مواضيع

دعاء موسى (ع) على فرعون وحزبه

<وَقَالَ مُوسَى رَبنَا إِنکَ آتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِینَةً وَأَمْوَالا فِی الْحَیَاةِ الدنْیَا رَبنَا لِیُضِلوا عَنْ سَبِیلِکَ رَبنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا یُؤْمِنُوا حَتى یَرَوُا الْعَذَابَ الألِیمَ>

لقد بالغ موسى الكليم (عليه السلام) في إظهار المعجزات وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدين الإلهي الحق، وعرض على فرعون الطاغية وملئه الفاسدين المجرمين المستكبرين من الأشراف والأعيان والمترفين وكبار القادة والموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين الآيات النيرات والبينات الواضحات والحجج الباهرات عرضاً مكرراً لا يحصى عدده، وردد عليهم النصائح الصادقة والمواعظ البالغة زماناً طويلاً كافياً لغرضه، وحذرهم عذاب الله (عز وجل) وانتقامه، وأنذرهم سوء عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال والعناد والاستكبار في الدارين الدنيا والآخرة، ولكن بدون فائدة ترجى منهم، فلم يزدادوا إلا كفراً وضلالاً على كفرهم وضلالهم، وقسوةً على قسوتهم، وعناداً على عنادهم، واستكباراً على استكبارهم، وإعراضاً عن الحق على إعراضهم، ويئس من إيمانهم يأساً تاماً ولأسباب موضوعية كافية، ولم يبق له مطمع في هدايتهم، وعلم بالتجربة وطول الصحبة أو بالوحي والتنزيل بأنه لن يأتي منهم إلا المزيد من البغي والضلال والطغيان، وأن إيمانهم أصبح كالمحال، وقد حرّموا الإيمان على عباد الله المستضعفين والتابعين لهم من عوام الناس، بعد كل ما جاءهم به من المعجزات الباهرات القاهرات والبينات النيرات الواضحات والأدلة القاطعة، وعَلِمَ عِلْمَ اليقين بأنهم مصرين على الجحود والعناد والإنكار، وماضين على ما هم عليه من الكفر والضلال والإفساد في الأرض، ومقيمين عليه ودائمين، وأنهم لن يكفوا أبداً عن أذى بني إسرائيل واستضعافهم والإبقاء على استعبادهم وإذلالهم واستخدامهم بغير حق في الأعمال الشاقة الوضيعة، والسعي لفتنتهم عن دينهم الإلهي الحق، واستهدافهم وقصدهم بالسوء والشر.

وحينئذٍ اشتد غضبه عليهم، وبالغ في مقتهم وكراهية حالهم، ليس غضباً لنفسه، وإنما غضباً لربه  (جل جلاله)، وللخير والصلاح خوفاً منه على مستقبل الأمة والمسيرة البشرية، فتوجه أولاً لبني إسرائيل وأوصاهم بالصبر والصمود والتحمل والثبات والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والاستعانة به والثقة بوعده الصادق؛ لأنه قادر على كل شيء وهو لا يخلف الميعاد، وحذرهم من الوهن والضعف والخنوع والتراجع والخضوع لإرادة الفراعنة والمستكبرين المجرمين؛ فيكون ذلك سبباً لمقت الله  (جل جلاله) لهم وتسليطه لأعدائهم عليهم وتمكينهم منهم، فيخسروا بذلك أنفسهم ويهلكوها ويَشقَون في الدارين الدنيا والآخرة.

ولما علم بأن لا طاقة لبني إسرائيل المستضعفين على مقاومة فرعون وحزبه المجرمين؛ وذلك بسبب الخلل في ميزان القوى المادية والبشرية وميله الشديد لصالح فرعون وحزبه المجرمين، ولما يتصف به فرعون وحزبه من القسوة والبطش الشديد بدون رحمة ببني إسرائيل، والخوف على بني إسرائيل من الفتنة، رَأفَ بحالهم، وتوجه إلى ساحة القدس الإلهي بالتضرع والتوسل، ودعا على فرعون وحزبه المجرمين إخوان الشياطين، وأَمّنَ أخوه ووزيره وشريكه في النبوة الرسالة والقيادة هارون  (عليه السلام) على دعائه، فكانا شريكين في الدعاء، فقال في دعائه: <رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ>[1]، أي: أنك أنعمت على فرعون وحزبه المجرمين الفاسقين من الأشراف والأعيان وكبار القادة والموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين وغيرهم بالنعم العظيمة من الزينة التي يتزينون بها ويتفاخرون بينهم وتجذب النفوس الضعيفة ونفوس العوام إليهم، مثل: الحلي والجواهر من الذهب والفضة والزبرجد والياقوت ونحوها، والثياب والفرش الفاخرة التي تتصف بالحسن والجمال، والبيوت المزخرفة الواسعة، والمراكب الضخمة الفاخرة، والخدم والحشم وصحة البدن وحسن القامة والصورة ونحو ذلك، والأموال الكثيرة التي يتعظمون بها على الناس ويتفاخرون بها، مثل: الأراضي الشاسعة والبساتين الغناء والأنعام الكثيرة ونحو ذلك، والبنين والجاه والملك والسلطان والمكانة الاجتماعية ونحو ذلك، إلا أنهم بدلاً من شكر النعمة وأداء حقها وتوظيفها في الخير والتنمية والازدهار كما هو المفروض بحكم العقل والمنطق والدين الحنيف، مالوا إلى الكفر والضلال والجحود والطغيان والمعصية، واستأثروا بالأموال والسلطة والمقدرات لفرط أنانيتهم، واستعانوا بها ووظفوها في الإضلال عن سبيل الله  (جل جلاله) والحق، وصرف الناس عن الدين الإلهي الحنيف، ومن أجل ترسيخ ملكهم ونظامهم ودينهم الفرعوني، أي: عبادة فرعون الطاغية وطاعته بدلاً من عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته، ومن أجل ظلم العباد والإفساد في الأرض بغير الحق، وهذا يدل على هوان الدنيا على الله (عز وجل)، وعظيم سخطه وغضبه على فرعون وملئه وعظم مقته لهم وكراهيته لحالهم السيئة المذمومة، وخذلانه لهم واستدراجهم بسبب عنادهم وإصرارهم على الكفر والضلال، واستكبارهم على الحق وأهله، حيث لم تنفع معهم المعجزات الباهرات القاهرات والبينات النيرات الواضحات والبراهين القاطعة والنصائح الصادقة والمواعظ البالغة ونحو ذلك.

وهذا يكشف عن خبث نفوسهم وسوء طبعهم وانحراف فطرتهم وتخلفهم المعنوي، الفكري والروحي الشديد، وتمكن الشقاء منهم وانسلاخهم من رتبة الإنسانية وانحدارهم إلى درك الشياطين وانحطاط الحيوان، وأنهم يشكلون خطراً شديداً جسيماً على الإنسانية، لا سيما على المؤمنين وقادة الإصلاح والمطالبين بالحقوق المشروعة الطبيعية والمكتسبة، وعليه: فإنا نسألك بمسألتين بشأن هؤلاء المجرمين:

1. قوله: <رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ>[2]، أي: أن تديم عليهم مقتك وغضبك وسخطك، وأن تمحق أموالهم وتدمرها وتهلكها وتصيرها إلى الفناء والزوال والاندثار، وتغيرها من حالها إلى حال لا ينتفع بها، وتزيل آثار النعمة والخير من حياتهم وتحولها إلى شدة وعذاب ونقمة، وتنزل بهم الشدائد والبلاوي، وعلى قلوبهم الهموم والغموم والأحزان، أي: جازهم جزاء السوء، فهذا ما يستحقون؛ بسبب عنادهم واستكبارهم على الحق، وإصرارهم على الكفر والضلال والجحود والظلم للعباد والإفساد في الأرض بغير الحق، وما يشكلونه من خطر كبير على الإنسانية والمؤمنين وقادة التغيير والإصلاح والمطالبين بالحقوق الواقعية المشروعة الطبيعية والمكتسبة، ومن أجل كسر شوكتهم وتذليل تجبرهم؛ ليرجعوا عن كفرهم وضلالهم وظلمهم للعباد ولا يزدادوا بغياً وطغياناً وإفساداً في الأرض ويسهل قبولهم للحق والإيمان.

فقد ثبت بالتجربة أن النعمة مغرية لأهل الجهل والحماقة بالظلم والطغيان والاسترسال في الإعراض عن الدين الحق، وأن قساوة قلوبهم وشراسة نفوسهم لا تذللها الآلام الجسدية والنفسية، وعليه: فإن دعاء موسى الكليم (عليه السلام) يدخل في دائرة السعي لإصلاحهم وتقليل الشرور في العالم وفي تاريخ البشرية بوسائل التشديد والضغط على المجرمين بعد أن فشلت الحجج ووسائل اللين في هدايتهم وإعادتهم إلى عقولهم وفطرتهم ورشدهم.

وقد جاء في بعض الروايات أن جميع أموال الفراعنة صارت حجارة، وقيل في تفسير ذلك: إن التدهور الاقتصادي؛ بسبب الثورة وسوء الأوضاع والأمراض وتلف المزروعات بسبب العاهات وتلوث المياه والبيئة ونحو ذلك؛ بسبب آيات العذاب التي نزلت عليهم من السماء عقوبة إلهية لهم على أعمالهم السيئة المذمومة، قد بلغت قيمتها حداً هبطت معه قيمة الأموال المنقولة وغير المنقولة حتى أصبحت قيمتها كقيمة الحجارة، وهو ما يعرف في الاصطلاح الاقتصادي في أيامنا بالتضخم.

2. قوله: <وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ>[3]، أي: اجعل قلوبهم قاسية مطبوعة، فلا تحسن التفكير والتدبير؛ فيكون ذلك سبباً لتدهور الأوضاع العامة في البلاد وانفتاح أبواب الثورة عليهم، ولا تقبل قلوبهم الحق ولا تنشرح للإيمان ولا توفق للطاعة والتوبة، حتى يروا العذاب الأليم بأم أعينهم حين يعاينون ملك الموت الذي يأتيهم في أبشع صورة مخيفة؛ ليقبض أرواحهم الخبيثة عند الموت، فيؤمنوا حينئذٍ إيمان إلجاء لا إيمان اختيار، وهو إيمان لا ينفعهم بشيء، ثم يعاينوان العذاب الأليم بعد الموت في نار البرزخ، ثم يعاينون العذاب العظيم الذي لا مثيل له على الإطلاق في نار جهنم في الآخرة، فيخسرون بذلك الدارين الدنيا والآخرة، وهو ما يسمى بالخذلان والاستدراج الإلهي.

وقيل: المراد من الآية الشريفة المباركة أن موسى الكليم (عليه السلام) دعا عليهم بالأنكاد والأحزان التي تجعل قلوبهم في ضيق وحرج ما داموا في الكفر، برجاء أنهم إذا زالت عنهم النعم وضاقت صدورهم بكروب الحياة تفكروا في سبب ذلك وعادوا إلى عقولهم وفطرتهم ورشدهم، ولجأوا إلى الله ذي الجلال والإكرام، وعجلوا بالتوبة إليه كما هي عادة النفوس الغافلة، قول الله تعالى: <وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ>[4].

قلت: كان دعاء موسى الكليم (عليه السلام) على فرعون وملئه المجرمين الفاسقين غضباً منه عليهم؛ بسبب عنادهم واستكبارهم على الحق وأهله وإصرارهم على الكفر والضلال والجحود والإضلال، وجرأتهم على الظلم والإفساد في الأرض بغير الحق وعلى محارم الله (عز وجل) ومقدساته وشريعته ودينه الحق وصرف الناس عنه، وهنا ينبغي علينا التوقف؛ لأن وظيفة الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين (عليهم السلام) هي هداية الناس وإرشادهم برجاء نجاتهم من الشقاء والهلاك وتحصيل السعادة الحقيقية لهم في الدارين الدنيا والآخرة، فكيف يجوز ويصح لموسى الكليم وأخيه هارون  (عليهما السلام) أن يدعوا على فرعون وملئه بعدم التوفيق للتوبة والإيمان والطاعة، ثم الهلاك والشقاء في الدارين الدنيا الآخرة؟ أليس ذلك مخالف لوظيفتهما الرسالية وغايتهما في الحياة؟!

والجواب: نعم!! إن وظيفة الأنبياء الكرام والأوصياء الهادين المهديين والأولياء الصالحين (عليهم السلام) هي الهداية إلى الناس برجاء نجاتهم من الشقاء والهلاك وتحصيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، ولكن بعض المجرمين من الكفار والمنافقين الذين بلغوا الغاية القصوى في الكفر والنفاق، يصل عندهم الإجرام في حق الأمة والبشرية إلى درجة شنيعة، تحمل الأنبياء والأوصياء والأولياء (عليهم السلام) رغم كل ما يحملونه من الرأفة والرحمة والشفقة بالعباد والصبر والتحمل للأذى على الدعاء على أولئك المجرمين الجناة بالهلاك والشقاء والخسران والعذاب الأليم في الدارين الدنيا والآخرة، وهذا لا يدل على القسوة وقلة الرحمة ولا يخرج عن الوظيفة الرسالية لهم في الحياة، بل يكشف عن عظيم جرم أولئك المجرمين، ويدخل في دائرة شهادتهم عليهم بأن لا أمل في صلاحهم وهدايتهم وأنهم لا يستحقون من الله (عز وجل) إلا الخذلان والاستدراج والعذاب الأليم في الدارين الدنيا والآخرة؛ وذلك لما عرفوه عنهم عن معاينة وعلم يقين من خبث النفس وسوء الطبع وانحراف الفطرة وفساد الفكر والعقيدة والمنطق وقبح الصفات والخصال والأعمال الإجرامية الشنيعة بحق الإنسانية والأبرياء والصالحين ونشر الفساد في الأرض.

على غرار شهادة النبي العظيم نوح (عليه السلام) على قومه، قول الله تعالى <وَقَالَ نُوحٌ ربِ لَا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الْكَافِرِينَ دَيارًا ٢٦ إِنكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفارًا>[5]، والأنبياء الكرام (عليهم السلام) جميعاً شهداء لله (عز وجل) على الناس بالحق، فهم يشهدون حقائق الأعمال ويعلمون بها عن معاينة ويقين، ويؤدون الشهادة بين يدي الله سبحانه وتعالى في يوم القيامة.

وما جاء في دعاء نوح وموسى الكليم (عليهما السلام) وغيرهما من الأنبياء الكرام (عليهم السلام) هو نوع من الشهادة في صورة الدعاء، وحاشا ساحتهم الطاهرة المقدسة أن يتكلموا بالمظنة وهم يشافهون رب العزة والكبرياء والجلال، ونودي الله سبحانه وتعالى في الدعاء بوصف الربوبية قوله: <وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا>[6]، وقوله: <قَالَ نُوحٌ رَّبِّ>[7]؛ لإظهار العبودية والخضوع والتذلل والإتباع؛ ولمناسبة وصف الربوبية للمراد من الدعاء.

أضف لما سبق: إن هذا الدعاء يجري مجرى الاستدراج الإلهي وعلى منواله، فمع رحمة الله الواسعة وطول أناته في غضبه وإرادته الخير والهداية لجميع عباده، إلا أنه يخذل بعض الكافرين والمنافقين والعاصين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون؛ بسبب عنادهم واستكبارهم على الحق وأهله وإصرارهم على الكفر والضلال والنفاق والمعصية، ولما يتصفون به من الخصال القبيحة المذمومة، وما يرتكبونه من الذنوب والمعاصي والأعمال السيئة والجرائم ضد الإنسانية والأبرياء والصالحين، قول الله تعالى: <فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِبُ بِهَـذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤ وَأُمْلِي لَهُمْ إِن كَيْدِي مَتِينٌ>[8]، فالخذلان والاستدراج لا يدلان على ضيق الرحمة، وإنما يدلان على عظيم جرم الكفار والمنافقين، وهو من قبيل المجازاة، أي: مقابلة السوء بسوء مثله على قاعدة: الجزاء من جنس العمل.

وعليه: فدعاء موسى الكليم (عليه السلام) على فرعون وملئه المجرمين يدل على كمال المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام، والتقاء إرادة موسى الكليم وهارون  (عليهما السلام) مع الإرادة الإلهية بإغلاق أبواب الإيمان والتوبة والطاعة على فرعون وملئه المجرمين، أي: دعا عليهم بما علم أنه موافق للحكمة الإلهية البالغة والإرادة الربانية العليا، وبما لن يكون غيره بمقتضى الحكمة الإلهية والإرادة الربانية، كقول القائل: لعن الله إبليس، وأخزى الله الكفرة، وهي شهادة منه عليهم، بأنه لم تبق له معهم حيلة، وأنهم لا يستحقون من الله  (جل جلاله) إلا الخذلان والعذاب، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الكفر والضلال، وليطبع الله (عز وجل) على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، فهم لا يستحقون من الله (جل جلاله) بصفاتهم القبيحة وأعمالهم السيئة إلا الخذلان والعذاب، وفي ذلك عبرة وموعظة بالغة لكل ذي لب وعقل وضمير زاجر له عن أن يفعل مثل فعلهم، فيستحق مثل ما يستحقون، ويكون مصيره مثل مصيرهم في الدارين الدنيا والآخرة.

وهنا تجب الإشارة إلى قول البعض، أن الآية الشريفة المباركة دليل على أن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يضل الناس ويريد ضلالهم، وهذا خطأ بَيّن؛ لأن الضلال قبيح والله سبحانه وتعالى منزه عن القبيح، والإضلال منافٍ للحكمة والكمال المطلق للذات الإلهية. وفي القول المذكور هدم لبنيان الدين الحنيف من أساسه ونقض لغاياته، وفيه إبطال للثقة بالمرسلين الكرام (عليهم السلام) والكتب السماوية التي ترمي إلى الهداية وترشد الناس إلى الإيمان بالدين الحنيف. وقولنا لا ينفي الإرادة التكوينية لله سبحانه وتعالى في ضلال الكافرين الموافق للاختيار، إذ لا يستقل شيء بفعل أو تأثير عن الله سبحانه وتعالى، ولولا أنه أراد لهم الضلال بالإرادة التكوينية لكان قد أجبرهم على الإيمان، والجبر مخالف للحكمة الإلهية والغاية من خلق الإنسان وتكليفه، الذي يقوم على العقل والاختيار، وبه تميز من بين جميع الكائنات في الوجود، وعليه: فالهداية والضلال من الله سبحانه وتعالى بعنوان المجازاة ومقابلة السوء بالسوء كما سبق بيانه والاستدلال عليه من القرآن الكريم.


المصادر والمراجع

  • [1]. يونس: 88
  • [2]. نفس المصدر
  • [3]. نفس المصدر
  • [4]. الروم: 33
  • [5]. نوح: 26-27
  • [6]. يونس: 88
  • [7]. نوح: 21
  • [8]. القلم: 44-45
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟