مواضيع

قافلة الشهداء

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم <إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ> صدق الله العلي العظيم.

كالعادة؛ نُحيي في هذا اليوم الذكرى السنويّة لهؤلاء القادة الثلاثة الذين استشهدوا في مثل هذه الأيام، يُضاف إلى مناسبتنا اليوم، ذكرى أربعين يوماً على استشهاد القائدين الكبيرين والعزيزين؛ الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس يعني جمال جعفر، والإخوة الشهداء معهم، من المجاهدين الإيرانيّين في حرس الثورة الإسلاميّة وقوّة القدس، ومن المجاهدين العراقيّين في الحشد الشعبيّ العراقيّ، الذين كان لهم شرف الاستشهاد في مطار بغداد مع هذين القائدين العظيمين.

في كلمتي اليوم، في خدمتكم:

أولاً: أودّ أن أُشير إلى بعض المناسبات، مناسبات هذه الأيام بسرعة، وباختصار شديد.

ثانياً: أتحدث في كلمة عن الشهداء.

ثالثاً: كلمة عن المنطقة أمام التحوّلات الكبيرة والجديدة.

رابعاً: عن الوضع الداخليّ والمحليّ الذي طبعاً يَشغل بالنا جميعاً في هذه المرحلة.

الشهداء القادة

أيّها الإخوة والأخوات، بالعودة إلى قادتنا الشهداء، دائماً كُنت أتحدّث عن الصفات المشتركة بين القادة الثلاثة، اليوم مع انضمام الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني والشهيد القائد الحاج أبو مهدي المهندس إلى قافلة القادة الشهداء، تَحضر من جديد هذه الصفات المشتركة؛ المشتركة بين الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد والحاج قاسم والحاج أبو مهدي جمال، الإيمان والالتزام القوي بالقيم الإيمانيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، والإخلاص والصدق، ومحبّة الناس واللهفة عليهم، والتواضع الشديد، والشجاعة الكبيرة، حتّى لَيشعر الإنسان أنّه ليس في قلوب هؤلاء مكانٌ للخوف. يحملون الهم، ويتحملون المسؤوليّة، الكثير يُمكن أن يذهب ليعيش حياته الشخصيّة مع أولاده ومع عائلته، يسهر ويشم الهواء و«يكيّف»، ويقضي سنوات العمر همه حياته وعائلته وبيته، أمّا ما يُعانيه شعبه وبلده ووطنه وأمته والناس المظلومون من حوله، فهذا لا يَعنيه  شيئا. ميزة هؤلاء القادة الشهداء أنّهم كانوا يَحملون هَمّ المسؤوليّة منذ بداية شبابهم، وهم صغار السن، والاستعداد الدائم للتضحية بلا حدود، والدخول في المخاطر، دائماً كانت صدورهم مُشرّعة للسهام والرصاص والرماح، والثقة بالله والأمل بالمستقبل والجهاد المتواصل، والعمل بلا كللٍ ولا ملل، والإبداع وصُنع الإنجازات والانتصارات وعشق الشهادة منذ نعومة الأظفار، والسعي إلى لقاء الله، ثم صفتهم المشتركة الأخيرة، أنّهم نالوا شرف الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى على أيدي قتلة الأنبياء وأعدى أعداء القيم الدينيّة وأديان السماء والقيم الإنسانيّة والبشريّة في هذا الزمان؛ الأميركيّين والصهاينة، ومن جملة صفاتهم المشتركة أن حياتهم كانت عظيمة وشهادتهم كانت عظيمة، وأثرهم في حياتهم كان كبيراً، وأثرهم في الحياة وفي الأمة بعد شهادتهم كان عظيماً.

هؤلاء الشهداء، الذين نُحيي ذكراهم اليوم، نَعرف فيهم هذه الصفات، ومن دون مجاملة، هذه الصفات أيضاً، وبما يتناسب مع طبيعة دورها، كانت تتميز بها أُختنا الكبيرة والعزيزة السيّدة أم ياسر (رضوان الله تعالى عليها).

هؤلاء الشهداء ومن دون مجاملة، حياتهم المباركة وما جرى في حياتهم وما شهدناه وسمعناه ورأيناه من أفعال وأعمال وأقوال ووصايا وإنجازات وانتصارات وسلوك، كلها شهادة على هذه الصفات المشتركة التي يتحلّون بها.

عندما تقرأ وصيّة الحاج قاسم سليماني، التي نُشرت قبل أيام، وأنا أُوصي من لم يقرأها بأن يقرأها، تجد أَنّك أمام رجلٍ عارف وعاشق، ويعيش كل لحظات حياته لله، ويَشتاق إلى لقاء الله، ويَرجو قُربه، ويعمل بِجدٍ وكدٍ لتلك اللحظة وذلك اليوم، وتجد نفسك أيضاً أمام قائدٍ مُجاهد، يَحمل هموم إسلامه وبلده وشعبه وأمته، ويُرشدهم إلى عناصر القوة ومخاطر الطريق بكل إخلاصٍ وتواضعٍ ووعيٍ.

كذلك؛ عندما نَستمع إلى ما نُشر من وصايا الحاج أبو مهدي المهندس، في الصورة والصوت، هكذا كان الحال أيضاً مع شهدائنا القادة؛ الشيخ راغب والسيّد عباس والحاج عماد (رضوان الله تعالى عليهم.(

هذا النموذج من القادة الشهداء في مسيرة المقاومة يُقدم لنا، نحن الذين ما زلنا على قيد الحياة، لجيلنا ولأجيالنا الحاضرة ولأجيالنا الآتية في المستقبل، ولجمهورنا، لشعوبنا، لأمتنا، يقدّم لنا القدوة والأُسوة والرمز. المقاومة ليست خطابات ولا شعارات ولا كلمات منفصلة عن الواقع، هؤلاء جسّدوا لنا وتجسّدت في حياتهم وفي شهادتهم كلّ القيم الإنسانيّة والدينيّة والإيمانيّة والأخلاقيّة والجهاديّة، تجسّدت أمام أعيننا وأمام أعين الناس، وشكّلوا لنا مدرسة حيّةً نابضةً حاضرةً يسهُل الاقتداء بها؛ لأنّنا لا نتحدّث عن عالَمٍ مثاليّ في السماء. وعندما نتحدّث عن رجال الله الذين عايشناهم عن قرب، وشهدنا جهادهم وصبرهم وتحمّلهم وصدقهم وإخلاصهم وشهادتهم، فإنّ هذه الصفات أيّها الأخوة والأخوات، هي التي تفسّر لنا حقيقةً سرّ العلاقة القلبيّة والعاطفيّة بين الناس وبين هؤلاء القادة الشهداء. نحن شاركنا جميعاً، بحسب المناطق، في تشييع الشهيد الشيخ راغب، في تشييع الشهيد السيد عباس، في بعلبك والبقاع، الناس شيّعت تحت المطر، تحت الثلج، شَهِدنا تشييع الشهيد الحاج عماد، الناس كلها كانت حاملة مظلاّت تمشي تحت المطر، وبالأمس عندما شهدنا تشييع مئات الآلاف للشهداء في بغداد، والكاظمية وكربلاء والنجف ولاحقاً في البصرة، وأيضاً الملايين في إيران. هذا ليس تشييعاً سياسيّاً، لم تنزل الناس لتُعبّر فقط عن موقف سياسيّ، أنا تحدّثت سابقاً وأعيد، عندما كانت تنزل النّاس إلى الشارع بالملايين في الأهواز أو في مشهد أو في قم أو في طهران أو في كرمان، هذا في تشييع الشهداء، بعد صلاة الفجر ليبقوا إلى ما بعد مغيب الشّمس؛ أي من قبل طلوع الشّمس إلى ما بعد المغيب، وتجدهم جميعاً بالملايين لساعات طويلة في البرد القارس، تجدهم محزونين، ثكلى، يبكون، يغصّون بالكلمة، من أين كل هذا الحبّ والوُدّ؟ وهم لم يعرفوا الحاج قاسم سليماني، لم يكن نائباً في مُدِنِهم ولا وزيراً يزور محافظاتهم، تعرّفوا عليه؛ بل ممكن بعضهم لم ير صورته إلا في السنوات الأخيرة، من أين كل هذا الحبّ وهذه العاطفة الجيّاشة؟ في إيران، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، فلسطين، أفغانستان، باكستان، الهند، البحرين، في مختلف دول العالم التي عبّر النّاس فيها عن مشاعرهم، هؤلاء لأنّهم رجال الله، لأنّهم أولياء الله، لأنّهم خاصّة أولياء الله، لأنّهم باعوا أرواحهم وأنفسهم وحياتهم وشبابهم وعمرهم كلّه لله عزَّ وجلّ، الله جعلَ لهم في قلوب الناس محبّةً ووُدّاً، وهذا وعد قرآنيّ، الله أعزّهُم في الدنيا في جهادهم وفي شهادتهم، كما يُعزّهُم في الآخرة كما وعَدَ المجاهدين والشهداء، هذا أيضاً ببركة هذه الصفات، ومع كل شهادةٍ منهم كنّا ننتقل من مرحلةٍ إلى مرحلة، إلى مرحلة متقدّمة عن المرحلة السّابقة، أكبر وأوسع وأقوى، وهذا من بركات دمائهم الزّكيّة وإخلاصهم الكبير.

في بداية المقاومة، دماء الشيخ راغب حرب أدخلتنا مرحلة جديدة مختلفة عمّا قبل شهادة الشيخ راغب، شهادة السّيد عبّاس أدخلتنا مرحلة جديدة، مرحلة مختلفة عمّا قبل شهادته، وكان لاستشهاد السيّدة أم ياسر وطفلهما حسين معنىً خاصّاً أيضاً، العائلة الشهيدة المُضحّية، استشهاد الحاج عماد أيضاً أدخلنا مرحلة جديدة، أيضاً مختلفة عن المرحلة السّابقة، أنا شرحت هذا الأمر في خُطَبٍ سابقة لا أريد أن أعيد؛ لأنّه لا يزال لدينا كلامٌ نقوله. اليوم أيضاً؛ شهادة القائدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس أدخلَ المقاومة، ليس فقط في لبنان وليس فقط في فلسطين، وإنّما في كلّ المنطقة، وأدخل محور المقاومة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران والمنطقة كلّها، في مرحلة جديدة وحسّاسة ومصيريّة جداً.

المقاومون وجمهور المقاومة في كلّ المراحل السابقة، حملوا دماء الشيخ راغب ووصاياه، ودماء السيّد عباس ووصاياه، ودماء الحاج عماد ووصاياه، وكانوا بمستوى كلّ تطوّر في كلّ مرحلة، التطوّر الكبير الكمّي والنوعي، كانت المقاومة وأهل المقاومة لائقين بهذا التطوّر، وقادرين على تحمّل المسؤوليّة ومواكبة هذا التطوّر. اليوم محور المقاومة وجماهير المقاومة أمام تحدٍّ جديد عند هذا التطوّر الكبير الذي حصل في منطقتنا.

التحوّلات الجديدة في المنطقة

أنتقل إلى المقطع الثالث؛ هذا ينقلنا إلى الحديث عن المرحلة الجديدة على مستوى المنطقة. أيّها الإخوة والأخوات؛ إدارة ترامب خلال الأسابيع القليلة الماضية، إضافةً إلى جرائمها الكثيرة، ارتكبت جريمتين عظيمتين لهما علاقة بمنطقتنا:

الأولى: عندما أقدمت قبل أسابيع على اغتيال الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس والإخوة معهما على طريق مطار بغداد، في عمليّة اغتيال علنيّة ومكشوفة وواضحة، وتمّ تبنّيها رسميّاً، وإذا لاحظتم من يوم الاغتيال إلى اليوم، في كلّ مرّة يخطب فيها ترامب، يتعرّض لموضوع اغتيال الحاج قاسم سليماني، لماذا؟ هذا له تحليله ليس وقته الآن.

الثانية: إعلان ترامب عمّا سمّيَ بـ «صفقة القرن»، والجريمة الأولى هي في خدمة الجريمة الثانية، وكلتا الجريمتين في خدمة مشاريع الهيمنة والاستبداد والتسلّط والنهب الأمريكيّ والإسرائيليّ لبلادنا وخيراتنا ومقدّساتنا.

إذا جمعنا جريمة خطّة ترامب إلى جريمة الاغتيال للحاجين القائدين، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وكل الجرائم السابقة، فهذا يستدعي أن ندخل إلى المرحلة الجديدة، المرحلة الجديدة، أيّها الإخوة والأخوات، تفرض على شعوبنا في المنطقة الذهاب إلى المواجهة الأساسيّة، هذا التطور الجديد، هذه الجريمة الأخيرة، عندما قلت كل شهادة تنقلنا إلى مرحلة جديدة، اليوم نحن أمام مواجهة جديدة لا مفرّ منها، الفرار منها يعني أن تختبئ؛ لأن الطرف الآخر هاجم، ليس أنت المبادر، هو الذي يبادر، وهو الذي يقتل، وهو الذي يشنّ الحروب، وهو الذي يغتال والذي يصادر الحقوق ويلاحق ويعاقب ويحاصر، ولكي لا يخرج أيّ أحد ويقول السيّد اليوم وحزب الله إلى أين يأخذوننا؟! إلى مواجهة مع أميركا؟! نحن لا نأخذ أحداً إلى مواجهة مع أميركا، أميركا هي التي تواجه كلّ شعوب هذه المنطقة وحكوماتها الذين ما زالوا يرفضون الاستسلام، هذا هو التوصيف الصحيح، هذه المواجهة تفرضها الإدارة الأميركيّة على الأمة. عندما تقتل القادة بهذا الشكل العلنيّ والوحشيّ، وعندما يقف ترامب ليصادر المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة، ويعطي القدس للصهاينة، ويلغي القضيّة الفلسطينيّة، وحقوق السوريّين في الجولان، وحقوق اللبنانيّين، ويريد أن يملي شروطه على المنطقة، هو الذي يعلن الحرب، هو الذي يتجاوز الخطوط الحمراء، هو الذي يسفك الدماء في كل يوم، وليس نحن، نحن ما زلنا في ردّ الفعل، وفي ردّ الفعل البطيء، وفي ردّ الفعل المتأخر أيضاً.

شعوب منطقتنا مدعوة للذهاب إلى المواجهة الأساسيّة مع الأصل، مع الأساس، مع رأس الأفعى وأم الفساد ورمز الاستكبار والطغيان والاستبداد، المتمثّل بالحكومات الأميركيّة المتعاقبة وحالياً بإدارة ترامب، وهذه الإدارة تعتبر بحقّ أعلى مصداق – حتّى نسبة للحكومات التي سبقت – للشيطنة وللإرهاب وللتوحّش وللعدوانيّة والاستكبار والاستعلاء والعتو والإفساد في الأرض، انظروا كيف يخاطب كلّ العالم! هذا مؤتمر ميونخ أمس وأول أمس، فلتستمع إلى بومبيو كيف يتكلّم مع الأوروبيّين! فلتستمع لوزير الدفاع الأميركيّ كيف يتكلّم مع الصين! الصين ليست دولة صغيرة، الصين دولة عظمى، الاستعلاء الذي يخاطب فيه الصينَ، ويضع عليها شروطه ويضع لها خارطة طريق، لم يمرّ في تاريخ الكرة الأرضيّة، لعله، لا يوجد إدارة أكثر علواً واستعلاء وعتواً وإرهاباً وتوحّشاً من هذه الإدارة. كيف يخاطب حلفاءه؟! كيف يخاطب الناس الذين يعطونه مليارات؛ بل مئات مليارات الدولارات؟! يهينهم في كلّ يوم وفي كلّ خطاب، لا ضوابط ولا قيم، لا قانون دوليّ ولا مجتمع دوليّ ولا قيم سماويّة ولا شيء أبداً، توجد المصلحة والمال والفلوس، لا توجد أيّ شريعة أخرى. وبكلّ صراحة ووضوح وشفافية كما يقال، ترامب يمارس هذا النوع من القيادة اليوم في العالم – حتى كيف يخاطب اليوم في داخل الولايات المتحدة الأميركيّة، نحن نقرأ، لم يسبق في الحياة السياسيّة الأميركيّة نموذج كهذا النموذج، الذي يوجد فيه شتائم واستعلاء واستخفاف بكلّ شيء – إذاً؛ نحن أمام هذا التحدي، هذا العدوان الأميركيّ المتنوّع والمتعدّد بالحروب وبالاغتيالات وبالإملاء والصفقات والخطط لتصفية القضيّة المركزيّة، هو الذي يفرض على شعوب منطقتنا. إن كانت تريد أن تدافع عن كرامتها وعزّتها وحضورها ومقدّساتها ونفطها وغازها وخيراتها وحرّيتها ومستقبلها، إذا كانت تريد أن تمنع مصادرة كلّ هذا الحاضر والمستقبل لمصلحة أميركا وإسرائيل، ليس أمامها سوى خيار المقاومة الكاملة، المقاومة الشعبيّة، لا أتحدّث فقط عن المقاومة المسلّحة، المقاومة المسلّحة هي أحد أشكال المقاومة، المقاومة في كلّ أبعادها؛ الثقافيّة والإعلاميّة والسياسيّة والاقتصاديّة والقضائيّة، وكلّ أشكال المقاومة التي يمكن أن يلجأ إليها الإنسان.

في هذه المعركة، أيّها الإخوة والأخوات، نحتاج أولاً إلى الوعي، نحن لا نفرض خيارات على شعوبنا، نحن مسؤوليّتنا أن نعي وأن نُلفت وأن نعرّف وأن ندعو إلى الحقيقة؛ الحقيقة الواضحة، ولكن الناس يهربون منها، وهم بذلك يهربون من مصائرهم. نحن نريد إقناع الناس بالحقائق؛ الحقائق الموجودة والبيّنة والواضحة. نحن بحاجة إلى عدم الخوف من أميركا، نحن بحاجة إلى الثقة بالله عز وجل، والثقة بقدرتنا وقدرة أمّتنا، هذا ما كان يريد أن يعلّمنا إيّاه القادة الشهداء. نحن نحتاج إلى الأمل بالمستقبل، وأن نعرف بأنّ أميركا وإسرائيل ليستا قدراً محتوماً، عندما نأتي إلى الوعي، اليوم إذا أخذنا أميركا في مصداق سريع، في المائة سنة الأخيرة فقط – اليوم موجودة في دراسات وعلى مواقع التواصل الاجتماعيّ والإنترنت – الحروب المباشرة وغير المباشرة للولايات المتحدة الأميركيّة في العالم، تصل إلى عشرات الحروب، وكتبوا أسماءها ومدتها وخسائرها البشريّة، أنا لا أريد أن أتكلّم عنها، أريد أن أتكلّم عن منطقتنا وعن نماذج عدّة كلّنا شهدناها، والسؤال لكلّ لبنانيّ ولكلّ عربيّ ومسلم ومسيحيّ ولكل إنسان حرّ في منطقتنا، هل الحكومات الأميركيّة مسؤولة عن هذه الحروب أو ليست مسؤولة؟ نقيم نقاشاً عن هذا الموضوع، نحن لا نريد أن نملي قناعاتنا على أحد، أربعة نماذج سريعة.

  1. وجود إسرائيل، تثبيت إسرائيل، دعمها وحمايتها في كل  يوم. منذ يومين؛ إحدى منظّمات حقوق الإنسان الدوليّة، ليست تابعة لا لدولة عربيّة ولا لدولة إسلاميّة، تقوم بإحصاء الشركات التي تعمل في الضفة الغربيّة في المستوطنات الإسرائيليّة، وتعدّ هذا العمل غير شرعيّ وغير قانونيّ، أمس بومبيو يهينهم قياماً وقعوداً، وهم منظّمة دوليّة ويتكلمون بناء على القوانين الدوليّة والقرارات الشرعيّة الدوليّة، قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ، يهجم عليهم ويهددهم.

إذا أرادت السلطة الفلسطينية أن تحوّل مجرم حرب إسرائيليّ إلى المحكمة الجنائية الدوليّة، فالولايات المتحدة تهدّد السلطة الفلسطينيّة، وكل يوم تهددها. حسناً؛ في الحروب، كل حروب إسرائيل في المنطقة، كل جرائم إسرائيل في المنطقة ومجازرها، مَن يتحمّل مسؤوليتها؟ بالدرجة الأولى أميركا، هي الداعم والحامي والمموّل والمسلّح، كل الحروب وصولاً إلى الحروب مع لبنان. عندما نتكلّم مع اللبنانيّين حتى لا ينسوا، في 1948 و1978 و1982 و1993 و1996 ومجزرة قانا، وبالـ 2006، والتهديد الدائم للبنان، مَن قتل ناسنا ومن ارتكب المجازر المهولة في لبنان؟ إسرائيل، وأميركا تتحمّل كامل المسؤولية.

حسناً؛ اليوم حتّى ما يجري على الفلسطينيّين في قطاع غزّة من حصار وجوع وتضييق، القتل اليومي في الضفّة الغربيّة، تشريد ملايين الفلسطينيّين في الخارج… إذاً؛ كل حروب إسرائيل وممارسات إسرائيل حتّى من الناحية الحقوقيّة والقانونيّة، أميركا مسؤولة عنها.

  • الحرب التي فرضت على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران في الثمانينات؛ 8 سنوات تم تدمير بلدين، مئات آلاف الضحايا في الجانب الإيرانيّ والجانب العراقيّ، مئات آلاف الجرحى، مدن بكاملها دمّرت، اقتصاد بلدين دمّر، هذه الحرب بقرار مَن؟ بحماية من؟ بدعم من؟ من الإدارة الأميركيّة، وهي التي أعطت السلاح، وهي التي حثّت العالم كلّه أن يعطي سلاحاً لصدام حسين، وهي من سمحت للسعودية ودول الخليج أن يعطوا مئات مليارات الدولارات من دون مبالغة، السعوديّة لوحدها أعطت لصدام 200 مليار دولار في ثماني سنوات، وفي ذلك الوقت لم يكن النفط كما في السنوات الماضية. رامسفيلد شخصياً – وزير الدفاع الأميركيّ السابق – هو الذي أتى وأعطى السلاح الكيميائيّ لصدام حسين حتّى يقتل الأكراد في الشمال ويقتل الإيرانيّين.
  • الحرب الدائرة اليوم على اليمن؛ والتي تكاد تنهي عامها الخامس، من يصدّق أنّ حرباً بهذه السعة والخطورة ليست بموافقة أميركيّة وحماية أميركيّة ودعم أميركيّ ودعم لوجيستي منها؟ أصلاً ماذا يهمّه ترامب؟ أحد أهم الأسواق لبيع الطائرات والصواريخ والقذائف والسلاح والدبابات هي حرب اليمن، وهو عمّا يبحث؟ عن الأخلاق والقيم أم يبحث عن الفلوس والدولارات وعلى أسواق للسلاح؟
  • وأخيراً، أريد أن أكتفي بداعش؛ لا أريد أن أتحدّث عن كلّ الجماعات الإرهابيّة، ولا أريد أن أفتح الملفات من أفغانستان حتّى الآن، فقط داعش، داعش التي ارتكبت المجازر المهولة في العراق وهددت مصير العراق، وليس هناك من داعٍ لأن نعيد، كلّ شيء تعلمونه. وفعلت الأفاعيل في سوريا، لا تنسوا أنّ داعش وحدها استطاعت أن تسيطر على أكثر من 50% من مساحة سوريا، محافظات بأكملها في سوريا والعراق سيطرت عليها داعش، ارتكبت المجازر والفظائع واغتصبت النساء وفعلت وسَبَت وإلى آخره، هل هناك من داعٍ للتحدث عن فظائع داعش؟ في لبنان هناك من أوقفهم على الحدود الحمد لله. من المسؤول عن فظائع داعش وجرائم داعش؟ الأميركيّون، ترامب نفسه يعترف بذلك، قادة كبار عسكريّون وأمنيّون ودبلوماسيّون أميركيّون يعترفون بذلك، والقرائن تؤيد ذلك، من أين جاءت داعش بالأفراد؟ عشرات آلاف المقاتلين من كل أنحاء العالم، تأشيرات ومطارات وتسهيلات، من أين جاءت بالسلاح؟ من أين جاءت بالمال؟ من كان يشتري منها النفط؟ من كان يشتري منها التحف؟ دول إقليميّة. من روّج لها في وسائل الإعلام في الأشهر الأولى على أنّها الثورة العارمة التي ستغيّر الأنظمة في المنطقة؟ كل الدول الإقليميّة التابعة للولايات المتحدة الأميركيّة.حسناً؛ هذا جزء من الوعي نحن نحتاج إليه.

أيّها الناس في لبنان وفي كل المنطقة، اليوم، لو جمعنا فقط هذه الحروب، وأحصينا كم قتل فيها من رجال ونساء وأطفال؟ كم جرح فيها؟ كم هدم فيها من بيوت ودمر فيها من أرزاق؟ كم مزّق فيها من أوطان؟ المسؤول الأول والأول والأول هي الحكومات الأميركيّة المتعاقبة وإدارة ترامب الحالية، ألا يستحق هذا أن يقف الإنسان ليواجه هذا القاتل والوحش والإرهابي، الذي يواصل إرهابه وقتله وحروبه؟ أم علينا أن ندفن رؤوسنا في التراب وننتظر أجلنا بِذلّ؟

إذاً؛ هذا هو الوعي الذي نحتاجه، هذه مجرد نماذج وإلا هناك ما شاء الله.

حسناً؛ أميركا من أجل فرض مشاريعها وخططها وهيمنتها، تلجأ إلى كل الوسائل المتاحة لديها، حيث يحتاج الأمر حرباً عسكريّة تُباشر بنفسها حرباً عسكريّة، وحيث يحتاج الأمر حرباً بالوكالة عندها وكلاء وأدوات تشغلهم، وحيث يحتاج الأمر إلى اغتيال تلجأ إلى الاغتيال – مباشر أو غير مباشر -، وحيث يحتاج الأمر إلى عقوبات وضغوط اقتصاديّة وحصار تفرض عقوبات، وحيث يحتاج الأمر إلى فتح ملفات قضائيّة تفتح ملفات قضائيّة، وتسخّر كل وسائل الإعلام في الكرة الأرضيّة في حربها النفسيّة والناعمة على الشعوب وعلى القيادات وعلى الحكومات.

في المقابل، نحن يجب أن نواجه بالوسائل نفسها وبكل هذه المساحات، وعندما نتحدّث عن مقاومة – أعود وأقول لا نقصد فقط المقاومة المسلحة، هذه أحد الأشكال – فنحن بحاجة إلى المقاومة الشاملة وعلى امتداد منطقتنا، على امتداد عالمنا العربيّ والإسلاميّ في مواجهة هذا الوحش الإرهابي المُتَغَوِّل المستكبر والمستبد والطاغي ورمز كل استبداد في منطقتنا وفي عالمنا وأساسه، ويمكن أن نلجأ إلى الوسائل. أنا أدعو هنا في هذا المقطع كل العلماء والنخب والأحزاب والقوى والمؤسسات والحكومات والشعوب، كل من يعنيه هذا الأمر، أن يُفكر لنضع خططاً ونضع برامجاً، حينها واقعاً ندخل في مرحلة جديدة اسمها (جبهة المقاومة الشاملة والكبرى والمتنوعة والمتعددة في مواجهة الشيطان الأكبر والاستكبار الأمريكيّ الطاغي والمستبد).

أضرب  مثالين: مثلاً؛ في المسائل القضائيّة والحقوقيّة، بمعزل عن أن المحاكم الدوليّة تستجيب أو لا تستجيب، تجد أن الأميركيّين بسرعة يفتحون ملفاً ويحوّلونه إلى الجهات القضائيّة، ويبدأ العالم بالخوف والركض، ويستغلون اليوم حادثة 11 أيلول، ووضعوا لها جهة قضائيّة ومتابعة قضائيّة، ويريدون تحميل السعوديّة مسؤوليّة حادثة 11 أيلول، والله أعلم كم 100 مليار دولار يريدون نهبها منها! في كل شيء يفتحون ملفات قضائيّة. لماذا نحن في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، لبنانيّون وسوريّون وعراقيّون وإيرانيّون وأفغان ويمنيّون وبحارنة وباكستانيّون وفي شمال أفريقيا وإلى آخره، لا يقوم محامون ويبادرون وينشؤون ملفات عن مسؤولية أميركا عن الجرائم المرتكبة في منطقتنا؟ حتّى في موضوع داعش، يأتون بتصريحات ترامب، تصريحات القادة العسكريّين والأمنيّين والدبلوماسيّين، كلّها موجودة على مواقع الإنترنت، ويضمونها للملفات ويرفعونها أمام القضاء المحليّ في أوطانهم والقضاء الدوليّ، لا يهمّ هل يوصل ذلك إلى نتيجة أو لا يوصل، ولكن هذا شكل من أشكال المواجهة، لا تكون المواجهة دائماً بحمل البندقية، يجب أن نحمل البندقية هذا ليس فيه نقاش، وكل شعوب المنطقة – أنا أقول لكم – ستحمل البندقية في مواجهة هذا الطغيان والاستكبار، هذا الطاغوت لم يترك فرصة ومجالاً لأحد إلا ليحمل البندقية. لكن الوسائل الأخرى أيضاً مطلوبة، فليصبح ترامب ورامسفيلد وبومبيو واسبر ملاحقين، ويواجهوا من شعوب العالم.

شكل من أشكال المقاطعة اليوم، حتّى في الولايات المتحدة الأميركيّة نجد في الأفلام، مثلا من مدة كوندوليزا رايس كانت تحاضر في الجامعة، وقف الطلّاب الأميركيّون أنفسهم ووصفوها بمجرمة الحرب، أأنت تريدين أن تحاضري في القانون الدوليّ؟! هذا شكل من أشكال المقاومة المطلوبة، كله مطلوب.

حسناً؛ في الموضوع الاقتصاديّ، مباشرة يلجأ للعقوبات، قبل قليل الإخوان أعطوني خبراً، لم أستطع أن أدقّق فيه جيداً، أن هناك مسؤولا أميركيا يقول إنّ الحكومة اللبنانيّة إذا لم تطلق سراح العميل القاتل المجرم عامر الفاخوري، فنحن سنفرض عقوبات على كلّ المسؤولين عن هذا الملف، يعني هو يهدد الحكومة اللبنانيّة، المسؤولين اللبنانيّين، والقضاء اللبناني، كل واحد له علاقة بهذا الملف ويستطيع أن يأخذ قرار إطلاق سراح الفاخوري[1] ولا يأخذه، أميركا تهدده بالعقوبات، وهي تحمل سلاح العقوبات لإخضاع العالم كله، يعني يجب أن تسامح بجراحك ودمائك وشهدائك ومياهك ونفطك وغازك ومستقبلك وكرامتك ولا تعارض الأميركيّ؛ لأنك إذا عارضته تخضع مباشرة للعقوبات، وهناك أناس فقط عندما يسمعون كلمة عقوبات يرجفون، ما هي هذه الدنيا؟ ما هي هذه الحياة؟ ما هو هذا الذلّ الذي يريد الأميركيّ أن يعيشه كل الناس وكل العالم؟!

حسناً؛ في المقابل، نحن لا يوجد عندنا قدرة اقتصاديّة مثل أميركا، لكن ألا يمكننا أن نذهب إلى العقوبات؟ منذ زمن طُرحت فكرة مقاطعة البضائع الأميركيّة، هذا يوجع الأميركيّ، لماذا لا نلجأ إليه؟ هذا لا يسبب مشكلة مع أحد، لا أحد يريد أن يقتل أحداً، نحن أحرار، هناك بضاعة أميركيّة وهناك بضاعة أخرى – لا أريد أن أسمي البضاعة الأخرى – نذهب إلى البضاعة الأخرى، لماذا يجب أن أذهب إلى البضاعة الأميركيّة؟ عندها تقنية أحسن عندها مميزات؟ من دون التقنية ومن دون المميزات. بعض الناس يقولون يا مولانا مراجعنا لم يفتوا بهذا الأمر، هناك مراجع أفتت بذلك في السابق، لكن هذا الموضوع لا يحتاج إلى فتوى، هذا جزء من المعركة. اسمعوا خطاب ترامب – مثل ما أقول أنا دائماً – لا يتكلّم لا عن ديمقراطيّة ولا عن حقوق إنسان ولا عن حريات ولا شيء، لا يتكلّم إلّا عن المليارات والدولارات، وماذا أمّن فرص عمل، وماذا نهب من أموال، وماذا أحضر من أموال للأمريكيّين، صحيح أو لا؟

إذاً؛ نقطة قوته التي هي من ناحية أخرى يمكن أن تكون نقطة ضعف، هو الموضوع الماليّ والموضوع الاقتصاديّ. في تجربة المقاومة في لبنان، المقاومة اكتشفت نقطة ضعف عند الإسرائيليّ وهو العنصر البشريّ، <وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَيَاة>، هؤلاء يخافون من الموت، عندما تقتل جنودهم وأفرادهم يهتز مجتمعهم، دمّر دبابات بعدد ما تريد يأتون بدبابات، دمّر أبنية يأتون بأبنية – ومن أموال العرب لا تخافوا – لكن النقطة المركزيّة التي تهزّ الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني هو الإنسان المحتل.

الأميركيّ ما هي نقطة ضعفه؟ عنده نقطتان؛ عنده الأمن وعنده الاقتصاد، الأموال، الفلوس، الدولار، وقيمة الدولار. حسناً؛ نحن لا نستطيع أن نذهب إلى ذلك؟ على امتداد العالم العربي والإسلامي، يمكن أن يقول أحد يا سيد إذا بدأنا لوحدنا نحن قلة، نحن في المقاومة، نحن وبعض إخواننا في حركات المقاومة في لبنان وفلسطين كنا قلة وبدأنا وحدنا وأصبحنا كثرة، أصبحنا محور المقاومة، هذا أمر سهل، العلماء والأحزاب والقوى والقيادات، إذا ذهبنا إلى عمل جاد في مقاطعة البضائع الأميركيّة، حتى يا أخي لا نريد أن نقاطع كل البضائع اختاروا شركات، أنا رأيت بعد استشهاد الحاج قاسم عندما تكلمنا عن الأميركيّين ومواجهة الإدارة الأميركيّة، هناك أميركيّون في الولايات المتحدة كتبوا أنه يا أخي لا حاجة لكم بجنودنا وجيشنا، هناك شركات ترامب نعطيكم عناوينها، اذهبوا وقاطعوها في العالم تهزّوا كيانه؛ لأنّ حياته وإلهه هو المال، إذاً؛ هذا أيضاً شكل من أشكال المواجهة.

بكل الأحوال؛ يجب أن نفكّر بكل هذه الوسائل، هذا جزء من برنامج، مثال بسيط من برنامج، بالتأكيد إذا جلسنا وفكّرنا وخططنا في المجال السياسيّ، والثقافيّ، والإعلاميّ، والاقتصاديّ، والقانونيّ، والحقوقيّ، إضافةً وفضلاً عن الجانب العسكريّ والأمنيّ… نحن أمّة حيّة، قوية، نابضة، لديها إرادة.

أمس شاهدتم في بعض القرى في شرق الفرات، بعض البلدات السوريّة، كيف نزل الناس وهم عُزّل في مواجهة الآليات العسكريّة الأميركيّة، والأميركيّون، لأنّهم جبناء وضعفاء، احتاجوا أن يستقدموا طائرات حربيّة إسرائيليّة ليؤمّنوا انسحاب آليّاتهم التي وُوجهت بالحجارة وبالغضب من قبل جزء من الشعب السوريّ هناك. هذه أمتنا على امتداد عالمنا العربيّ والإسلاميّ، ولكن نحن نحتاج إلى القرار، نحتاج إلى الإرادة، نحتاج إلى الوعي، نحتاج إلى التصميم لنمضي في هذا الطريق.

وفاءً لأبو مهدي المهندس

في ختام مقطع المنطقة فقط أريد أن أقول كلمتين وفاءً للحاج أبو مهدي المهندس، خطاباً لإخواني الأعزّاء العراقيّين وللشعب العراقيّ العزيز، أخاطب هذا الشعب الشجاع والوفيّ والمجاهد والمظلوم في آن، أقول لهم أيّها الأحبّة في العراق أنتم تعرفون الحاج أبو مهدي، تعرفونه حتّى في زمن المعارضة، لكن لنتحدّث عن السنوات الأخيرة، هذا الرجل قضى بقية عمره في الجبهات، منذ أن انطلقت داعش في العراق، ترك بيته وعائلته وبناته وحياته وكلّ شيء شخصيّ، وعاش في غرف العمليّات وفي الخطوط الأماميّة وفي السواتر، وقاتل في كلّ المحافظات وجال على كلّ المحافظات، وحمل طوال السنين دمه على كفه وكفنه على كتفه ولم يكن يريد شيئاً، بكل صدق وبكل إخلاص وبكل عشق للقاء الله سبحانه وتعالى. على كل حال؛ المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف، المرجعية الشريفة والرشيدة سمّت الحاج أبو مهدي والحاج قاسم بقادة الانتصار، هو من قادة الانتصار بلا شك، طبعاً؛ لا نغفل فضل بقيّة القادة والمجاهدين والشهداء، ولكن هناك شخصيّات مركزيّة، منها الحاج أبو مهدي المهندس. اليوم؛ الوفاء للحاج أبو مهدي، هذا الرجل الذي عاش وعرفناه جميعاً بجديته وشجاعته وإخلاصه وصدقه وسهره وتعبه وحضوره الدائم ومشاركته في صنع النصر التاريخيّ على داعش، وكذلك الوفاء للحاج قاسم سليماني الذي كان أوّل الواصلين والمبادرين للدفاع عن الشعب العراقيّ في مواجهة داعش، وقضى بقية السنوات في الدفاع والقتال في العراق، وكان ذلك أولويّته المطلقة، ونحن نعرف ذلك. هذان القائدان الكبيران قتلتهما أميركا علناً عند مطار بغداد، المسؤوليّة الأولى في الردّ على هذا العدوان وهذه الجريمة تبقى على عاتقكم، الوفاء والمسؤوليّة اليوم أيّها الإخوة والأخوات الأحبة في العراق، الدفاع عن هذين القائدين والشهداء معهما وكل الشهداء في معركة داعش.

أوّلاً: الحفاظ على الحشد الشعبيّ – نحن كإخوة نوصي بعضنا، لا أحد يُملي على أحد  شيئا – كلّنا نعرف أنّ أميركا تريد إلغاء هذا الحشد؛ لأنّه من ضمانات القوة في العراق وعواملها، الوفاء للحاج قاسم وأبو مهدي هو في التمسك بهذا الحشد والحفاظ عليه وتقويته وخصوصاً الحفاظ على روحيّته الإيمانيّة والجهاديّة، ليس المهم أن يبقى كمؤسسة، المهم الروح ومضمونه؛ لأنّه كان عاملاً أساسيّاً وحاسما إلى جانب بقيّة القوّات الأمنيّة في العراق لحسم هذه المعركة. أميركا لا تريد الحشد، بعض الدول الإقليميّة ترى في الحشد قوة في العراق، ولذلك فالمسؤوليّة هي في الحفاظ على الحشد.

ثانياً: إخراج القوّات الأميركيّة من العراق، هذا قراركم أنتم، علماؤكم، قادتكم، فصائلكم، أحزابكم، رئيس الحكومة، مجلس النواب أخذ هذا القرار، الشعب العراقيّ الذي تظاهر بمليونيته في بغداد، في مظاهرة حاشدة وتاريخيّة وعظيمة، وكان شعاره واضحاً ضد الوجود الأميركيّ في العراق. مواصلة العمل لإخراج القوّات الأميركيّة بالوسائل التي تختارونها أنتم، التي ترونها أنتم مجدية وتحقّق هذا الهدف، هذا الهدف لا يجوز أن يُنسى أو يُضيّع، الأميركيّون يريدون أن يلعبوا على الوقت حتّى تهدأ النفوس وتضيع الدماء وتتيه الأهواء وينشغل الناس في هموم أخرى، هذا الهم، هذا الثأر للدم الحسيني المسفوك ظلماً عند مطار بغداد هو مسؤوليّتكم أنتم، يا محبّي الحسين والمدافعين عن الحسين وعن حرمات الحسين (ع).

وأخيراً؛ السعي من أجل عراقٍ، هذا ما كان يعيش من أجله أبو مهدي، وأنا أعرف كان يعيش من أجله حتى الحاج قاسم، الحاج قاسم سليماني الإيراني كان همه في هذه الدنيا أن يرى العراق قوياً، مقتدراً، عزيزاً، سيداً، حراً، حاضراً، بقوة في قضايا المنطقة، وليس معزولاً عن هموم الأمة ومصائر هذه المنطقة؛ هذه مسؤوليتكم.

في يوم شهدائنا القادة، نجدد لهم عهدنا وبيعتنا كما كنا طوال السنين، اليوم ينضم إلى قافلة البيعة والعهد والتجديد، ينضم الحاج قاسم والحاج أبو مهدي، هذا الطريق سنواصله. وصية السيد عباس، موقف الشيخ راغب الذي تحتاجه الأمة اليوم، من لا يستطيع قتال الأمريكيّين فلا يصافحهم، لا يعترف بهم ولا يعترف بمصالحهم، لا يخضع لهم. «الموقف سلاح والمصافحة اعتراف»، نحن بحاجة إلى جهاد الحاج عماد، نحن بحاجة إلى كل انتصارات الحاج قاسم والحاج أبو مهدي وكل الشهداء ونجاحاتهم، لندفع عن بلداننا وعن مقدساتنا وعن شعوبنا كلّ الأخطار.

مأجورون إن شاء الله، مشكورون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] الفاخوري هو من الذين عملوا مع الجهاز 504 الإسرائيلي، وهو ما يعني تماديه في ارتكابه تهمة العمالة في فترة ما قبل وما بعد التحرير. في أثناء انتقاله الى داخل الأراضي المحتلة بقي يعمل مع الجهاز عينه، واستحصل تقديرا لخدماته على هوية وجواز سفر إسرائيليين سمح له بالسفر الى خارج الأراضي المحتلة.

وأعلن الأمن العام اللبناني في أيلول 2019 توقيف آمر معتقل الخيام سابقاً عامر الفاخوري واعترافه خلال التحقيق بتعامله مع «إسرائيل». حيث اعترف الفاخوري أنه استحصل بعد فراره إلى فلسطين المحتلة على هوية إسرائيلية وعلى جواز سفر إسرائيلي غادر بموجبه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر
كتاب يحبهم ويحبونه | كلمات السيد حسن نصرالله حول الشهيد قاسم سليماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟