مواضيع

التعامل الصحيح والخاطئ مع العلوم الإنسانية الغربية

عُرِضت ملاحظة أبدتها هذه السيّدة الكريمة حول العلوم الإنسانيّة، وهي ملاحظة صائبة تماماً، والموضوع الذي طرحته كان مدروساً ودقيقاً، فالقول بأنّ وراء تقدّم العلوم تقدّم في الفكر، وأنّ مبدأ تقدّم الشعوب يأتي انطلاقاً من الفكر قبل أكثر من أن يكون من العِلم والتجربة، قول صحيح تماماً وقد أثبت صوابه، وهذا هو ما يجعلني أبدي حساسيّة إزاء قضايا العلوم الإنسانيّة. نحن لا ندعو أبداً إلى الامتناع عن تعلّم معلومات الغربيين التي توصّلوا إليها في مختلف مجالات العلوم الإنسانيّة وما أحرزوه من تقدّم على مدى عدّة قرون، أو أن نُعرض عن قراءة كتبهم، وإنّما ندعو إلى عدم التقليد، وهذه الملاحظة قد طرحتها هذه السيّدة في كلامها، وهي ملاحظة صحيحة.

تستقي مبادئ العلوم الإنسانيّة في الغرب منطلقاتها من الأفكار المادّية، وكلُّ مَن قرأ تاريخ عصر النهضة، واطلع عليه، وعرف أعلامه، يدرك هذه الحقيقة بكلّ جلاء؛ فلقد كانت حركة النهضة منطلقاً لتحوّلات شتّى في الغرب، بيدَ أنّ منطلقاتنا الفكريّة تختلف عن تلك المنطلقات، ولا عيبَ أبداً في الاستفادة ممّا توصّل إليه الغرب وما أنتجه أو طوّره في علم النّفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة وعلوم الاتصالات وكلّ فروع العلوم الإنسانيّة، وقد قلتُ مراراً: إنّنا لا نشعر أبداً بالهوان والصَّغار من التعلّم، ولا بدّ لنا أن نتعلّم؛ نتعلّم من الغرب أو من الشرق «اطلبوا العلم ولو بالصين». وهذا طبعاً شيء واضح، ولكن نشعر بالهوان فيما لو كان هذا التعلّم لا ينتهي بنا إلى المعرفة والوعي والقدرة على التفكير، فلا يجدر بالمرء أن يبقى تلميذاً طيلة عمره؛ ونحن نتعلّم لكي نغدو أساتذة، والغربيون لا يروق لهم هذا، وعلى هذا المنوال كانت السياسة الاستعماريّة للغرب منذ القديم. يريدون أن تكون هناك فوارق في العالم، وأن تكون هناك هويّتان، وأن تكون هناك درجتان في القضايا العلميّة.

التاريخ من العلوم الإنسانيّة، وأدعو مرّة أُخرى إلى أن تقرأوا التاريخ. اقرأوا تاريخ العهد الاستعماري؛ فالغربيون على الرغم من ظهورهم بالملابس الجديدة النظيفة المكويّة وعطور القلونيا، وما يبدون عليه من مظهر منظم ومرتّب، وما يدعون إليه من شعارات حقوق الإنسان، ارتكبوا ما لا مثيل له من الأعمال الوحشيّة الفظيعة، وليس دأبهم قتل النّاس فقط، وإنّما بذلوا جهوداً كثيرة من أجل إبقاء الشعوب الرازحة تحت سلطتهم الاستعماريّة بعيدة عن ميدان التقدّم وإمكان التقدّم في جميع المجالات، ونحن نريد ألا يقع هذا.

نحن ندعو إلى تعلّم العلوم الإنسانيّة؛ لكي نستطيع إنتاج النمط الوطني والمحلّي منها بأنفسنا، ونشره في العالم، وإذا ما حصل هذا فإنّ أيّ شخص يخرج من حدودنا سيكون موضع أملنا ومعتمدنا، وعلى هذا الأساس ندعو إلى ألا نكون مقلّدين في هذه العلوم. هذا هو رأينا في مجال العلوم الإنسانيّة.[1]


  • [1] من كلمته في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، بتاريخ ٢٠١١/٠٨/١٠.
المصدر
كتاب النهضة البرمجية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟