مواضيع

حوار العام مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله

غسان بن جدو: مشاهدينا المحترمين سلام الله عليكم، أمّا وبعض العرب جهاراً بلا حياءٍ قاموا قعوداً للاكرامة انبطاحاً، وللتطبيع الصهيوني تذللاً، فما عاد لكلام الضباب مبررٌ، هذا ليس تطبيعاً، هذا تحالفٌ، لا؛ بل تحالف حربٍ إسرائيليٌ أفاقٌ قتّالٌ مختلّ الذمّة. هنا لضيفنا سماحته شرحٌ وموقف.

أمّا ونحن في الذكرى السنويّة الأولى لاستشهاد الكبيرين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فيا ليت الزمن يبوح بكلّ ما قدّمه شهيد القدس لأحرار العالم، أنفاق غزّة تعرف، أسوار بغداد وتكريت والأعظميّة قبل الكاظمية تعرف، سوريا الأبيّة بشامها الشامخة وباديتها العاتية وحلبها الشهباء تعرف، أميركا اللاتينيّة المحاصرة تعرف، ضاحية العزّ والشرف تعرف، ساحات العرب ضد عدوان الأعراب تعرف، ماذا نقول في الحاج قاسم إنسانيّاً وميدانيّاً واستراتيجيّاً؟

ماذا نقول في رفيق الدرب إلى آخر الدرب الحاج أبو مهدي؟ يا ليت الإنصاف ينطق، هو المقاوم حتّى النخاع ضد الاحتلال والإرهاب، المقاوم حتّى النفس الأخير مع الأمّة وفلسطين، الحاج قاسم وأبو مهدي مقاومان حتّى الابتسامة الأخيرة في جدارة الحياة وشهادة العلا.

الغادر الخاسر بدأ سنته الجدباء بحرب اغتيالات، جريمة قتل القائدين تلك حسبها فاعلها تاج تباهٍ أمام الجماهير الشعبويّة وأمثاله، فخسر الانتخابات. رقص عليها جوكريةّ القحط في خيم اللاشرف وأشباههم، وخسروا الساحات، ذهب بها كتبة الظلام على أوراق التطبيع وعلى شاشات اللاعفّة وأشباههم وخسروا الأدبيات، هؤلاء شركاء في الجريمة.

أمّة المقاومة احتضنت الشهيدين بالعقل والقلب، بكتمها بوجعٍ ونخوة، لكنّ الأهمّ أبّنَتهما في تشييعٍ حاشدٍ تاريخيٍ نادر بالتصميم على إكمال مشروع الاستقلال والتحرير.

هنا؛ للمتفضّل باستضافتنا السيّد حسن شواهد وحكايا.

أمّا وسنوات الجمر ترفع رقمها العاشر مع بداية العام بعد أيام، فإنّ ما حملته من اسم الربيع العربيّ بَان عُودةً بلا ورقة توتٍ يتيمةٍ تستر بها  الخطيئة. أرادتها الشعوب حقّها في الحريّة والعدالة والكرامة والسيادة والتحرير، نهبها الانتهازيّون ومفكّرو الغفلة وأشباه المثقّفين  النرجسيين، باعها أعراب التفاهة، استغلّتها إسرائيل وحلبتها؛ بل وشغّلتها وباتت شريكاً، وسيطر عليها جبابرة الأطلسيّ، فكانت عشريّة نارٍ دمّرت أوطاناً، فتقت مجتمعاتٍ، فتّت عائلاتٍ، فرّخت إرهاباً تخافه الوحوش ذاتها، والأخطر ما لحق بالثوابت من انقلاباتٍ وبالجهود من خيانات، بات القتال تحت إمرة الغازي كفاحًا، والتطبيع مع الاحتلال فقه مقاصد، واستعداء المقاومة وطنيّةً، وافتعال الحروب المذهبيّة  جهادا، والتضليل الإعلاميّ رسالةً. وحين كسرت مقاومة الشعب العنيد قيود التكبيل نصرت وانتصرت.

هنا؛ لمَن حارب الإرهاب وهزمه وقاوم الاحتلال وأذلّه شرحٌ وموقف.

أمّا والمقاومة في لبنان تواجه حرب اجتثاثٍ شاملةٍ بلا حدود ولا أخلاق، فهنا إشارة، اليوم يعود تحالف الحرب ليستخدم أوراقه بالحصار والعقوبات، وبمزيدٍ من التشويه والتوتير، حتّى وإن كانت ملياراته العشر قد ذهبت هباءً.

البائن أنّ المقاومة متجذّرةٌ، تحتضنها بيئة استثنائيّة في الصبر والعنفوان والوعي، بيئةٌ تفترش التراب ولا تخنع، بيئةٌ تقتات ورق الشجر ولا تتسوّل، بيئةٌ هي فعلاً شعب الوفاء برموش العين والصمود بنقاء الفطرة.

لكنّ لبنان ليس فقط حزب الله، وليس فقط مجرّد بلدٍ منقسمٍ على الخيارات، قد يكون لبنان الكيان، لبنان الدور والاقتصاد والتنوّع والهوية في زمن التطبيع وتحالف الحرب، كلّه مستهدفاً.

هنا؛ للزعيم الوطني السيّد نصرالله توضيحٌ وموقف.

أمّا والحديث يتردّد حول عدوانٍ أميركيّ أو إسرائيليّ على ساحات في محور المقاومة؛ سواء بالهجوم على مواقع في إيران، أم بضرب مراكز للمقاومة في العراق، أم باستهداف حزب الله في لبنان واغتيال قادة، فإنّ فترة الحذر وربّما الخطر هذه تستأهل تحقيقاً.

هنا؛ لضيفنا سماحة السيّد حسن نصرالله شرحٌ ورسالة.

سماحة السيّد؛ مساء الخير. شكراً لوقتكم وشكراً لقبولكم طلبنا، في إطلالتكم في حدّ ذاتها ثقةٌ كبيرة، والحقيقة أنّها تحدٍّ خصوصاً في هذا الوضع الصعب الذي تعيشه المنطقة ويعيشه لبنان. ميلاد مجيد لكل المسيحيّين والمسلمين في العالم. وأنا أودّ أن أشكرك بشكل خاص لأنّه الحوار العشرون في العام 2020، شكراً سيّدي العزيز.

سماحة السيّد؛ هل ما زال تحذيركم من مخاطر تهوّر ترامب، ولو كان في أيامه وساعاته الأخيرة؟ والتصعيد الإسرائيليّ ما يزال قائماً لا سيّما وأننا نتحدث كما قلت عن فترة تصعيد وجنون وربّما حتّى فترة مغامرات واغتيالات؟

السيّد نصرالله: بسم الله الرحمن الرحيم، أوّلاً؛ أرحّب بكم وبجميع المشاهدين إن شاء الله، وأيضاً أتوجّه إلى جميع المسيحيّين والمسلمين في العالم وخصوصاً في بلدنا لبنان بأسمى آيات التبريك والتهنئة، أوّلاً؛ بذكرى ولادة السيّد المسيح (ع)، وأيضاً؛ بداية العام الميلاديّ الجديد الذي نأمل أن يكون عاماً مختلفاً إن شاء الله عن الأعوام السابقة.

كما أستفيد من المناسبة، ونحن على بُعد أيام قليلة من الذكرى السنويّة لاستشهاد القادة الكبار العظام الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، أن أتوجّه للجميع وخصوصاً إلى العائلات الشريفة لهذين القائدين، ولعائلات الشهداء من الإخوة الإيرانيّين والعراقيّين الذين استُشهدوا معهما في هذه الحادثة التاريخية والأليمة.

نحن عادةً في ذكرى الشهداء نبارك ونعزّي، فأجد التبريك بشهادة العظماء والتعزية بفقد الأعزّاء.

غسان بن جدو: عموماً سماحة السيّد تعرف الحاج قاسم جيّداً، أنا أذكر أنّني سألتك قبل خمس سنوات هل تعرف هذا الرجل؟ فأجبت باقتضاب وقتذاك: أعرفه عزيزاً حبيباً إلى غير ذلك… بعد استشهاده تحدّثتم بإطناب عن هذه المسألة، بعد عام كيف يمكن أن نصف الحاج قاسم إنسانيّاً، ميدانيّاً واستراتيجيّاً من فضلك؟

السيّد نصرالله: هذا يحتاج حلقات، يحتاج لحديث طويل، وعلى كل حال؛ حتى حديث الآن لن يُغني، بعد أيام عدّة إن شاء الله في الذكرى السنويّة أيضاً سأخطب بالمناسبة.

طبعاً؛ الحاج قاسم (رحمة الله عليه) بحسب معرفتي أنا الشخصيّة به، هو في البُعد الإنسانيّ، في البُعد الأخلاقيّ، شخص مميّز جداً، واحدة من أسباب نجاحاته في كل الساحات هي هذه الشخصيّة الإنسانيّة والأخلاقيّة. مثلاً؛ معروف بالنهاية الإنسان العسكريّ عنده شكل معيّن ومحدّد، الجنرالات يكون أيضاً عندهم شكل محدد، بروتوكول، مجاملات، شكليات يقفون عندها، فكيف إذا كان جنرالا يتحمّل مسؤوليّة أساسيّة في نظام مثل الجمهوريّة الإسلاميّة التي هي قوة إقليميّة عظمى في المنطقة! لكن هذا الانطباع موجود عندي وموجود عند الكل، أنّه من أول لحظة عندما تلتقي مع الحاج سليماني، فخلال نصف ساعة أو ساعة سوف تكتشف أنّك تجلس أمام أخ وصديق وحبيب، وكأنك تعرفه منذ عشرات السنين. هذا أمر مميز جداً، ليس كل إنسان يملك هذه الكاريزما وهذه القدرة على التأثير. هو طبعاً؛ لا يتصنّع ذلك، يعني أنّه هو شخص بحدّ ذاته إنسان متكبّر يتصنّع التواضع، هو لا يتصنع ذلك، هو بطبيعته إنسان محبّ، إنسان متواضع، إنسان يهتمّ للآخرين، مستعدّ أن يضحّي من أجل الآخرين، هذه المشاعر وهذه الأفكار والمفاهيم وهذه الأحاسيس عنده واقعيّة وحقيقيّة.

غسان بن جدو: هل تذكر لقطةً لا تزال تؤثّر بك على المستوى الشخصيّ في الجانب الإنسانيّ بطبيعة الحال؟

السيّد نصرالله: ليس بي أنا، أنا أذكر أمورا كثيرة، لكن أنا سأذكر لك  مثالا، تتحدّث عن رجل عاش في الحرب ثماني سنوات وهو في الجبهة بين يديه سقط شهداء كثيرون، يعني شهداء ودماء وقتلى وقصف، يعني يجب أن يكون قلبه جامداً جامداً، غير موضوع الشجاعة، عاطفيّاً أنت تعرف؛ كثيرون يصبح عندهم حالة من التبلّد العاطفي، لكن الحاج قاسم كان على مستوى عالٍ جداً من الشفافية العاطفيّة.

أنا أذكر في يوم من الأيام كنا في طهران ونريد أن نذهب ونتشرف بزيارة مشهد، فذهبنا من مكان الإقامة إلى مطار طهران لنتوجه إلى مشهد، أنا وهو في السيارة، طبعاً؛ هذا قبل حرب تموز، لم يكن الحذر الأمنيّ كما الآن، فكنت أنا عندما أذهب إلى طهران أمشي طبيعياًّ. فكنّا في السيّارة، ونحن نسير على الطريق أحدٌ ما يقطع الطريق، امرأة ومعها طفل، تأتي سيارة وتضربها، الحاج قاسم يجلس بجانبي، الحاج قاسم كأنّها زوجته، كأنه ابنه هو الذي أُصيب في الحادث، عاطفيّاً تأثّر، لونه تغيّر، قال للسائق قف، أوقف السيّارات ونزل، رغم الاعتبار الأمني، والاعتبارات العديدة… حجم تفاعله مع الحدث بالنسبة لي كان لافتاً جداً، طبعاً؛ كلّنا تأثّرنا نتيجة الحادث لكن هو حجم تأثره كان عاليا جداً.

لهفته، محبته، كل عوائل الشهداء، الشباب الذين في الجبهات، الإخوان الذين يعملون معه، هذا البُعد انسيابي وطابع عام، هذا موجود معه في كل الساحات. إذاً؛ أنت أمام إنسان عنده قيم روحيّة، عنده قيم معنويّة، عنده قيم أخلاقيّة، هذا في الجانب الإنسانيّ، وإنسان عنده كرم كبير، لا شيء يريد الاحتفاظ به لنفسه أبداً، لا شيء يريد أن يحتفظ به لنفسه. طبعاً؛ أنا أفهم هذه الحالة، هذه سببها التعلّق بالله سبحانه وتعالى وقطع علائقه بالدنيا، يعني كان الحاج قاسم سليماني رجلاً يعيش في الدنيا وليس في الدنيا، قلبه في مكان آخر، عقله في مكان آخر، حساباته في مكان آخر. الذي يكون هكذا فإنه يترجم ذلك إنسانيّاً وعاطفيّاً وأخلاقيّاً وسلوكيّات بشكل مختلف.

ميدانيّاً؛ رجل ميدان، أتحدّث هنا في ميّزة ربّما أشرت لها سابقاً، عادةً حتى الجنرالات والناس الذين يعملون في الجانب العسكريّ عندما يتدرّجون، يصبح عقلها  استراتيجيا، يعني حتى عندما تنزل إلى التكتيكي أو على الميدان أو على تفاصيل الميدان، لا يعود عنده هذه القدرة، فعقله لا يعود شاملا لهذا الحدّ، يتعب، يملّ، يضجر. هناك أناس تكتيكيّون، تفصيليّون، يعملون بالأجزاء التفصيليّة، قدر ما تدفع بهم باتّجاه البحث الاستراتيجيّ تجد أنّك تبدأ معهم بحثا استراتيجياً، وبعد قليل ننزل إلى التفصيل والتكتيك. أنا أشبّهها كالطائرة، حين يكون المرء في الطائرة وتهبط في المطبّات الهوائيّة، فالمرء ينخضّ دماغه قليلاً. أحياناً في النقاشات الفكريّة تكون أنت تتحدّث في وضع المنطقة بالوضع الاستراتيجيّ، وإذ بأحد يدخل إلى تفصيل، تشعر حينها أنّك وقعت في المطبّ الهوائي.

الحاج قاسم سليماني كعسكريّ، كان في الوقت نفسه الذي يناقش فيه قضايا استراتيجيّة وكبرى والطائرة عالية عالية، حتى لو وقعت في مطبّات هوائية ونزلت إلى أدنى التفاصيل، تجد ذهنه حاضراً وقّاداً  وجلدا، يعني ليس من النوع الذي يملّ ويتعب أو ما شاكل. فهو رجل استراتيجيّ وتكتيكيّ في آن واحد، رجل عقل وتخطيط وقرار، رجل ميدان، رجل الساتر الأماميّ، وليس غرفة العمليّات الخلفيّة.

بالسياسة أيضاً؛ هو إنسان مفكّر على المستوى السياسيّ، يعني صحيح يُقال الجنرال قاسم سليماني، لكن هو لم يكن فقط جنرالاً عسكريّاً، هو على المستوى السياسيّ عنده فكر، عنده رؤية، عنده منهجيّة، وتوقّعات واستشمام؛ لذلك أنا كنت دائماً أقول عنه شخصيّة جامعة. طبعاً؛ حتّى على المستوى الفكريّ الثقافيّ، الثقافة الدينيّة، الثقافة الإسلاميّة، الثقافة العامة، هو رجل مثقفّ جداً، كان يقرأ الكثير، ويستفيد دائماً من الوقت.

حتّى مثلاً؛ أنا أذكر عندما كنّا نجلس وجلستنا طويلة، حين ننتهي من القضايا التي نناقشها في آخر الوقت نبقى ساعة وهو يسأل، ونتناقش في قضايا فكريّة وعقائديّة وثقافيّة وعمليّة وما شاكل، في الوقت الذي يُفترَض أنّه لا وقت لديه حتّى لهذا النوع من القضايا، لذلك هو شخصيّة جامعة.

اليوم، إذا أحد راجع خطاباته التي كان يلقيها خلال السنوات الماضية يستطيع أن يأخذ استنتاجي هذا بوضوح ودقّة.

غسان بن جدو: بالمناسبة سماحة السيّد، عندما تمّ اغتياله المناخ فعلاً كان تصعيديّاً متوتّراً بشكل كبير، وحسبما سمعنا منك في العام الماضي بعد استشهاده أنّه زاركم مباشرةً هنا في الضاحية، هل حذّرت من المخاطر التي تُحيط به؟

السيّد نصرالله: في تلك الزيارة، أنا حذّرت وفي الزيارة التي قبلها والتي قبلها، دائماً. أنا في الآونة الأخيرة كنت قلقاً جداً عليه، طبعاً؛ أيضاً على أساس التحليل والقراءة، يعني لا ندّعي نحن أنّه عندنا مصادر في البيت الأبيض وهي تعطينا معلومات من هذا النوع، ربّما جهات صديقة أو دول معيّنة تحصل على معلومات تتعلّق بنا تعطينا إياها أو ممكن تعطي الإيرانيّين، عندهم معلومات وكذا، لكن أنا على المستوى الشخصيّ خصوصاً أنّه قبل شهرين أو أكثر من عمليّة استشهاده، الإخوة أتوا لي بمجلة أميركيّة، وعلى الغلاف الكامل صورة الحاج قاسم، هذه الصورة المشهورة باللباس العسكريّ والنجوم على أكتافه، والعنوان «الجنرال الذي لا بديل له». أنا عندما قرأت هذا الأمر – سابقاً  عندما كنت ألتقي مع صحفيين أجانب وأساتذة جامعات وشخصيّات أميركيّة وغربيّة، أذكر أنّهم كانوا يقولون لي، وبعضهم التقيته قبل حرب تموز، وبعضهم بعد حرب تموز، كانوا يقولون لي إذا وجدت في الصحافة الأميركيّة تركيزاً كبيراً على شخصيّة معيّنة أو بلد معين ومقالات وأحداث ومعلومات وكذا، قد يكون ذلك، هم قالوا أكثر، لكن أنا أحتاط وأقول قد يكون ذلك تحضيرا للرأي العام لاغتيال هذه الشخصيّة، حتّى يقولوا إذا أقدمنا على العمل فهذه شخصيّة مهمّة جداً، ولذلك نحن أقدمنا على قتله، ويجب أن نتقبّل تبعات هذا القتل وتداعياته، فهذا كان في ذهني- عندما قرأت هذه المقالة، وأنا أعطيت هذه المجلة للحاج قاسم، وقلت له هذا يعني أنّ الجماعة قرّروا، إذا كان هناك حسابات أنّك جنرال وأنت جزء من نظام رسميّ وشخصيّة رسميّة وتنقلات في المنطقة رسميّة، أنا أعتقد أن ترامب وإدارة ترامب والأمريكيّين وكل جماعتهم في المنطقة ضاقوا صدراً بك، وأنا أرجوك أن تحتاط. تعرف الحاج هو دائماً – هذا الحديث بيننا – هو كان يضحك ويقول: «جيّد ادعوا لي بالشهادة»، لكن أنا أقول له: يجب أن تحتاط وأن تكون حذراً، فدائماً هذا الموضوع كان موجودا  وقائما.

غسان بن جدو: تفتقد له بعد عام سماحة السيّد؟

السيّد نصرالله: أنا أفتقده كثيراً، أنا من الأشخاص الذين يفتقدونه كثيراً، نحن عملنا معاً منذ عام 1998، وعملنا معاً أين؟ في المقاومة، في الجهاد في سبيل الله، في قضايا الصراع، في ملفّات المنطقة، في الملفّات الحسّاسة، في الأيّام الصعبة التي فيها فرح وحزن ودموع ودماء وتضحيات وشدائد ومحَن وصعوبات وتحديات ومخاطر وآمال وآلام، يعني ما كنّا نجلس في الجامعة ندرس معاً أو طلابا في مكان ما أو شركة تجاريّة، لا؛ طبيعة العمل الذي كان قائماً بيننا يتسبب بنوع من العلاقة المختلفة تماماً، عاطفيّاً وإنسانيّاً وفكريّاً وعمليّاً، ولذلك هناك نوع من الأخوّة، أحياناً تشعر أنّك وهذا الأخ واحد، يعني أنت جزء منه وهو جزء منك، ليس اثنان، تشعر أنّكما واحد. هناك أشخاص في حياتي كنت أشعر أنهم هكذا منهم الحاج قاسم، ولذلك نعم أنا أفتقده كثيراً.

غسان بن جدو: الحاج أبو مهدي تعرفه بلا شكّ، وربّما العراقيّون يعرفونه كثيراً، بلا شكّ يعرفونه، ولكن أيضاً الرأي العام اكتشفه بعد استشهاده خصوصاً بعدما قيل عنه، لكن يبدو أنّ الحاج أبو مهدي أيضاً كان عملاقاً كبيراً، ليس فقط في العراق ولكن أيضاً للأمّة. إلى أيّ مدى كنت تعرفه خصوصاً ونحن اكتشفنا أنّه كان هناك لقاءات أيضاً بينك وبينه، وحتى هناك صورة تم نشرها بين سماحتك والشهيدين العزيزين الكبيرين؟ من هو الحاج أبو مهدي المهندس على مستوى العراق ومستوى الأمّة؟

السيّد نصرالله: الحاج أبو مهدي (رحمة الله عليه) شخصيّة يجب أن يتمّ تعريفها، وخلال السنة الماضية حدث جهد ولكن غير كافٍ، لكن مع الوقت يجب تعريف هذه الشخصيّة في أبعادها المختلفة والحقيقيّة.

طبعاً؛ إذا تحدّثنا عن المعرفة الشخصيّة المباشرة فأكيد أن معرفتي بالحاج قاسم أكثر، أوسع، أعمق؛ لأنه كنّا على مدى سنوات، كما قلت من الـ 98، في لقاءات دائمة ومستمرة وعمل متواصل، أما الأخ الحاج أبو مهدي خلال الفترة الماضية قبل الذهاب إلى العراق كان في إيران، يعني كنّا إذا ذهبنا إلى إيران أحياناً نلتقيه.

بعد ذهابه إلى العراق أغلب وقته في العراق، أحياناً كان يأتي إلى لبنان وكنّا نلتقي، فالمعرفة بيني وبينه قويّة وعميقة، ولكن مع الحاج قاسم أوسع بسبب طبيعة العمل والظروف.

الحاج أبو مهدي هو بالحقيقة قائد كبير، أيضاً هو شخصيّة شبيهة بحياة قاسم، في الجانب الأخلاقيّ، ولذلك التقيا في ساحات العمل، في ساحات الجهاد، وختم الله سبحانه وتعالى لهما بالشهادة. أنا مثلاً كان عندي تعقيب؛ لو استشهد الحاج قاسم لوحده – أنا أرسلت هذا لعائلة الحاج أبو مهدي – لو استشهد الحاج قاسم لوحده وأبو مهدي ما كان معه في هذا الاستشهاد، فإن من أكثر الناس في الكرة الأرضيّة الذين سيشعرون بألم الفراق وألم الفراغ وغيره هو الحاج أبو مهدي، نتيجة عمق العلاقة التي كانت قائمة بينه وبين الحاج قاسم وقوّتها.

أيضاً؛ هو إنسان على درجة عالية من الثقافة، من الفهم، من الوعي، المميّزات الأخلاقيّة، التواضع، والجانب الإنسانيّ فيه، وأيضاً عقله السياسيّ، الحاج أبو مهدي المهندس في مرحلة من المراحل كان من الشخصيّات المطروحة ليكون رئيس حكومة العراق، في مرحلة من المراحل، لكن هو رجل كان يذهب إلى الميدان، وكان يرغب في الحضور في الميدان، والشخصيّات التي تصدّت للمسؤوليّة أو كانت تُطرَح للتصدّي للمسؤوليّة السياسيّة الأولى في العراق وهو رئيس حكومة العراق، ليسوا أهمّ من الحاج أبو مهدي المهندس.

فهو في البُعد السياسيّ تجربته مهمّة، تجربته الجهاديّة طويلة، تجربته السياسيّة، تجربته التنظيميّة، دوره في المقاومة أيام الاحتلال الأميركيّ قبل الـ 2011، ودوره الأهم بعد قضيّة داعش في العراق، وهو ظهر في قضيّة داعش، في كلّ الأدوار السابقة كان خلف الستار، وفي قضيّة داعش كان له حضوره المباشر، حضوره الميدانيّ، قيادته العمليّات، أيضاً؛ حضوره مع الحاج قاسم بشكل دائم سلّط عليه الأضواء. لذلك أنت تتحدّث أيضاً عن قائد كان شريكاً أساسيّاً وكبيراً في صنع الانتصار التاريخيّ؛ يعني في صنع انتصارين.

أنا بين قوسين أقول للإخوة العراقيّين وأشكو لهم، أقول لهم أنتم عندكم مشكلة في احتفالاتكم بالانتصارات، الآن نحن الشيعة غالباً نمزح مع بعضنا ونقول: نعرف نلطم ونقوم بالعزاء، لكن نعرف نفرح بالانتصار؟! ربّما يكون عندنا مشكلة في هذا الموضوع. يعني مثلاً في الـ 2011 عندما خرج الأميركيّون من العراق، أستاذ غسان؛ الأميركيون خرجوا من العراق رغم أنوفهم، أذلّاء صاغرين، تحت النار، المقاومة العراقيّة أخرجتهم من العراق، الأميركيّون جاؤوا إلى الحاج قاسم سليماني يتوسّلون قبل انسحابهم؛ أنّه فقط تحدّثوا مع فصائل المقاومة العراقيّة يا أخي نحن شهرين وسوف نغادر، لكن لا تُخرجونا تحت النار. خروج الأميركيّين من العراق كان انتصاراً تاريخيّاً للشعب العراقيّ وللمقاومة العراقيّة، لكن لم يعرفوا الاحتفال بهذا الانتصار.

غسان بن جدو: لم يعرفوا أو ما رغبوا؟

السيّد نصرالله: لا أعرف؛ لذلك قلت لهم نحن حزب الله نريد أن نُقيم احتفالا في لبنان بانتصار المقاومة في العراق. على كل حال؛ كان انتصاراً عظيماً، وأيضاً الانتصار على داعش. الذي حصل في العراق في الآونة الأخيرة وهو الانتصار على داعش هو أمرٌ جلل عظيم تاريخيّ كبير. على كل حال؛ في كلا هذين الانتصارين الحاج أبو مهدي كان حاضراً وبقوة.

غسان بن جدو: هذه الصورة الثلاثية بينك وبين الشهيدين متى كانت؟ ولماذا؟ ما هو اللقاء الذي كان بينكم؟

السيّد نصرالله: في الحقيقة ربّما قبل سنتين، يعني قبل استشهادهما بسنة. الحاج أبو مهدي كان يأتي إلى لبنان، أحياناً يأتي وحده وأحياناً يأتيان معاً، ففي ذلك الوقت كنّا معاً، وكنا في الشتاء؛  لأنهما يلبسان [ثياباً سميكة]، أما أنا فلا يتغير المشهد عليّ. وعادةً عندما كان يأتي الحاج أبو مهدي كانت مواضيع بحثنا هو وضع المنطقة؛ نتحدث بالعراق، بالحشد، بالقتال مع داعش، بتبادل خبرات وتجارب، تعرف في النهاية حزب الله كان له مساهمته المعيّنة المحدّدة في مواجهة داعش. نتحدث في هذه الأمور.

غسان بن جدو: المحددة أو المحدودة؟

السيّد نصرالله: المحددة، المحدودة، بكل الأحوال، وأيضاً كان أبو مهدي شخصا يهتم بكلّ أوضاع المنطقة؛ ماذا يجري في فلسطين، ماذا يجري في لبنان. أنا أذكر في اللقاء الأخير الذي كان بيني وبينه، ليس عندما التقينا وتصورنا، كان قبل شهادته بستة أشهر، جاء وكان وحده، وجلست معه ساعات عدّة، كنّا لوحدنا أنا وهو فقط، وكان الموضوع كله عن الحفاظ على عناصر القوة في العراق خصوصاً موضوع الحشد الشعبي؛ لأن موضوع داعش كان قد انتهى عمليّاً. وثانياً؛ وضع المنطقة مع إسرائيل، الأمور إلى أين؟ وأنا لا أخفي أنّ الحاج أبو مهدي حين نتحدّث عنه كجزء من محور المقاومة، فهو عقله مثل عقل الحاج قاسم؛ موضوع القدس، موضوع فلسطين، موضوع الصراع مع إسرائيل، موضوع المقاومة، دعم المقاومة، إسناد المقاومة، تبادل الخبرات والتجارب مع المقاومة، الاستعداد للحضور في أيّ حرب كبرى، ربّما ليس بعنوان الحشد الشعبي؛ لأنّها في النهاية مؤسّسة تابعة للحكومة العراقيّة، لكن بعنوان قائد من قادة محور المقاومة، رجل لم يكن عنده أيّ حواجز أو موانع في هذا الأمر. فكنّا نتحدث عن العراق، عن فلسطين، نتحدث عن الصراع في المنطقة، سوريا، كلّ شيء…

غسان بن جدو: يعني كان تبادل وجهات نظر؟ تعاون وتنسيق؟ ماذا؟

السيّد نصرالله: تبادل وجهات النظر، تعاون وتنسيق، تبادل خبرات، تبادل أفكار. طبعاً؛ في سوريا الحشد كحشد لم يكن يقاتل، يعني دائماً في العراق هناك شيء يجب تحديده ويجب أن يكون  واضحا؛ الحشد الشعبيّ الذي كان الحاج أبو مهدي نائب رئيس هيئته وعمليّاً رئيس أركانه، هو مؤسّسة رسميّة وخاضعة للقائد العام للقوات المسلحة ولقرار الحكومة العراقيّة، هناك فصائل مقاومة عراقيّة قاتلت الاحتلال في مرحلة الاحتلال، وعندما ظهرت داعش كانت فصائل المقاومة هي العمدة الرئيسة، والبنية الرئيسة التي قاتلت والتي قام الحشد على أكتافها. في نهاية المطاف من الناحية الواقعيّة والعمليّة، نعم؛ فصائل المقاومة العراقيّة كان لها مشاركات قوية ومهمة جداً في سوريا.

غسان بن جدو: الشهيد قاسم سليماني وُصف بشهيد القدس، وهو جديرٌ وأهلٌ بهذا التوصيف، في النهاية اسمها قوة القدس، وشُكّلَت أو أُنشئت من أجل هذا الأمر. ما الذي قدّمه الشهيد قاسم سليماني لفلسطين وللقدس وللمقاومة الفلسطينيّة سماحة السيّد؟ وهل تذكر بعض الشواهد التي تفيدنا في هذا الأمر؟

السيّد نصرالله: الحاج قاسم (رحمة الله عليه)، أولاً؛ طوّر العلاقة مع فصائل المقاومة الفلسطينيّة كلها، يعني الإسلاميّة والوطنيّة على اختلاف اتّجاهاتها العقديّة والفكريّة والسياسيّة. وكان بالنسبة له المهم أن يُقدَّم الدعم اللازم لهذه الفصائل؛ لتتمكّن من مواجهة الاحتلال والعدوان، وتستمر بالعمل المقاوم الميدانيّ. إذاً؛ أوّلاً تطوير العلاقة، العلاقة مع الحاج قاسم، بين الجمهوريّة الإسلاميّة وخصوصاً بين قوة القدس وفصائل المقاومة الفلسطينيّة، تطوّرت بشكل سريع منذ مجيء الحاج قاسم وتحمّله لهذه المسؤوليّة وخلال سنوات.

فيما يتعلّق بالدعم اللوجستيّ، لم يكن هناك خطوط حمر، أيّ شيء يمكن أن يصل إلى فلسطين، إلى غزّة، إلى الضفّة الغربيّة، أيّ شيء يمكن أن يوصله الفلسطينيّون أو أن يساعد…

غسان بن جدو: حتّى إلى الضفة؟

السيّد نصرالله: حتّى إلى الضفة، لكن عمليّاً الذي سينقل أو الذي سيقوم بهذه المهمة هم فلسطينيّون، هم أبناء الفصائل أنفسهم، لكن الذي كان متيسّراً أكثر هو قطاع غزّة.

الحاج قاسم وقوة القدس ومن خلفه الحرس والجمهوريّة الإسلاميّة، لم يكن لديهم تحفّظ في أن يقدّموا أيّ نوع من السلاح أو العتاد أو الخبرات أو الإمكانات اللوجستيّة لفصائل المقاومة.

غسان بن جدو: ما الذي قدّمه؟

السيّد نصرالله: أغلب الموجود في غزّة غير الشيء المعتاد؛ مثلاً كلّ شيء له علاقة بتصنيع الصواريخ، تقنية تصنيع الصواريخ ولو من الإمكانيات البدائيّة، هذا حصل فيه تعاون بين الفصائل والحاج قاسم والإخوة في الحرس. بعض الإمكانات التي وصلت إلى قطاع غزّة، الكورنيت مثلا كيف وصل إلى قطاع غزة؟

غسان بن جدو: مَن أوصله؟

السيّد نصرالله: الكورنيت مَن اشتراه؟ وكيف وصل؟ وكيف انتقل؟ بطبيعة الحال، توجد عملية إجرائيّة، لكن هذا الأمر يقف خلفه الحاج قاسم سليماني. وتحدّث معي أنا، ربّما الآن نكشف سراً، وقال… دعني أقول، لا أعرف إن كان الرئيس الأسد يقبل بهذا الأمر أو لا، نحن في حرب تموز كان لدينا كورنيت، الكورنيت، طبعاً هو غيّر معادلة، كان من العوامل التي غيّرت المعادلة في حرب تموز، وشاهدنا مجازر الدبابات في وادي الحجير وسهل الطيبة وسهل الخيام والى آخره، فكان لدينا نحن صواريخ الكورنيت. صواريخ الكورنيت هذه، صحيح ربّما في الإعلام أكشف سراً، ولكن في الدول معروف، هذه اشترتها وزارة الدفاع السوريّة، السوريّون هم الذين اشتروا هذه الصواريخ من الروس، الروس لم يبيعونا نحن الكورنيت، نحن أخذنا هذه الكورنيت من السوريّين كمقاومة، أخذناها لندافع بها عن بلدنا، واستخدمناها في حرب تموز، ولم يكن فقط الكورنيت الذي …

غسان بن جدو: اشتريتموها أو أخذتموها؟

السيّد نصرالله: لا؛ أخذناها، حينها السوريون أو الحاج قاسم هو دفع ثمنها أنا لا أتذكّر، أنا أعتقد أنّ السوريّين اشتروها من مالهم، وكانت الكورنيت لهم، يعني لم تُشترَ لنا، اشتُريَت لهم، ولاحقاً نحن أخذناها منهم، هذا الذي وصل إلينا.

فعلى كل حال؛ نحن استخدمناها في حرب تموز، وكانت نتيجتها عالية جداً، وكنّا نفترض أنّ الروس سيغضبون؛ كيف وصل الكورنيت إلى حزب الله؟! ما غضبوا، هم كانوا سعداء جداً؛ لأنه أصبح الكورنيت دعاية عظيمة جداً في العالم، وبات له سوقه وسعره.

فالأخ الحاج قاسم قال لي: «يا سيّد؛ يجب أن نأخذ من هذا الكورنيت الذي عندكم ونوصله للإخوة في غزّة». وطبعاً؛ كنا نتحدث في حماس والجهاد، فأنا قلت له: «نحن أخذنا هذه الصواريخ من الإخوة في سوريا، قد يتحمّل الرئيس بشار الأسد أن تظهر صواريخ الكورنيت التي اشترتها سوريا من روسيا، قد يتحمّل وجودها في جنوب لبنان، لكن لا أعلم يتحمّل وجودها في غزة؟ يقبل، لا يقبل؟ من الأدب أن أستأذن الرئيس بشار الأسد». قال لي: «لا مشكلة، مَن يراه قبل الآخر يتكلم معه». صادف أنني قابلت الرئيس الأسد قبل، فأنا تحدثت معه، طبعاً؛ هذا كله قبل أحداث سوريا، نتحدث بعد حرب تموز، وأنا قلت له الفكرة، قال لي: «يمكن أن يصل الكورنيت إلى غزّة؟» قلت له: «نعم؛ ولكن سيادة الرئيس نحن إذا أوصلنا يعني حماس والجهاد»، قال: «لا مشكلة عندي». وفي ذلك الوقت الحاج قاسم والمجموعة المشتركة – لدينا مجموعة مشتركة – استلمت الكورنيت وقامت بنقله. هذا مثال.

في كل الأحوال؛ الكل يعرف أنّ الأخ الحاج قاسم سليماني والإخوة في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران سخّروا حتى العلاقات الدبلوماسيّة في إمكانيّة إيصال دعم إلى غزّة؛ مثلاً العلاقة مع السودان، وصل الأمر أنّ الطائرات الإسرائيليّة قصفت مصانع أو مخازن أسلحة في السودان، ولكن الحكومة السودانيّة في ذلك الحين لم تُعلن بشكل واضح، لكنْ الإسرائيليّون تحدّثوا أنّهم قصفوا هذه الأماكن؛ لأنّها أماكن تخزين لسلاح ولذخائر ولصواريخ يتمّ لاحقاً نقلها بوسائل مختلفة ومتنوعة لتصل إلى قطاع غزّة.

إذاً؛ لنُنهِ هذه النقطة ونقول في الموضوع اللوجستي: أيّ سلاح وصواريخ وإمكانات وذخائر، لا يوجد أيّ خطوط  حمراء، كل ما يمكن أن يتم إيصاله، لم يكن هناك تحفّظ، عادة الدول تتحفظ وتعطي شيئا وشيئا آخر لا؛ في الإلكترونيّ، في الفنّي، لا يوجد أيّ تحفّظات على الإطلاق، الدعم الماليّ معلوم، الدعم الماليّ الكبير، وخصوصاً في العقد الأخير تقريباً حوصرَت المقاومة الفلسطينيّة وخصوصاً فصائل المقاومة الذين يمارسون العمل الجهاديّ، حوصروا بشكل كبير جداً، هناك دول كانت تجمع التبرعات مُنعت جمع التبرعات، هناك دول أصبحت تعتقل مَن يجمع التبرعات للمقاومين الفلسطينيّين، أسوأ ظروف ماليّة عاشتها فصائل المقاومة الفلسطينيّة كانت خلال العشر سنوات الماضية، وأكثر. الحاج من خلال مسؤوليّته، من خلال علاقته، من خلال موقعه في الجمهوريّة الإسلاميّة، تابع الموضوع الماليّ، الموضوع السياسيّ، الموضوع الإعلامي.

غسان بن جدو: استمرّ مع حماس كل الوقت؟

السيّد نصرالله: لم ينقطع مع أحد.

غسان بن جدو: بعد إذنك، حتّى في فترة الخلاف الذي كان حول الموضوع السوريّ؟

السيّد نصرالله: لم ينقطع مع أحد، الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينيّة لم ينقطع أبداً لأسباب سياسيّة، وهو لم ينقطع فعليّاً. نعم؛ أحياناً ربما ينخفض أو يتباطأ بسبب الظروف الماليّة والضغوط والعقوبات التي كانت تواجه الجمهوريّة الإسلاميّة.

سياسيّاً، إعلاميّاً، الحاج جمع الكلمة بين الفصائل، توحيد الفصائل على كلمة واحدة، التنسيق، الابتعاد عن الخصومات.
أنا أستطيع أن أقول لك بصراحة، أنّ الحاج قاسم سليماني والفريق الذي يعمل معه، هو ما زال يعمل إلى الآن، كل ما يستطيعون عقليّاً، عاطفيّاً، إنسانيّاً، أخلاقيّاً، ماليّاً، لوجستيّاً، سياسيّاً، إعلاميّاً، ماديّاً، معنويّاً، أن يقدّموه لفلسطين، لم يقصّروا في هذا الأمر على الإطلاق؛ بل حمّلوا أنفسهم في بعض المراحل أكثر ممّا كان يمكن أن تحتمل.

غسان بن جدو: سماحة السيّد؛ اليوم تكشف لنا معلومةً مهمة جداً تتعلق بموافقة الرئيس بشار الأسد على أنّ صواريخه تصل إلى قطاع غزة، هذا قبل الأزمة التي مرّت بها سوريا، سؤالي صريح بكل وضوح، حصل خلاف بين حماس وبين القيادة السوريّة، واستمرّت علاقتكم مع حماس، واستمرّت علاقة طهران مع حماس، واستمرّت علاقة الشهيد سليماني مع حماس، هل سمعتم لوماً أو عتباً أو انتقادات من الرئيس بشار الأسد حول استمرار علاقتكم ودعمكم للمقاومة الفلسطينيّة وتحديداً حماس؟

السيّد نصرالله: لا؛ أوّلاً؛ هو كان على علم وهو في الصورة ومتفهما لهذا الأمر؛ لأنّ العلاقة مع حماس منطلقة من حيثيّة القضيّة الفلسطينيّة والصراع مع العدو الإسرائيليّ، وهكذا الحال مع بقيّة الفصائل الفلسطينيّة.

غسان بن جدو: يعني لم يغيّر رأيه.

السيّد نصرالله: لا؛ هو لم يعترض على أنّنا مستمرّون في هذه العلاقة، ولم يتأفّف منها، طبعاً؛ هو له قراءته لموقف حماس. بطبيعة الحال؛ هو لم يكن مرتاحا لهذا الموقف، وهذا ليس خفيّاً. المسؤولون السوريّون الآخرون ربّما يعبّرون بشكل أوضح وأكثر صراحة؛ يعني في سوريا عموماً لم يكن هناك ارتياح، هذا أقل شيء، هناك مستويات تعبّر بمستويات مختلفة، لكن إذا افترضنا أنّ الإخوة في سوريا منزعجون من حماس أو من الجهة العراقيّة الفلانيّة أو الفلسطينيّة الفلانيّة أو اليمنيّة الفلانيّة، يأتون إلينا ويعاتبونني مثلاً ويقولون لماذا تقيمون علاقة مع هذه الجهة وهذا الفصيل؟ لا يوجد هكذا سابقة.

غسان بن جدو: سماحة السيّد؛ قبل أن ننطلق إلى العودة إلى الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فيما يتعلّق بملفات أخرى؛ العراق وسوريا ولبنان وغيرها من الملفات، أودّ أن أستكمل الملفّ الفلسطينيّ، إن كانت لديكم بعض الأمور التي تريدون إضافتها، ولكن سؤالي فيما يتعلّق بكما، قلت قبل قليل، الإسرائيليّ يهدد، ولكن يبدو أيضاً أن المقاومة الفلسطينيّة تتحدى بشكل كبير ولا سيّما أنّهم مقبلون على مناورات مشتركة، ما هو تقديركم لها؟

السيّد نصرالله: هذا مؤشّر، أنا عندما تكلّمت قبل قليل عن العزم، عن الإرادة، عن القوة، عن الاستعداد للمواجهة، هذه طبعاً خطوة ممتازة جداً وجديدة، عندما تقوم مختلف فصائل المقاومة في غزّة وتتعاون فيما بينها وفي تنسيق مشترك وغرفة عمليّات مشتركة، ومناورات مشتركة، طبعاً؛ هي تقدّم مظهر قوة كبير ومظهر عنفوان، وهذا هو الذي يُخيف العدو، وأؤكّد لك أنّ الذي يخيفه هو إرادتنا وعزمنا وقناعته بأنّنا مصمّمون، هو يحاول أو يصوّر للعالم أنّ الفلسطينيّين خائفون، أن اللبنانيّين خائفون، الإيرانيين خائفون، المحور خائف، هذه كلها أكاذيب، هذه ليست لها أيّ أساس من الصحّة.

على كلّ حال؛ هذه المناورة، أنا عندما اطّلعت على هذا الخبر، وحتى شاهدت بعض الفلاشات الإعلاميّة، مؤثّرة جداً وجميلة جداً وتعبّر عن هذه الإرادة والعزم والأمل.

عندي إضافة أخيرة الآن خطرت في بالي، عندما سألتني عن الحاج قاسم وفلسطين، هو في الحقيقة ربّما في الآونة الأخيرة برز وجود الحاج قاسم في ملفّ العراق، في ملفّ سوريا، في المعركة مع داعش، ظهر إلى السطح علناً وفي وسائل الإعلام. ولذلك يمكن أن يقول البعض: الحاج قاسم أين كان من ملف فلسطين؟ في الحقيقة كل هذا الجهد الذي تحدّثت عنه وهو جهد يومي كان عند الحاج قاسم، عند قوة القدس، وخلال سنوات طويلة، كله كان بعيداً عن الأضواء، ولم يكن صحيحاً أن يصبح تحت الأضواء، يعني اللقاءات، الجلسات، والتنسيق والتدريب والمناورات والتصنيع والتمويل والنقل وانتقال التجربة، وكل هذا الجهد الجبّار الذي أُنجز خلال ما يُقارب الـ 22 سنة من قيادة الحاج قاسم وقوّة القدس، مع الفصائل الفلسطينيّة ومع الإخوة الفلسطينيّين، كله كان بعيداً عن الأضواء وخلف الستار، ولذلك لم يظهر، ولا أحد خرج في الإعلام، لا الفلسطينيّون حكوا ولا الإيرانيّون حكوا ولا نحن حكينا عن قوة القدس ودور الحاج قاسم ووجّهنا الأضواء عليه، لذلك هذا المشهد كان غير واضح عند الناس، وأنا وددت الليلة من خلال أسئلتك أن أقول لا؛ هو كان حضوره قويا جداً.

نعم؛ الذي جعل الحاج قاسم يظهر لاحقاً في الإعلام… وهذا مفيد الإشارة له، هو ظهر في الإعلام في العراق أكثر من سوريا، وكان هذا موضوع تساؤل حتى عند بعض الأصدقاء الإيرانيّين، قال لي بعض الأصدقاء ما رأيك فالحاج يظهر في الإعلام عندما يذهب إلى العراق؟ العدوّ توقف عند الموضوع، الصديق صار يتساءل، أنّ الحاج قاسم مخفي، هو قائد قوّة القدس من 98، ولكن لا حضور علنيّ له في أيّ مكان من الأمكنة، كل حركته، كل نشاطه بعيد عن وسائل الإعلام. في معركة داعش في العراق، إذا أردت أن ترجع للتاريخ، بدأ الحاج قاسم يظهر في البداية في وسائل التواصل الاجتماعيّ، وتأخذ عنها وسائل الإعلام.

غسان بن جدو: صدفةً أم  قرارا؟

السيّد نصرالله: أنا لاحقاً ناقشته، لنقل معلومة ولا نحلّل، قلت له: «حاج أنت تتعمّد؟ هل هناك رسالة تريد أن تصل من خلال هذا الحضور المباشر؟» قال لي: «لا؛ هذا أمر غير متعمّد»، لكن حقيقة الأمر ماذا كان يحدث؟ هذا هو قاله لي، الحاج قاسم (رحمة الله عليه)، وأبو مهدي حدثت معه القصة نفسها، إن إخواننا في العراق في الحشد الشعبي والمقاتلين والفصائل والى آخره، كلهم معهم هواتف، فعندما يأتي الحاج لزيارتهم ويتفقدهم في المحاور الأماميّة وفي أماكن أخرى، الشباب يعتزّون ويفتخرون أن يتصوّروا مع الحاج قاسم والحاج أبو مهدي، فيبدؤون التصوير من دون إذن، وأحياناً يستأذنون فيخجل الحاج، قال لي: «ماذا أقول لهم؟ هل أقول لأسباب أمنيّة لا تأخذوا الصور، لا تتصوّروا؟ فهم موجودون في الخطّ الأماميّ، هم يحملون دماءهم على الأكفّ، فأنا أخجل أن أقول لهم لا تتصوّروا، فتركت الموضوع». أنا كنت أناقشه من الزاوية الأمنيّة. فالأمر بدأ هكذا، لا بتخطيط من الحاج قاسم ولا بتخطيط من الحاج أبو مهدي.

ثمّ، أنا رأيي الشخصي كان، لاحقاً، يعني بعد أن صار هذا الواقع واقعاً بهذه الطريقة، أنا أدركت أنّ الذي حصل كان فيه مصلحة كبيرة جداً وحتّى بالنسبة للحاج أبو مهدي وليس فقط بالنسبة للحاج قاسم، وحتّى بالنسبة لقادة المقاومة وقادة الحشد في العراق، وبعضهم كان يقول لي عندك ملاحظة على هذا الموضوع؟ أقول لهم لا، أنا رأيي؛ تبيّن أنّ هذا الأمر لعله لطف من الله أو توفيق من الله سبحانه وتعالى، لماذا؟ من أجل أن يُثبَّت أمام أعين الشعب العراقيّ وأمام شعوب العالم وأمام التاريخ، أمام الله ثابت، بكاميرا أو بدونها الله سبحانه وتعالى يعلم، كل شيء عنده عالم  الشهادة، يعني نحن عندنا شهادة وغيب، هو كل شيء مشهود عنده، لكن هذه الصور، هذه الأفلام، هذه اللقاءات التي كان غير مُخطَّط لها وإنّما كانت مبادرات فرديّة من مقاتلين، لتأتي يوم من الأيام وتقول مَن الذي كان في الخطوط الأماميّة، مَن الذي قاتل إلى جانب الشعب العراقيّ، مَن الذي وقف إلى جانبه، هنا لا تحتاج لأدلّة وتاريخ، مثلاً أنا عندما أتحدّث عن الحاج قاسم وفلسطين عليّ أن أقول حدث كذا وكذا وكذا؛ لأنه كّله كان خلف الستار، التصوير الذي جرى في العراق ميزته ومهمته أنه أكّد هذه الحقيقة، ويبدو أننا نحتاج لذلك.

اليوم، في العراق، وفي غير العراق أيضا، لكن في العراق باعتبار أنّه بدأ التصوير والإضاءة الإعلاميّة من هناك، يجب على الشعب العراقيّ كلّه أن يتذكّر دائماً تلك المرحلة، وكيف داعش أخذت المحافظات، وما كان موقف العديد من دول المنطقة العربيّة وغير العربيّة والتي أهّلت وصدّرت بيانات وتبنّت إعلاميّاً وقدّمت تسهيلات وسلاحا ومالا لداعش، ومن يومها وقف إلى جانب الشعب العراقيّ، وتقدّم الخطوط الأماميّة. على أكتاف مَن قامت هذه المعركة؟ بدءاً من المرجعيّة الدينيّة والفتوى والموقف التاريخيّ، وصولاً إلى الذين حملوا هذه الفتوى وحملوا دماءهم على الأكفّ، وجاؤوا بالسلاح من إيران بالمقاتلين وبالاستنفار الذي حصل داخل العراق وفصائل المقاومة وقادة فصائل المقاومة دون أن نبخس أحداً شيئاً من أشيائه، <وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ>، الإنصاف يقول هؤلاء الذين دافعوا عن الشعب العراقيّ، هؤلاء الذين دافعوا عن العراق، هؤلاء الذين حفظوا العراق، هؤلاء الذين حفظوا المقدسات، بل هؤلاء الذين حفظوا المنطقة كلها؛ لأنّ خطة داعش لم تكن ستقف عند حدود العراق.

على كل حال؛ الموضوع الإعلاميّ هذا كان سببه، والحاج قاسم بحسب معرفتي به ونقاشي معه وطريقته وعقليته وطموحاته وتطلّعاته، لم يكن يبحث لا عن ضوء ولا عن صورة ولا عن خبر ولا عن مديح ولا عن أيّ شيء من هذا القبيل على الإطلاق.

غسان بن جدو: كيف كانت علاقته مع المرجعيّة في العراق؟ كيف كان ينظر إليها أو تنظر إليه حسب معلوماتك؟

السيّد نصرالله: العلاقة كانت جداً جيّدة وطيّبة، كان على تواصل مع المرجعيّة في النجف الأشرف خصوصاً في الملفات الأساسيّة، مباشرةً  أو من خلال قنوات مُتَّفَق عليها في ذلك الحين.

غسان بن جدو: سماحة السيّد؛ عندما نتحدث عن الحاج قاسم كيف وصل إلى مرحلة… لأنّه تعرف أن هناك مرحلتان كما تفضّلت قبل قليل، مرحلة الاحتلال ثمّ مرحلة داعش، ما الذي يمكن أن تحكيه لنا من كواليس فيما يتعلّق بدور الحاج قاسم سليماني في مرحلة الاحتلال العراقيّ، والذي أدّى بمئة وخمسين ألف جندي أميركيّ أن يغادروا بتلك الطريقة؟

السيّد نصرالله: هنا نعود إلى نفس الحيثية، مرحلة من 2003 إلى 2011 في العراق، دعنا نسميها مرحلة المقاومة ضدّ الاحتلال الأميركيّ، ودور الحاج قاسم وأيضاً الحاج أبو مهدي وقادة فصائل المقاومة وحركات المقاومة، ومرحلة داعش، في مرحلة داعش لم يكن هناك مشكلة، فكله يخرج إلى الإعلام لذلك ظهر؛ الموقف العلني، البيانات المؤيّدة، قرار الحكومة العراقيّة، دخول الجيش العراقيّ والقوّات الرسميّة، علماء الدين، موقف المرجعية الدينيّة، العشائر، الناس، كله كان تحت الضوء، ولعله فيه حكمة ولطف أن يكون هذا تحت الضوء. أما تلك المرحلة فقد كانت كلّها بعيدة عن الأضواء؛ بل كان فيها مظلوميّة، والآن جيّد أنّك تسألني عن هذا الموضوع لنفتح به قليلاً.

جرى هناك انطباع في ذلك الوقت أن الذي يقاتل الاحتلال هو تنظيم القاعدة أو الجماعات المتشددة، كانوا لم يستخدموا بعد عبارة التكفيريّين، أنّ الآخرين كلّهم مع الأمريكيّين والاحتلال وإلى آخره، وهذا طبعاً لم يكن صحيحاً، أنا أؤكّد لك أن الأغلبية الساحقة من العمليات العسكريّة التي نُفّذَت ضدّ قوات الاحتلال الأميركيّ في العراق قامت بها هذه الفصائل المقاومة التي هي الآن فصائل معروفة، ولا أريد أن أقول أسماء حتى لا أذكر أسماء وأنسى أخرى. الأمريكيّون يعرفون هذا الأمر؛ لأنّه كانت تجري اعتقالات، وتحت التعذيب يأخذون اعترافات، وهذا مُسجَّل عند الأمريكيّين، ويعرف الأمريكيّون جيداً هذا الفصيل وذاك الفصيل وذلك الفصيل مَن هي قيادته، من هم مسؤولوه العسكريّون، من هم مقاتلوه، وما هي العمليّات التي نفذها ضد القوّات الأميركيّة.

غسان بن جدو: منذ متى انطلقت المقاومة؟

السيّد نصرالله: من 2003، في 2003 كانت مقدمات، وفي 2004 بدأت العمليّات الجدّيّة.

غسان بن جدو: هل كان الحاج قاسم يهيّئ لهذا الأمر قبل 2003؟

السيّد نصرالله: لا؛ قبل مجيء الأمريكيّين للعراق لم تكن المقاومة مطروحة؛ لأنّ المقاومة هي ردّ فعل على الاحتلال، قبل الاحتلال الأميركيّ للعراق لم يكن هناك مقاومة للاحتلال الأميركيّ في العراق.

تطوّر عمل المقاومة إلى حدّ أنّه أصبحوا يصوّرون الأفلام للعبوات التي تفجّر الدبّابات والآليات، وينصبون فيها كمائن، ويستهدفون ثكنات وقواعد الأميركيّين، ويبثونها بأسمائهم. طبعاً؛ في مرحلة من المراحل كان هناك كثير من الأسماء، كتائب الإمام علي، كتائب الإمام الحسين، كتائب عليّ الأكبر، كتائب أبو الفضل العباس، وغيرهم… لاحقاً؛ رست على مجموعة من الأسماء المعروفة والمتداولة الآن. أنا أتذكّر في ذلك الوقت نحن كنّا على صلة مع تلك الفصائل بطبيعة الحال، والأمريكيّون يعرفون، أنا لا أكشف سراً، فكانوا يشْكُون لنا يقولون يا أخي…

غسان بن جدو: عفواً يعني أنتم كنتم على صلة منذ البداية؟

السيّد نصرالله: نعم طبعاً، كانوا يشكون لنا يقولون لنا هذه الأفلام…

غسان بن جدو: عفواً سماحة السيّد، طالما الأمريكيّون يعرفون، دع الرأي العام يعرف من فضلك، متى بدأ هذا التواصل؟ متى بدأ الحديث عن المقاومة في العراق؟ نتحدّث عن هذه المقاومة بالتحديد، هذا الرأي العام يجهله، وحتّى أنا كإعلاميّ، بالمناسبة على مدى سنوات، نحن لم نكن نعلم هذا الأمر.

السيّد نصرالله: أنا أقول لك، البداية بدأت، الآن طبعاً كان هناك بعض المواقف المُعلَنة، حصلت بعض المواجهات ذات طابع شعبيّ، لكن إذا ذهبنا إلى المقاومة المُسلَّحة المحسوبة والمدروسة، فهي بدأت بمجموعات شباب، وتنتمي إلى اتّجاهات وتيارات مختلفة؛ أي ليست اتّجاهاً محدداً واحد، وطبعاً؛ لم تكن تملك الغطاء السياسيّ الكافي؛ لأنه كانت هناك عمليّة سياسيّة في العراق كانت تسير، لكن في عرضها كانت هناك حركة مقاومة تنمو وتكبر وتتطور، التي هي مجاميع شبابيّة بدأ يتكوّن لها بُنى فيما بعد.

أين الشاهد الذي أودّ قوله؟ كانوا يصوّرون  أفلاما، هذه الأفلام كلّها موجودة، وأنا أقترح عليك أن تُحضر الميادين هذا الأرشيف كلّه وتضيء عليه.

غسان بن جدو: أعطونا إيّاه.

السيّد نصرالله: موجود عند الإخوة العراقيّين نُحضره، أو نطلب منهم هم يعطونكم إياّه، أنتم ما شاء الله فاتحون. التصوير حيّ، دبابات حتى (ابرامز)، وقتذاك الأمريكيّون ذُهلوا كيف يحدث هذا، وتصوير دقيق.

يرسلون للفضائيات العربيّة لا أحد يعرض، كلّ الفضائيات العربيّة بدون استثناء، الجزيرة وغير الجزيرة، يعني الجزيرة التي كانت تغطّي في لبنان أو فلسطين، العمليّات في العراق لهذه المقاومة وهذه الفصائل لم تكن تغطّيها. نعم، تغطي عمليّات الجماعات الأخرى، يعني إذا أرسلوا هؤلاء أفلام كانوا يغطون لهم، الفضائيّات العربية كذلك. في لبنان لم يكن هناك تلفزيونات لديها الجرأة أن تغطي هذه العمليات، رغم أنّه – <لا يجرمنّكم شنآن قومٍ> – نحن الآن يوجد خصومة وزعل بيننا وبين تلفزيون الجديد، لكن في ذلك الوقت التلفزيون الوحيد غير المنار الذي كان يجرؤ أن يضع هكذا أفلام كان تلفزيون الجديد، الآن ما هو السرّ لا أعرف، الآن أنا لا أعرف. على كل حال؛ كان هناك تعمية إعلاميّة هائلة على هذه العمليّات التي كانت دقيقة وممتازة. مثلاً؛ كانوا منضبطين في أن يتجنّبوا المدنيّين، عندهم أفلام العبوة موجودة، وتمرّ عليها الدبابة الأميركيّة وبالصدفة يوجد مدني، فيؤجّل التنفيذ، يؤجّل ساعة أو ساعتين، لتأتي دبّابة أميركيّة أخرى ولا يوجد مدني  فتفجّر، لماذا؟ لأنّ هذه المقاومة كانت مقاومة ملتزمة عراقيّاً ودينيّاً، ومقاومة أهل البلد، أهل الشعب، الذي يرى أنّ هؤلاء الناس هم إخوته وأهله لا يريد أن يقتلهم حتّى في إطار مقاومة الاحتلال.

اشتهرت هذه المقاومة، للـ 2011، الأمريكيّون وصلوا إلى مكان عرفوا أنّ الذي يقف خلف المقاومة هي هذه المجموعات وهذه المجاميع بأسمائها وعناوينها المختلفة، وتعلّموا أيضاً، هنا نعود إلى أخينا الحاج قاسم، أنّ هذه المجاميع المقاومة تتلقّى دعماً معنويّاً وماديّاً وعسكريّاً وتسليحاً وتدريباً من قوة القدس والحاج قاسم سليماني. أنا كنت أتردد أن أقول هذا الأمر؛ لأنه ممكن أن يكون هذا  سندا، هم عندهم أيضاً سند أقوى من ذلك بكثير، وهو أصحاب العلاقة الذين اعتُقلوا وسُجنوا واعترفوا أين تدرّبوا، وفي أيّ معسكرات تدرّبوا، وممّن أخذوا سلاحا  ومالا، السند الحقيقيّ للمقاومة العراقيّة الحقيقيّة، لماذا أقول المقاومة العراقيّة الحقيقية؟ مثلاً؛ عندما يخرج أيمن الظواهري ويتحدّث عن خمسة آلاف عملية انتحاريّة في العراق، عُدّ لي كم عملية انتحاريّة في العراق ضد الأمريكيّين؟ هذه حركات المقاومة التي أتحدّث عنها لم يقوموا بعمليّات استشهاديّة، كله كان عبوات وكمائن وقصف صواريخ وما شاكل. إذاً؛ العمليات الانتحاريّة نحن موافقون كلها لكم، عدّ لي كم عمليّة انتحاريّة ضد الأمريكان؟  مائة؟  مائتان؟ ليس أكثر، أنا أبالغ حين أقول مائة  ومائتان، يعني هناك 4800 عملية انتحاريّة ضد الشعب العراقيّ؛ سنّة وشيعة وكردا وتركمانا ومسيحيين وكنائس ومساجد وكل ما تريده. في الحقيقة؛ الذي كان يحدث في العراق ليس عملية تطهير عرقيّ، إنّما هو تطهير بشريّ، يعني قتل على الشمال واليمين، لكن هذه المقاومة كانت مقاومة دقيقة، ملتزمة، منضبطة، هادفة، هدفها الضغط واستنزاف قوّات الاحتلال لفرض الخروج عليه.

السند الحقيقيّ لهذه المقاومة كان قوّة القدس والحاج قاسم سليماني، ولذلك عندما قلت لك قبل قليل، هذا الإيرانيّون قالوه في الإعلام، عندما جرى هناك مفاوضات عراقيّة إيرانيّة  للإعلان عن هذا الاتّفاق الاستراتيجيّ وأن أوباما سيخرج من العراق، الأمريكيّون مع مَن تحدّثوا؟ طبعاً لم يتحدّثوا بشكل مباشر، تحدّثوا من خلال وسائل، مع الإيرانيّين، مع قوة القدس، أرسلوا إلى الحاج قاسم سليماني، أنّه نحن نتمنّى أن تتكلموا مع فصائل المقاومة العراقيّة أن يوقفوا هذه العمليات، ويعطونا فرصة شهرين أو ثلاثة، فسوف نخرج بكل الأحوال، نريد أن ننسحب ولكن ليس تحت النار.

إذاً؛ في مرحلة المقاومة، المقاومة الجدّية الحقيقيّة، هذا الآن يجب أن يُقال. وأنا أقول لك أكثر من ذلك، في أكثر من مناسبة، قائد القيادة الأميركيّة الوسطى في المنطقة؛ حيث العراق جزء من قواته، وفي أكثر من مناسبة، قادة الجيش الأميركيّ في العراق، هدّدوا الحاج قاسم سليماني وقوة القدس بأنّنا سوف نقصف مراكزكم في إيران إن لم تتوقّفوا عن دعم فصائل المقاومة العراقيّة، ووضعوا أهدافا من جملتها معسكر في منطقة كرج، وكان يتدرّب فيه مقاومون من بلدان متعددة، حدّدوا؛ نحن نقصف هنا وهنا، ولكن الموقف لدى الجمهوريّة الإسلاميّة لم يتغيّر. وأنت تعرف على كل حال أنّ موقف سماحة السيد القائد (حفظه الله) والمسؤولين في إيران والموقف الرسميّ الإيرانيّ هو كان موقف مساند وداعم للمقاومة العراقيّة، يعني لم يكن يختبئ خلف هذا الموضوع.

غسان بن جدو: نعم؛ ولكن الالتباس لم يكن… عفواً سماحة السيّد، ليس فقط الانطباع، كل ما يُكتَب أنّ إيران في ذلك الوقت هي كانت تقف وراء، ليس فقط العمليّة السياسيّة، ولكن أيضاً تشارك الاحتلال الأميركيّ في تقاسم الشأن العراقيّ، ولا أحد كان يتحدّث على أنّ إيران من خلال الجنرال سليماني كانت تدعم فعل المقاومة بهذه الطريقة.

السيّد نصرالله: انظر؛ التجربة العراقيّة حصلت من 2003 إلى 2011، هي تجربة متطوّرة جداً، وتمّ الاستفادة فيها من كلّ التجارب السابقة، كنتيجة، أمام الذي حصل في العراق هناك مجموعة قادة وزعامات وقوى سياسيّة مقتنعة بالعمل السياسيّ وبالعمليّة السياسيّة، وغير مقتنعة بالعمل العسكريّ وبمقاومة الاحتلال، وهناك فئة أخرى مقتنعة بالعمل العسكريّ المقاوم، وهناك فئة ثالثة مقتنعة بالمقاومة السياسيّة والشعبيّة والمدنية وغير مقتنعة بالعمل العسكريّ. في التجارب السابقة ماذا كان يحدث؟

يؤخَذ مسار واحد ويُدعَم مسار واحد، في هذه التجربة الجمهوريّة الإسلاميّة دعمت كل المسارات، جيّد؛ المقتنع بالعملية السياسيّة وأنّه سيستعيد قرار العراق وسيادة العراق من خلال العمليّة السياسيّة والدستور والانتخابات والحكومة والمشاركة بالحكم والتفاوض مع الأمريكيّين، اتّكِلوا على الله، أنتم مقتنعون هكذا اتّكِلوا على الله، والمقتنع بالعمل العسكريّ، اتّكِلوا على الله، والمقتنع بالعمل السياسيّ والمقاومة المدنيّة الشعبيّة، اتّكِلوا على الله ونحن معكم؛ لأنّ كل هذه الخطوط كانت ستؤدي إلى الهدف نفسه.

طبعاً؛ شِقّ المسار الأوّل كان أوضح في الإعلام؛ لأنّ الشقّ الثاني كان خلف الستار.

غسان بن جدو: هل صحيح أنّ الجنرال الشهيد قاسم سليماني (رحمه الله) هو الذي أمّن المسار للقوات الأميركيّة حتّى تنسحب من العراق إلى الكويت.

السيّد نصرالله: لا أعلم ذلك، أنا لا أعرف. أنا الذي أعرفه أنّ الأمريكيّين أرسلوا رسالة للحاج قاسم، والإخوة في الحرس، أنّه ساعدونا وتحدّثوا مع جماعة المقاومة في العراق فقط نريد أن نخرج…

غسان بن جدو: والحاج أبو مهدي كان مقاوماً في ذلك الوقت؟

السيّد نصرالله: أكيد؛ كان أحد القادة الأساسيّين في المقاومة في تلك المرحلة، وكل الجهد الذي كان يبذله الحاج قاسم في تلك المرحلة في الحقيقة يمينه كان الحاج أبو مهدي المهندس.

غسان بن جدو: اغتيل الشهيدان الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس (رحمهما الله) في بداية 2020، في الحقيقة سماحة السيّد؛ هو تصفية جسديّة، ولكن الحديث وقتذاك على أنّ في هذه التصفية الجسديّة نحن أمام إنهاء حقبة كاملة، حقبة المقاومين، حقبة الرجلين، حقبة كلّ هذا النهج، ونحن أمام عراق جديد بسطوة أميركيّة، وهناك حتّى مَن يقول ضُربَت هيبة المقاومة في العراق، وضُربَت هيبة مَن يؤيّد المقاومة في العراق. ماذا تقول ونحن في نهاية 2020؟

السيّد نصرالله: أيضاً خطر في بالي شيء إضافي للمتقدّم، ترامب عندما كان يبرّر قتله الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي، ربّما عن الحاج قاسم أكثر، كان يتحدّث أنّه مسؤول عن قتل الجنود الأميركيّين في العراق، يعني يقول هذه الحجة، وأنا منذ مدة بعد استشهاد الحاج قاسم شاهدت فيلما مترجما لأحد القادة السود في أميركا، من القادة الكبار والآن نسيت اسمه، كان يخطب في حشد كبير جداً، طبعاً؛ كل الحضور  من ذوي البشرة السوداء، يعني من الأميركيّين أصحاب الأصول  الأفريقية، وهو تطرّق إلى هذا الموضوع، والآن خطر في بالي أن أنقل لك هذه المسألة وللمشاهدين؛ لأنّه أعجبني في شجاعته وصراحته، قال لترامب: أنت تقول أنّك قتلت (قاسم) – هو يقول (قاسم) – لأنّه مسؤول عن قتل الجنود الأميركيّين في العراق، ماذا كان يفعل هؤلاء الجنود الأميركيّون في العراق؟ ألم نكن نحن قوّة احتلال؟ ألم نذهب إلى هناك وقاتلنا العراقيّين وارتكبنا عشرات الآلاف من المجازر، أنتم أرسلتم الجنود إلى هناك بأكاذيب سلاح الدمار الشامل، أنتم تضحّون بشبابنا الأميركيّ وحتى الشباب الأبيض ـ هو يستعمل هذه العبارة ـ حتّى الشباب الأبيض من أجل النفط. ويُقدّم الحاج قاسما دون أن ينفي مسؤوليّة الحاج قاسم عن العمل المقاوم الذي استهدف قوات الاحتلال الأميركيّ في العراق، ويقول هو كان مقاوماً، هو كان يقاتل قوات احتلال، هو كان يساعد شعبا لتحرير أرضه وخيراته وبلده من المحتلين، وأنا أضيف: ومن الناهبين ومن السارقين الذين بالمناسبة ما زالوا يسرقون، ترامب كل يوم يقول في شرق سوريا نحتفظ بالقوّات، من أجل ماذا؟ من أجل النفط ليس شيئا آخر.

على كلّ حال؛ وددت أن أقول هذا الأمر الإضافي.

أختم هذا الشق لأعاود التذكير، المقاومة العراقيّة الحقيقيّة الأصيلة، أنا لا أنفي وجود مجموعات مقاومة صادقة أخرى، لكن ليست القاعدة، ليس تنظيم القاعدة هو الذي قاتل الأميركيّين وأخرجهم من العراق، ليس أبو مصعب الزرقاوي، ليس أبو عمر البغدادي، ليس هؤلاء، هؤلاء كان شغلهم في الليل وفي النهار قتل العراقيّين من كل الطوائف ومن كل العرقيّات، المقاومة الحقيقيّة العراقيّة التي قادها عراقيّون، مقاتلوها عراقيّون، شهداؤها عراقيّون، أسراها في السجون الأميركيّة كانوا عراقيّين، هي التي صنعت الانتصار العراقيّ الكبير، والذي كان في الموقع المساند والداعم والمستعد لتحمّل كل التبعات، ويعمل في الليل والنهار في خدمتهم، كان الحاج قاسم سليماني وقوة القدس، ومن خلفه الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وموقف سماحة السيّد القائد الواضح.

المقاومة في تلك  المحطة، ربّما كانت هناك قوى سياسيّة أو جهات في العراق عندها موقف غير واضح أو ملتبس تجاهها، أما في موضوع داعش فكان الكلّ موقفهم واضح.

نأتي إلى السؤال الذي تفضّلت به. ما حصل مع الحاج قاسم والحاج أبو مهدي بحسب ثقافتنا وعقليتنا ومنهجيتنا وطريقتنا وتاريخنا ومسيرتنا هو نتيجة مُتوقَّعة ونتيجة طبيعيةّ، لماذا؟ لأنّنا في حالة صراع ضخم وكبير وخطير وتاريخيّ. دائماً عندما نقرأ الأحداث، أعود وأقول لك الزاوية التي نقرأ من خلالها الحدث، عندما نذهب إلى الجزئيّة بمعزل عمّا مضى وعمّا هو آت وعن طبيعة الأجواء، يمكن أن تكون نظرتنا للجزئية سلبية جداً أو تقييمنا لها ولتداعياتها سلبي جداً، لكن إذا نظرنا إلى هذه الجزئية ضمن هذا الإطار العام ستكون مسألة مختلفة تماماً.

اليوم؛ أنت ليس عليك أن ترى أنّ الأمريكيّين جاؤوا وقتلوا الحاج سليماني وأبو مهدي المهندس، صحيح؛ وخسارتنا لا تُعوَّض، خسارتنا لا تُعوَّض لا في إيران ولا في العراق ولا في المنطقة، لكن كلنا سنُكمل دربه ونحمل أهدافه، وخسارتنا خسارة، لكن هذه الخسارة في أيّ سياق؟ مرة ونحن في بيوتنا جاؤوا وقتلونا، مرة ونحن هاربون من الزحف جاؤوا وقتلونا، مرة ونحن في قلب المعركة لكن لم نحقق انتصارات بعدُ وجاؤوا قتلونا، ومرة ونحن أنجزنا انتصارات عظيمة جداً وقلبنا الميمنة على الميسرة، أقول نحن يعني محور المقاومة، وغيّرنا المعادلات وأسقطنا مشاريع أميركيّة هائلة، اليوم أنت حين تقول لي سقطت الهيبة أو لم تسقط الهيبة، في البداية قل لي هذا الأميركيّ الذي حين يخرج ترامب ويقول: نحن أنفقنا في العراق وفي المنطقة – هو يقول عن العراق أحياناً ويقول عن المنطقة – سبعة ترليونات ولم يحصّل شيء، هذا المثال سماحة القائد (حفظه الله) يضربه، ويقول في العراق الأميركيّون باعتراف ترامب أنفقوا سبعة  ترليونات، مع ذلك عندما يأتي ترامب ليزور قواته ليلة الميلاد السنة الماضية أو التي قبلها، يأتي ليلاً وبدون علم ومطفئا الأضواء، هو قال ذلك، يطفئون أضواء الطائرة، وبالسر والسكوت ويعود ليلاً، هنا تعرف مَن المنتصر في العراق، وتعرف من يده العليا في العراق. كان عندك هذا القدر من الجنود، وهذا القدر أنفقت الأموال، يجب أن يكون العراق كلّه في جيبك، مع ذلك هو يخشى أن يأتي إلى العراق إلّا بهذه الطريقة.

إذاً؛ الحاج قاسم وأبو مهدي المهندس، نحن لا نختصر، نحن غير فرديّين، لا نقول إن هذا كلّه هو إنجاز فرد أو اثنين أو ثلاثة، لا؛ كل المحور، بقادته، بمجاهديه، بشهدائه، بجرحاه، بأسراه، بمقاتليه، ببيئاته الحاضنة، هذا المحور ماذا فعل إلى الآن؟ هناك مشروع بدأ في العشر سنوات التي مضت، كان هناك عدوان كبير، بعض الناس يقولون لي: نحن في موقع الدفاع ولسنا في موقع الهجوم، قلت لهم نحن منذ عشر سنوات في وضع الدفاع، ونحن ما زلنا في موقع الدفاع؛ لأنّنا أمة مُعتدَى علينا يا أخي، أمّة اعتُدي على مقدّساتها، على قدسها، على فلسطينها، على لبنان، على سوريا، على الأردن، على مصر خلال القرن الماضي، أمّة جيء إليها بجيوش العالم من أجل احتلال العراق وأفغانستان ومنطقة الخليج ودول المنطقة وهُددَت سوريا بالاحتلال.عندما جاء كولن باول عند الرئيس الأسد، ولبنان تُشَن عليه حروب، وغزّة تُشَن عليها الحروب، وقضيّة فلسطين تُعرَض عليها صفقة القرن من أجل تصفيتها، نحن في حالة دفاع، نحن في حالة دفاع مشروعة عن النفس، فلنكن واقعيّين، نحن محور في موقع الدفاع عن النفس، ليس عن أنفسنا كمقاتلين، في موقع الدفاع عن بلادنا وشعوبنا ومقدّساتنا وأمّتنا وخيراتنا ومقدّرات أمّتنا. في هذه المعركة التي كان الحاج قاسم والحاج أبو مهدي من أكبر قادتها، خلال العشر سنوات صنعوا انتصارات عظيمة جداً، وأسقطوا المشروع في العراق، مشروع داعش، وقبله أسقطوا مشروع احتلال، لولا المقاومة العراقيّة لكان حتى الآن هناك في العراق مائة وخمسون ألف ضابط وجندي أميركيّ، والذي يُدير العراق هي السفارة الأميركيّة بمعزل عن كل هذه الاحتفاليات الديمقراطيّة والإعلاميّة.

ولولا محور المقاومة أيضاً لكان مشروع داعش قد نجح في العراق، وتغلغل في كل المنطقة، وهذا كان مشروعا  أمريكيا، والأمريكيّون استغلوا داعش ليعودوا بعد هزيمتهم في 2011، وهذا اعتراف ترامب نفسه. في سوريا، في لبنان، في اليمن، في فلسطين، في كل المنطقة اليوم محورنا استطاع أن يفرض حضوره بقوة، أن يدافع عن قضايا أمّته بقوة، أن يصنع انتصارات كبيرة جداً، وهناك ترامب يحكي عن سبعة ترليونات، وتتذكّر هناك مسؤولون عرب سابقون وحاليّون يتحدّثون عن مئات مليارات الدولارات، ومئات آلاف الأطنان من السلاح والذخائر، ومئات آلاف المرتزقة الذين جيء بهم من كلّ أنحاء العالم، من أجل ماذا؟ من أجل القضاء على كلمة مقاومة، نفس مقاومة، روح مقاومة، إرادة مقاومة في منطقتنا، ولكن محور المقاومة اليوم أقوى من أيّ زمن مضى بدون مبالغة. إذا نظرنا للأمر من هذه الزاوية نقول لا؛ نحن لسنا في وضع لنَقُل (واحد جاء وضربنا)، نحن بات لنا عشر سنوات نضرب به، نلحق به الهزيمة، من الطبيعي أن يضربنا الآن.

الآن؛ العبرة هي كيف نُكمل الطريق؟ ما بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي، هناك عدة أمور حصلت تقول إنّ محور المقاومة وفي مقدمته الجمهوريّة الإسلاميّة، استوعب هذه الضربة رغم أنها قاسية جداً. يعني، التشييع الذي حصل والذي سماه سماحة القائد صفعة تاريخيّة، ملايين الناس نزلت في إيران والعراق، هذا كان خلاف هدف ترامب، كان المطلوب من قتل الحاج قاسم والحاج أبو مهدي أن ينقطع نفس المقاومة،  أن تخاف الناس، ترتجف، تتراجع، تضعف، تجبن، لكن الناس كلها باتت تقول نحن كلنا قاسم سليماني وكلنا أبو مهدي المهندس.

غسان بن جدو: إيران لوحدها 27 مليونا بحسب التقديرات.

السيّد نصرالله: هذه أوّل صفعة بتعبير القائد، الصفعة الثانية ضربة عين الأسد، في موضوع عين الأسد القصف الصاروخي الإيرانيّ، للأسف الشديد حتّى الأصدقاء ضعّفوا الأمر؛ لأنّه كأنّ المعيار هو سَقَط قتلى أو لم يسقط، سواء سقط قتلى من الجنود أو لم يسقط قتلى، المعادلة ليست هنا، أن يكون هناك قيادة في هذا العالم وفي العالم العربيّ والإسلاميّ، قيادة تقف على رأس نظام بحجم إيران التي عندها مصالح ضخمة ولديها مصانع ومصافي نفط وموانئ ومطارات، يعني عندها شيء تخسره، وتملك هذه القيادة جرأة الرد الصاروخيّ المباشر والواضح والعلنيّ على قاعدة عسكريّة أميركيّة، هذا أمر تاريخيّ عظيم، شيء بالاستراتيجيّة وبالثقافة والإنسانيّة وبالإرادة والشجاعة لا يوصَف، ذهب الناس يضعّفونه أنّه قُتل أحد أو لم يُقتَل، أيضاً مع ذلك لم يُعدّ هذا ردّ بل صفعة.

بعد مضي سنة، الموضوع الثالث الذي أريد أن أضيفه هو مجمَل محور المقاومة الذي كان ترامب يفترض أنّه حين نقتل الحاج قاسم سليماني ونقتل معه أبو مهدي المهندس، فإن هذا المحور في المنطقة سيضعف، سيتفكك، معنوياته، إرادته، تنسيقه، تعاونه، وكأنّ المحور قائم على شخص، المحور لا يقوم على شخص، المحور لا يقوم على أحد منّا على الإطلاق، وحتّى لا أحد يكون عنده التباس لا عدو ولا صديق، هذا المحور بدا بعد استشهاد الحاج قاسم وأبو مهدي المهندس متماسكا وحاضرا وفاعلا وقويا ولم يغب على الإطلاق في كل الساحات.

يوجد موضوعان مهمّان ساهم لهما سماحة القائد، الموضوع الأوّل هو: المشروع الكبير عندما أعلن أنّ الردّ الاستراتيجيّ على اغتيال القادة، وبالحقيقة هو رد استراتيجيّ ليس فقط على اغتيال الحاج قاسم وأبو مهدي؛ بل على اغتيال كلّ قادتنا كما قلت في الخطاب، هو ردّ استراتيجيّ على كلّ العدوان على منطقتنا، وهو إخراج الهيمنة والسلطة الأميركيّة من منطقتنا، هذا موضوع وقت، هذا مسار، هذا لا يحدث في شهر وشهرين وأسبوع وأسبوعين.

والموضوع الثاني وهو: القصاص المباشر. هنا علينا أن نضيف، الآن بعد أن يتحدّث سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) تتضّح الأمور عندك، اليوم أنا أرى أنّ هناك نصاً واضحا يقول إن الذين أمروا بهذا القتل والذين نفّذوا هذا القتل يجب أن يُعاقَبوا كأشخاص، أينما كانوا. طبعاً؛ هذه رسالة قويّة جداً، هذه ربّما التفت لها الناس أو لا؛ لأنّ كلام سماحة القائد كان واضحاً عندما استقبل عائلة الشهيد سليماني واللجنة المكلفة بإحياء المناسبة والمراسم، هذه مسألة وقت، يعني كل مَن كان شريكاً في القرار وكل مَن كان شريكاً في التنفيذ هو هدف، أنا أريد أن أضيف اليوم، ليس هدفا لكل إيراني، هو هدف لكل إنسان يشعر بأنّ عليه واجب الوفاء لهؤلاء الشهداء المغدورين المظلومين، وخصوصاً أهلنا في العراق.

مرة في إحدى المناسبات قيل هذا للمسؤولين العراقيّين، قيل لهم إن الحاج قاسما كان ضيفكم وقُتل وهو ضيفكم، قُتل في بيتكم، في ضيافتكم، يعني مسؤوليّة العراقيّين والشعب العراقيّ عن القصاص ممن قتل الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي، – الآن أتحدّث عن الحاج قاسم لأنّه إيراني – أكبر من مسؤوليّة حتى الإيرانيّين أنفسهم؛ فضلاً عن بقية شعوب المنطقة وحركات المقاومة؛ لأنّه كان ضيفهم، كان عندهم وفي أمانهم.

في كل الأحوال؛ هذا الأمر أيضاً وُضع على السكّة، أنا أعتقد كل مَن سمع كلام سماحة القائد، يعرف أنه أمر مفتوح، ربّما لا تقوم به دولة، ربّما لا يقوم به حزب، ربّما لا يقوم به تنظيم، ربما لا تقوم به جماعة معينة، ربّما يقوم به فرد يصل إلى نتيجة؛ نعم هذا فلان وهذا مَن شارك في قتل هذين الشهيدين العظيمين.

غسان بن جدو: يعني ترامب وقيادات عسكريّة هي أهداف؟

السيّد نصرالله: هناك نصّ واضح، يجب أن يكون – أنا أشرح لك، ترامب وغير ترامب، ترامب لأنه أساسي في القرار – كلّ مَن أخذ هذا القرار، كلّ مَن أمر وكلّ مَن نفّذ، هؤلاء يجب أن يُعاقَبوا.

غسان بن جدو: وكلّ مَن حرّض؟

السيّد نصرالله: التحريض؛ سماحة القائد لم يتحدّث عن التحريض، لا يمكنني أن أزيد من عندي، هو قال مَن أمر ومَن نفّذ، هذه مسألة هي مسألة وقت، شهرا أو شهرين، أو سنة أو اثنتين أو سبع سنوات وعشر سنوات، قريب بعيد، الأمر أصبح له علاقة بالوقت، هذا يوضَع على المسار.

ما يجب أن يعرفه كلّ العالم أنّ هذا الدم لن يبقى على الأرض بحسب المصطلحات والأدبيّات، قتلة الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس؛ سواء كانوا ممّن أمر أو ممّن نفّذ، بعُد الزمن أو قصر، هؤلاء يجب أن يُعاقبوا، هذا واضح. وأنا أعتقد أنّ كلّ شريف في هذه الأمّة، كلّ وَفِيّ في هذه الأمّة، كلّ حرّ في هذه الأمّة، يجب أن يشعر بمسؤوليّة تجاه هذا المسار وهذا الأمر.

غسان بن جدو: سماحة السيّد؛ عندما نتحدّث عن الشهيد قاسم سليماني نتحدّث أيضاً عن سوريا، الشهيد قاسم سليماني كانت له جولات، لا أقول صولات، نقول جولات في سوريا، اليوم إذا سمحت سماحة السيّد، هل يمكن أن تكشف لنا، أن تحكي لنا من فضلك، عندما بدأت أزمة سوريا، كيف كنتم تنظرون لهذه الأزمة؟ سماحتك والحاج قاسم سليماني كيف تداولتما أزمة سوريا؟ هل التقيتم ثلاثتكم، الرئيس بشار الأسد في البداية، كيف خططتم، كيف نظرتم لتلك الأزمة وبدأ المسار الذي نعرفه بعد عشر سنوات؟

السيّد نصرالله: نعود للتاريخ بالضبط في اليوم الثاني لإعلان الرئيس حسني مبارك استقالته، والفرحة العارمة التي حصلت في ميدان التحرير في القاهرة، وفي كلّ العالم العربيّ، في اليوم الثاني الحاج قاسم سليماني كان هنا في الضاحية.

غسان بن جدو: يعني 12 شباط 2011.

السيّد نصرالله: أنا أحفظ حوادث أكثر من تواريخ؛ لأنّ هناك مناسبة جعلتني أتذكر هذا الأمر بشكل دائم. في اليوم الثاني لإعلان انتصار الثورة المصريّة وإسقاط حسني مبارك. طبعاً؛ نحن كلنا كنّا سعداء جداً، الحاج قاسم كان يقول أنا سعيد للشعب المصري لكنني قلق، قلت له لماذا؟ قال أنا أشعر أنّ هناك مشروعا كبيرا في المنطقة يسير، والأميركيّون يغيّرون جماعتهم، وركبوا على مسار الثورات الشعبيّة، وبحجّة الربيع العربيّ وما شاكل والشعارات المطروحة في تونس وفي مصر وفي  غيرها، سيستهدفون الأنظمة والدول والحكومات الداعمة للمقاومة، ويُصَفّون حسابا له علاقة بإسرائيل وليس بالشعوب، وأعني بالتحديد سوريا، يعني أريد القول أنّ الذي تنبّه للخطر القادم إلى سوريا كان بحسب نقاشاتنا الداخليّة، أول من تنبه لهذا الأمر كان الحاج قاسم ومبكّراً. أنا مازحته، قلت له حاج أنت قادم لتقلقنا، اتركنا فرحين بعض الأيام، من الآن تقلقنا؟ الآن فرحون أنّ نظام عقد كامب ديفيد، وكان له أداء معيّن وأدوار معيّنة سقط، والشعب المصريّ فرح ونحن فرحون لفرحه، هذا جرى على سبيل الفكاهة. فنحن أكملنا النقاش وتبنينا أنه، في كل الأحوال، يجب أخذ الأمر بجدّية، وأيضاً نتحدث مع الرئيس الأسد أنّ هناك هكذا قراءة وهكذا احتمال، كان التواصل دائما مع الرئيس الأسد في تلك المرحلة، وما زال.

غسان بن جدو: عفواً؛ يعني الحاج قاسم كان يلتقي الرئيس بشار الأسد قبل الـ 2011؟

السيّد نصرالله: طبعاً؛ ولكن كلّه بدون إعلام، لقاءاتي أنا بدون إعلام.

غسان بن جدو: سماحتك مفهوم، لكن…

السيّد نصرالله: نعم؛ كان يلتقي معه، قبل 2011 وبعد 2011.

ففي ذلك الوقت أنا ذهبت للرئيس الأسد وقلت له: «إنه يوجد نقاش بيني وبين الحاج قاسم سليماني، والحاج قادم من إيران والإخوان عندهم تقدير من هذا النوع، وما يجري في المنطقة كذا وكذا، هذا الذي دائماً نقوله في وسائل الإعلام والخطابات، فلذلك نحن أولاً أحببنا أن ننقل لك هذه الصورة، وثانياً أن نقترح على القيادة السورية والنظام والدولة أن يكون الجميع جاهزا لاستيعاب هذا الوضع». وكانت الفكرة الأساسيّة في ذلك الوقت، يعني بين الرئيس الأسد وبيننا وبين الحاج قاسم وبقيّة الإخوة في إيران – أنا لا مشكلة عندي أن أقول النظام، ربّما هناك مَن يعتبرها عبارة غير جيّدة، أنا أراها جيّدة لأن النظام قبل الفوضى – أنّ أيّ حراك شعبيّ سينشأ سيتمّ استغلاله لاحقاً، فالأصل هو استيعاب هذا الحراك. ولذلك إذا تذكر في بداية الأحداث في سوريا، والبعض أخذ على الرئيس الأسد هذا الأمر واعتبره سلبيا، ولكن هو كان  إيجابيا، أنّه مثلاً حين تخرج تظاهرة في مدينة معيّنة، مثلاً افترضنا في المدينة الفلانيّة، ويقولون نحن نريد أن يسقط المحافظ، فالرئيس الأسد عندما يُحضرون له أدلّة أنّ هذا المحافظ فاسد يُقيله، هناك مَن عدّ أنّ هذا خطأ، هذا جرّأ الآخرين على النظام. في الوقت الذي كانت فيه الفكرة استيعاب الحراك الذي من الطبيعي أن يبدأ حراكا مطلبيا، لكن يقف خلفه دول وحكومات ومحاور وقوى منظّمة تستغل الحراك لتدخل. وإذا تذكر عندما بدأت أولى الأحداث في درعا، وجاء وفد من شيوخ درعا عند الرئيس الأسد، وصودف أنّني كنت في الشام في اليوم نفسه، والتقيت بالرئيس الأسد في اليوم نفسه بعد لقائه مع جماعة درعا، وكل شيء طلبوه من الرئيس الأسد قبل معهم، وهم التزموا، يعني بعزل مسؤولين وبدفع ديّات شهداء وبإطلاق سراح معتقلين وببرامج تنموية، كل المشاكل في محافظة درعا من عشرين إلى ثلاثين سنة وضعوها أمام الرئيس الأسد، وهو استجاب لهم في كلّ شيء، وخرجوا من عنده سعداء. في اليوم التالي، قامت الجماعات المسلحة باحتلال مدينة درعا، في اليوم الثاني أو الثالث.

إذاً؛ كانت الفكرة في البداية أن لا نذهب للمواجهة بل للاستيعاب، ولذلك الأطراف الداعمة والمموّلة والمحرّكة والقائدة الحقيقيّة للحراك الذي حصل في سوريا، سارعت إلى المواجهة المسلحة.

من جملة الأدوار التي لعبها الحاج قاسم، طالما تسأل عن سوريا، بدأت المواجهة، وكنّا لا زلنا في البدايات، وللإنصاف حتّى نحن والإخوة في إيران لم ندخل عسكرياً بعد، صار هناك حديث أيضاً مع الرئيس الأسد في موضوع التسوية السياسيّة والحل السياسيّ، هو كان قد أعلن عن هذا الموضوع في جامعة دمشق، أنّ هذا كيف يمكن ترجمته، خرج الرئيس وقال: نعم؛ يوجد أخطاء، ونحن نحتاج لإصلاح، وكذا وكذا، ونحن جاهزون، قال أنا لا مانع عندي، مَن هي الأطراف الحقيقيّة التي تمثّل هؤلاء الناس ونتفاوض؟ أنتم تكلّموا معهم واتّصلوا بهم، ما مطالبهم؟ أنا حاضر وجاهز لأن أفاوض وأن أقوم بحل سياسيّ وتسوية.

وكثيرون شاهدون، الذين تابعنا معهم الملفات في تلك المرحلة. نُقل هذا الأمر للإخوة في إيران، استنفرت كلّ الجمهوريّة الإسلاميّة؛ لأنّها كانت مقتنعة بالحلّ السياسيّ، وأنه لا نريد في سوريا أن تذهب الأمور إلى مواجهة مسلّحة. مَن هي هذه المعارضة؟ بدأنا نبحث عن المعارضة، حتى أساتذة الجامعات صار اتّصال بهم، جهات حزبيّة، جهات جديدة، من جملتهم الإخوان المسلمين في سوريا، طبعا؛ لم نتّصل بشكل مباشر إنّما بواسطة، أمّا الإخوة في إيران في المؤسسات المختلفة، كانوا يتّصلون بشكل مباشر مع الجهات السوريّة المعارضة وبعلم الرئيس الأسد وبموافقة الرئيس الأسد، تحت عنوان أنّه تفضلوا يا أخي نقوم بحل سياسيّ، مفاوضات، تسوية. ماذا قيل لنا من الجميع في ذلك الوقت؟ هذه أيضاً للتاريخ، الكل كان يقول لنا نحن لسنا في وارد حلّ سياسيّ مع النظام، ولا في وارد تسوية ولا في وارد مفاوضات، النظام انتهى، النظام سيسقط خلال شهر أو شهرين ولا نريد إحياء العظام وهي رميم، هذه هي الأدبيّات، أنه مَن يحيي العظام وهي رميم؟ هنا خطأ التقدير الذي جرى عند الجهات التي تقود الحراك في سوريا ومَن يقف خلفها.

في الحقيقة، هو لم يكن خطأ في التقدير، يعني الآن ربّما يقول قائل إنه كان خطأ في التقدير، قدّروا بأنّ النظام سيسقط خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة، وبالتالي لم يقبلوا أن يذهبوا للمفاوضات والتسوية، حين رأوا أنّ النظام تماسك وبدأ ينتصر، صاروا يقولون تفضلوا إلى الحل السياسيّ. الحقيقة أنّه من البداية كان هناك قرار دولي إقليميّ كبير جداً، لذلك لا أحد يبالغ حين يقول (الحرب الكونيّة على سوريا)، كانت هناك حرب كونيّة، وهؤلاء كانوا أدوات الحرب الكونيّة، نعم؛ استُغلّ أنّ هناك فسادا في سوريا، هناك مشاكل في سوريا، لا أحد ينكر هذا الموضوع، كثير من الملفات تحتاج لمعالجة وحلّ، والرئيس الأسد يتحدث عن هذا الموضوع وأعلن عنه في أكثر من مناسبة، لكن بدلا من أن تدفع تلك الدول الإقليميّة والدوليّة من الأوّل باتّجاه الحل السياسيّ أو التسوية التي أعلن الرئيس الأسد والنظام في سوريا استعدادهم لها  ولم تكن الأبواب قد أُقفلَت، قالوا النظام سيسقط.

في تلك المرحلة أيضاً، في مرحلة العمل من أجل التواصل مع قوى معارضة، تعرف الحاج قاسم عنده علاقات مع عدد من الإخوان المسلمين وأحزابهم، عنده علاقة مع حماس التي كان عندها علاقة معها، مع أردوغان وتركيا الذين كان عندهم خطوط مع مختلف أطياف المعارضة، مع القطريّين الذين كان لهم خط معهم، مع كثير من الدول التي كانت تؤيد وتدعم..

غسان بن جدو: ماذا حصل مع الأتراك والقطريّين؟

السيّد نصرالله: الكل كان جوابه واحد، النظام سيسقط، هذا الموضوع انتهى، لا مكان للنظام ولا للرئيس الأسد ولا لكل هذه المجموعة التي تحكم الآن سوريا، لا مكان لهم في حاضر ومستقبل سوريا، نقطة على أوّل السطر، و(لاقونا بعد شهرين).

غسان بن جدو: هذا خلال الأشهر أو الأسابيع الأولى؟

السيّد نصرالله: نعم؛ الأسابيع الأولى، في الأسابيع الأولى قام بجهد كبير، كل هذا بعيدا عن الإعلام، ربّما لأول مرة يُحكى عنه في الإعلام، كان في إيران غرفة عمليات، سماحة القائد شخصيّاً كان مهتمّاً بالموضوع، وكلّ المؤسّسات في إيران، حتّى مَن يعمل في العمل الثقافيّ، مثلاً المرحوم آية الله الشيخ محمد علي تسخيري، لا عمل له في هذه المسائل، هو عمليّ، ثقافيّ، علميّ، تقريب بين المذاهب وما شاكل؛ لأنّ عنده صداقات مع علماء وحركات وجهات إسلاميّة مطلّة على الوضع في سوريا، فحتّى الشيخ تسخيري (رحمة الله عليه) اشتغل في الأسابيع الأولى، لم يبقَ أحد. طبعاً؛ المحور الحركي كان أخونا الحاج قاسم سليماني. بعد أن يئسنا بالكامل، أنّ باب الحوار لا يوجد…

غسان بن جدو: بعد إذنك سماحة السيّد، للتاريخ، هناك صديقان حميمان للقيادة السورية، تركيا وقطر، الآن تكشف لنا بأنّه تمّ الحديث معهما منذ الأسابيع الأولى، لماذا لم يقوما بأيّ دور وهما صديقان للقيادة السورية، للحلّ وليس للعكس؟ ما تفسيرك؟

السيّد نصرالله: كان هناك مشروع كبير في المنطقة، لم يعد الموضوع موضوع صديقين أو ليسا  بصديقين، هناك مشروع كبير في كلّ المنطقة، الأمريكيّون دخلوا به، الأتراك دخلوا به، قطر دخلت به، قوى أخرى دخلت به.

غسان بن جدو: أُبلغتم بأنّ هناك مشروعاً كبيراً، أو هو استنتاج؟

السيّد نصرالله: طبعاً ليس  استنتاجا.

غسان بن جدو: أُبلغتم أنّ هناك مشروعا  كبيرا؟

السيّد نصرالله: نعم.

غسان بن جدو: وهذا المشروع ما هدفه؟

السيّد نصرالله: تغيير كلّ هذه الأنظمة، والمجيء ببدائل عنها ممسوكة أميركيّاً ولكن أُعيد إنتاجها شعبيّاً، يعني مقبولة على مستوى الشعوب العربيّة والإسلاميّة وربّما تحمل مشروع المستقبل.

غسان بن جدو: في سوريا ماذا سيفعلون؟ فهمنا في مصر وكذا، في سوريا ما دورهم؟

السيّد نصرالله: الأمر نفسه.

غسان بن جدو: إذا جئنا بقيادة جديدة من خلال هذا الشعب والحراك الشعبي، ما الذي سيفعله للأميركيّ؟ ما الهدف؟

السيّد نصرالله: الذي يجري ، أن النظام الجديد في سوريا، أولاً؛ سيكون خطه السياسيّ العام ما يُسمى بدول الاعتدال العربيّ؛ يعني أميركيّ غربيّ أوروبيّ، ثانياً؛ الذي تريده تركيا سيفعله لها، والذي تريده قطر ينفذه، والذي تريده السعوديّة  ينفذه، نظام ضعيف، هشّ محتاج لهؤلاء الذين جاؤوا به، النظام الحالي لا؛ الأتراك يعرضون  شيئا، القطريّون، السعوديّون، الأميركيّون، الأوروبيّون – نتحدث عن قبل الأحداث 2011 – الشيء الذي يقتنع به النظام وفيه مصلحة سوريا ينفذه، ليس فيه مصلحة سوريا لا يفعله.

غسان بن جدو: وإسرائيل؟

السيّد نصرالله: سآتي إليها. ثالثاً؛ تسوية مع إسرائيل، وكثيرون منهم استعجلوا أصلاً، قدّموا أوراق اعتماد وقالوا نحن لا مشكلة لدينا، ونتنازل عن الجولان، ووجدوا حلا أن يؤجروه 99 سنة، وهناك مَن ليس لديهم مشكلة أصلاً في أن يذهب الجولان بلا إيجار ولا شيء، وعلاقة إسرائيل بكثير من هذه المجموعات لم تعد تحتاج لاستدلال، الجهتان تعترفان بذلك.

محاصرة المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة؛ انتهينا، حتّى إيران ما تقدّمه لغزة وفلسطين كان جسر العبور فيه سوريا، هي المعبر، هي الحامية، محاصرة المقاومة، إنهاء حركات المقاومة في المنطقة، لذلك الاستهداف في سوريا لم يكن فقط لاعتبارات سياسيّة، لها اعتبارات في المنطقة، هناك شيء أنتم قمتم به في الميادين ممتاز جداً عن سوريا، لماذا سوريا؟ له علاقة بالنفط، وله علاقة بالغاز وبخطوط الإمداد وبالبحر المتوسط، وله علاقة بكل المسارات الاستراتيجيّة التي تسير الآن.

هم رأوا هذا الرئيس، هذه القيادة، هذا النظام، هذه المجموعة التي تحكم الآن في سوريا هي ليست جاهزة أن تقول: « نعم سيدي»، يعني التركيّ أصبح سيدي، والقطري سيدي، والسعودي سيدي، والأميركي سيدي، لا؛ هم جرّبوه، جرّبوهم عندما جاء كولن باول وقدّم لهم لائحة المطالب، وجرّبوهم قبل حرب تموز وفي حرب تموز وبعد حرب تموز، ووجدوا أنّه لا…

غسان بن جدو: لكن تعرفون أنّها كانت مغامرة كبرى هذه؟ يعني هل كنتم تدركون أنها كانت مغامرة كبرى بالنسبة إليكم حتّى تواجهوا كل هذا العالم؟ سماحتك تتحدّث عن مشروع دوليّ إقليميّ كامل.

السيّد نصرالله: صحيح.

غسان بن جدو: تدركون هذا الأمر.

السيّد نصرالله: طبعاً.

غسان بن جدو: كيف اجتمعتم وكيف قرّرتم أن تواجهوا؟

السيّد نصرالله: أولاً؛ ما كان هناك خيارات، يوجد خياران لا ثالث لهما، إمّا أن تستسلم وتُسحَق، وبالتالي سوريا وكل المحور، وإمّا أن تصمد وتقاتل على أمل الانتصار. منطق المقاومة هو الثاني، هو أصلاً كلّ المقاومة في مواجهة إسرائيل والهيمنة الأميركية، يعني المقاومة في لبنان حين تقاتل الجيش الإسرائيليّ، أو المقاومة الفلسطينيّة، هل هناك تناسب قوى؟ بالعدّة والعدد والإمكانات والحلفاء وبالدعم والتمويل وكذا؟ لا يوجد أيّ تناسب، يوجد إرادة، لهذا أنا تحدثت بالفلسطيني عن الإرادة. نحن خيارنا كان واضحاً، خيار القيادة في سوريا، خيار مَن تعنيه سوريا بهذا المستوى من السوريّين، خيارنا، خيار بقيّة أصدقائنا وحلفائنا، نحن من البداية رأينا المعركة هكذا.

أنا هنا أودّ أن أضيف أمراً حول الاستهداف لسوريا؛ مثلاً الآن داخل سوريا يوجد نقاش، هناك مَن يقول نحن يا أخي حدث ما حدث علينا في سوريا لأجل المقاومة، لأجل فلسطين، إذاً ماذا جاءنا من فلسطين؟ ماذا جاءنا من المقاومة؟ لماذا نبقى ندفع الثمن؟

غسان بن جدو: موجود هذا الآن.

السيّد نصرالله: نعم موجود، وهذا يعمل عليه الجيش الإلكترونيّ. طبعاً؛ هذا جزء من الحقيقة، أنا أقول لهؤلاء السوريّين الذين يتكلّمون بهذا المنطق هذا جزء من الحقيقة، لكن الجزء الآخر من الحقيقة أنّ سوريا ما كانت مُستهدَفة فقط من أجل فلسطين ومن أجل المقاومة، سوريا مستهدفة من أجل نهب نفطها وغازها الموجود في الأرض والموجود في البحر، ومن أجل احتلالها من قبَل القوى التي شغّلت هذه الجماعات للسيطرة على الموقع الاستراتيجيّ لسوريا اقتصاديّاً وسياسيّاً وأمنياًّ، سوريا موقعها موقع مهم جداً جداً جداً. الذين وقفوا في الحرب على سوريا، يوجد ميزة في سوريا، هناك قرار مستقلّ، تختلف مع النظام أو تتفق معه، يعجبك أو لا، فهذا بحث آخر، لكن أنت يجب أن تكون  منصفا، يوجد قرار مستقل، وقيادة مستقلّة وقيادة شجاعة، وقيادة تضع المصالح السوريّة فوق كل اعتبار، وقيادة لا تخضع لا للأعداء ولا للحلفاء، أنا أتحدّث عن معرفة قريبة جداً، هم كانوا يريدون أن يأخذوا استقلال سوريا، يريدون أن يسيطروا على سوريا وعلى قرارها وعلى خيراتها وعلى موقعها، الموضوع ليس فقط موضوع مقاومة وكذا. كما هو موضوع إيران، اليوم هناك أناس في إيران يشتغلون على هذه المسألة؛ أنّ إيران تدفع ثمن وقوفها إلى جانب فلسطين والمقاومة في المنطقة، صح؛ ولكن هذا جزء من الحقيقة، الجزء الثاني المهم الذي يعرفه الكثير من الإيرانيّين، أنّ الهدف في إيران من الضغط الأميركيّ والتهديد الأميركيّ هو السيطرة على إيران وعلى خيرات إيران ونفط إيران وغاز إيران وموقع إيران الاستراتيجيّ واستعادة الأمجاد الأميركيّة التي كانت في زمن الشاه. الموضوع ليس فقط موضوع فلسطين والمقاومة، نعم؛ هو جزء من المعركة هذا صحيح، وهم يتحمّلون مشكورين مأجورين هذه التبعات، لكن هذه ليست كل المعركة. في سوريا الأمر نفسه، في إيران الأمر نفسه، لذلك ما كان عندنا خيار سوى أن نذهب إلى المواجهة.

غسان بن جدو: أنتم المقاومة في لبنان لم يكن لديكم خيار، هذا مفهوم، وفي إيران مفهوم، والجنرال قاسم سليماني الشهيد (رحمه الله) مفهوم، هذا الأمر الرئيس الأسد كان واعٍ له؟

السيّد نصرالله: هو أصلاً كان حاسما لخياره، أنا أريد أن أقول لك أمراً؛ أنا كنت أُلفت بعض الأصدقاء الإيرانيين إليه، الروس طبعاً جاؤوا بعد خمس سنوات، حتّى الروس أحياناً يخطئون بالكلام أنّه لولا تدخّلنا لكانت دمشق انتهت وكذا. مرة أحدهم في إيران – أنت تعرِف، في إيران كثيرون يخطبون – استعمل عبارة مشابهة، فأنا تحدثت للحاج قاسم الذي بدوره تحدث مع هذا الشخص وقال له عليك تصحيح هذه الأدبيّات، فنحن غير موافقين عليها.

في سوريا صحيح؛ أولاً؛ بعد الله سبحانه وتعالى – لأنّه رغم أنّ هذه مسألة خلافيّة في العالم الإسلاميّ، وتعرِف عُمل عليها مذهبياً وطائفياً وفتنوياً وكذا – صمود القيادة السوريّة وشخص الرئيس بشار الأسد ومَن معه من مسؤولين وقادة وجنرالات، وصمود الجيش، وصمود واحتضان جزء كبير من الشعب السوري لهذه المعركة، هنا يبدأ الأصل، ثم يأتي الأصدقاء والحلفاء كعامل مساعد، وإلّا لو جاءت كلّ إيران إلى سوريا، وهم ليسوا موجودين، ماذا تصبح إيران؟ تصبح قوة احتلال. لو جاءت كلّ روسيا إلى سوريا، وهم غير موجودين، تصبح قوة احتلال. إذا ذهب كلّ حزب الله إلى سوريا، وهم غير موجودين، يصبح قوة احتلال. إذاً الأصل في سوريا أنّ هناك مَن أخذ القرار، هم أخذوا قرار أن يصمدوا.

أنا في تلك المرحلة لم ألتقِ فقط مع الرئيس الأسد؛ بل مع أكثر من مسؤول سوري لأسمع ما هي انطباعاتهم وآراءهم، هم كلهم كانوا يقولون نحن لا خيار لدينا إلّا المواجهة؛ لأنّ الموضوع هذه أبعاده، جاهزون للتسوية، جاهزون للحل السياسيّ، لكن أنتم ترون الطرف الآخر لا يريد حلّاً سياسيّاً ولا يريد تسوية.

فإذاً؛ القرار في الحقيقة هو سوري، ثمّ جاء الحلفاء، نحن دخلنا على الخط بشكل معيّن، الإخوان الإيرانيّون دخلوا على الخط، الإخوان العراقيّون، قوى أخرى لاحقاً، فاطميّون وزينبيّون، لنحفظ للكل حقهم، وبعد خمس سنوات دخل الروس.

غسان بن جدو: سنتحدث عن الروس سماحة السيّد. قطعاً؛ كل ما تتفضّل به دقيق، هذا ليس  توصيفا، بالتأكيد ما تتفضّل به هو دقيق، والشعب السوريّ أكّد أنّه شعب جبّار بكلّ ما للكلمة من معنى، لكن لأّنك تلتقي الرئيس الأسد، والشهيد قاسم سليماني يلتقي الرئيس الأسد، أنتم خارج سوريا ومفهوم مقاربة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، مفهوم مقاربة المقاومة، لكن الرئيس الأسد ما سرّه حتّى يبقى وهو كان معرّضاً كل يوم للاغتيال والتصفية، وكل يوم دمشق يمكن أن تسقط، ما السرّ؟

السيّد نصرالله: وهو لم يغادر دمشق، لم يغادرها على الإطلاق إلّا في الآونة الأخيرة عندما أصبحت الظروف مختلفة، أنا في مرّة من المرات التقيت معه في القصر، وكان القصف قريبا من منطقة القصر، وهو لم يغادر، وبعض الأصدقاء اقترح عليه أن يذهب إلى اللاذقية أو إلى أيّ مكان آخر، وهو كان يرفض، قال أبقى إلى آخر لحظة هنا في هذه المعركة. ما هو السر؟ ها أنت تقول سر، هذا سرّ، الرجل كان خلال كل الفترة التي كنت ألتقي به وفي أصعب المراحل والشدائد التي كانت، كان متماسكاً وقويّاً وواثقاً، لم أكن ألحظ أيّ حالة وهن أو ضعف أو حيرة أو ارتباك بشخصيّته، ما السرّ؟ لا أعلم.

غسان بن جدو: هل فعلاً الشهيد قاسم سليماني التقى الرئيس الروسي بوتين، وتحدث معه شخصيّاً حول دخول القوّات الروسيّة إلى سوريا؟

السيّد نصرالله: صحيح؛ هو كانت هناك نقاشات سابقة، تعْلَم الموقف الروسي إلى ما قبل الدخول كان موقفاً سياسيّاً، في البداية بدأ موقفاً سياسيّاً من خلال استخدام الـ (فيتو) في مجلس الأمن، كان الروس يدافعون ويحمون، في الموضوع اللوجستي كانوا يساعدون، في موضوع المعلوماتيّ كانوا يساعدون، إلى ما دون الحضور المباشر. وعلى كلّ حال؛ المعركة في سوريا كانت التحولات قد بدأت فيها في السنة الثانية، هو الخط البياني نزولاً كان أول سنة، لكن من السنة الثانية تقريباً بدأ الخط البياني يصعد، وهكذا في السنة الثانية والثالثة، لكن طبعاً المعركة كانت ستطول أكثر بكثير ممّا كانت عليه. لذلك الدخول العسكريّ الروسيّ كان مؤثّراً جداً، هذا لا نستطيع أن ننكره، فيومئذ كان هناك تردّد عند الرئيس بوتين، وتعرف كانت روسيا تقريباً محاصرة، في المنطقة لا شيء عندها، في الشرق الأوسط كلّه لا شيء عندها، وحتّى في أوروبا الشرقيّة أخذوا منها دولها، وحتّى بعض الدول التي كانت في جوار روسيا وفي ظلّها بدأ الأميركيّون يقذفونها الواحدة تلو الأخرى.

في كلّ الأحوال؛ هو كان عنده قلق، أنّ هذا الخيار فيه مخاطرة، مغامرة خاسرة أو خطوة يمكن أن يُكتَب لها النجاح. هنا لم يكن النقاش السياسيّ هو الذي يُقنعه؛ بل يحتاج لنقاش عسكريّ، فحينئذ أخونا الحاج قاسم… طبعاً؛ تم التنسيق بين إيران وروسيا، وذهب الحاج قاسم سليماني إلى موسكو، والتقى بالرئيس بوتين ولمدة ساعتين، يعني الوقت أيضاً مهم، وبحضور عدد من المسؤولين؛  العسكريين، والأمنيين والسياسيين، وقتذاك حكى لي الحاج – هنا نتحدث مباشرةً، لا يوجد سند عن فلان وفلان – وقال أنا وضعت الخرائط على الطاولة، ووصفت له الواقع الحالي، أين نحن؛ أين الجيش السوريّ وكلّ مَن معه من أصدقاء، أين الجماعات المسلّحة في المناطق، ما هي فرص العمل وفرص النجاح… قدّم له قراءة استراتيجيّة للوضع في سوريا والمحيط، والفكرة المطروحة، وما هي النتائج المتوقّعة. طبعاً؛ يتحدث كلاماً علميّاً، موضوعيّاً، عسكريّاً، ميدانيّاً، وعلى الخريطة والمساحة والأرقام والأعداد.

في تلك الجلسة الرئيس بوتين قال للحاج أنا اقتنعت، وعلى ضوء تلك الجلسة اتُخذ هذا القرار، هذا ما سمعته أنا من الأخ الحاج قاسم سليماني، ثمّ إنّ هذا معروف.

غسان بن جدو: يعني نستطيع القول إن الدخول الروسي كان بمبادرة إيرانيّة بالتشاور مع دمشق، أو بطلب سوريّ؟

السيّد نصرالله: السوري كان يرغب في أن …

غسان بن جدو: ولكنّه لم يطلب من الروس مباشرةً.

السيّد نصرالله: لا علم لديّ، لكن أنا أفترض أنّه طلب، من الطبيعي أن يكون قد طلب، ولكن حقيقةً كانت هناك حاجة للمساعدة أستاذ غسان، هناك قيادة ونظام وبلد، يوجد حرب كونيّة عليه، فطبيعيّ أن يطلب من الروس. الروسيّ كان مترددا في الدخول، النقاشات؛ أكيد النقاشات الروسيّة، النقاشات الإيرانيّة… انظر أنا علمي موضوعيّ إلى حد ما، لا أحب أن أركّب أساطير، لا يصحّ أن نقول إن الحاج قاسم سليماني هو الذي أقنع بوتين أن يأتي إلى سوريا، أنا أقول الحاج قاسم سليماني، بقراءته الاستراتيجيّة واستدلاله ومنطقه القوي وشخصيّته الكاريزميّة، استطاع أن يقدّم إضافة نوعيّة كبيرة على كلّ الجهود السابقة التي أدّت لاتّخاذ روسيا قرار الدخول إلى سوريا؛ لأنّه كان هناك جهود كبيرة ونقاشات، بقي الرئيس بوتين – هذا ما نُقل –  مترددا، والحاج استطاع أن  يقنعه، تعرف عنده قدرة عالية في الإقناع، وعنده منطق، يعني لا يأخذك بالخجل والشعارات وما شاكل، لا؛ يتحدّث بشكل علمي، وبان ما هي نتائج هذا الدخول الميدانيّة والعسكريّة، ونتائجه السياسيّة أيضا. وأعتقد اليوم أنّ روسيا، أنّ الرئيس بوتين ومَن في روسيا بعد دخولهم إلى سوريا والتحوّلات التي حصلت في المنطقة وفي العالم، بات الكل يعرف أنّ روسيا عادت إلى العالم من بوّابة سوريا.

غسان بن جدو: ما الجديد الذي لم تقله سماحتك؟ ويمكن اليوم أن تحكي لنا بعض الكواليس الخاصة بالشهيد قاسم سليماني؟ هذه الشخصيّة الإيمانيّة الذي بقي حسبما فهمت 33 يوما كلها هنا، كلّ الحرب هنا معكم أليس كذلك؟

السيّد نصرالله: هو غادرنا، في أوّل الحرب، ثم جاء، ثمّ غادر ليومين، ثمّ رجع وبقي ليوم 14.

غسان بن جدو: هل كان معقولاً سماحة السيّد أنّ الشهيد قاسم سليماني يكون هنا في الضاحية تحت القصف؟ معقول؟

السيّد نصرالله: هنا الميّزة…

غسان بن جدو: يعني لم تطلب منه سماحتك وتقول له غادر مثلاً؟

السيّد نصرالله: عندما جاء، كان في الشام، اتّصل وتواصلنا بطريقة معيّنة، قال: «أنا أريد أن آتي إليكم»، أنا قلت له: «كيف تأتي والضاحية تُقصَف؟! لبنان يُقصَف، طريق ضهر البيدر، المصنع وكذا… لا إمكانيّة. ثمّ إنه لا حاجة لأن تأتي، أنت ابقَ في الشام تنفعنا أكثر وتفيدنا أكثر». أنا صرت أستدلّ، أنّه إذا كنتَ أنت بعيدا عنّا ولكن قريب، لست معنا ولست تحت القصف تستطيع أن تفيدنا أكثر، إن أردنا شيئا مع السوريّين أو مع الإيرانيّين، اتّصالات دوليّة ممكن أن تُجرى. فهو لم يكن يحتمل، الموضوع عاطفيّ، جزء منه له علاقة بالمنطق، لكن هو لم يكن يستطيع أن يتحمّل أن يجلس في دمشق أو طهران ونحن إخوانه، الذين بيننا هذه العلاقة، جالسون تحت القصف وقد نُقتَل في أيّ لحظة من اللحظات. هذا كان تعبيره؛ أنّه أصلاً لا يمكنني أن أتحمّل هذا الموضوع، على المستوى العاطفيّ والنفسيّ، بالمنطق نعم ما تقوله منطق. فحينها قلت له: «لا تأتِ»، هو أرسل لي أن أرسل له سيارة والشباب ليُحضروه. طبعاً؛ هناك شيء نُقل في بعض الأماكن عن وسائل الإعلام أنه مَن ذهب وأنزله (جاء به)، هذا تفصيل، أنا قلت له: «لا أريد أن أرسل لك  أحدا، ابقَ في الشام»، قال: «حسناً أنا قادم، أنا سأرتّب سيارة وشباب وسأحضر إليكم». وقتذاك أُسقط في يدي، وأرسلنا الإخوان وأحضروه، فجاء إلينا.

الجزء الذي غادرَنا فيه كان أنّه بعد أيام عدّة من المعركة، كنّا تقريباً قد استوعبنا الهجوم في الأيام الأولى، يعني رابع يوم أو خامس يوم، وبات واضحاً ماذا يريد الإسرائيليّ وما يمكن أن يفعله، نحن استوعبنا الموقف بشكل ممتاز جداً، أجرينا تقييما وكان هناك تصوّر، كيف نُكمل وما المطلوب لنُكمل.

فكان المطلوب من الحاج (رحمه الله) أن يحمل هذا التقييم، تقدير الوضع كما يُسمّونه هم، والاقتراحات، حجم المساعدة، نوع المساعدة التي نريدها، ويخرج؛ من جهة ينسّق ويتكلّم مع إخواننا في سوريا، مع الرئيس الأسد والإخوان، ويُكمل إلى إيران يقابل سماحة القائد ورئيس الجمهوريّة والمسؤولين في إيران. وبالفعل؛ ربّما الشيء الطبيعيّ عند كثير من الناس أن يبقى أربعة إلى خمسة أو ستة أيام، يقوم بهذه الحركة كلها، ويعود إلينا بعد أسبوع أو عشرة أيام، لكنه غاب عنّا 48 ساعة فقط، خرج، دمشق، طهران، وقتذاك سماحة القائد والمسؤولون كانوا في مشهد، أحضروا العالَم (المسؤولين) كلّها إلى مشهد، واجتمعوا في مشهد وعاد إلى طهران، دمشق، الضاحية الجنوبيّة، لا أعرف إذا ذهب إلى بيته أو لا، وأحضر وقتذاك الموافقات والوعود والمسار الذي كانت ستسير به الأمور. بعدها بقي معنا كلّ الوقت إلى يوم وقف إطلاق النار؛ يعني هو غادر الضاحية الجنوبيّة بعد وقف إطلاق النار الفعليّ، العالَم (المهجرون) بدأت ترجع بالسيّارات إلى المناطق، هو ركب السيارة مع الشباب وغادر.

هنا؛ أنا أودّ أن أضيف شيئا الليلة معك؛ لأنّه لم يُحكَ عنه سابقاً، أو حُكي عنه كإشارة من بعيد. الحاج قاسم صحيح كان دوره أساسيا معنا في الحرب، بالنهاية حتّى أثناء الحرب نحن كنّا محتاجين لدعم لوجستي، وكان هذا الدعم مستمرا من إيران إلى سوريا، ومن سوريا إلى لبنان، وكل القصف الجويّ الإسرائيليّ لم يتمكّن من وقف النقل اللوجستيّ إلى لبنان، الإسرائيليّون يعلمون ذلك وأنا لا أكشف سراً، لأنّ هذا كان واضحاً في أيام المعركة. الدعم اللوجستيّ، الدعم العسكريّ، التنسيق السياسيّ، التواصل مع إيران، وجود الحاج قاسم معنا، أغنانا عن كل شيء اسمه (علينا أن نتكلم مع إيران، ونطلب دعما من إيران ومساندة منها)، هذا كلّه على عاتقه وهو كان يتابعه، وحتى مع سوريا هو بات بتابع هذا الموضوع. الجزء المهم جداً الذي ربّما لم يُحكَ بالاسم سابقاً أنّه عندما بدأنا نتحدث عن مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، غير البُعد العسكريّ – ترميم القدرات والإمكانات ذلك بحث آخر – أتحدّث في استيعاب الوضع الاجتماعيّ للناس؛ المهجّرين وإعادة الإعمار، يعني كان عندنا مرحلتان في الحقيقة؛ المرحلة الأولى: كيف نستوعب الناس وهي مهجّرة، عندنا عشرات الآلاف…

غسان بن جدو: 17 ألفا وقتذاك من الوحدات السكنيّة التي …

السيّد نصرالله: أكثر، أكثر، أتحدّث ما بين مهدَّم هدما كاملا وبين متضرر غير قابل للسكن تجاوزنا المئة ألف، إذا حسبنا العنوانين. هذه العائلات كلّها خارج بيوتها، مهجّرة، عليها أن تعود، ماذا نفعل؟ هنا كنّا نجلس أنا والحاج قاسم والحاج عماد ومجموعة من الإخوان قبل وقف إطلاق النار بأربعة أيام إلى خمسة أيام، يعني كان واضحا أنّ الأمور ذاهبة إلى وقف إطلاق النار، دعونا نفكّر ماذا نفعل؟ فظهرت معنا فكرة هذا ما أسميناه وقتذاك (مشروع الإيواء)، والذي ليس له سابقة في التاريخ البشريّ، ليس في تاريخ الدول والأحزاب وحركات المقاومة، في التاريخ البشريّ هذا لم يحدث؛ أن نأتي نحن، تنتهي الحرب، مثلاً يحصل وقف إطلاق النار الأربعاء، لجاننا التنظيميّة والتنفيذيّة جاهزة، أربعاء وخميس، رجالا ونساء وكلّ التنظيم التابع لنا يتّصلون بأصحاب البيوت المهجرين، ونقدّم مساعدة ماليّة، ولا نقوم بتحقيقات صعبة بالملفات؛ لأنّه واضح بيت هُدم وأهل القرى يعرفون بعضهم، نقدم مساعدة ماليّة للناس، من بيته مهدّم بالكامل نعطيه إيجارا لمدة سنة، يستأجر بيتا لمدة سنة؛ لأنّه خلال سنة من المفترض أن يُعاد الإعمار، ونعطيه مبلغا ليؤمن أثاث بيت متواضع، يعني أن يكون كريماً. والناس الذين ليست بيوتهم مهدمة بالكامل يمكن أن يعودوا إلى بيوتهم، ونساعدهم مباشرةً بترميم بيوتهم، يحتاج لحائط أو سقف أو نافذة والتعويض عن الأثاث… هذا يحتاج لمبلغ كبير من المال، وقتذاك كان – الحمد لله – الوضع الماليّ جيدا في إيران وكان سعر النفط عالٍ، الأمور كانت أفضل بكثير من الآن. مَن يذهب إلى إيران؟ المبلغ ليس بصغير، الحاج قاسم قال هذا عليّ أنا، هذا اجعلوه مسؤوليتي.

ولذلك نحن يوم 14 آب 2006 توقف إطلاق النار، في اليوم نفسه تشكّلت اللجان، لأنّها شُكّلَت قبل أيام عدّة، في اليوم التالي بدأت الاتصالات والتواصل مع العالَم (المهجرين) حتّى لا يبقى أحد في الشارع. لم يبقَ أحد في الشارع، ولم نبنِ مخيّمات، حتّى الناس الذين أخذوا خياما وضعوها على بيوتهم المهدّمة، وجلسوا في الخيم فوق بيوتهم المهدّمة، وساعدنا كل الناس لتعود.

هنا؛  أقول، بعد الله سبحانه وتعالى والمسؤولين في الجمهوريّة الإسلاميّة الذين أخذوا هذا القرار وعلى رأسهم سماحة القائد، الذي حمل هذا الملف وتابعه وذهب به إلى إيران وأحضر الإمكانات الماليّة الضخمة التي استطعنا أن نستوعب بها كلّ هذا المشهد، كان أخينا الحاج قاسم سليماني.

لاحقاً؛ وأنا طبعاً يؤثّر في نفسي في ذلك الوقت أنّ هناك مَن كان يتعمّد – هذه لا أنساها، كثيرة الأمور التي أنا مستعد أن أنساها لكن هذه كثيراً ما تجرح في القلب – في السلطة السياسيّة في لبنان ويخطّط ليبقى الناس أطول مدّة زمنية ممكنة في الشوارع؛ حتى ينقلبوا على المقاومة ولا يقرّوا أصلاً بهذا النصر وبهذا الإنجاز.

لاحقاً؛ حين حدث موضوع إعادة الإعمار الذي استغرق سنوات، هذا المشروع كله الذي تابعه ماليّاً وتفصيلاً وواكبه معنا، كان هو جهة الدعم معنا، هو أخونا الحاج قاسم سليماني، والذي شكّل في لبنان الهيئة الإيرانيّة لإعادة الإعمار، وكان رئيسها في ذلك الوقت المهندس الشهيد حسام خوش نويس، هذا كان اسمه الحقيقي، هذه الهيئة شكّلها الحاج قاسم سليماني، والشهيد المهندس حسام كان من طاقم الحاج قاسم سليماني، لكن لم يُقدَّم الأمر في الإعلام بهذا الشكل؛ لأنّه في النهاية حرس وقوة القدس وجهة عسكريّة.

فوددت أنا وفاءً أيضاً للرجل أن أقول في هذه المناسبة، هو لم يقف معنا فقط في الحرب؛ بل وقف معنا بعد الحرب وتابع معنا للنهاية. طبعاً؛ أعود وأقول الإخوان وسماحة القائد، ومسؤولون في الجمهوريّة الإسلاميّة، إيران، في النهاية هو يمثّلهم، لكن الإخلاص، الصدق، المتابعة، الحيوية، الجهد والسهر في الليل والنهار، هو الذي كان يعطي هذه النتائج المباشرة.

غسان بن جدو: سماحة السيّد؛ قبل الفاصل والمحور الأخير، نحن لا نعرف خليفته الجنرال قاآني، نشاهد صوره فقط، لكن أنتم تعرفونه أو تعرّفتم عليه بالتأكيد، أنتم مطمئنّون إلى قدراته؟ كيف تصفون الجنرال قاآني كخليفة للشهيد قاسم سليماني في قيادة قوة القدس؟

السيّد نصرالله: طبعاً؛ الأخ الحاج إسماعيل قاآني (حفظه الله)، أنا أعرفه من سنوات طويلة، هو كان نائباً للحاج قاسم سليماني، فبطبيعة الحال كان يتابع معه كلّ الملفات، وعندما كنّا نذهب إلى إيران في كل لقاءاتنا كان هو  موجودا؛ يعني في اللقاءات، في الحوارات، في المتابعات، فكل هذه المرحلة التي تحمّل فيها الحاج قاسم مسؤوليّة قوّة القدس كان الحاج إسماعيل نائبه، وهو بالتالي في قلب هذه الملفات وقريب جداً منها. هذا أوّلاً، فالتجربة كلّها موجودة عنده.

طبعاً؛ هو عنده تاريخ في الحرس وفي الحرب، حرب الثماني سنوات والتدرّج العسكريّ والأمنيّ المطلوب؛ أيّ هو متدرّج كما الحاج قاسم تماماً في هذه الزاوية.

أيضاً؛ هذا كان خيار الحاج قاسم نفسه، يعني هو عندما كان يُسأل في حياته من قِبل المسؤولين أو من قبلنا أو كذا؛ يا حاج أنت معرّض للخطر في أيّ لحظة وممكن أن تُستشهد، مَن هو البديل المناسب في رأيك ليُكمل هذه المهمة في قوة القدس، فهو كان يقول الحاج إسماعيل قاآني، وهو أخبر الناس بنائبه، يعني إذا أردنا أن نقول أكثر شخص عاش معه واشتغل معه هو الحاج قاسم، فهذا كان خياره.

طبعاً؛ الموضوع يحتاج إلى جهد، بالنهاية التركيبة والمنهجيّة والذي نسميه مكتب الحاج قاسم أو منهج الحاج قاسم، يجعل مسؤوليّة الذي يأتي بعده ثقيلة جداً، الحاج إسماعيل بالتأكيد يستطيع أن يحمل هذه المسؤوليّة، يملك من الإيمان والإرادة والعزم والتجربة والاستعداد والقدرة، وهو الآن دخل على الملفات كلّها تقريباً، وبطبيعة الحال حتّى نكون موضوعيّين أيضاً هو يحتاج إلى بعض الوقت حتّى لا نتوقّع منه ولا نحمّله ما كان يقوم به الحاج قاسم بعد 22 سنة من التجربة في قوة القدس؛ لأنّه الآن هو في موقع المسؤوليّة الأولى. هذا المسار إن شاء الله هو مسار مستمرّ، ولن يتراجع في لحظة واحدة على الإطلاق.

المصدر
كتاب يحبهم ويحبونه | كلمات السيد حسن نصرالله حول الشهيد قاسم سليماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟