مواضيع

الأقدام المباركة

من كتاب نشيد الشهادة للأستاذ محمد سرحان

نص الوصية

إلهي! قدماي مترنّحتان، لا رمق فيهما. لا جرأة لهما على عبور الصّراط الذي يمرّ فوق جهنّم.
فأنا ترتعش قدماي حتى على الجسر العاديّ، فالويل لي أمام صراطك الذي هو أرفع من الشّعرة وأحدّ من السّيف؛ لكنّ بصيص أملٍ يُبشّرني بإمكانيّة أن لا أتزعزع، وقد أنجو. لقد تجوّلت بهاتين القدمين في حرمكَ وطفتُ حول بيتكَ وركضت حافيًا في حرم أوليائك وبين الحرمين، بين حرمي حسينكَ وعبّاسك؛ كما أنّني ثنيتُ هاتين الرجلين في المتاريس لمدّة طويلة وركضت، وقفزت، وزحفتُ، وبكيتُ، وضحكتُ وأضحكتُ وبكيت وأبكيتُ، ووقعت ونهضت لأجل الدّفاع عن دينك. آملُ أن تصفح عنّي لأجل تلك القفزات وذلك الزّحف وبحرمة تلك الحرمات.
إلهي! رأسي، وعقلي، وشفاهي، وحاسّة شمّي، وأذني، وقلبي، وكلّ أعضائي وجوارحي غارقة في هذا الأمل؛ يا أرحم الرّاحمين! اقبلني؛ اقبلني طاهرًا؛ اقبلني بأن أكون لائقًا للوفود إليك.
لا أرغب في شيءٍ سوى لقياك، فجنّتي جوارك، يا الله!

الحالة الروحية التي تعيشها شخصية الحاج قاسم التي تكشفها عبارات وصيته الخالدة حيث تظهر التقوى العميقة المرتكزة في وجدانه، هذه الحالة الإيمانية كما يصف أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «بأنهم كمن رأى النار حينما يمر بآية عذاب فترتعد فرائضهم خوفًا»، فهذا الشهيد العظيم يصف نفسه الضعيفة التي لا تستطيع السير على صراط يوم القيامة على شفير جهنم الموصوف في الروايات بأنه أدق من الشعرة وأحدُ من السيف، وحالة الخوف الشديدة التي يعيشها مرتبطة بحالة موازية، وهي الرجاء الكبير والطمع بما لدى الله سبحانه، وأمل الشهيد بالنجاة من ذلك الموقف العظيم يوم القيامة، وأن لا تزل قدماه على الصراط؛ لأن تلك القدمين يشفع لهما؛ لأنهما كانتا في مواضع الطاعة في أحيان كثيرة، فهما القدمان اللتان طافتا بالبيت الحرام، وهما اللتان جالتا بين حرمي الحسين والعباس (ع)، وهما نفسهما اللتان تقدم بهما في ساحات الجهاد والعطاء في سبيل الله فيطلب الشهيد الشفاعة بتلك الحرمات العظيمة.

اللقاء اللائق

تنعكس الحالة العرفانية التي يعيشها الشهيد على تعابيره في الوصية حيث يرى أن كل هذا الوجود لا يعزب ذرة عن محضر الله، وقلب المؤمن عرشه، ولا يليق بالمؤمن أن يعصي الله في محضره، كما قال السيد الإمام رضوان الله عليه: «إذا يطلب الشهيد من الإله الرحيم أن يقبله في حضرته طاهرًا نقيًا من الذنوب لأنه عندما تغسل ذنوبه كلها يكون لائقًا بذلك اللقاء؛ لأن أمنية حياته هي الوصول لهذا اللقاء وأن الجنة الحقيقية هي مجاورة الله، وأي نعمة أخروية أعظم من هذه، وأي روحية يحملها هذا الشهيد العظيم الذي يرى الجنة الحقيقية هي جوار الله سبحانه وتعالى، فهذه أحد النماذج القدسية للنفس المطمئنة التي عرفنا شيئًا من حقيقتها بعد استشهادها.

المصدر
كتاب نشيد الشهادة - شرح وصية الشهيد القائد قاسم سليماني | الأستاذ محمد سرحان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟