذلك في أقرب حالات العبد إلى الله وهو السجود.

الشفاعة والثبات

الهدف الأسمى لعشاق أهل البيت (عليهم السلام) هو أن يكون أهل البيت (عليهم السلام) معهم في الدنيا والآخرة، وصحيح أن الآخرة هي الأهم ولكن الدنيا هي مقدمة الآخرة، من كان في هذه <وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلً>[30]، ومن كان على بصيرة من أمره في الحياة الدنيا، اتخذ مع الرسول وأهل بيته سبيلاً، فله في الآخرة شأناً عظيماً، كما في الحديث: «يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب» أي: أحبه وأحب قوله وفعله فصار مطيعاً له، آخذاً بقوله، عاملاً لأمره، فهو معه يوم القيامة، وإذا كانت جنة أهل البيت (عليهم السلام) هو لقاء الله فجنة شيعتهم أن يكونوا معهم في الآخرة، وهل الجنة إلا محمد وآل محمد، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالشفاعة والثبات، والإمام المعصوم قرن الشفاعة بالثبات، فلا يثبت إلا الراغب في شفاعتهم ولا ينال الشفاعة إلا الثابت على نهجهم، فهما أمران مقرونان ببعضهما، وكل منهما يردي إلى الآخر، فالمؤمن بالشفاعة والباحث عنها ينعكس ذلك على قراراته وسلوكياته في الحياة الدنيا، فيثبت على الحق ويضحي في سبيله لأنه يؤمن أن نيل الشفاعة لا تكون إلا بالثبات والتضحية وهو أمر يستحق منه ذلك، وفي المقابل كلما ازداد الإنسان ثباتاً ازداد استحقاقاً للشفاعة، وكانت شفاعته أكبر، فإذا أردت أن تنال أعلى درجات الشفاعة ويقترن اسمك ومقامك بأهل البيت (عليهم السلام) كأصحاب الحسين (عليهم السلام) الذين اقترن اسمهم في الدنيا بالحسين (ع)، إذ كلما ذُكر الحسين (ع) ذُكروا ومتى ما نتوجه بالسلام على مولانا الحسين (ع) نسلّم عليهم أيضاً ومقامهم في الآخرة عند الحسين (ع)، فيجب أن نكون في التبعية والإطاعة لأهل البيت (عليهم السلام)، والجهاد تحت رايتهم والذود عنهم كأصحاب الحسين (عليهم السلام)، بمعنى آخر يجب أن نكون في العلم والأخلاق والتقوى والإيمان والعمل الصالح والاستقامة والثبات مع حبيب وبرير ومسلم وزهير وبقية أصحاب الحسين (عليهم السلام).

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين


  • [1] دعاء عرفة
  • [2] موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع)، الصفحة ٣٥٣
  • [3] دعاء الافتتاح
  • [4] نفس المصدر
  • [5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 68، صفحة 382
  • [6] العوالم، الإمام الحسين (ع)، الشيخ عبدالله البحراني، صفحة ٢٨٥
  • [7] على رواية أخرى الشمر بن ذي الجوشن، وعلى رواية أخرى خولي بن يزيد الأصبحي
  • [8] اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس، الصفحة ٧٥
  • [9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء ٤٥، الصفحة ١٢
  • [10] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء ٤٣، الصفحة ٢٧١
  • [11] هود: 65 – الشعراء: 157 – الشمس: 14
  • [12] الشمس: 14
  • [13] النور: 26
  • [14] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء ٢٧، صفحة ١٤٥
  • [15] إبصار العين في أنصار الحسين، محمد بن طاهر السماوي، صفحة 152
  • [16] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 7، صفحة 258
  • [17] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 45، صفحة 22
  • [18] العصر: 3
  • [19] الشرح: 7-8
  • [20] نهج البلاغة، الرسالة: 16
  • [21] شرح النهج، المعتزلي، جزء 4، صفحة 51، بتصرّف
  • [22] مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبي الحسن المسعودي، جزء 1، صفحة 440
  • [23] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 33، الصفحة 169
  • [24] الشرح: 4
  • [25] العصر: 3
  • [26] شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، جزء 1، الصفحة 3
  • [27] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، جزء ٧، الصفحة ٢٣٨
  • [28] إقبال الأعمال، السيد رضي الدين علي بن طاووس، جزء 2، الصفحة 544
  • [29] الإرشاد، الشيخ المفيد، جزء ٢، الصفحة ٩١
  • [30] الإسراء: 72
المصدر
كتاب يسألونك عن عاشوراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟