مواضيع

خطورة جعل الشهيد قاتلاً والقاتل شهيداً

عندما نذكر أنّ موكب الشهيدين القائدين بعد أن خرج من مطار بغداد وفي ‏الطريق ‏بالقرب من المطار، تعرّض لقصف جويّ أمريكيّ واضح، وأدّى إلى استشهاد الإخوة جميعاً، ‏وبعد ذلك ‏أعلن الأمريكيّون مسؤوليّتهم صراحةً؛ أي أنّ الأمر لم يكن يحتاج إلى تحقيق لمعرفة من هو القاتل ومن ‏يقف ‏خلف القاتل ومن هو المنفذ ومن هو الآمر، الأمور كانت واضحة من الساعات الأولى، كان لهذا ‏الحدث الهائل ‏تداعيات كبيرة جداً بعد ذلك، تداعيات عسكريّة، سياسيّة، شعبيّة، في إيران، وفي العراق، وفي ‏المنطقة، كلّنا ‏يستذكرها ويستحضرها، وما زالت هذه التداعيات قائمة ومستمرة إلى الآن.

بعد مضي ‏عامين، نعود ونحتفل أو نُحيي ‏هذه الذكرى أو هذه المناسبة التي لم تغب خلال العامين، ولم يغب قادتها ‏وشهداؤها؛ لا أسماؤهم ولا صورهم ‏ولا أرواحهم ولا ذكراهم ولا أفكارهم ولا جهادهم ولا إنجازاتهم ولا ‏صوت الثأر الذي يصدح في قلوب ‏كل محبيهم على امتداد العالم. عندما تُحيى اليوم هذه المناسبة في ‏إيران، وفي العراق بشكل أساسي، في العديد ‏من الدول الإسلاميّة والعربيّة، إنّما يُراد لهذا الإحياء أوّلاً أن ‏يعبّر عن الاعتراف للجميل، جميل هؤلاء ‏القادة وهؤلاء الشهداء؛ لأنه كما تعلمون أنّ أحد مصائب ‏البشريّة على مرّ التاريخ عند شعوب أو عند ‏جماعات من الشعوب هو نكران الجميل، الجميل الواضح ما ‏قدّمه هؤلاء وما أنجزه هؤلاء، ما أعطوه ‏لشعوبهم، لأمّتهم، لمنطقتهم، لأهلهم، لدينهم، بعض الناس يُنكر ‏ذلك؛ بل يُنكر على من يعترف لهؤلاء ‏بالجميل باعترافه بالجميل، ويحتجّ أن يُقام مثلاً حفل لهؤلاء على ‏طريق مطار بغداد أو تُرفع صورة لهؤلاء ‏القادة المضحّين على طريق مطار بيروت أو أي شيء مشابه، ‏هذا شكل من أشكال الانحطاط الأخلاقيّ ‏ونُكران الجميل. إحياء المناسبة أوّلاً هو اعتراف بجميل هؤلاء ‏القادة، هكذا نفعل عندما نحيي ذكرى ‏شهدائنا وخصوصاً قادتنا الشهداء، وذكرى عظمائنا الذين قدّموا ‏تضحيات جسيمة في سبيل عزّة أمّتنا وشعوبنا وبلادنا وأوطاننا وكرامتها ‏وحياتها وسعادتها، وأيضاً للتعبير عن ‏تقديرنا لهم، وعن شكرنا لهم، وعن محبّتنا ‏لهم، وعن تعظيمنا لهم، من موقع ما قدّموا وما عملوا وما جاهدوا؛ ‏لأنّ هذه هي القيمة الحقيقيّة التي يُتوجّه ‏إليها بالتقدير وبالشكر، وأيضاً؛ للتأكيد على ثبات إخوانهم وأخواتهم ‏طوال الطريق، على ثباتهم وصبرهم ‏والتزامهم وصمودهم ومواصلتهم للجهاد والمقاومة والحضور ‏والتحدّي ومواجهة المشاريع الاستكباريّة ‏الأمريكيّة والصهيونيّة في منطقتنا، أياً تكن التضحيات، وخلال ‏هذين العامين أيضاً؛ كانت هناك مواجهات ‏كبرى وتضحيات جسيمة، ومن أبرز معالم هذه المعركة كانت ‏معركة سيف القدس في غزّة في فلسطين ‏المحتلة وفي أماكن أخرى، والحرب حرب الصّمود والبطولة ‏والملحمة التي ما زالت دائرة على أرض ‏اليمن، التأكيد على النّهج، وعلى الطريق، وعلى الأهداف، وأيضاً ‏للتزوّد، في كل إحياء وفي كل ذكرى وفي ‏كل جلسة وفي كل مجلس، من دروس هؤلاء القادة وعبرهم وتاريخهم وحياتهم ‏وسيرتهم، وبالخصوص عندما ‏نتحدّث عن الحاج قاسم والحاج أبو مهدي فيما يتعلّق ‏بحادثة استشهادهما.

الشهيد والقاتل

خلال العامين الماضيين تحدّثنا ‏كثيراً عن الحاج قاسم وعن الحاج أبو مهدي وعن ‏صفاتهما الشخصيّة والإيمانيّة والجهاديّة والقياديّة، ‏دعونا اليوم نأخذ بعض الدروس من هذه الشهادة، أريد أن أقف ولتقف شعوب هذه ‏المنطقة بين القاتل والشهيد، عندما نتحدّث عن كربلاء لا يكفي ‏أن تتحدّث عن الحسين والعبّاس، لا بدّ أن ‏تتحدّث عن يزيد وعن عبيد الله بن زياد وإلّا يبقى المشهد ناقصاً.

شعوبنا، وبلادنا، و‏حكوماتنا، وأوطاننا، يجب أن تحدّد موقفاً حاسماً، ليس من أجل الشهيد، ‏وإنّما من أجلها هي، من أجل وعيها، ‏من أجل بصيرتها، من أجل معركتها، من أجل مستقبلها، من أجل ‏حقيقة المواقع التي يجب أن تقف فيها ‏وتثبت فيها. لو بدأنا من العراق، العراق الذي كان ساحة جهاد ‏الحاج قاسم والحاج أبو مهدي، وأيضاً ‏أرض استشهادهما، ولذلك نبدأ من هناك، بين القاتل والشهيد، الشهيد ‏الحاج قاسم سليماني وإخوانه من ‏الحرس، الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس وإخوانه من الحشد الشعبي، ‏والقاتل هو الأمريكيّ، والمطلوب ‏موقف عراقيّ كما هو مطلوب موقف من كل شعوب منطقتنا، ولكن لأنّني ‏بدأت من العراق، موقف من القاتل ‏وموقف من الشهيد، هذا القاتل الأمريكيّ – لا نريد أن نتكلم تاريخا، ‏وإنما فقط في العشرين سنة الماضية ‏‏(إشارات) – الذي احتلّ العراق، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين ‏باعتراف الأمريكيّين أنفسهم، ودمّر ‏الكثير من المواقع والأجزاء والمكوّنات المهمة من مقوّمات البلد، ونهب ‏خيرات العراق وما زال ينهب، ‏وسجن مئات الآلاف ومارس أبشع أنواع التعذيب بحق العراقيّين رجالاً ‏ونساءً، وما زالت فضائح سجن ‏أبو غريب وأمثاله واضحة وعلنيّة ومعروفة للجميع، هذه أمريكا قبل أن ‏تقتل قاسم سليماني وأبو مهدي ‏المهندس، قتلت وعذّبت وسجنت وشرّدت ودمّرت ونهبت واستبدّت ‏وما زالت تستبد في العراق ‏بسمائه وأرضه، وبفعل المقاومة أخرجت قوّاتها المسلّحة وجيشها عام 2011-2012، ولكن أمريكا ‏نفسها هذا القاتل، هي التي صنعت داعش باعتراف ترامب وبومبيو، الذي كان ‏رئيس الـ (سي آي إي) ولاحقاً ‏وزير خارجية، وقادة عسكريين كبار في الولايات المتحدة الأمريكيّة، هي صنعت ‏داعش في العراق وفي ‏سوريا وفي المنطقة لاختراع الحُجّة لإعادة جيوشها وقوّاتها وطيرانها وقواعدها إلى ‏العراق، ووضعت ‏العراق من خلال داعش أمام تهديد وجوديّ حقيقيّ، وكلّنا يتذكر تلك الأيام عندما ‏تساقطت العديد من ‏المحافظات العراقيّة خلال أيام، وأصبحت بغداد مهدّدة وكربلاء مهدّدة وبقيّة ‏المحافظات العراقيّة في ‏دائرة الخطر الشديد، أمريكا تتحمّل مسؤوليّة كل الجرائم التي ارتكبتها داعش في ‏العراق، وبحجّة داعش ‏التي صنعتها عادت إلى العراق بعنوان المساعد والمنقذ والمحامي والدافع، هذا ‏القاتل الظالم المستكبر ‏المنافق الذي لا مثيل لنفاقه في التاريخ، هذا القاتل!

أمّا الشهيد، فهو الذي منذ أن ‏احتُلّ العراق – وهنا عندما ‏أتحدّث عن الشهيد الحاج قاسم سليماني، أتحدّث بمن ‏يُمثّل وما يُمثّل، وليس ‏فقط عن الشخص، عندما أتحدّث عن أبو مهدي المهندس بمن يمثّل وما يمثّل ولا ‏أتحدّث هنا فقط عن ‏الشخص – قاوم هذا الاحتلال، ووقف إلى جانب العراقيّين في ‏مقاومتهم للاحتلال، ‏وساهم في تأسيس فصائل المقاومة العراقيّة وأمدّها بالمال والسلاح والقوّة والعنفوان ‏والأمل والثقة ‏والاندفاع والحماسة، إلى أن كان الانتصار الكبير وإخراج القوّات الأمريكيّة من العراق من ‏خلال المقاومة ‏بكلّ أشكالها وعلى رأسها المقاومة العسكريّة والمسلّحة، وعندما جيء بداعش لتعود أمريكا ‏إلى العراق، ‏كان أول الذين وقفوا إلى جانب الشعب العراقيّ ليدافعوا عن الرجال والنساء والأطفال ‏والمقدّسات ‏والكرامات والأعراض والمدن والقرى وكلّ العراقيّين، كان في مقدّمتهم من يُمثّل الحاج قاسم ‏سليماني، ‏الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وسماحة القائد، ونظام ‏الجمهوريّة ‏الإسلاميّة، وقوّاتها المسلحة، وحرسها الثوريّ، وشعبها المجاهد ‏والأبيّ، جاء ‏هو وإخوانه في الأيام الأولى في الأيام الصعبة، وقدّموا الكثير من الشهداء، ووقف الحاج أبو ‏مهدي ‏المهندس وكان وإخوانه أوّل الملبّين لفتوى المرجعيّة الدينيّة الشريفة ولندائها التاريخيّ للجهاد، هذا ‏هو ‏الشهيد.

هؤلاء هم الذين لسنوات عاشوا في خطوط القتال، على سواتر التراب، يفترشون ‏الأرض ويلتحفون السماء، يعيشون بين المقاتلين، يُشاركونهم آلامهم، وآمالهم، وأفراحهم، وأحزانهم، ‏وجوعهم، و‏عطشهم. هذا هو الشهيد الذي حفظ العراق، وقاتل دفاعاً عن العراق، وإذا كان العراق اليوم ينعم ‏بالأمن ‏والسلام والاستقرار بنسبة كبيرة ودفع عنه بدرجة عظيمة جداً هذه الأخطار فببركة هؤلاء الشهداء، ‏هذا ‏هو الشهيد، وهذا هو القاتل!

هل هناك مُنصف – هنا نأتي إلى درس الشهيد والقاتل – في معرفة ‏العدو ‏والصديق، هل هناك منصف؟ هل هناك عاقل يمكن في العراق أن يساوي بين القاتل وبين الشهيد؟! ‏بين ‏أمريكا التي احتلت وقتلت وسجنت وعذّبت ودمّرت ونهبت وصنعت داعش، وبين الجمهوريّة ‏الإسلاميّة ‏في إيران – أي بين أمريكا وايران – التي ساندت ودافعت وحمت وقدّمت، هل هناك إنصاف أن ‏يتعاطى ‏أحد في العراق وأن يقول نعم؛ الأمريكيّ صديق والإيرانيّ صديق، ونتعاطى مع هذا الصديق ‏ونتعاطى مع ‏هذا الصديق؟ الأسوأ هو أن يتصرّف البعض على أنّ الأمريكيّ هو الصديق والإيرانيّ هو ‏العدوّ، أنّ القاتل ‏لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وللشعب العراقيّ هو الصّديق، وأنّ الشهيد ومن يمثل ‏هذا الشهيد من ‏الحماة والمدافعين هم العدوّ، هذه الكارثة، كارثة في الوعي والفكر و‏البصيرة والأخلاق والإنسانيّة. طبعاً؛ هذا الأمر تصنعه السفارة الأمريكيّة ووسائل ‏الإعلام ومواقع التواصل ‏الاجتماعيّ والجيوش الإلكترونيّة ليس فقط في العراق وإنّما في كلّ المنطقة، ‏وهذا ما سوف نَرجع إليه في آخر الكلمة. ‏يَصنعون، يُشوّهون صورة الشهيد، يشوّهون صورة المقاوم ‏والمدافع والمجاهد، أمّا الذي يرتكب أبشع ‏جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة، ويرتكب المجازر في ‏وضح النهار، ويعذب ويعتدي على النساء في ‏السجون في العراق هؤلاء الأمريكيّون، لا؛ هؤلاء هم أصدقاء ‏وحضاريّون ومدنيّون ويمدّون لنا يد المساعدة!! هنا ‏نَحتاج إلى موقف بين القاتل وبين الشهيد.

الجرائم السعوديّة في العراق

ما يسري ‏على الأمريكيّ – وهنا اسمحوا لي أن أقول فيما يتعلق ‏بالعراق سوف أُسمي، لكن في بقية المنطقة ربّما لن ‏أُسمي كثيراً – يسري على دول أخرى؛ مثلاً ‏المملكة العربيّة السعوديّة، أيضاً في العراق، يوجد ‏أناس تقول لك: السعوديّة أخ وإيران أخ، السعوديّة صديق ‏وإيران صديق، حسناً؛ أيضاً فلنتحدّث قليلاً عن ‏القاتل والشهيد، من 2003 إلى انتهاء داعش بالحدّ الأدنى، بعد العام 2003، ‏كلّنا نتذكّر آلاف العمليات ‏الانتحاريّة التي حصلت في العراق، وقتل فيها مئات آلاف الشهداء من ‏الشيعة والسنّة والمسيحيّين والعرب ‏والكرد والتركمان، لم يعفوا عن أحد؛ مساجد وحسينيات ‏وكنائس وأسواق ومدارس.

لم يتركوا شيئًا، أشلاء ‏العراقيّين من رجال ونساء وأطفال ودماء ‏العراقيّين كانت تملأ الشوارع والساحات والميادين والجدران، ‏الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخليّة ‏في ذلك الوقت وولي العهد – موجود على مواقع التواصل، نحن ‏لا نخترع شخصا ونلبسه حطة ‏وعقال ونقول – هذا أمير سعودي يعترف هو بشخصه وبلحمه ودمه ‏وشحمه، وصوته موجود على ‏مواقع التواصل – وليس كما فعلوا هم قبل أيام عدّة، جاؤوا بشخص، بالحد الأدنى أحضر شخص لبناني ‏يعرف كيف يتحدّث باللهجة اللبنانية، وعملوا له مؤتمرًا صحافيًا، وقدّموه على أنّه قائد ‏من حزب ‏الله، هذا لا نعرفه ولم يمرّ على رأسنا وليس لبنانيًا، ولا يجيد التحدّث باللهجة اللبنانيّة، ولا ‏يعرف ‏أدبياتنا ولا لهجتنا، بهذا المقدار هم سخفاء  وتافهون – ولي العهد بلحمه ودمه وشحمه وصوته ‏موجود ‏على الإنترنت، هو يتحدّث في مجلس عام أيضًا، وليس مجلسا خاصا، عن آلاف ‏السعوديّين ‏الذين ذهبوا إلى العراق لينفّذوا عمليات انتحاريّة، والأجهزة الأمنيّة العراقيّة طوال عشرين ‏سنة ‏تعرف أنّ المخابرات السعوديّة كانت ترسل سيّارات مفخّخة إلى العراق، وكانت تدير ‏إرسال ‏الانتحاريّين إلى العراق، هذا أولًا.‏

داعش، فكر داعش جاء من السعوديّة، موجود في التلفزيون والصحف أيضًا الأمير محمد بن سلمان ‏بلحمه ‏ودمه وشحمه وصوته، هو يقول إنّ أمريكا هي التي طلبت من المملكة العربية السعوديّة ‏خلال عشرات ‏السنين الماضية أن تعمل على نشر الفكر الوهّابي في العالم الإسلاميّ وفي العالم، ‏هو يقول. وهو يقول إنّ ‏المملكة امتثلت لطلب الولايات المتحدة الأمريكيّة، هذا هو فكر داعش ‏الذي جاء من هناك، ولكن ما هو أكثر من ‏الفكر كلّنا نتذكّر الموقف الرسميّ والإعلاميّ السعوديّ في ‏الاستقبال والتهليل لداعش عندما سيطرت على ‏المحافظات العراقيّة في الأسابيع الأولى، هذه ‏السعوديّة في العراق. أرسلت شبابها ليقتلوا الرجال والنساء ‏والأطفال العراقيّين في العمليات ‏الانتحاريّة، لكنّ إيران أرسلت رجالها وشبابها ليُقتلوا دفاعًا عن الرجال ‏والنساء والأطفال ‏العراقيّين في بغداد وفي كربلاء وفي كل المحافظات العراقيّة.‏

كيف يمكن أن تساوي بين قاتل وشهيد؟! كيف يمكن؟! أيّ حسّ إنسانيّ؟! أيّ حسّ أخلاقيّ؟! أيّ وعي؟! ‏أيّ ‏فكر يمكن أن يسمح لك أن تفكّر بهذه الطريقة؟! فضلًا عن أن تصبح السعوديّة عند البعض هي ‏الصديق وإيران ‏هي العدو.‏

هذه من عبر هذه الشهادة في مثل هذه الأيام في مطار بغداد، والعراقيّون الذين خرجوا خلال هذه ‏الأيام في ‏مسيرات وفي احتفالات وفي إحياء لهذه المناسبة يعبّرون عن هذه البصيرة و‏الوعي.‏

الأداة الإسرائيليّة للأمريكان

عندما نأتي إلى منطقتنا نخرج قليلًا من العراق، نأتي إلى منطقتنا هنا في لبنان، نعم؛ نحن عندنا ‏نقاش كبير ‏الآن، نقاش في السياسات الماليّة والاقتصاديّة و… لدينا مشكلة في تشخيص العدو ‏والصديق، لبنان ‏يعاني، أنا أريد أن أذكر مثالا واضحا؛ منذ عام 1948 هناك معاناة لفلسطين ‏وللبنان. أتحدّث عن فلسطين، ثمّ ‏أعود إلى لبنان، فلسطين اليوم محتلّة من قبل الصهاينة منذ ‏عشرات السنين، ما يعانيه الشعب الفلسطينيّ ‏- أيضًا هنا سنقف بين القاتل والشهيد – معروف لكم بسبب الاحتلال؛ احتلال، ‏تهجير، شتات، مخيمات لاجئين داخل فلسطين ‏وخارج فلسطين، آلاف الأسرى في السجون، معاناة هائلة ‏يعيشها الأسرى في سجون العدو ‏ويقاومون، وآخر رموز المقاومة الكبرى لهؤلاء الأسرى وعناوينها هو ‏الأسير هشام أبو هواش ‏والأسرى الذين أنجزوا عملًا بطوليًا قبل أشهر، هذه معاناة حقيقية قبل أسابيع ‏اكتمل الجدار ‏المتنوع حول غزة ليُحكم حصارًا دام أكثر من 15 سنة، مليونا بشريّ محاصرون، وهذا ‏العالم كلّه ‏الذي يتحدّث عن حقوق الإنسان والأخلاق والقيم و‏رسالات ‏السماء وحوار الحضارات يقف ساكتًا؛ بل يذهب إلى العدو ليطبّع مع العدو ‏ليعترف ‏بالعدو وليدعم العدو. نعم؛ هناك مليونا إنسان في قطاع غزة محاصرون، وملايين من ‏الفلسطينيين ‏مشردون خارج أرضهم في الداخل، وفي الخارج، حروب وقتل واغتيال واعتداءات يومية ‏في ‏الضفة، وفي داخل الـ 48 وعلى غزة.‏

هذا من يقوم به؟ يفعله الإسرائيليّ، من هو الإسرائيليّ هذا؟ هذا الإسرائيليّ هو ‏مجرّد ‏عسكري عند الأمريكان، هذا أداة أمريكيّة، أمريكا هي المسؤولة عن كلّ جرائم إسرائيل في ‏فلسطين وفي ‏المنطقة.

كلّ ما فعلته إسرائيل، وكلّ ما تفعله إسرائيل، أمريكا هي المسؤولة عنه؛ لأنّ أمريكا هي التي تُموّل ‏وتدعم وتسلّح وتحمي وتفرض على العالم أن يقيم علاقات ‏مع إسرائيل، ‏وأن يعترف بإسرائيل، وأن يطبّع مع إسرائيل، وهي التي تُرعب وأرعبت ‏أغلب الدول ‏والجيوش العربيّة حتى لا تقاتل إسرائيل.‏

الحامي الأكبر والحقيقي لإسرائيل في المنطقة هي الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبالتالي هي ‏مسؤولة عن ‏كلّ جرائم إسرائيل في فلسطين، وهنا أيضاً هي مسؤولة عن كلّ جرائم إسرائيل في ‏لبنان، ليست مسألة ‏بسيطة، نحن في لبنان نتحدّث عن إسرائيل وعن المقاومة كأنّهما جملتين ونقطع ‏عنهما، ونذهب سريعاً ‏للقضايا المحليّة والتفصيليّة. لا؛ هذه مسألة ترتبط بوجود لبنان وبقائه ‏وخيراته ومستقبله ‏وكرامته وسيادته ودماء شعبنا وأعراضنا.‏

طيّب من الـ 48 إلى اليوم، هنا خطاب للبنانيين أيضًا بين القاتل والشهيد، في فلسطين القاتل هو ‏الأمريكيّ ‏والإسرائيليّ، والشهيد إلى جانب الشهيد الفلسطينيّ هو الشهيد قاسم سليمانيّ ومن يمثّل ‏وما يمثّل. وفي ‏لبنان أيضًا الخطاب للبنانيين الذين يتصرّفون أنّ أمريكا صديق، نحن نعم لدينا ‏خلاف أصولي لدينا خلاف ‏جذري في هذا الأمر وفي هذه المسألة، هذه ليست مسألة عادية ‏وبسيطة، هذه مسألة أكبر من النقاشات ‏الاستراتيجيّة. كلّ ما فعلته إسرائيل في لبنان من حروب، ‏وما شنته من حروب وغارات، وما ‏ارتكبته من مجازر وما قتلته وجرحته ودمّرته وهجّرته ‏واحتلته وسجنته وأسرته وعذّبته، وما زال لبنان ‏في دائرة الاحتلال، وفي دائرة التهديد، وفي دائرة ‏الأطماع، وفي دائرة الخطر، وكل يوم تهديد إسرائيليّ، ‏كل يوم تهديد إسرائيلي بتدمير لبنان ومسح ‏لبنان، والذي يتحمّل المسؤولية أولًا وأخيرًا عن كل ما قامت به ‏وتقوم به إسرائيل هي الولايات ‏المتحدة الأمريكيّة.‏

غريب! كيف أنّنا نعرف أنّ هذا هو الذي يقتلنا ويطلق علينا النار، ويحتلّ أرضنا، وقتل رجالنا ‏ونساءنا ‏وأطفالنا وارتكب المجازر، ويهدّد وجود بلدنا، وأنّ أمريكا هي التي تدعمه وتسانده وتدافع ‏عنه وننظر إلى ‏أمريكا على أنّها صديق، والفاعل الأداة عدو، وصاحب الأداة ومفعّل الأداة ‏ومحرّك الأداة صديق؟! هذه ‏مصيبة، هذه كارثة سياسيّة في الوعي والبصيرة، واسمحوا لي أن ‏أقول؛ أيضا في الإنسانيّة والأخلاق ‏والتشخيص. والخطأ هنا هو أنه عندما تعدّه صديقًا، هو يعني أنك تلجأ ‏إليه، تلجأ إلى من تظنّه  صديقا، وهو أعدى ‏الأعداء، هو العدو الحقيقيّ، هو رأس العداوة والحقد ‏والضغينة والتآمر والظلم والاستبداد والاحتلال، هذه ‏فلسطين، وهذا لبنان.‏

أمريكا هي العدو الحقيقيّ

نأتي إلى سوريا نكمل رحلتنا أيضًا في سوريا، عشر سنوات حرب، مئات الآلاف في سوريا ‏ذهبوا ‏ضحية هذه الحرب شهداء وضحايا وجرحى، ودمار هائل، من يقف خلف هذه الحرب؟ تقول لي ‏داعش، ‏والنصرة، تقول لي الدولة العربيّة الفلانية، الدولة الخليجيّة الفلانيّة، الدولة الآسيويّة الفلانيّة، ‏أقول لك هؤلاء ‏جميعهم كانوا أدوات، هؤلاء كانوا أدوات في الحرب على سوريا باعتراف ‏مسؤولين عرب أيضاً بلحمهم ‏وشحمهم على التلفزيونات، طالما سمّينا أيضًا حمد بن جاسم كان ‏رئيس وزراء قطر، هو على التلفزيون ‏يقول: الذي كان يدير الحرب، ويستلم الأموال، ويوزّع ‏الأموال، ويوزّع الأدوار في الحرب السوريّة هو ‏والسفير الأمريكيّ في سوريا المقيم في تركيا.‏

أمريكا هي المسؤولة عن الحرب التي حصلت في سوريا، في سوريا لا يجوز أن يغيب عن ‏عيون ‏السوريين وعن عيوننا جميعًا أنّ الذي قتل السوريين ودمّر سوريا وأدخلها في أتون الحرب ‏الكونيّة ‏هي الإدارة الأمريكيّة، والإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، وهُزمت أمريكا في سوريا كما هزمت ‏في ‏العراق، والمأساة والعدوان الأمريكيّ على سوريا مازال مستمرًا حتّى الآن بأشكال جديدة، ‏وأشكال ‏مختلفة، أصعب ما تواجهه سوريا اليوم هو الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ.‏

أهم الأسباب في الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ الحصار والعقوبات، وقانون قيصر الأمريكي[1] لا ‏يسمح لأحد ‏في العالم أن يأتي ويستثمر في سوريا، أو يمارس تجارة في سوريا، أو يُعيد إعمارا في ‏سوريا، يتركون ‏سوريا للموت البطيء وللمعاناة اليوميّة في كلّ بيت وفي كلّ عائلة. من الذي ‏يمارس هذا الإجرام اليوميّ ‏بحقّ الشعب السوريّ؟ الولايات المتحدة الأمريكيّة قاتلة سليماني وأبو ‏مهدي، هذا يجب أن لا يغيب عن ‏الوعي، الذي يحتلّ اليوم جزءاً مهمًا من الأرض السوريّة في ‏شرق الفرات بما تمثّله من آبار نفط وغاز ‏وسهول واسعة يمكن أن تُحدث تحوّلًا هائلًا في الوضع ‏الاقتصاديّ السوريّ هو القوّات الأمريكيّة، التي تسيطر على قاعدة اسمها التنف، تأتي ‏بداعش من مخيم الهول إلى منطقة التنف تقيم منطقة ‏بشعاع 50 كيلومترا ممنوع أن يقترب أحد منها، ‏من يقترب يخرج الطيران الأمريكيّ ويقصفه، وحوّلتها إلى ‏قاعدة لداعش، لتعيد داعش إلى بادية ‏الشام من جديد، ولتعيد داعش إلى أطراف دمشق من جديد، هذه ‏أمريكا.‏

هنا القاتل أمريكا، والشهيد هو كلّ من قاتل في سوريا ودافع في سوريا وعلى رأسهم القيادة ‏السوريّة ‏والجيش السوري والشعب السوري، وهنا كان قاسم سليماني وأبو مهدي ‏المهندس وإخوانهم من ‏فصائل المقاومة العراقيّة وآخرون، وهنا دائمًا نحتاج إلى موقف بين ‏الصديق وبين العدو، بين القاتل وبين ‏الشهيد.

عندما نذهب إلى اليمن الحكاية نفسها، هل يمكن لأحد ‏أن يصدّق؟ الكلّ يقول، اليمنيّون، على كل حال، ‏هم يقولون (العدوان الأمريكيّ السعوديّ)، هذه الحرب هي حرب ‏أمريكيّة تنفذّها السعوديّة، الحرب على ‏اليمن وعلى شعب اليمن، هذه المجازر سبع سنوات من ‏الحرب، القصف الذي لم يترك شيئًا، وعاد ليستهدف ‏المدن والمنشآت المدنية بقسوة من جديد ‏للتغطية على العجز العسكريّ في جبهات القتال. من الذي يتحمّل ‏هذه المسؤوليّة؟ بالدرجة الأولى هي أميركا، ‏السعوديّة هي منفّذ، هي أداة، هي «شَغّيل» عند المشغّل ‏الأساسي، من يصدق أنه إن قال الأمريكّي ‏للسعوديّ أوقف الحرب هو يكمل الحرب؟! لكن الأمريكان قالوا ‏لدول الخليج أوقفوا الحصار عن ‏قطر، توقّف الحصار عن قطر.‏

كنّا دائمًا نقول في سنوات الأزمة الخليجيّة هذا لعب الأمريكان، يلعبون بدول الخليج، يحلبون هذا ‏وذاك، ‏وينهبون هذا وينهبون ذاك، ويسرقون هذا وذاك. عندما تنتهي اللعبة يقولون لهم انتهت ‏اللعبة، تصالحوا ‏تكاتفوا قبّلوا بعضكم يا شباب هناك قرار بالحبّ، اتُّخذ قرار بالحب، عاد مجلس ‏التعاون الخليجيّ، وعاد يجتمع ‏ويلتقي وما شاء الله والوحدة الخليجيّة. هذا كلّه لعب الأمريكيين يشنّون ‏حروبا وينهبون الخيرات، هذا هو ‏القاتل الأمريكيّ. في كل مكان كان هذا القاتل وصولاً إلى ‏أفغانستان طبعًا، والجرائم المهولة التي ارتكبتها ‏القوّات الأمريكيّة في أفغانستان أثناء احتلالها ‏لأفغانستان وأيام انسحابها منها، أعراس بكاملها ‏كان يقتل فيها الرجال والنساء، ويدّعون أنّ ذلك ‏بالخطأ! قبل أيام عدّة شاهدتم بعض الصحف الأمريكيّة المعروفة ‏تحدّثت عن عشرات آلاف ‏الأفغان والعراقيّين الذين قتلوا بالخطأ والبنتاغون لا يقوم بأيّ إجراء؛ لأنّ هذا ‏ليس فيه مشكلة. ‏وصولاً إلى القاتل الذي يحاصر 90 مليونا أو 85 مليونا، يعيشون تحت الحصار في إيران ‏وتحت ‏العقوبات في إيران في ظلّ كورونا وفي ظلّ الصعوبات الاقتصاديّة، هذا قاتل.‏

على كلٍ في كلّ مكان كان هذا القاتل الأمريكيّ موجودا كان الشهيد قبل أن يستشهد حاضرًا، كان قاسم ‏سليماني ‏حاضرًا بمن يمثّل وما يمثّل، وكان حاضرًا يصنع الانتصارات، كان حاضرًا يبني ‏عناصر القوة، كان ‏حاضرًا يلحق الهزيمة بالقاتل، كان حاضرًا يُغيّر المعادلات. وفي نهاية ‏المطاف، قدّم دمه وروحه؛ لأنّ ‏القاتل أدرك أنّ هذا من أهم عناصر القوة التي تلحق به الهزيمة. هذا ‏التوصيف الذي أحببت أن أشير إليه ‏حتى أذهب إلى النتيجة.‏

مستويان للصراع

بالنتيجة حادثة الاغتيال التي حصلت قبل عامين في مثل هذه الأيام، وأسّست لمرحلة جديدة من ‏الوعي و‏البصيرة في المعركة مع العدو ومعرفة العدو الأساسي، ومن الصراع في مستويين:

المستوى الأول: هم الذين قَتلوا، الذين أمروا بالقتل، والذين نفّذوا القتل، هؤلاء معروفون، وهؤلاء ‏سينالون إن ‏شاء الله جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة، هذا وعد الثوار والشرفاء والأحرار، هذا ليس ‏وعد الإيرانيّين والعراقيّين فقط، هذا وعد كلّ ثائر وحرّ في العالم.

والمستوى الثاني: ما أُعلن من أن قيمة هذا الدم وثأره هو خروج القوّات الأمريكيّة من المنطقة. الآن ‏بعد ‏عامين، وكما ذكر قبل يومين سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) توصيفا لوضع المنطقة، ‏الأمريكيّون خرجوا ‏من أفغانستان أذلّاء هاربين مربكين، وكان هذا الخروج بمنزلة الفضيحة التي ما زالت ‏تداعياتها في أمريكا قائمة ‏وموجودة، ورأيناها كلنا، وأحدثت حالة إحباط هائلة لدى كل أصدقاء أميركا وحلفائها في ‏المنطقة الذين ‏بدؤوا يعيدون النظر، لا أريد أن أقول أسماء، ولكن رؤساء ‏ووزراء دول على علاقة وتحالف مع ‏الولايات المتحدة الأميركيّة يقولون في ‏مجالسهم الداخليّة لأصدقاء لنا، أنه لم تعد أميركا حليفاً موثوقاً يمكن ‏الاعتماد عليه ‏من أجل أن نحمي أنفسنا، يجب أن نُرتب علاقتنا في المنطقة، هذه هي اللغة السائدة ‏بعد ‏الخروج الأميركيّ من أفغانستان.

في العراق؛ الاستشهاد أدّى إلى ردّ فعل في ‏الشارع العراقيّ، تظاهرة ‏مليونية في بغداد طالبت بخروج قوّات الاحتلال، مجلس ‏النواب العراقيّ أخذ قراراً يطالب بخروج قوّات ‏الاحتلال، العلماء، القادة، الجميع ‏أخذ موقفاً مناسباً وبمستوى الحادثة، وكان هذا الأمر يُتابع. الآن ‏الأميركيّون يقولون إنّهم أنهوا المهام ‏القتاليّة لقواتهم في العراق، من المفترض بحسب الادّعاء الأميركيّ ‏أنّ القوّات ‏الأميركيّة خرجت من العراق، وأن من يبقى أو سيبقى في العراق هم مجموعة أو ‏عدد من ‏المدرّبين والمستشارين والفنيّين والتقنيّين، هذه أيضاً اليوم مسؤوليّة الشعب ‏العراقيّ والقادة العراقيّين، ‏الحكومةِ العراقيّة والمسؤولين العراقيّين، إنّ التسامح أو ‏التعمية أو التجاهل أو تحريف بقاء ‏القوّات الأميركيّة في العراق وتزويره هو قتل ‏جديد لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والشهداء معهم، والوفاء ‏لهؤلاء الشهداء، و‏التلبية الحقيقيّة لنداء الشعب العراقيّ وإرادته التي عبّرت عنها المليونية التي خرجت ‏في ‏ذلك الحين، هو أن يتابع هذا الأمر حتّى النهاية، حتّى لا يبقى محتلّ في العراق ‏من هؤلاء القتلة الذين ‏شاركوا في عمليّة القتل. في شرق سوريا في منطقة شرق ‏الفرات الأميركيّون موجودون، نحن نشهد منذ ‏أشهر قليلة قيام بدايات مقاومة شعبيّة، ‏وهذا هو الصحيح، المقاومة الشعبيّة في شرق الفرات بأشكالها ‏المختلفة المدنيّة، قطع الطرقات وحرق الدواليب ومنع القوّات الأميركيّة من الحركة وصولاً إلى ‏المقاومة ‏المسلحة من قبل أهالي شرق الفرات، هو الخيار الصحيح الذي سيؤدي أيضاً ‏في نهاية المطاف إلى خروج ‏القوّات الأميركيّة من سوريا.

وأمّا في اليمن؛ اليمن ‏الصامد واليمن الثابت، هذا اليمن حيث هناك أنصار الله ‏ورجال الله لن يكون هناك ‏موطئ قدم للأميركيّين في هذه الأرض الشريفة والمقدّسة، وهذا يصنع ‏اليوم ‏بالتضحيات الجسام وبالدم، مآل المنطقة ومآل القوّات الأميركيّة في المنطقة إلى ‏الخروج وإلى ‏الرحيل، لأسباب كثيرة؛ منها ما يرتبط بالوضع الداخليّ الأميركيّ، ‏أقول هذا لمن يراهن على هذا العدو، ‏هناك ما يرتبط بالوضع الداخليّ الأميركيّ ‏الذي أدعو إلى متابعته؛ لأنّ بعض الناس يحاول أن يقدّم لنا ‏أميركا على أنّها هي ‏النموذج، فلتنظروا إلى كورونا في أميركا، انظروا إلى الفقراء في أميركا، انظروا ‏الى ‏الأحياء التي يجتاحها المحتاجون في أميركا، انظروا إلى عدد قتلى عنف ‏السلاح، أنا أتيت بأرقام لا أريد ‏أن أتكلّم عنها اليوم، سأتكلّم عنها في وقت لاحق، ‏أرقام مهولة، الجريمة في الولايات المتحدة الأميركيّة، ‏حوادث القتل، حوادث ‏السلب، حوادث الاغتصاب، هذا الواقع الداخليّ، الثقافة العنصريّة التي عادت ‏لتكبر ‏وتتعاظم، هل هذا هو النموذج الذي تقدّمونه لنا؟! هذا هو النموذج المشرق؟! على كل ‏حال؛ هناك ما يتعلّق ‏بداخل الولايات المتحدة الأميركيّة، وما يرتبط أيضاً بأولويات ‏الولايات المتحدة الأميركيّة في العالم فيما ‏يتعلّق بالصين وروسيا وما شاكل، وأيضاً ‏بسبب وعي شعوب منطقتنا ورفض شعوب منطقتنا وصمود ‏محور المقاومة، ‏انتصار حركات المقاومة، عدم الاستسلام، عدم القبول بالشروط والحلول ‏الأميركيّة، هذا ‏الصمود، هذا الثبات رغم تبعاته من دماء وآلام وجوع وعطش ‏ومرض، لكن نهايته ستكون نهاية عظيمة ‏جداً.

رسالة الشهداء أن أمريكا هي العدو

الدرس اليوم الذي أريد أن أقف ‏عنده في هذه الكلمة (بين القاتل والشهيد) أنّ دماء الشهيد قاسم سليماني ‏الكبير ‏والقائد العظيم، ودماء الشهيد أبو مهدي المهندس الكبير والقائد العظيم، ودماء الشهداء ‏ معهما، هذه ‏الدماء المظلومة المجاهدة، هؤلاء بما يُمثّلون ومن يُمثّلون، وبما هم ‏رجال لله، وبصفتهم قادة، مخلصون ‏ صادقون، وصناع نصر، وباعثوا نهضة ووعي وحماسة ‏في هذه الأمة، دماؤهم اليوم تستصرخ كلّ العقول ‏وكلّ القلوب وكلّ الضمائر على ‏امتداد العالمين العربيّ والإسلاميّ لتقول لكلّ الشعوب وللنخب وللمثقّفين ‏وللسياسيّين ‏ولعامة الناس: أيّها الناس؛ دماؤنا تقول لكم: عدوّكم الحقيقيّ، المستبدّ الحقيقيّ، ‏المستكبر ‏الحقيقيّ، الظالم الحقيقيّ، الفاسد الحقيقيّ، رأس العدوان أساس الاحتلال أمّ ‏الفساد والطغيان في منطقتنا، ‏هي الولايات المتحدة الأميركيّة، هي عدو فاتخذوها ‏عدواً، هذه رسالة الدماء الزكيّة في مطار بغداد هذه ‏الأيام وقبل عامين، والاشتباه ‏الخطير والاستراتيجيّ عندما تَعدّ العدو صديقاً فلتجأ إليه، وتلوذ به، ‏ و‏كمن يضع بين يدي الذئب زوجته وأطفاله الرضّع. من؟! هل هناك عاقل يفعل ذلك؟! ‏الرسالة تقول ‏لكم: اعرفوا عدوّكم، افضحوا عدوكم، قفوا في وجه عدوكم، لا تستسلموا ‏لعدوكم، لا تلجؤوا لهذا العدو؛ بل ‏قاتلوه وحاربوه وصارعوه بكل أشكال المواجهة ‏والصراع.‏

أيّها الإخوة والأخوات؛ هذه الدماء تقول لنا: ما دامت أميركا هي التي ‏تهيمن على منطقتنا ونعدّها صديقاً ‏سيستمر الظلم والطغيان والاستبداد والاحتلال ‏والخطوط الحمراء التي ستمنع تحرير بلادنا ومقدّساتنا ‏ومقدّراتنا وخيراتنا ‏وثرواتنا، معركة الوعي والإعلام تشكّل جزءاً من هذه المعركة، معركة ‏وسائل ‏الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعيّ.

لا تستهينوا بهذه المعركة التي تُحوّل المقاوم المجاهد الشريف المدافع إلى إرهابي، إلى «أزعر»، إلى ‏فاسد وسارق ولص وتاجر ‏مخدّرات، وليس لديهم مشكلة – حتى لو ليس لديهم دليل وكونه خلاف ‏الواقع – بأن يستمرّوا في الكذب والكذب والكذب ويخترعوا حتى لو كانوا ‏تافهين وسخفاء ‏ومفضوحين، على القاعدة المعروفة: «اكذب اكذب اكذب تكذب حتى ‏يصدقك الناس»، في الإعلام ومواقع ‏التواصل الاجتماعيّ؛ مثلا، يُصبح السفير الأميركيّ في ‏بغداد حمامة سلام، وداعية صلح، وحامي وحدة ‏وعامل استقرار في العراق، ويُصبح قاسم ‏سليماني مجرما  وقاتلا، يجب أن يُنفى ويجب‎ ‎أن تُحرق صورته، ‏طبعاً شيء محدود وقليل لأنّهم أولاد السفارة، هذه ‏ليست إرادة الشعب العراقيّ، إرادة الشعب العراقيّ عبّر ‏عنها بعد الاستشهاد وخلال العامين وخلال الأيام والليالي الماضية، لكن ‏في نهاية المطاف نعم هناك جهد، هناك جيوش إلكترونية، لا تصدّقوا كلّ ما يأتي ويُقال و«أعرف أنا بعض الدراسات» أن هناك تفاعلا ‏هائلا على مواقع ‏التواصل، هذا كذب، يكون هناك ثلاثة أو أربعة أشخاص جالسين ويعملون كجيش ‏إلكتروني، ‏ويقول لك: تفاعل هائل على مواقع التواصل، فقط للتأثير من أجل أن تقول أنت «أووف!»، هل ‏هذا رأي مئات الآلاف أو الملايين، كلا… حتّى الآن ‏يجب البحث عن الآراء الحقيقيّة للشعوب والأمّة ‏وللناس، كثير ممّا يقدم ‏في عالم الإحصائيّات والاستقصاءات والأرقام هي أكاذيب، هي جزء من ‏الحرب ‏النفسيّة، هي جزء من التضليل، هي جزء من توهين العزائم، مع ‏العلم أنّ المؤمنين بالله – سبحانه وتعالى – لا ‏تهمّهم القلّة والكثرة، ولكن أغلبية ‏الناس يتأثّرون بهذه المسائل. هذا جزء من المعركة التي يجب ‏أن ‏نَخوضها إعلاميّاً وسياسيّاً وميدانيّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً وعسكريّاً، هذه هي المعركة ‏الحقيقيّة التي فرضها، قبل ‏ذلك وبعد ذلك جاء الاستشهاد، فرضها العدو ولم نفرضها نحن.‏

السعوديّة هي الإرهاب وليس حزب الله

اليوم حين يأتي بعض الناس ويقولون؛ أنتم يا حزب الله تقومون بتخريب ‏علاقات لبنان العربيّة والدوليّة، من ‏هذا الباب وإن كان هذا يمكن أن ‏نتحدّث عنه في الحديث المحليّ، لكنه يتناسب مع حديث اليوم أكثر، ‏أنتم ‏تُخرّبون العلاقات، علاقات مع مَن؟ مع أميركا التي ذكرتُ وأفضتُ؟! ‏وإذا تريدون نشرح ذلك، ‏اللبنانيون حاضرون، والله إنني لا أتكلم تاريخا، ‏الشهداء وعوائل الشهداء والأسرى الذين خرجوا من السجون ‏والجرحى ‏والبيوت المهدّمة، آثار الجرائم الأمريكيّة الإسرائيليّة ما زالت حاضرة أمام ‏أعيننا وأمام أجيالنا ‏الحاضرة، هذا هو العدو الذي تتهموننا بأنّنا نخرب ‏العلاقات معه؟! أريد أن أتكلّم مع اللبنانيّين قليلاً؛ كلّ ‏اللبنانيّين أو على الأقل أغلبيّتهم ‏الساحقة تُجمع على أن داعش والجماعات التكفيريّة كانت تُشكّل خطراً ‏كبيراً ‏على لبنان، وكلّ اللبنانيّين يعرفون أنّه لو سيطرت ‏داعش والجماعات التكفيريّة على سوريا ‏ماذا كان يمكن أن يكون مصير ‏لبنان، هناك من «يُعَنْتِر» ويقول: أنتم قاتلتم ولو أنهم أتوا لَكنا ‏قاتلناهم. ‏جيّد؛ من الجيّد أنّهم لم يأتوا، حتّى لا تواجهوا هذا الامتحان، لكن هناك ‏شبه إجماع أنّه نعم يوجد ‏هناك خطر كبير على وجود لبنان وعلى هوية لبنان وعلى ‏كرامته وعلى بقاء لبنان، على الدماء و الأعراض والمساجد والكنائس ‏والحسينيات والكبار والصغار، أليس كذلك؟ من كان يقف خلف داعش ‏في ‏سوريا والجماعات التكفيريّة، التي لو نجحت ولو انتصرت لكانت الكارثة ‏التاريخيّة في لبنان، فقط ‏أميركا؟! وماذا عن السعوديّة؟! الآن سوف يخرج من ‏يقول؛ يا سيّد أنت ترجع لتخرب لنا العلاقة مع ‏السعوديّة. كلا؛ أنا أُوصّف، ‏اللبنانيّون يجب أن يقولوا الحقائق ويتعاطوا على أساس الحقائق. تأتي ‏وتقول ‏لي: نعم؛ هو شريك في قتلي وفي مسحي وفي حصاري وفي ذبحي، لكن ‏أنا مضطر لأن أتعامل معه. هذا ‏بحث ثانٍ، لكن لا تقل لي: أخ وصديق وكريم ‏ومحب وأنا أريد أن أتعامل معه. انظروا إلى التوصيف ‏الحقيقي أولاً.‏

خلال عشر سنوات في سوريا وفي جرود عرسال وجرود البقاع، المقاومة ‏والجيش الذين قاتلوا وفي ‏سوريا هم الذين قاتلوا، من الذي كان يقف خلف هذه ‏الجماعات، التي لو انتصرت لفعلت ما فعلت في ‏لبنان؟ هذه الدول معروفة ‏وفي مقدمها السعوديّة، نحن لم نذهب لنعتدي على السعوديّة، ولم ‏نهاجم ‏السعوديّة، هؤلاء هم كانوا شركاء في المؤامرة الكبرى وفي الحرب ‏الكونيّة التي كانت تُدمر ‏المنطقة، ونحن كان لنا شرف أن نقف في وجه ‏هؤلاء القتلة المتآمرين على بلدنا وعلى شعوبنا وعلى دماء ‏الرجال والنساء وأعراضهم في لبنان، لسنا نحن الذين خرّبنا العلاقات، من الذي بدأ ‏الاعتداء؟ من الذي بدأ ‏الحرب؟ من الذي تآمر؟ هم الذين تآمروا. ‏

في الخطاب الأخير للملك السعوديّ الملك سلمان مع أنّه خطاب يقال عنه ‏أنّه خطاب سنويّ ومهم ‏ومركزيّ خلال السنة، يُوجّه خطابا للبنانيّين ‏والقيادات اللبنانيّة ويطالبهم بالوقوف في وجه حزب ‏الله الإرهابيّ وهيمنته، ‏إذا كان يوجد أناس خائفون من أن يفتحوا أفواههم في هذا البلد، فنحن لسنا خائفين، نحن ‏لدينا ‏كرامتنا، يا حضرة الملك: الإرهابيّ هو الذي صدّر الفكر الوهابيّ ‏الداعشيّ إلى العالم وهو أنتم، الإرهابيّ ‏هو الذي أرسل آلاف السعوديين ‏لينفّذوا عمليات انتحاريّة في العراق وفي سوريا وهو أنتم، الإرهابيّ ‏هو ‏الذي يشنّ حرباً لمدّة سبع سنوات على الشعب المظلوم في اليمن ويقتل ‏الأطفال والنساء ويدمّر البشر ‏والحجر وهو أنتم، الإرهابيّ هو الذي يقف ‏إلى جانب الولايات المتحدة الأميركيّة في كل حروبها ويفتح لها ‏أرضه ‏وقواعده العسكريّة لتمارس جرائمها ضد الإنسانيّة وهم أنتم، الإرهابيّ ‏هو الذي يُموّل كلّ ‏جماعات الفتن والحروب الأهليّة في لبنان وفي ‏المنطقة وهو أنتم.

أمّا حزب الله فليس إرهابيّاً، حزب الله ‏مقاوم، حزب ‏الله هو مدافع ووطنيّ وإنسان وشريف، ويدافع عن وطنه و‏أمته وأهله و‏شعبه والمقدسات، حزب الله رفيق قاسم ‏سليماني الذي يصنع الانتصارات في وجه الإرهابيّين، هذا ‏هو حزب الله، وهنا أُريد أن أُلفت النظر أيضاً – لأنّني أعرف أن غداً سوف تقوم القيامة، وأنه سيُقال عاد ليخرّب ‏لنا ‏العلاقات مع السعوديّة – الإرهابيّ أيّها اللبنانيّون، ولتسمعوني ‏قليلاً، هو الذي يحتجز عشرات الآلاف أو مئات ‏الآلاف – لا يوجد رقم ‏دقيق ولا أعرف، كم هي بالضبط أرقام اللبنانيين الموجودين في السعودية، ‏أو ‏اللبنانيين الموجودين في الخليج، البعض يقول مئات الآلاف والبعض ‏يقول عشرات الآلاف – من اللبنانيّين، يتخذهم رهائن ليهدّد بهم لبنان ودولة ‏لبنان ‏كلّ يوم، إذا تكلّمتم فإنّني سوف أطردهم، وأحرمهم من أموالهم وممتلكاتهم، إذا فتحتم فمكم سأرميهم ‏في السجون، هذا إرهاب ‏أو ليس إرهاب؟! دُلوني على دليل لهذا السلوك وسند له، في الدين ‏والشرائع ‏السماويّة، وفي القوانين الدوليّة، حتى في قوانين العشائر والقبائل، ‏حتى في الجاهلية الأولى! هذا ‏الإرهابيّ، وهذا ليس جديداً، فلتعودوا إلى ‏الصحف، هذا ما كانت السعودية تفعله مع لبنان في الستينات، وكل ‏يوم ‏تفعل ذلك مع لبنان، وإذا كان هناك من يظن أنّه إذا ضغط على وزير لكي ‏يستقيل وإذا سكت وإذا طنّش ‏وإذا قبل الإهانة، هل هذا يغيّر بالموقف ‏السعوديّ والقرار السعودي؟ كلا؛ لا يغير  شيئا؛ لأنّ مشكلة ‏السعوديّة ‏واضحة، إن مشكلتها مع الذين منعوا أن يتحوّل لبنان إلى إمارة ومشيخة ‏سعودية بعد عام ‏‏2005، مشكلتها مع الذين يقفون بجد في وجه صفقة ‏القرن التي كانت أضلاعها الثلاثة ترامب ونتنياهو ‏ومحمد بن سلمان، ‏مشكلتها مع الذين ساهموا في إلحاق الهزيمة بمشروعها في سوريا ‏ومشروعها في ‏العراق، الذي لو نجح لذبح اللبنانيّين ودُمرت مناطقهم ‏ومساجدهم وكنائسهم، وهذه مشكلة قائمة، هذه لا تحل ‏لا بكلام إيجابي ولا ‏بمديح ولا سكوت ولا في خيالات، دعونا كي نكون حقيقيّين وواقعيّين.‏

على كلٍ؛ اليوم نحن في حزب الله في الذكرى السنوية الثانية للشهداء ‏القادة، قادة المقاومة وقادة المحور ‏وقادة الانتصارات؛ الحاج قاسم ‏سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، نُؤكّد التزامنا بهذا الوعي وبهذا ‏الخط ‏وهذا الطريق، ما ندعو إليه الشعوب وناسنا في لبنان، لا أن ‏يلتحقوا بهذا المحور أو ذاك المحور، بالحدّ ‏الأدنى أن يعرفوا العدوّ ‏فيتخذوه عدواً، وأن لا يشتبهوا في تعيين الصديق، فيطعنوه في ظهره ‏ويتآمروا ‏عليه، هذه هي رسالة اليوم، وهذه الدماء سوف تبقى تصرخ ‏وتضجّ فينا، في عروقنا وفي عروق أولادنا وأحفادنا حتّى التحرير الكامل ‏لأرضنا، لفلسطين، ولمنطقتنا، من كل احتلال أميركيّ وإسرائيليّ إن شاء ‏الله. ‏والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] قانون قيصر الأمريكي معنيّ بفرض العقوبات على كل من يقدم دعما ماليا وتقنيا وماديا للحكومة السورية أو شخصية سياسية عليا في الحكومة، والدعم المالي يشمل توفير القروض وائتمانات التصدير.

وبالنسبة للنفط ومصادر الطاقة، نص القانون على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية.

المصدر
كتاب يحبهم ويحبونه | كلمات السيد حسن نصرالله حول الشهيد قاسم سليماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟