مواضيع

النماذج الإسلاميّة الراقية

< مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ ۖ فَمِنهُم مَن قَضىٰ نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ ۖ وَما بَدَّلوا تَبديلًا>

صدق الله العليّ العظيم.

في البداية؛ أتوجّه إلى جميع المسلمين بالتعزية بمناسبة ذكرى شهادة الصدّيقة الكبرى سيّدة نساء العالمين السيّدة الزهراء فاطمة بنت محمّد رسول الله(ص).

وأُجدّد التعزية والتبريك لعوائل الشهداء، كلّ الشهداء الذين مضوا وقضوا في هذه الجريمة الأمريكيّة البشعة في بغداد قبل أيام، وبالأخصّ إلى عائلة الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني وإلى عائلة الشهيد القائد الحاج أبو مهدي المهندس.

أنا اليوم سأتحدّث في عناوين عدّة مرتبطة بشكل أساسيّ بمناسبة احتفالنا هذا.

القائد الشهيد الكبير

العنوان الأوّل: الحديث عن الشهيدين وبالأخص عن الشهيد الحاج قاسم، لِما له صلة بلبنان وبالمقاومة في لبنان.
في الأسبوع الماضي يوم الأحد، لم تكن الفرصة متاحة في هذا الجانب، أودّ أن نأخذ جزءاً من الوقت لأتحدّث في هذا الأمر، من باب أن يعرف الناس بعضاً من صفات هذين القائدين الشهيدين وفضلهما وقيمتهما وعظمتهما وماذا قدّما، والله – سبحانه وتعالى – يطلب منّا أن نشكر المخلوقين كما نشكر الخالق؛ ففي الآية القرآنية يقول لنا <أنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ>، في رواياتنا هذا الأمر من الواضحات ومن المسلّمات، أن يشكر الإنسان من يتفضّل عليه ومن يمنّ عليه، يشكر والديه ويشكر أستاذه ومعلمه، من يدافع عنه، من يُعينه… فأوّلاً من أجل أداء واجب الشكر تجاه هؤلاء الشهداء الأعزاء وما قدموا لنا في لبنان وفي فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي أفغانستان وفي اليمن وفي كلّ منطقة، ولأنه بالشكر تدوم النعم وتُحفظ النعم، وبالشكر لله – سبحانه وتعالى – يُعوّضنا عن هذه الخسارة أو تلك الخسارة بمثلها أو بأحسن منها، أمّا إذا كُنّا ناكري جميل وجاحدي معروف، فهذا الأمر حتّى بالميزان الإيمانيّ والأخلاقيّ له نتائج أخرى، والحمد لله؛ لقد وجدنا ذلك اليوم، وخلال هذا الأسبوع أو العشرة أيام الماضية في أكثر من بلد، في فلسطين وفي سوريا؛ حيث كان هناك حفل قبل قليل أيضاً وتحدّث فيه قادة ومسؤولون، وفي العراق وفي اليمن وفي أفغانستان، في كثير من هذه الدول التي كان له بشكل أو بآخر حضور مباشر فيها، وفي البحرين وفي باكستان وفي أفريقيا وفي نيجيريا وفي الهند وفي كثير من دول العالم، لكن بشكل خاص أنا أَقصد أولئك الذين كانوا على صلة خصوصاً مع الحاج قاسم سليماني الشهيد، وعلى صلة عمل ويعرفون جيداً ماذا قدّم لهم، وكيف وقف إلى جانبهم، وكيف ساندهم، وكيف دعمهم، وكيف كانت علاقته بهم، أن يخرجوا إلى الناس؛ لأن هذا كلّه كان في السر وفي الخفاء وبعيداً عن العيون والأنظار إلّا قليلاً، فيقولوا لشعوبهم هذه الحقائق، ويشرحوا للعالم ماذا فعل هذا القائد الشهيد الكبير، وبالتالي من خلفه الجمهوريّة الإسلاميّة وقيادة الثورة الإسلامية في إيران؛ لأنّ الحاج قاسم لم يكن يُمثّل شخصه ولا يُمثّل عائلته، وإنّما كان يُمثّل هذه الثورة وهذا النظام المبارك وهذه القيادة المباركة والحكيمة، وكان خير رسولٍ وخير ممثلٍ وخير حاملٍ لرايتها إلى شعوبنا وإلى دولنا وإلى حركات المقاومة في منطقتنا، فكلّ جهة تتحدّث عن بلدها، وأنا سوف أتحدّث عن لبنان وقليلاً عن العراق لمدخليّة الحديث عن الحاج أبو مهدي المهندس.

أيضاً؛ هذا التعريف الموجز – لأنه إن شاء الله يحتاج إلى مناسبات أخرى – نَقصد منه أيضا أن نُقدّم لأمّتنا وللعالم نموذجاً ورمزاً ومصداقاً للقائد الجهاديّ الإسلاميّ الحقيقيّ الذي يَصنعه الإسلام، وتصنعه مدرسة الإمام الخميني(ق)، وتَصنعه قيم هذه الثورة الإسلاميّة المباركة ومفاهيمها.

وصلت علاقته مع إخواننا في المقاومة في لبنان إلى درجة «يُحبّهم ويُحبّونه»، ومعرفتنا بالحاج قاسم بصفتنا حزب الله؛ يعني أنا شخصيّاً وكلّ إخواني، بدأت في العام 1998، عندما تولّى قيادة قوّة القدس في الحرس، وعندما تحمّل المسؤوليّة هو بادر بالمجيء إلى لبنان، يعني منذ البداية كان واضحاً ماذا ينتظرنا من خير ومن بركات، لم ينتظر حتّى نذهب نحن إلى إيران، لنتعرّف عليه ولنبارك له المسؤوليّة ولنتفق على آليات العلاقة وأُسسها، هو الذي بادر وجاء إلينا. وبسرعة استطاع أن يؤسس مع قيادة حزب الله عموماً ومع القادة الجهاديّين خصوصاً، وحتّى مع مستويات مختلفة من المجاهدين في المقاومة في لبنان، لعلاقة مختلفة ومميّزة ومتينة حتّى شهادته، سريعاً – وبكلّ صدق – شعرنا أنّه واحدٌ منّا، مع العلم أنّه للوهلة الأولى كان هناك حاجز اللغة، لكن سريعاً صار يتعلّم العربيّة، مع أنّه هو عميد وقائد قوّة في الحرس، وجنرال كبير في إيران، ومندوب نظام كبير في المنطقة، ولكن مع الحاج قاسم ومنذ الساعات الأولى لم نشعر لا بالشكليّات ولا البروتوكلات ولا النجوم والدرجات والرتب والمجاملات والحواجز على الإطلاق، كان واحدا منا وكأخٍ من إخواننا المجاهدين والطيّبين والعاديين، وكان حضوره بيننا دائماً وكبيراً، حتّى في الميدان، وحتّى في الخطوط الأماميّة، وحتّى خلف السواتر الترابيّة، هذا ما سنرى إن كان له مشاهد مصوّرة، لكن مشاهد الحضور في السواتر الترابية في العراق  أكثر، وواضحة وموجودة ومنشورة.

وصلت العلاقة مع إخواننا في المقاومة في لبنان إلى درجة يُحبهم ويُحبونه، يأنسون به ويأنس بهم، ويشتاقون إليه ويشتاق إليهم، وهو كان بحقّ يَفرح لفرحنا ويَحزن لحزننا، هكذا كان الحاج قاسم. طبعاً؛ هذه العلاقة نموذجيّة، عندما أُكمل بها أختم بالجانب النموذجي، بدلاً من أن نذهب إليه كان دائماً يأتي إلينا، مع تولّي الحاج قاسم سليماني مسؤوليّة قوّة القدس لم نَعد نحن بحاجة أن نُرسل وفوداً إلى إيران لنطلب الدعم أو المساعدة أو نشرح الأوضاع أو الظروف أو الصعوبات، هو دائماً كان يحضر ويأتي في أوقات متقاربة جداً، وكان يحمل كلّ آلامنا وكلّ أوجاعنا وكلّ نواقصنا وكلّ طلباتنا وكلّ حاجاتنا، ويُتابعها في الجمهوريّة الإسلاميّة، ويقوم بتأمينها لنا، حتّى أكثر ممّا كُنّا نَطلب أو كُنّا نَتوقّع، لذلك كان دائماً يُساعدنا ويَدعمنا ويُفكّر معنا ويُقوينا، يعني المساعدة التي كان يُقدّمها لنا هي مساعدة فكريّة ومساعدة ماديّة ومساعدة معنويّة وحضور دائم إلى جانبنا، هذا الذي لم يكن يشعر به أحد في لبنان، ولم يتحدّث عنه أحد في لبنان في السابق.

انتصارات المقاومة

البداية كانت سنة 1998؛ عندما ترجعون بالذاكرة إلى سنة 1998 و1999 و2000 كان ذروة عمل المقاومة وقوّته في جنوب لبنان، في بداية مجيء الحاج قاسم إلى قوّة القدس، أحد أسباب هذا التطوّر الكمّي والنوعي في عمليّات المقاومة في 1998 و1999 والذي أدّى إلى الانتصار في العام 2000، هو متابعة الحاج قاسم سليماني ومواكبته ودعمه بصفته مندوبا وحامل الراية من قبل الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. ولذلك الحاج قاسم كان شريكاً كاملاً في تحرير لبنان في 25 آيار 2000، ونحن لم نتحدّث عن ذلك سابقاً، وهو لم يتحدّث عن هذا أبداً في يوم من الأيام، لكن اليوم بعد شهادته من واجبنا أن نقول هذه الحقيقة.

بعد العام 2000 كان يمكن أن يقول أحد: هذه «إسرائيل» انسحبت من جنوب لبنان، ولا تزال توجد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وليس معلوماً أفق هذا الموضوع، فهمّ المقاومة في لبنان الحمد لله  انزاح، وبالتالي الحاج قاسم سوف يتّجه إلى أولويات أخرى. هو كان معنا في الفكرة نفسها أنه بعد تحرير جنوب لبنان، لبنان ما زال في دائرة الخطر، دائرة التهديدات الإسرائيليّة والأطماع الإسرائيليّة بل والانتقام الإسرائيلي؛ لأنّ كبار المفكّرين والقادة الإسرائيليّين تحدّثوا عن انتصار المقاومة في العام 2000 بأنّه انتصار استراتيجي وله تداعيات خطيرة على داخل الكيان، وهذا ما شهدناه سريعاً داخل فلسطين وفي انتفاضة الأقصى، ولذلك كانت الحاجة إلى تطوير قدرات المقاومة لتتحوّل من مقاومة تُنفّذ عمليّات استنزافيّة في الشريط الحدوديّ اللبنانيّ المحتلّ إلى مقاومة تملك قدرة عالية للردع لمنع العدوان الإسرائيليّ على لبنان، ولقطع يد «إسرائيل» وأحلام «إسرائيل» عن لبنان، ولذلك دخلنا في مرحلة جديدة من العلاقة، وبدأ التطوّر النوعيّ إضافةً إلى استكمال التطوّر الكمّي والبشريّ والنوعيّ في الإمكانيّات، وهنا دخل ما يُسمّى بالقدرات الصاروخيّة التي تحدّثنا عنها في أكثر من مناسبة؛ سواء أرض – أرض، أو أرض – بحر، أو في مجالات أخرى عادةً لا نتحدّث عنها، والحاج قاسم كان يُواكبنا بشكل يوميّ وبشكل دائم، وأنا أعترف لكم حتّى عندما كنّا نحن أحياناً نملّ أو نتعب أو نحتاج إلى قسط من الراحة، كان الحاج قاسم يقول: «أيّها  الإخوة، ليس لديكم الكثير من الوقت، وليس لديكم ترف في الوقت، هذه إسرائيل، هذه إسرائيل».

في العام 2006، عندما بدأ العدوان على لبنان، الحاج كان في طهران، «حمل حالو» وأتى إلى الشام، واتصل بنا وقال: «أريد أن أنزل إلى بيروت»، قلنا له: «يا حاج؛ كيف تريد أن تنزل إلى بيروت؟! الطرقات تُقصف والجسور تُقصف، أصلاً لا توجد إمكانية أن تصل»، قال: «لا أفهم، أنا لا أستطيع أن أتحمّل أن أبقى في طهران أو في دمشق، يجب أن أصل إليكم». وبالفعل بعثنا الإخوان، ووصل الحاج إلى الضاحية الجنوبيّة عندنا، بقي معنا كلّ أيّام الحرب، اليوم نحن في 2019 ـ 2020، هل ذكَر أحد سيرة الحاج قاسم على سبيل المثال حتى نُفاخر بإنجازاته وعطائه أنه كان معنا في حرب تموز؟ أبداً؛ لا هو تحدّث عن ذلك، ولا نحن تكلّمنا إلّا قبل أشهر قليلة، كان هناك مناسبة وذُكر الموضوع. حسناً؛ بقيَ معنا تحت القصف، كان يستطيع البقاء في الشام أو في طهران، يرسل لنا إمكانات وأموال، وسلاح، ومَدَد، وتواصُل مع القيادة، وتنسيق مع القيادة السوريّة والقيادة الإيرانيّة، لكن لم يكن يحتمل إلا أن يكون معنا في غرفة العمليّات. أنا كنت أجادله، فيقول لنا: «سيّدي، إمّا أن أحيا أو أموت معكم». وبقي معنا كلّ أيام الحرب بكلّ صعوباتها، إلى 14 آب عندما أصبح واضحاً وقف إطلاق النار، والحرب وضعت أوزارها، وقبلها بأيام عدّة أصبح واضحاً أنّ الحرب ستتوقف، حصل نقاش بيني وبينه ومع الإخوان، قال: «حسناً؛ الحرب ستتوقّف، وأنا بعد انتهاء الحرب سأغادر إلى طهران، ماذا تطلبون مني؟» قلنا له: «يا حاج عندما تضع الحرب أوزارها أوّل استحقاق سيكون أمامنا هو  المهجّرين، والبيوت المهدّمة، والناس التي ستعود ولن تجد بيوتاً، نحن نحتاج إلى مبلغ كبير وسريع جداً؛ لأنّه لدينا مشروع ما سميّ في ذلك الوقت بمشروع «الإيواء»، حتّى لا تبقى الناس في الطرقات، فنعطي للناس إمكانية مالية معيّنة ليستأجروا منازل خلال سنة ويأمّنوا أثاث منزل ولو أثاثا  متواضعا، ونبدأ بعملية ترميم المنازل المتضرّرة». وبالفعل كانت هذه أولويّته المطلقة، ووصل إلى طهران، وفي اليوم الثاني كان يؤمّن لنا هذا الدعم الذي حفظ ماء وجوهنا جميعاً، ولم يبق أحد منا جميعاً في الشوارع والطرقات، وفي أماكن التهجير، وعُدنا إلى بيوتنا ورممناها، ولاحقاً كانت المساهمة الإيرانيّة الكبيرة في الإعمار؛ سواء عن طريق الدول أو بالمباشر من خلال مؤسّساتنا، هذا هو الحاج أيضاً في الـ 2006.

بعد الـ 2006 أيضاً، واصل جهده بمزيد من الأمل ومزيد من اتساع أفق جديد وكبير، إلى أن عصفت الأحداث في المنطقة في سوريا ولاحقاً في العراق وما كان يجري حولنا، ما زلت أتكلّم عن لبنان، لا أتكلم عن فلسطين – الحمد لله قادة الفصائل الفلسطينيّة، مشكورين خلال الأيام الماضية، تكلّموا وكانوا منصفين وواقعيّين، والبعض أساء لهم لأنّهم كانوا عارفي جميل وليسوا ناكري جميل – حسناً؛ هذا فيما يخص لبنان، الحاج جاء وحضر بشكل مباشر.

حول ما يجري في سوريا، منذ البداية كانت قراءتنا واحدة، أودّ أن أقول للبنانيّين أيضاً في الشقّ اللبناني، البعض عندما ينظر إلى المعركة في السلسلة الشرقيّة أو في إخراج داعش وأخوات داعش من جرود عرسال وجرود البقاع الشماليّ، يحاول أن يسخّف، تعلمون يوجد أشخاص سخفاء، هم سخفاء في الأساس، ولكن يسخّفون الإنجازات الكبيرة، يقول ماذا كان يوجد في الجرود 1000 مقاتل نصفهم من داعش ونصفهم من جبهة النصرة أقل أكثر، ما هذه العظمة؟ ما هذا الإنجاز؟ هذا استهزاء وهذا تضليل، في الحقيقة لو لم يتم إلحاق الهزيمة بداعش في شرق حمص، وتدمر، والسخنة، والبادية، هل كان يمكن إخراجها من جرود عرسال ومن السلسلة الشرقيّة؟ هذه كانت معركة واحدة.

نحن اللبنانيّون؛ لأنّنا نريد أن نحاول مخاطبة عقولنا ونفهم على بعضنا – وهناك أناس لا تستوعب إلا بهذه الطريقة – تحاول أنت أن تقول الحدود اللبنانيّة والحدود السوريّة، ولكن المعركة مع داعش التي دفعت الأخطار عن لبنان وعن اللبنانيين، عن كل مناطقهم وطوائفهم وقُراهم ومدُنِهم لم تكن معركة في السلسلة الشرقيّة أو في جرود عرسال التي نسميها التحرير الثاني؛ بل كانت هي معركة واحدة ممتدة من الجرود والسلسلة الشرقية إلى شرق حمص إلى شرق حلب إلى دير الزور وإلى شرق الفرات.

أصبحنا في رتبة التهديد الوجوديّ، وكان الحاج قاسم في معركة داعش معنا ومع إخواننا السوريّين، خاطر بشخصه، وبعد الانتهاء من معركة داعش، كل ما تملكه المقاومة اليوم من قوّة ردع وإمكانات وتجربة وخبرات وتطوير بحيث ترقى بحسب تصريح المسؤولين الإسرائيليّين – وأنا لا أريد أن أقول أنا أوافقهم على هذا التقييم أو لا – تجاه لبنان الذي كان يُنظر إليه كما تسمعون دائماً في المناسبات، أنّه أضعف حلَقة في المنطقة، وأنه يمكن أن يعالجه العدوّ الإسرائيلي بفرقة موسيقية، تطوّر قبل الـ 2000 وبعد الـ 2000 إلى رتبة التهديد الأمني للمستعمرات الإسرائيلية، وبعد الـ 2006 إلى ما يسمّونه التهديد المركزي أو التهديد الاستراتيجي لهذا الكيان، وصولاً في الأشهر الماضية، أعطونا رتبة جديدة بعد مسألة الصواريخ الدقيقة إلى مستوى التهديد الوجودي ورتبته، المقاومة اليوم ليس فقط في نظر العدوّ تستطيع أن تصنع توازن ردع؛ بل تستطيع أن تحمي لبنان وخيراته ونفطه وغازه، ومياهنا اللبنانية؛ بل ينظر إليها العدوّ على أنّها تهديد وجودي له، لبقائه، لكيانه، أنا أقول لكم بكل صدق، نحن ما كنا نتوقّع أن يأتي يوم ينظر فيه العدوّ إلى مقاومتنا اللبنانية بحدودها اللبنانية، بقدراتها، وطاقاتها اللبنانية، البشرية والمادية، أنّها تشكّل تهديداً وجوديّاً، هو لا يبالغ، هو يقول نوعا من الحقيقة، وكل هذا ببركة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بالدرجة الأولى وقيادتها وقيادة سماحة الإمام الخامنئيّ الذي كان رسوله الأمين، وحامل هذه المسؤولية، وهذه المهمة، بإخلاص وحب وصدق  وتفانٍ، الحاج قاسم سليماني.

النموذجان الإسلاميّان

حسناً؛ مع كلّ هذا الذي قدّمه لنا وكان معنا، والعلاقة القائمة على أساس المودّة والأخوّة والحبّ والتواضع، الحاج قاسم سليماني لم يمنَّنا في يوم من الأيام، أو أظهر أنّه هو متفضّل علينا أو ذكر أي عبارة أو أي إشارة يُمننا بها؛ أنا أحضرت لكم مالاً، وسلاحاً، قمت بتدريبكم، حوّلتكم إلى القوّة الفلانية، ساعدتكم، كنت معكم في حرب تمّوز… أبداً أبداً أبداً أبداً! لم يذكر هذا في يوم من الأيام، لا في السّر ولا في العلن، لا أمامنا ولا أمام غيرنا؛ بل دائماً كان يقول: «أنا أفعل هذا، أنا أؤدّي واجبي، وهذا أفعله في سبيل الله ومن أجل رضا الله سبحانه وتعالى، وأرجو أن يكون هذا ذخيرةً لي يوم القيامة عندما ألقى الله سبحانه وتعالى».

وأكثر من ذلك كان يقول: «أنا خادمكم»، وهذه العبارة معروفة عنه في لبنان وفي العراق وفي سوريا مع الكل ومع الفلسطينيّين. «أنا بخدمتكم، أنا خادمكم، ما الذي يمكنني أن أخدمكم به؟» هذا عندما نتكلّم عن نموذج!

وطيلة هذه السنوات – أكثر من 20 سنة – لم يطلب منّا الحاج قاسم سليماني شيئاً، ولم يوجّه لنا أمراً، ولم تطلب منا الجمهوريّة الإسلاميّة شيئاً لإيران على الإطلاق. نعم؛ في يوم من الأيام جاء الحاج قاسم سليماني وطلب منّا قادة عمليات من أجل الدفاع عن الشعب العراقيّ في بداية الأيام المتعلقة بمحنة داعش في العراق، يعني طلبَ للعراق ولم يطلب لإيران شيئاً. طبعاً؛ هذا المنطق بالنسبة إلى الدّول، والأنظمة، والجيوش، وأجهزة المخابرات في العالم، والأحزاب، والشخصيات، والنُّخب التي تقيم علاقات مع دول ومع أنظمة، غير مألوف، سيقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا كلام سماوي؟ كلام خيالي؟ تُحدّثُنا بكلام من عالم الطُّهر والقداسة. نعم؛ أنا أُحدّثكُم عن هذا العالَم، لا يمكن لأحد أن يستوعب أنّه، نعم، يوجد قيادة في إيران في زمن الإمام الخميني، في زمن سماحة الإمام الخامنئي، وأنّ هذه القيادة والنظام والدولة في هذه الجمهوريّة الإسلاميّة، يفكّرون تجاه الشعوب المستضعفة والمضطهدة والمحتلّة أرضها والمظلومين، أنّنا نحن بصفتنا دولة إسلاميّة لدينا مسؤوليات تجاه هذه الشعوب، مسؤوليّات دينيّة وإيمانيّة وإنسانيّة وأخلاقيّة، ومن واجبنا أن نمدّ لها يد المساعدة ولا نمنّنها ولا نتفضّل عليها، ولا نتوقّع منها حتّى شكراً، ولا نطلب منها شيئاً ولا نأمرها بشيء. هذا ما لا يستطيع أن يستوعبه الأمريكيّون وكثيرون في العالم، ولذلك عندما ينظرون إلى حركات المقاومة في المنطقة يقولون أدوات إيرانيّة، لا؛ هي ليست أدوات إيرانيّة، هؤلاء أصدقاء إيران وحلفاؤها وأحباؤها، وليسوا أدوات إيران، إيران ترفض أن تنظر إليهم كأدوات أو أن تتعاطى معهم كأدوات.

استمعتم إلى العديد من قادة الفصائل الفلسطينيّة، أنا كنت أقول هذا في السّر، هم الحمد لله قالوه في العلن، قالوا: نحن منذ 1998- 1999 على علاقة مع الحاج قاسم – مثلنا نحن – وخلال 20 سنة إيران لم تطلب منّا شيئاً، لم تطلب من المقاومة الفلسطينيّة شيئاً. نعم؛ كانت تطلب منهم أن يقاوموا ويتّحدوا وينسجموا ويجعلوا أولويّتهم تحرير أرضهم؛ أي قضيّتهم، أمّا أن تطلب إيران شيئاً لها، حتّى أن ندافع عنها، حتّى أن نقاتل عنها، حتّى أن نشكرها، هي لم تطلب من أحد شيئاً على الإطلاق، هذه هي الدولة الإسلاميّة، هذا هو النظام الإسلاميّ، هذا هو الإسلام السياسيّ الذي يحاول الكثيرون أن يشوّهوه نتيجة تنظيمات مثل داعش وأخوات داعش، هذا هو الإسلام الذي جاء به رسول الله محمّد(ص)، أن يقف الإنسان أو الدولة أو النظام أو الشعب إلى جانب بقيّة المستضعفين والمظلومين والمضطهدين ويمدّ لهم يد العون بقدر سعته وطاقته. طبعاً؛ لا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها. هذا ما فعلته الجمهوريّة الإسلاميّة وهذا ما فعله الحاج قاسم سليماني معنا، هذا هو النموذج، عندما أتحدّث عن القائد الإسلاميّ الجهاديّ العسكريّ، هذا هو، الجنرال الكبير، تواضع، حب، تراحم، أخوّة، حضور في الميدان، استعداد للشهادة، حضور في الخطوط الأماميّة عند السواتر الترابيّة، هذا النموذج. هذه الأيام ترون ما يُنشر في وسائل الإعلام، سواء عن الحاج قاسم أو عن الحاج أبو مهدي، كيفيّة تعاطيهم مع الناس، تواضعهم للناس، وعوائل الشهداء، والأطفال، والأيتام، والمقاتلين العاديين، وحضورهم في الجبهات، هذا كله يُقدّم هذا النموذج، طبعاً نحن نحتاج إلى تقديم هذا النموذج.

في تاريخنا الإسلاميّ شخصيّات عظيمة جداً، شخصيّات عسكريّة أيضاً عظيمة جداً، ولكن نقرأ عنها في التاريخ، لكن ما يقدّمه لنا اليوم الإسلام ومدرسة الإمام الخميني، عبر الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني وعبر الشهيد القائد أبو مهدي المهندس نموذج قدوة حيّة، عايشناها، وشاهدناها ونراها وموثّقة أمامنا وفي ساحات عديدة وفي أصعب الظروف والأيام.

أيضاً؛ عندما أنتقل إلى الحاج أبو مهدي المهندس، تشابُه كبير في الصّفات التي تحدّثت عنها قبل قليل في الصفات الشخصيّة، ولذلك كانت علاقته مع الحاج قاسم علاقة الروح والحب، كان يعدّ نفسه تلميذاً للحاج قاسم، كان يعدّ نفسه جنديّاً عند الحاج قاسم. في يوم من الأيام، وهو نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، وفي الحشد الشعبي في العراق يوجد أكثر من 120,000 مقاتل عراقي، قال الحاج أبو مهدي في مقابلة تلفزيونيّة: «أنا ابن الحاج قاسم – والحاج أبو مهدي أكبر منه بالسن – أنا جنديّه، أنا تلميذه». بعض العراقيّين لاحقاً عاتبوه، كيف تقول هكذا؟! الحاج قاسم إيراني وأنت نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق، قال: «أنا إنسان صادق وأعبّر عن مشاعري، أنا مشاعري تجاه الحاج قاسم أنّني ابنه وتلميذه وجندي عنده، تقبلونني هكذا فاقبلوني وإن لم تقبلوني فهذا شأنكم».

كل هذا التواضع، هذا الحبّ، هذه الأخوّة، هذا التراحم كان بينهما، ولذلك كل مرحلة الجهاد – طبعاً قبل الجهاد في مواجهة داعش كذلك – مع داعش كانا معاً، واختار الله سبحانه وتعالى لهما أن يستشهدا معاً، هذه ليست صدفة، ليست خطأ في التقدير، ليس لأن أبو مهدي لم ينتبه، لماذا ذهب أبو مهدي إلى المطار ليستقبل الحاج قاسم؟ لماذا؟ مع العلم أنّه عندما كان الحاج قاسم عندنا اتصل أبو مهدي وقال له: «يا حاج، لا تأتِ إلى بغداد الجوّ متوتّر»، فقال له: «لا؛ أنا قادم». وهو يعرف أنّ الجوّ متوتّر، ولكن ذهب إلى الحاج قاسم إلى المطار. أنا رأيي أنّ الله سبحانه وتعالى اختار لهذين القائدين الحبيبين الأخوين اللذين عاشا معاً، وكانت تربطهما علاقة روحية ممتازة واستثنائية، أن يستشهدا معاً، وأن يكون لهذه الشهادة بُعدها الكبير في الأمّة، بُعدها في إيران وخصوصاً بُعدها في العراق؛ حيث شعر الشعب العراقيّ أنّ أحد قيادييه الكبار أيضاً قد قتل واستشهد وقادة آخرون الذين استشهدوا مع الحاج قاسم ومع الحاج أبو مهدي من الإيرانيّين والعراقيّين أيضاً، كان بعضهم ضباطاً وكانوا مجاهدين  كبارا، ونحن مقصّرون بحقّهم في كلّ الأحوال.

عندما نذهب إلى النموذج العراقيّ أيضاً قبل سنوات، بعد سيطرة داعش على شرق الفرات في سوريا وعلى مناطق واسعة من سوريا، ثم على عدد كبير من المحافظات العراقيّة، وأصبحت على بُعد كيلومترات عدّة من بغداد، وعلى مقربة من كربلاء، وأصدرت المرجعيّة الدينيّة الرشيدة والمباركة في النجف الأشرف الفتوى الجهاديّة التاريخيّة المعروفة، هذه الفتوى كانت تحتاج إلى قادة وإلى رجال ليطبّقوها ويجسّدوها في ميادين القتال، الحاج قاسم سليماني كان يستطيع أن يبقى في طهران ويرسل ضبّاطه ويرسل إمكانات ويرسل سلاحاً، لكن الحاج قاسم في اليوم الثاني كان في مطار بغداد، هو وضبّاطه، وفتح الحدود من أجل نقل الإمكانات، وكانت مؤامرة هائلة على العراق.

داعش في تلك الأيام – أودّ أن أذكّر المشاهدين والإخوة الحاضرين والشعب العراقيّ خصوصاً – كانت وما زالت صنيعة أميركيّة ومدعومة من عدد من الدول الإقليميّة في المنطقة، وإذا تستحضرون الأسابيع والشهور الأولى، الإعلام الخليجيّ كان يتحدّث عن «الثورة المباركة» التي كانت تنفذها داعش، المال والسلاح والحدود والإعلام والفتاوى والغطاء والتحريض الطائفيّ والمذهبيّ، من أخطر ما مرّ على العراق وعلى المنطقة عموماً هو مشروع داعش.

جاء الحاج قاسم إلى بغداد، أبو مهدي المهندس نظراً لتاريخه العسكريّ، وتاريخه الجهاديّ، وتسلّمه لمسؤوليّات سابقة في العمل الجهاديّ  والمقاوِم، ولثقة المسؤولين العراقيّين به، وعلاقته القويّة مع فصائل المقاومة، كان من القادة المركزيين في هذه المعركة، حتّى الساعة الأخيرة عندما استشهد الحاج أبو مهدي المهندس، كانت قوات الحشد الشعبي تقوم بتنفيذ عمليّات تطهير أمنية في بعض المحافظات العراقيّة؛ لأنّ داعش استغلّت الأحداث الداخليّة العراقيّة في الآونة الأخيرة لتستعيد عملياتها وقتلها وكمائنها ومجازرها بحقّ العراقيّين.

إذاً؛ هؤلاء هذا هو فضلهم، لو لم تُهزم داعش في العراق لسيطرت عليه، ولو انتصرت داعش في العراق لكان هذا سيهدّد كلّ دول المنطقة، في سوريا كان التهديد سيصبح كبيراً وهائلاً. هزيمة داعش في العراق ساعد بدرجة كبيرة على إلحاق الهزيمة بداعش في سوريا، ولولا هزيمة داعش في العراق لكان الأردن والكويت في خطر، ولكانت دول الخليج، التي قدمت المال والسلاح والإعلام والفتاوى والانتحاريين والقتلة لداعش، وحكوماتهم وشعوبهم في خطر، ولكانت إيران وتركيا في خطر. حتّى الذين دعموا داعش كان السحر سينقلب على الساحر، كان السم سيقضي على طابخيه وصانعيه، ولكن قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وكثير من القادة الإيرانيّين والعراقيّين ومنهم من إخواننا اللبنانيّين والكثير من المقاتلين العراقيّين ومن بقيّة المناطق، لكن بالدرجة الأولى الإخوة العراقيّون أنفسهم هم الذين ألحقوا الهزيمة بداعش.

كلّ شعوب المنطقة، وليس فقط الشعب العراقيّ يجب أن يشكر الحشد الشعبيّ، ويجب أن يشكر قادة الحشد الشعبيّ وقادة القوّات العسكريّة والأمنيّة، كل شعوب المنطقة ودولها يجب أن تشكر قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وإخوانهم من الشهداء ومن الذين ما زالوا أحياء ولم يبدّلوا تبديلاً؛ لأنّه في معركتهم في مواجهة داعش دافعوا عن كل شعوب المنطقة، من لبنان إلى كل شعوب المنطقة، وحفظوا أمن المنطقة واستقرارها.

انظروا إلى بقايا داعش ماذا تفعل؟ في أفغانستان والعراق ونيجيريا وشمال أفريقيا ما زال هناك بقايا لداعش، ماذا نسمع عن داعش غير القتل والمجازر والعمليّات الانتحاريّة في مساجد المسلمين وكنائس المسيحيّين وأسواق الناس؟ مَن الذي وقف وقاتلهم؟ هذه من جملة أكاذيب ترامب التي سأعود إليها بعد قليل.

على كلٍ؛ هذا في العنوان الأوّل، أكتفي بهذا المقدار لأقول: نحن أمام الحاج قاسم والحاج أبو مهدي، هذا النموذج للقائد الإسلاميّ المسؤول المحب الذي يحمل الهمّ، العامل في الليل وفي النهار، الدؤوب الذي لا يملّ ولا يكلّ ولا يتعب، الذي يتواضع، الذي يعمل في سبيل الله ومن أجل رضا الله عزّ وجّل وعينه على  إخوته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوّضنا، والحمد الله في الجمهوريّة الإسلاميّة وفي العراق قادة كبار، قادة عسكريّون وغير عسكريّين كبار سيتمكّنون إن شاء الله مع الوقت من أن يملؤوا هذا الفراغ وإن كان لكل قائد خصوصيّته وشخصيّته ومميّزاته الشخصيّة.

تداعيات الشهادة

العنوان الثاني: بعض تداعيات هذه الشهادة العظيمة ونتائجها، بشكل سريع.

أولاً: مشاهد التشييع في العراق ودلالاته – وتكلمتُ عنها يوم الأحد الماضي فلا أعيد – وتأثيرها في إعادة اللُحمة وإعادة استنهاض الوضع العراقيّ في مواجهة ما كان يحضّر له ويخطّط له.

مشاهد التشييع المليونيّ في إيران، من الأهواز إلى مشهد إلى طهران إلى قم إلى كرمان، هذا في التشييع، وأمّا في بقيّة المدن والمحافظات الإيرانيّة فالمظاهرات الضخمة التي خرج فيها أبناء الشعب الإيرانيّ إلى الشوارع والميادين.

سأقف قليلاً عند تشييع طهران وتشييع الأهواز، في تشييع طهران كنّا دائماً نقول أنّ تشييع الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) هو حالة فريدة في التاريخ، يعني منذ أن خلق الله آدم(ع)، مع أنّه في التاريخ هناك عظماء ماتوا واستشهدوا، الأنبياء، والرسل، والأئمّة أو الأولياء إلى آخره… لكن لم نشهد في تاريخ البشريّة تشييعاً بعظمة تشييع الإمام الخميني(ق) وجلالته وحجمه ونوعه قبل أكثر من ثلاثين عاماً؛ يعني من جهة الحجم، الملايين التي شاركت، ومن جهة المضمون، حالة العطف والبكاء والحزن والألم والأسى على رحيل هذا القائد، هذا الفيض الهائل من الحب الذي عبّر عنه الشعب الإيراني في تشييع الإمام الخميني(ق).

في تشييع الحاج قاسم سليماني، ماذا شاهد العالم في طهران؟ الآن خمسة ملايين، سبعة ملايين، على كلٍ كان حشداً بشرياً هائلاً، مثل تشييع الإمام أقل أو أكثر هذا يحتاج إلى دقة، لكنه تشييع لا مثيل له في التاريخ بعد تشييع الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه). اللافت أكثر – أنا كنت أتابع مثل باقي الناس – أنه من قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر، الشوارع والميادين الأساسيّة في طهران مملوءة بالناس، يعني الناس صلّوا صلاة الصبح ونزلوا إلى الميادين والساحات والطرقات، وبقوا طوال النهار إلى ما بعد مغيب الشمس، إلى حين وصول جنائز الشهداء إلى ميدان آزادى ونقلها إلى مدينة قم، إلى ما بعد مغيب الشمس لساعات طويلة في البرد القارس، عائلات بكاملها حضرت. يبكون ويعبّرون عن غضبهم وعن حزنهم وعن تأثّرهم، ولم يغادروا إلى أن مشت الجنازة من طهران.

في الحقيقة أودّ أن أقول؛ ليس فقط هذا التشييع لا مثيل له في التاريخ، اسمحوا لي أن أقول أيضاً؛ هذا الشعب الإيرانيّ ليس له مثيل في التاريخ، أنا لست أجامل ولا (أمسح جوخاً لأحد)، أين يوجد شعب الآن في الكرة الأرضيّة إذا مات قائده أو جنرال من جنرالاته أو عزيز من أعزائه هو حاضر أن يخرج إلى الطرقات في اليوم الشديد البرودة من بعد صلاة الفجر، ويبقى مع زوجته وأطفاله وعائلته إلى ما بعد مغيب الشمس، واقفاً على قدميه من أجل أن يشيّع هذه الجنازة، وفي هذه الزحمة الهائلة بين الملايين؟ وهذا المشهد نفسه الذي تكرّر قبلها في أهواز ومشهد وقم وكرمان، حتّى في هذه المحافظات، الكل يقول بأن هذا الشيء غير مسبوق في تاريخ الثورة الإسلاميّة في إيران؛ مظاهرات أيّام الثورة، بعد انتصار الثورة، في يوم القدس، في مناسبات متنوعة، لم تشهد المحافظات الإيرانيّة شيئاً من هذا القبيل، الناس الذين جاؤوا؛ الكبار، الصغار، النساء، الرجال، محزونين، باكين، متأثرين، غاضبين، لم تأتِ بهم الحكومة، لم تصدر تعميماً لملء الساحات، هم ملؤوا الساحات، يمكن أن تستقدم الناس إلى الشارع، لكن هل بإمكانك أن تدفعها للبكاء؟ ولأن تبكي لساعات وتعبّر عن حزنها وعن غضبها؟ هذه رسالة عظيمة جداً.

رسالة التشييع في كلّ المدن الإيرانيّة عظيمة جداً، أنا قرأت لبعض الخبراء الأميركيّين الكبار يقول إن التشييع في طهران أرعب ترامب وإدارته، وهذا أعود إليه بعد قليل في موضوع الضربة على عين الأسد.

لكن اسمحوا لي أن أقف قليلاً عند تشييع جنازة الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي والشهداء في مدينة الأهواز. عندما جاءت محافظة خوزستان إلى مدينة الأهواز، الإخوة في الأهواز يقولون لم نشهد في تاريخ خوزستان حشداً بشريّاً بهذا النوع، أبداً أبداً أبداً، في تاريخ خوزستان، في حاضرها وفي ماضيها، أبداً. ما هي دلالة هذا الحشد المليوني الهائل في خوزستان؟ رسالته قويّة جداً، رسالته لبعض أنظمة الخليج التي تتآمر على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من خوزستان والأهواز، وتحاول أن تستغل الموضوع العرقيّ والقوميّ والعربيّ وحتّى الموضوع المذهبيّ والطائفيّ وتتآمر على إيران، وتحاول أن تستغلّ بعض الظروف الصعبة الموجودة في خوزستان، ماذا حلّ بالآمال الكبيرة المعقودة لديهم ولدى سادتهم الأمريكيّين والغربيّين؟ أنا عندما شاهدت تشييع جنازة الحاج قاسم في خوزستان، قلت لآل سعود وقلت لهذه الأنظمة الخليجية البائسة ولسادتهم الأميركيّين والغربيّين: اليوم أيضاً ينطبق على الجمهوريّة الإسلاميّة قوله تعالى: <الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُم> إذا أريد أن أطبّقها، أقول اليوم يئس الذين تآمروا من دولتكم ومن حكومتكم ومن إمكانية الغلبة عليكم، هذه رسالة خوزستان، لا يستهن بها أحد، رسالة قويّة ومهمّة جداً وبالغة الدلالة.

على كلٍ؛ أمام هذا المشهد الذي شهدناه في إيران، يشعر الإنسان كأنّنا أمام ولادة جديدة للثورة الإسلاميّة في إيران، لمفاهيم الثورة، لمشاعرها، لأحاسيسها، لآمالها وقيمها، ببركة هذه الدماء الزكيّة، وهذا أيضاً ليس فقط من خوزستان وإنّما أيضاً من كلّ إيران. أستطيع أن أقول لكم مشهد التشييع في إيران، وبركات هذه الدماء الزكية، أنا أعتقد أنّها جعلت الأميركيّ وغير الأميركيّ في يأس قاتل، أولئك الذين يراهنون على الداخل الإيرانيّ، وعلى العقوبات والحصار والفتنة والتحريض؛ مثلاً اليوم أو أمس خرج بعض المئات في إحدى الجامعات الإيرانيّة يحتجون على موضوع إسقاط الطائرة الأوكرانيّة وإدارة الموقف، مع العلم أنّه في كلّ دول العالم لا توجد سابقة أن يحصل في دولة ما خطأ بشري بصاروخ وتسقط طائرة، وبعد يومين أو بعد بضعة أيام تعترف هذه الدولة وتقول الحقيقة ولا تخفي ولا تجامل ولا تجادل أبداً، هذه الشفافية وهذه الجرأة وهذا الوضوح لا مثيل له في العالم. حسناً؛ ومع ذلك حاول البعض أن يستغلّ ذلك، ترامب كتب تغريدة، يعني رأى هؤلاء ولكن لم ير- طبعاً هو رأى – الملايين الضخمة التي نزلت تنادي بالموت له ولإدارته ولقتلته المجرمين. في كلّ الأحوال ومع هذه المشاهد من دلالات، هذا الدم حصّن الجمهوريّة الإسلاميّة في الداخل، وأحياها من جديد، وقوّاها من جديد، ووحّدها من جديد، وأعطاها حصانة قوية وعالية من جديد، وهذا مهم جداً في إطار الصراع القائم والاستهداف القائم وخصوصاً في السنوات الأخيرة من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة.

وأيضاً من دلالات هذه الشهادة العظيمة أنّها أعطت زخماً كبيراً وقوياً لقيم الجهاد والصمود والشهادة والمقاومة والفداء والتضحية والأخلاق والقيم والإخلاص والتفاني في سبيل المستضعفين والمظلومين العابرة للحدود، هذه القيم التي عملوا على إماتتها وعلى تسخيفها خلال عشرات السنين الماضية.

أيّها الإخوة والأخوات، أنتم تعرفون هناك جهد ثقافيّ وإعلاميّ هائل في العالم للتسخيف والسخرية والاستهزاء بكلّ شيء اسمه جهاد ومجاهد وشهادة وشهيد ومقاومة وممانعة – بعض التافهين عندنا في لبنان عندما يريدون أن يسخروا منّا في لبنان يقولون «قوى الممانعة»؛ بمعنى أن هذه الصفة صارت للاستهزاء – والتفاني والتضحية من أجل الأخرين، فاذهب وانظر إلى نفسك وعيالك وبيتك ماذا قدّمتم؟ الإسلام والثورة الإسلاميّة ومدرسة الإمام الخميني، يقدمون الحاج قاسم سليماني الذي  قلّما كانت تراه عائلته وزوجته وأولاده وبناته، وهو كان على علاقة عاطفية شديدة ومحبة شديدة لعائلته، كان يستطيع أن يبقى ويجلس عند عائلته، ولكن قضى أغلب عمره الشريف في الجبهات، وفي الساحات وفي خدمة المجاهدين والمظلومين والدفاع عن المستضعفين، هذه القيمة أيضاً لدى الحاج أبو مهدي، كان يستطيع أن يبقى عند زوجته وبناته، ولكن أيضاً الجزء الأكبر من عمره الشريف قضاه في الجهاد. هذا الذي نقدمه اليوم. بالمقابل ما هي الثقافة التي أتى بها الأميركيّون وجماعة الأميركيّين إلى عالمنا العربيّ؟ أنّه ما شأن لبنان في فلسطين، وما شأن لبنان في سوريا، وسوريا بالعراق، وإيران بالعراق، والعراق بفلسطين؟ وفلان ما دخله بفلان والإنسان الفلاني ما دخله بالإنسان الفلاني؟ وأنت حبيبي في لبنان أنت من كلّفك أن تدافع عن لبنان وتحرص على أرض لبنان وأن تخرج المعتقلين من لبنان؟ أليست هذه هي الثقافة التي تريد أن تشيعها وتمشّيها؟ هذه الشهادة العظيمة أعادت إحياء ثقافة المقاومة والجهاد والتضحية أو الفناء والتفاني والعطاء، حتّى عندنا في لبنان، أنا وصلني خلال هذا الأسبوع رسائل كثيرة من إخوة ومن قياديّين ومن مسؤولين في المقاومة يطلبون الإذن لهم بتنفيذ عمليات استشهاديّة، ما صنع هذه الثقافة من جديد أو دفعها من جديد أو بالحد الأدنى أخرجها إلى السطح، إلى العلن، هو هذه الشهادة العظيمة والمظلومة.

آخر نقطة في هذا العنوان؛ من أهم دلالات هذه الشهادة العظيمة وتداعياتها، أنّها أعادت الصورة الواضحة الحقيقية لأميركا إلى شعوبنا وإلى حكوماتنا وإلى دولنا، وعلى الرغم من كلّ ما تفعله أميركا في منطقتنا، البعض يصرّ على أن أميركا سند للدول وللشعوب، وأنّها ضمانة للأمن وللاستقرار، وهي بعكس ذلك تماماً، هذه الشهادة المظلومة والعظيمة التي قام بها الجيش الأميركيّ وتبنّاها ترامب والإدارة الأميركيّة علناً، وعندما يقتلون كبار قادتنا وخيرة إخواننا وبهذا الشكل الإجراميّ الوحشيّ، هذا يفتح الباب على كلّ جرائم أميركا في منطقتنا، ويسلّط عليها الضوء ويعيدها إلى مكانها الصحيح ومكانها الطبيعيّ، وهو أنّها العدوّ الأوّل والعدوّ الحقيقيّ والشيطان الأكبر ورأس الطغيان والاستبداد والفساد والهيمنة والظلم والاستكبار، هذا الذي يجب أن يعود بقوّة إلى ثقافة الناس وإلى وعي الناس وإلى فهم الناس.

جرائم أميركا حتّى خلال القرن الماضي والقرن الحالي، الملايين الذين قتلتهم أميركا، الحروب التي شنّتها أميركا، لا أريد أن أسرد القائمة بالحروب أيّ أحد يستطيع أن يجدها على المواقع الإلكترونيّة، عدد الحروب التي شنتها والملايين التي قتلتها أميركا في العالم، المجرم الأكبر في هذا العالم هي الولايات المتحدة الأميركيّة والحكومات الأميركيّة المتعاقبة، وفي منطقتنا أيضاً إسرائيل التي تحتلّ فلسطين، إسرائيل التي شنّت الحروب وارتكبت المجازر قبل الـ 1948 وبعد 1948 وإلى اليوم، كلّ المظالم التي تلحق بالشعب الفلسطينيّ وبشعوب المنطقة من قبل الكيان الصهيونيّ، المسؤول الأوّل عن حمايته وبقائه ودعمه هي الحكومات الأميركيّة المتعاقبة، الشيطان الأكبر. الإرهاب التكفيريّ في منطقتنا جاءت به أميركا باعتراف ترامب نفسه، داعش صنعتها أميركا وجاءت بها أميركا لتدمّر شعوبنا ومجتمعاتنا وجيوشنا وحكوماتنا ودولنا وحضاراتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، كلّ عمليّة انتحاريّة نفذت في أي مكان في العالم الإسلامي، كل مجزرة في مسجد أو كنيسة، يجب أن يكتب عندها صنع في أميركا؛ لأنّ داعش هي أداة أميركا للهيمنة والسيطرة والعودة إلى المنطقة والحروب الأهليّة، والفتن والنزاعات الداخليّة، هذه صنيعة الولايات المتحدة الأميركيّة. ويجب أن لا يغيب هذا عن بال الشعوب، يجب أن لا نخطئ في تشخيص العدو الحقيقيّ لشعوبنا ولأمّتنا، يجب على كلّ بلد عندما يريد أن يناقش الأمن القوميّ، إذا لم يصل إلى نتيجة أنّ أميركا خطر وتهديد لأمنه القوميّ، فهو لا يعرف مقتضيات أمنه القومي، إمّا جاهل أو يختبئ لخوفه وجبنه. أميركا هي التهديد الأوّل، وإسرائيل هي مجرّد أداة أميركيّة، ثكنة عسكريّة أميركيّة مزروعة في منطقتنا. أمّا التهديد الأول للأمن القوميّ لكلّ بلد ولكلّ شعب، هي الولايات المتحدة الأميركيّة، والناهب الأوّل للنفط والغاز والخيرات في بلادنا وفي منطقتنا هي الولايات المتحدة الأميركيّة، وهذا يجب أن يكون من تداعيات هذه الشهادة العظيمة ونتائجها.

الردّ أو القصاص العادل الذي تكلّمنا عنه الأحد الماضي والذي تكلّم عنه سماحة القائد والمسؤولون في إيران والمسؤولون في العراق وفصائل المقاومة في كلّ المنطقة، سنعيد ونضيء قليلاً على هذا الموضوع، في جملة محدّدة: الردّ على الجريمة الأميركيّة التي أدّت إلى استشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وإخوانهما،  ليس عن طريق عملية واحدة، وإنّما هو مسار، مسار طويل يجب أن يفضي إلى إخراج الوجود العسكريّ الأميركيّ من منطقتنا، من منطقة الشرق الأوسط، أو كما يحب أن يصطلح عليها سماحة السيد القائد، منطقة غرب أسيا، هذا هو الردّ. الردّ إذاً ليس عمليّة واحدة، ما حصل في عين الأسد هو صفعة، وليس ردا على استشهاد الحاج قاسم سليماني، ومن يريد أن يناقش أو يقارب عمليّة الهجوم على قاعدة عين الأسد من زاوية أنّ هذا هو الردّ فهو مخطئ تماماً، هذه كما سمّاها سماحة السيد القائد، صفعة للقوّات الأميركيّة والقواعد الأميركيّة، صفعة في هذا المسار الطويل، هي بداية قويّة، بداية عسكريّة قويّة، هي خطوة أولى وقويّة ومزلزلة على طريق طويل للردّ على هذه الجريمة التي تأتي في رأس الجرائم التي ارتكبتها أميركا في المنطقة، والتي، كما قلت، يجب أن تفضي إلى إخراج الوجود العسكريّ الأميركيّ وإنهائه في منطقتنا.

صفعة عين الأسد

أودّ أن أقف قليلاً عند هذه الصفعة وبعدها أتحدّث عن هذا المسار.

أوّلاً: هذه الصفعة؛ يعني عندما قامت القوّة الصاروخيّة في الحرس الثوريّ الإسلاميّ قبل أيام في الليل باستهداف قاعدة عين الأسد، في أربيل يمكن ضربوها بصاروخ أو اثنين «رسالة معنويّة»، الهدف العسكريّ هو في قاعدة عين الأسد، وعدد من الصواريخ، وعلى بعد مئات الكيلومترات، وصلت هذه الصواريخ إلى قلب القاعدة باعتراف وزير الدفاع الأميركيّ وأصابت أهدافها، هذا الحدث الذي كان حدثاً ضخماً ومزلزلاً، ووضع المنطقة – نحن كنّا نواكب كلّ الليل وطيلة النهار – كلّها على حافة الحرب، أريد أن أقف قليلاً عند دلالة هذه الصفعة، وهذه الضربة. طبعاً؛ منذ الساعات الأولى، بعض الإعلام الأميركيّ – الإعلام الخليجيّ والعربيّ أميركيّ أكثر من الأميركيّين أنفسهم – بدأ يحضّر للموقف الأميركيّ، وأنا من حينها فهمت أن ترامب سيبلع الموضوع وسيسكت، عندما بدأ يقول: لا يوجد قتلى ولا يوجد جرحى، ويسخّفون الصفعة  ويوهّنونها، وهذا أمر هم معتادون عليه، لكن إذا أردنا أن نكون منصفين ونقف قليلاً عند هذه الصفعة: أوّلاً؛ هذه الصفعة والضربة العسكريّة العظيمة تدلّ على شجاعة منقطعة النظير لدى القيادة الإيرانيّة ولدى الشعب الإيرانيّ الذي يقف خلف قيادته، شجاعة لا يمكن وصفها، أنت عمّن تتكلم؟ أنت تضرب بالصواريخ قاعدة أميركيّة، قوات أميركيّة، هذا الأمر- كما قال كل الخبراء والمحلّلين خلال الأيام الماضية – لم يحصل منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية.

نتحدث هنا عن دولة، وليس عن منظّمة، أو تنظيم، أو حركة مقاومة، كما حصل للمارينز ببيروت، نعم؛ لكن نتحدّث عن دولة، دولة لها نظام ومسؤولون وجيش وحرس ومصافٍ ومصانع ومطارات وموانئ، لديها ما تخسره كما يقولون. هذا الإقدام، هذا القرار، يعبّر عن شجاعة وجرأة منقطعة النظير ولا مثيل لها.

من يجرؤ في الكرة الأرضية، من يجرؤ في هذا العالم منذ انتهاء الحرب العالميّة أن يقف في وجه أمريكا ويضربها بالصواريخ؟ يضرب أحد قواعدها بالصواريخ، من يجرؤ؟ وبالأخص خلال الأيام الماضية المسؤولون الأمريكيّون هدّدوا، وترامب تذكرون تغريدته: إذا ضربتم، إذا عملتم… فأنا سأرد بشكل سريع وعنيف وقوي، وحدّد 52 موقعاً إيرانياً ومن بينها مواقع ثقافيّة، «مْبَيّن بلع كل كلامه؟»، وهذا كان حاضرا عند القيادة الإيرانيّة عندما اتخذت هذا القرار.

إذاً؛ أول دليل بهذه الصفعة والضربة، هو هذه الجرأة، هذه الشجاعة، هذا الإقدام، وهذا له ما قبله وله ما بعده.

يا أمريكان ويا جماعة الأمريكان في المنطقة؛ أنتم تواجهون هذه القيادة وهذا النظام والشعب، إذا كنتم تفترضون أنّه قد خاف، أو ضعف، أو وهن، أو جبن، أو تراجع، أو يشعر بالهزيمة، أبداً على الإطلاق.

وهذا كان أقوى قرار، لعلّه بالحد الأدنى بعد رحيل الإمام (رضوان الله تعالى عليه) في حياة سماحة السيّد القائد، لا أريد أن أوصّف، لكن حقيقةً الإنسان ينظر إلى هذا القرار، هذا قمة عالية في الشجاعة، أنا وأنتم نعرف ماذا يعني اتخاذ قرار من هذا النوع، قد يستدعي ردّات فعل خطيرة، قد يذهب إلى الحرب.

ثانياً: أن هذه الضربة وهذه الصفعة، كشفت عن قوة القدرات العسكريّة الإيرانيّة؛ لأنّه دائماً هناك أحد يحاول التوهين، هناك أناس أصلاً هم حقراء، ويحبون أن يكونوا حقراء، ويحتقرون أنفسهم، ولا يقبلون أنّ في هذه الأمّة أقوياء، وأنّ في هذه الأمّة مقتدرين، وأنّ في هذه الأمّة من إذا قال فعل؛ لأنّهم هم ليسوا كذلك.

هذه الضربة كشفت عن حقيقة القدرة العسكريّة الإيرانيّة، الصواريخ صناعة إيرانيّة مئة بالمئة، ليست مبتاعة من شركات السلاح في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وليس مدفوعا ثمنها مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب الإيرانيّ، هذه صناعة إيرانيّة، والخبراء إيرانيّون، دون الحاجة إلى أيّ خبير أجنبي.

تحديد الأهداف، والتموضع، والعملية الإجرائية نفّذها ضبّاط وجنود إيرانيّون، وليسوا مستأجرين من أمريكا ومن غير أمريكا مثلما هو حال بعض الدول.

القرار والسلاح والتنفيذ إيراني، والصواريخ أصابت أهدافها بدقة، ونزلت، وقال وزير الدفاع الأمريكيّ إن هناك 11 صاروخا سقط داخل القاعدة على بعد مئات الكيلومترات من إيران.

ماذا يعني هذا لأمريكا؟ يعني أنّ كلّ القواعد الأمريكيّة في المنطقة هي تحت مرمى الصواريخ الإيرانيّة وبدقة. مع العلم أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تملك صواريخاً أدقّ من هذه الصواريخ ولم تستخدمها، اتركوها جانباً.

الأمريكيّون، رغم أنّهم بحالة استنفار كبير وشديد، ولديهم توقع بحصول رد إيرانيّ، لم يستطيعوا إسقاط هذه الصواريخ، وهذه حال كل قواعدهم.

هذه رسالة إلى كل من يتآمر مع أمريكا على إيران، وهذه رسالة قوية للكيان الصهيوني الذي كان يفكر دائماً باللعب مع إيران. نتنياهو الذي كان يحلم دائماً أن يرسل سلاح جوه لضرب بعض التأسيسات أو المفاعلات النوويّة في إيران، وكان يخالفه العسكريّون والأمنيّون في الكيان الصهيوني، هو يريد أن يصنع مجداً لكنه «الأهبل» لا يعرف إلى أين يأخذ كيانه.

رسالة هذه الضربة هي رسالة قوية للصهاينة، عندما يستمعون إلى تهديدات سماحة السيد القائد (حفظه الله) أو المسؤلين الإيرانيين تجاه إسرائيل الكيان، يجب أن يأخذوا هذه التهديدات على نحو الجدية.

هذا ما قرأه المحلّلون والخبراء الإسرائيليّون في الأيام القليلة الماضية. القصف الصاروخي نزل في عين الأسد في العراق، ولكن العزاء كان في الكيان الصهيوني، أن هذا ما ينتظركم إذا اعتديتم على إيران، أو تآمرتم على إيران، أو هدّدتم إيران، إيران تملك هذه القدرة والقوة.

لذلك أيّها الإخوة والأخوات، هذه الضربة عظيمة جداً ومهمة جداً. الآن هناك قتلى أم لا، هناك جرحى أم لا، هذا تُبيّنه الأيام.

أمس مراسلة الـ CNN عندما دخلت وشاهدت وقدّمت مشاهد، قالت هذا مشهد صاروخ واحد، الدمار الهائل الموجود في القاعدة.

حسناً؛ إذا العسكر أنزلوهم إلى الملاجئ أو أبعدوهم، ألم يكن هناك حرّاس؟ ألم يكن هناك مراقبون؟

على كل؛ حجم الأضرار العسكريّة هائل، حديث عن رادارات متطوّرة جداً، عن تجهيزات، عن طائرات، عن قواعد. على كل حال؛ هذه الضربة بحدّ ذاتها، بهذا الشكل الذي حصل، لها هذه الدلالات.

ومن دلالاتها، كسر الهيبة الأمريكيّة، هيبة أمريكا بضربة عين الأسد كُسرت في عيون الأصدقاء وفي عيون الأعداء. نعم؛ الأمريكان «انضبّوا»، نعم «انضبوا» في الأيام القليلة الماضية. وقفوا على رجل ونصف. نعم؛ وقفوا على رجل ونصف. هؤلاء هم الأمريكان، هذا ما فعلته إيران في الأيام القليلة الماضية.

ولذلك في إسرائيل، واحد من العزاء الذي كانوا يتحدثون عنه، أنه «ما يقوم به ترامب هو أنه ينسحب من العراق، وينسحب من المنطقة، ويتركنا بمفردنا»، هذا كلام كبير اليوم في كيان العدو.

كُسرت الهيبة الأمريكيّة، ثمّ ما هو الرد الأمريكيّ؟ بلعها. بحجة ماذا؟ أنّه كونوا سعداء أيّها الأمريكيّون لا يوجد قتلى. أنت من؟! أنت أمريكا، قاعدة أمريكيّة، آلاف الجنود الأمريكيين اختبؤوا وانسحبوا و«ضبضبوا»، ونزلوا إلى الملاجئ، عاشوا حالة رعب شديدة. صواريخ تنزل على قاعدتك تتبنّاها دولة، تجهيزاتك، طائراتك، راداراتك، ثم انتهى الموضوع! هو بلع الموضوع.

أنتم أصلاً انظروا للشكل، نحن في لبنان لدينا تجربة طويلة بهذا العالم، انظروا شكل المؤتمر الصحافي الذي عقده صباحاً. أوقف نائب الرئيس ووزير الخارجيّة ووزير الدفاع وقادة الجيوش الأمريكيّة ودخل هو. ماذا توحي الوجوه؟ هل توحي لكم بأمريكا منتصرة، بأمريكا مقتدرة، بأمريكا في موقع العلو؟ بأمريكا ألحقت هزيمة؟ أو كان هناك مشهد عزاء في البيت الأبيض؟!

هذه وجوههم، ارجعوا واستعيدوا وجوههم، ثم هو عندما تحدّث عن الموضوع، ذهب إلى مكان آخر؛ ما دُمت رئيساً، إيران لن تملك السلاح النووي، لن تمتلك، لن تحصل على السلاح النووي. إيران لا تريد سلاحاً نووياً، ما هذه السخافة؟! ذهب إلى مكان آخر، وبلع الموضوع، وبشكل واضح لن نستخدم القوة العسكريّة، سنذهب إلى العقوبات. حسناً لماذا؟ لماذا؟ ببساطة أيّها الإخوة والأخوات؛ لأنّ إيران قويّة وشجاعة ومقتدرة. الذي منع ترامب وأنا متأكد أنه ليلتها عندما اجتمع العسكريون قالوا له: «إذا كنت تريد الآن الردّ على إيران فنحن كل قواعدنا بالمنطقة، والإيرانيون جهّزوا صواريخهم وكل قواعدنا بالمنطقة ستُضرب»، والإيرانيّون أبلغوا عبر وسطاء الأمريكيّين، وأعلنوا ذلك، إذا رددتم علينا سنضرب كل قواعدكم في المنطقة وسنضرب إسرائيل. والعسكريون قالوا؛ نحن لسنا قادرين على حماية قواعدنا، هذا نموذج عين الأسد، وقد تتدحرج الأمور إلى حرب، وترامب الآن، من يقول أنه يريد الذهاب إلى حرب؟ أضف إلى ذلك التشييع في إيران، هذا جزء، هذا عليكم عدم الاستهانة به، جزء من رسالة القوة الهائلة، أن قرار الرد الإيراني ليس قرار القائد أو المسؤولين في الدولة، هذا قرار الشعب الإيراني، هذه تطلعات الشعب الإيراني الحاضر لأن يذهب إلى الحرب من أجل أن يدافع عن كرامته، وأن يثأر لدم شهيده الكبير والعظيم الحاج قاسم سليماني.

ولذلك بكل بساطة؛ انضبّ، وانكفأ، وتراجع، وخرج ليتلو خطاباً ليس فيه تهديد، وطبعاً يكرر أكاذيبه، أنا أدعو إيران إلى المفاوضات، أنا أدعو إيران إلى التعاون – من يتحدث بهذه الطريقة، قبل ليلة تلقّى 11 صاروخاً ضخماً على قواته في قاعدة عين الأسد – أدعو إيران إلى التعاون في المناطق المشتركة كمحاربة داعش.

أيّها المنافق الكبير، أنت تريد أن تحارب داعش وقمت بقتل أكبر قائدين في المنطقة قاتلا داعش وألحقا بها الهزيمة، وأقمت الأفراح لداعش بقتلهما؟! أو يقول للشعب الإيراني أنا أريد لكم الازدهار! ما هذا الكذاب؟! تريد الازدهار للشعب الإيراني وأنت تفرض عليه العقوبات والحصار كأشدّ حصار في تاريخ إيران.

ثم في مكان آخر؛ ليس في المؤتمر الصحافي، في خطاباته ومقابلاته يكرر أكاذيبه على الأمريكيّين؛ لأنّه يريد تقديم حجة، الأمريكيّون يسألونه: إلى أين أخذتنا؟ إلى أين أوصلتنا؟

في كل الأحوال؛ الزي الذي أرتديه، وأنا طالب علوم دينية وغير مناسب أن أجلب لكم الصورة، لكن أنا أنصح بمشاهدة الكاريكاتير الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست، تعليق كاريكاتير الواشنطن بوست على الصواريخ الإيرانيّة على عين الأسد وموقف ترامب.

انظروا من أجل أن يقدّم الحجة، يقول أنا أمرت بقتل سليماني؛ لأنّه كان يخطط لتفجير سفارات أمريكيّة في المنطقة. كذّاب يكذب على شعبه، ومعروف أنّه أكبر كذّاب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيّة، أكثر رئيس كذّاب، كلّهم كاذبون، لكن أكثر رئيس كذّاب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيّة هو ترامب.

الحاج قاسم سليماني أبداً لم يكن يخطط لتفجير سفارات أمريكيّة أبداً أبداً أبداً. لم يكن، لا في خطته ولا باله على الإطلاق، هذه أكاذيب ترامب للتغطية على الأسباب الحقيقيّة التي تقف خلف ارتكابه لهذه الجريمة.

على كل؛ هذا الانكفاء الأمريكيّ وهذه الصفعة الإيرانيّة، هي أيضاً درس للجميع، ليكونوا شجعاناً، ليكونوا واثقين من قدراتهم ومن إمكانياتهم، وليكونوا أيضاً مؤمنين وواعين أن القوة الأمريكيّة مهما كانت كبيرة وجبّارة، لكن هناك ضوابط، هناك حدود، هناك ظروف يخضع لها صاحب القرار الأمريكيّ هنا أو هناك. على كل حال؛ هذه صفعة في المسار.

الحلّ هو الرحيل أفقيّاً

أنتقل إلى العنوان الأخير بشكل سريع جداً، لأتحدّث عن أمرين:

الأمر الأوّل: يرتبط بالعراق، لماذا العراق؟ لأنّ العراق هو الساحة التي نُفّذت فيها الجريمة. بعد إيران، أولى الساحات المعنيّة بالردّ على الجريمة، هي العراق. بالأولويّات: أولاً؛ لأن الجريمة حصلت على الأرض العراقيّة وفي ظل السيادة العراقيّة وعلى طريق مطار بغداد. وثانياً؛ لأنّ الجريمة استهدفت أيضاً قائداً عراقيّاً كبيراً رسميّاً هو نائب رئيس الحشد الشعبيّ، وقادة في الحشد الشعبي؛ أي القوّات الرسميّة. وثالثاً؛ لأنّه استهدف الحاج قاسم سليماني وإخوانه من الإيرانيّين المدافعين والمضحين دفاعاً عن الشعب العراقيّ.

العراق هو الأَولى بعد إيران بأن يرّد على هذه الجريمة، الردّ الأوّل؛ كان في تشييع الشهداء وفي مواقف المرجعيّة الدينيّة والعلماء والقوى السياسيّة والحوزات العلميّة والشعب العراقيّ.

الردّ الثاني؛ كان في موقف رئيس الوزراء والبرلمان العراقيّ، وهنا بين هلالين، أتمنّى على السيّد مسعود البارزاني أن يكون شاكراً لجميل الحاج قاسم سليماني، وهو الذي اعترف قبل سنوات بهذا الجميل. اليوم؛ يجب أن تعترف له بهذا الجميل. عندما كانت داعش على مقربة من أربيل، عندما كاد إقليم كردستان أن يسقط في يد داعش، واتصلت بكلّ أصدقائك فلم يعينوك، واتصلت بالإيرانيّين، فجاءك في اليوم الثاني، باعترافك الحاج قاسم سليماني ومعه  إخوة، وأنا أزيدكم، كان معه إخوة من حزب الله أيضاً ذهبوا معه إلى أربيل، والحاج قاسم الذي ذهب إلى أربيل وإخواني الذين كانوا معه قالوا لي: إنّ مسعود البارزاني كان يرتجف، كانت يداه ترتجفان من الخوف ومن الهلع. ولكن الحضور السريع للحاج قاسم سليماني وللجمهوريّة الإسلاميّة إلى جانبكم هو الذي أبعد هذا الخطر عنكم، الذي لم يكن له مثيل في تاريخكم في المنطقة الكردية هناك.

اليوم أنتم مسؤولون أيضاً عن أن تعترفوا بهذا الجميل، وأنتم مسؤولون أن تكونوا جزءاً من الردّ إلى جانب بقية المسؤولين في الحكومة العراقيّة وفي البرلمان العراقيّ وفي القوى العراقيّة.

على كلّ حال؛ من أهم نماذج الردّ الحقيقيّ هو إخراج القوّات الأمريكيّة من العراق، هذه الخطوة أخذ البرلمان العراقيّ فيها قراراً مشكوراً، قرار عظيم، شجاع، جريء، مهم، رئيس الوزراء السيّد عادل عبد المهدي الذي بكل شجاعة أيضاً وصدق يتابع تنفيذ هذا القرار، وطلب علناً من بومبيو[1] إرسال موفدين للتفاوض حول آليات انسحاب القوّات الأميركيّة، هذا الأمر يتابعه القادة العراقيّون، والمسؤولون العراقيّون والشعب العراقيّ، وإذا أوصلوه إلى النهاية سيكون هذا القدر المتيقن؛ بل الردّ الأجمل على هذه الجريمة النكراء، هو ما كان يتطلّع إليه الحاج قاسم وأبو مهدي، أن يأتي يوم يكون فيه العراق حرا من الاحتلال، نظيفا من قوى الإرهاب التي يرعاها ضبّاط الاحتلال ومروحيات الاحتلال التي تنقل ضباط وقادة داعش من محافظة إلى محافظة، هذه أغلى  أمانيهما، والشعب العراقيّ هو الذي يتحمّل هذه المسؤوليّة، وإذا لم يخرج الأميركيّون، فالشعب العراقيّ هو الذي سيقرر كيف يتعاطى مع قوات الاحتلال، وفصائل المقاومة هي التي تعرف كيف ستتعاطى مع قوات الاحتلال. طبعاً؛ علينا أن نعلم أن الإدارة الأميركيّة ستحاول تعطيل هذا الموقف التاريخيّ للعراقيين من خلال اللعب على التناقضات الداخليّة من خلال التهويل بالعقوبات وبمصادرة الودائع العراقيّة في أميركا، أميركا تضع الشعب العراقيّ أمام خيارين، إما أن تفرضوا عليّ الخروج فأعاقبكم وأصادر أموالكم، وإما أن تسمحوا لي بالبقاء باحتلالكم ونهب نفطكم وخيراتكم، فاختاروا أيّها العراقيّون، هذا الذي يريده ترامب في العراق، يريد نفطكم وخيراتكم والسيطرة على بلدكم، والعراقيّون هم الذين سيختارون.

والأمر الآخر والأخير في العنوان الرابع هو؛ بقية مسار محور المقاومة، محور المقاومة بعد صفعة عين الأسد، وإن شاء الله التطورات القائمة في العراق، أنا أعتقد أنّه بات  عليه أن يبدأ العمل. ما قيل قبل أيام على لسان الجميع، هو ليس كلاماً للاستهلاك المحلي، ليس لاستيعاب الضربة التي لحقت بمحور المقاومة، ليس لإعطاء المعنويات للناس، لا؛ هو: المقاومة جادة وصادقة وهادفة في الهدف الكبير الذي طرحته، والأيام المقبلة والأسابيع والشهور المقبلة… وقلت هذا مسار طويل، هذا مسار طويل، على الأميركيّين أن يخرجوا قواعدهم وجنودهم وضبّاطهم وبوارجهم من منطقتنا، عليهم أن يرحلوا. سأتكلم بشكل مختصر عما تكلمت عنه الأحد الماضي: البديل عن الرحيل عمودياً، هو الرحيل أفقياً، هذا هو البديل. وهذا قرار قاطع وحاسم في محور المقاومة، المسألة هي مسألة وقت، هذه المسألة لن يحصل أيّ تهاون فيها. من يتصوّر أنّ هذه الحادثة العظيمة وأنّ هذه الشهادة العظيمة وأنّ هذه الدماء الزكيّة المسفوكة ستُنسى خلال أسابيع وشهور وسنين، فهو مخطئ، لا؛ نحن نتحدث عن بداية المرحلة، عن معركة جديدة، عن عصر جديد في المنطقة، وهذا هو الذي ستأتي بأخباره الأيام، لست بحاجة إلى تأكيد هذا الموقف أكثر من هذا المقدار، وهذه مسؤوليّة الأمّة، كل الأمّة، وأنا أثق وأعلم اليوم، الروحيّة والنفس وعلو الهمة والشجاعة والجرأة الموجودة اليوم على امتداد عالمنا العربيّ والإسلاميّ، والاستعداد الكبير، والوعي والفهم لحجم المخاطر القائمة، الإدارة الأميركيّة والقتلة الذين ارتكبوا هذه الجريمة ويرتكبون غيرها من الجرائم في منطقتنا وفي بلادنا، سيدفعون ثمناً غالياً، وسيكتشفون أنهم أخطؤوا التقدير.

بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي، أنا سمعت ترامب وبينز نائب الرئيس ووزير الخارجيّة الأميركيّ ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي ومجموعة شيوخ في مجلس الشيوخ الأميركي من الجمهوريين، يقولون: العالم أكثر أماناً بعد قتل سليماني. أنتم مشتبهون ومخطئون، وستكتشفون خطأكم واشتباهكم، ستكتشفون ذلك بالدم، أيّ عالم أكثر أماناً؟! عالم المحتلة أرضهم، المستضعفين، الشعوب، الشعب الفلسطينيّ واللبنانيّ والسوريّ والعراقيّ والأفغانيّ والباكستانيّ واليمنيّ والبحرينيّ وشعوب المنطقة؟! أنتم تتحدّثون عن عالم الصهاينة عن عالم المستبدين والمستكبرين، ستكشف لكم الأيام أنّه بعد استشهاد سليماني، العالم سيكون عالماً آخراً، لا أمان فيه لهؤلاء الطغاة والقتلة والمجرمين والمستبدين.

سأكتفي بهذا المقدار اليوم. على كل حال؛ هذه مناسبة مستمرة مع الوقت ومع الأحداث ومع التطورات؛ لأنه قلت ليست مناسبة عادية، هي بداية تاريخ جديد في منطقتنا، نتحدث بالمزيد لاحقاً إن شاء الله. أنا اليوم أشكر حضوركم، وهذا الحضور الذي نعدّه في لبنان في هذه المدن تعبيراً عن اعترافنا بفضل الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وسماحة السيّد القائد ومسؤولي الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ، نشكرهم على دعمهم، على مساندتهم، على حضورهم وتضحياتهم، والتي كان من أكبر هذه التضحيات وجود الحاج قاسم سليماني بيننا، الذي كان يمكن أن يقتل بيننا في أي لحظة وهو على الطريق أو في حرب تموز أو في أي مرحلة من المراحل. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منهم، وأن يتقبّل منكم جميعاً، ونعاهد على المضيّ في هذا الطريق حتّى تحقيق هذه الأهداف، هذه الدماء لن تذهب هدراً، لن تذهب هدراً، ستحقق أهدافها وستصل رسالتها إلى كلّ العالم، عظّم الله أجركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] وزير خارجية الحكومة الأميركية آنذاك.


المصدر
كتاب يحبهم ويحبونه | كلمات السيد حسن نصرالله حول الشهيد قاسم سليماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟