مواضيع

الراحلون العاشقون

مقابلة أجرتها مجلة قربان زينب

آهاتكُ تغرُّ ورد أحمرٍ مخمليّ .. مبعثراً بكفيك بقنونُ العشقِ مهللاً بتابوتِ الشرفِ والإكليلِ يا أماهُ أعتلي .. وثوبِ اللؤلؤ الأبيضِ محاكاً بشغفِ الحبِ والروحُ تنحني ..

صلواتُ القلبِ قربانُ جنانٍ .. تهتفُ ساجدة .. نفسي فداء وطني ..شهداءُ القلبِ ثورةُ زهرٍ تُلامس جوارح الفؤاد ألماً .. لكِ يا أم صبراً .. شكواكِ للبارئِ محتسبة .. بروضةِ النعيم مخلداً والوجد ثرى موطنِ ذهبي .. غروبُ شمسٍ وأصدافُ شوقٍ .. طيرُ سلامٍ يهفو للحرية ..!

في لقاء مؤلم مع والدة شهيد الفداء .. الشهيد الشاب المهندس علي لمؤمن .. نقلت لنا مقتطفات من حياته .. تروي فيها قصة الشرف والطيبة والشهامة .. ومنبع الإيمان والنور المتشح غرته .. بادئةً:

هو الشهيد علي أحمد المؤمن .. طالب في الفصل الأخير من دراسته الجامعية تخصّص الهندسة المدنية في جامعة البحرين .. يبلغُ من العمر 22 عاماً .. وهو الرابع في ترتيب الأسرة.

ما هيّ علاقة الشهيد بوالدته وعائلته؟

صاحب خروجه من دار الأرحام إلى وجه الأرض بركات وخيرات كثيرة في ليلة ذات أمطار غزيرة .. كما كانت أنفاسه الأولى وسط منزلنا الجديد .. فمنذ نعومة أظفاره نشر كل ما هو خير وبركة على العائلة، أحاسيس قد عاشتها أخت الشهيد وأكدت عليها والدته.

علي هو العمود الأساسي والملجأ في البيت لكل صغير وكبير، هكذا بدأت والدة الشهيد .. لهموقف  ولمسات في طيّ ذاكرتي .. له اهتمام بالغ في كل صغيرة وكبيرة بدءاً في شخصه ودراسته ودراسة أخوانه الصغار .. إلى أن يبلغ اهتمامه إلى أمور حاجاتنا البيتية بشكل يومي.

تضيف إحدى أخواته: كان علي ملجأً لي أنا وأختي حتى في المجال التربوي لأطفالنا رغم أنه يصغرنا سنّاً.

كان الفقيد الشهيد يمتاز بشخصية قوية وكان ذو خلق ودين ودائم الابتسامة .. كما يتمتع بفكر قيادي .. فكيف كانت نشاطاته الاجتماعية؟

منذ صغره وقبل التحاقه بالسلك الأكاديمي يمتلك حب وشغف كبير بإحياء ذكرى مواليد أهل البيت (عهم) على مستوى محيط العائلة.

فقد كان يتكاتف مع إخوانه وأبناء عمومه للتخطيط والإعداد حتى على المستوى المادي لإقامة احتفالات مواليد الأئمة الأطهار (عهم).

علي من السبّاقين في تعلّم القرآن والتجويد، ولم يقتصر على التعلّم لنفسه بل كان يزكّي ذلك العلم بنشره متمثلاً بالمقولة «زكاة العلم نشره»، فقبل أن يستتم دراسته أصبح معلّماً للقرآن والتجويد. وقد شارك في مركز الذكر الحكيم قبل انتشاره في مناطق البحرين.

ومع وصوله إلى المرحلة الإعدادية فقد وصل إلى إنجاز كبير لفوزه برئاسة أول مجلس طلابي لكونه محل ثقة واهتمام، وقد مارس نشاطاته الدينية والاجتماعية في سن مبكر إلى أن وصل إلى مناصبب في الجمعية الأهلية الخاصة بالقرية بالانتخاب، مما جعلهم يعولون عليه بشيء كبير للمستقبل، ناهيك عن المنصب الذي وصل إليه قبل استشهاده فكان بمنصب رئيس اللجنة الإعلامية.

عاشوراء مدرسة الشهادة .. لكل الشهداء الأبرار .. فما علاقة الشهيد بسيد الشهداء (ع) .. وما برنامجه المميّز في أيام عاشوراء؟

ما أن تهب رياح الحزن لتلك الفاجعة الأليمة حتى نجد علي قد قرأ العديد من الكتب عن مفجّر ثورة كربلاء الإمام الحسين (ع) والكثير من كتب الشهادة التي كان يتعطش لها ليمضي على ما مضى عليه أبا الأحرار (ع).

وكأنما كان ينهل دروساً ليرسم له طريقاً يكون ختامه مسك قد تعطّر بعبق الشهادة ومتلوناً بدم الحرية الحمراء.

أما عن برنامجه المميز في عاشوراء فقد كان شديد الحرص على حضور فعاليات ومجالس الحسين (ع)، كما يحرص شديد الحرص على أن يكون موسم عاشوراء موسم ذا عبرة وفائدة، ولا يكون موسم عاطفي مجرّد.

أرى عند النظر إلى الشهيد علي المؤمن حالة روحانية .. كما أشعر بحالة التميّز في خذا المؤمن .. ولا أدرك سرّ ذاك .. فهل لنا أن نعرف السر؟

أخته: إن أهم السمات البارزة هي برّه بوالديه، وصلة الرحم لأقاربه صغيرهم وكبيرهم، ابتسامته التي كانت تصحبه من صغر سنه حتى استشهاده. ينشر المحبة حتى بين صغارنا. وأيضاً يحب كل الناس ويسعى لخدمتهم، كما أنه كان ينشر الثقافة بيننا بحرصه الدائم بجلب الكتب لنا لقراءتها فقد كان مثقفاً  كثير الاستطلاع، ليكون عطاءه قوياً ومؤثراً في درب الرسالة التي يؤمن بها، يحب التنظيم في وقته وله جدول لبرنامج يومه لذلك اهتم بعدة مجالات وشارك فيها حتى ترك بصماته في مجتمعه.

الشهادة اصطفاء إلهي واجتباء رباني لثلة من عباده المؤمنين .. فما السمات البارزة في شخصية الشهيد والتي أهلّته لتقلد هذا  الوسام؟

تجيب أخته وتقول كل ذلك يتجلّى في كلمة واحدة وهي إخلاص علي في قوله فعله، تستطرد أخته الثانية وتقول كنت أمازحه قبيل الثورة بأيام ما هي وصاياك؟ فقال أوراقي جاهزة  وتبرعوا بأعضائي بعد موتي ولست مديناً لأحد ولله الحمد، وما كانت إجابته إلا عن صدق وإخلاص، كما أنه في آخر أيامه لوحظ إشراقةِ وجهه ونوره.

ولُوحظ بأن آخر أيامه مداوماً على قراءة سورة العصر في كل وقت وحين ويوصينا بها لفائدتها ألا وهو الصبر، ومن ضمن وصاياه بعد استشهاده في عالم الرؤى المداومة على قراءة دعاء العهد.

)وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[1]


  • [1]– آل عمران: 169
المصدر
كتاب المؤمن الممهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟