مواضيع

النفوذ من أخطر أنواع تهاجم العدو

كيف يهجم العدو؟ ثمة هجمات وحروب صلدة. هذا ما جرّبه العدو وانهزم. حرب السنوات الثماني التي شنت علينا كانت من هذا القبيل، لقد كانت حرباً دولية، فأحدهم كان يعطي لصدام المعدات الكيمياوية، وآخر يعطيه طائرات الميغ، وأحدهم يعطيه طائرات الميراج، وآخر يمنحه المضادات الجوية، وآخر يعطيه الخرائط الحربية، فحتى الخرائط والمخططات الحربية وبناء الخنادق كانت بمساعدة الآخرين. هؤلاء كلهم ساعدوه عسى أن ينتصر في هذه الحرب، فلم يستطع.

حرب الأعوام الثمانية نموذج للهجمات الصلدة، ونموذج آخر لها هو حالات التمرد القومية التي أطلقوها في البلاد وفي كل المناطق الحدودية للبلاد، وتتذكرون أنهم أطلقوا حرباً واضطرابات في كل مكان، لكن العدو لم يستطع الانتصار. كانت هذه هي الحروب الصلدة. وقد نشّطوا الأعمال والتيارات الإرهابية أو أوجدوها. هاجمت أمريكا الرصيف النفطي، وأسقطت الطائرة المدنية، فعلوا كل ما استطاعوا. هذه هي الحرب الصلدة. انهزموا في كل هذا. انهزموا أمام شعب إيران ومقابل الإمام الخميني الجليل، وازداد رعبهم. الإمام الخميني الجليل بتلك القدرة التي حباها الله تعالى له، وبسبب توكله وتقواه، وبسبب بصيرته وبسبب حبّه لهدفه وتفانيه فيه، وهذا ما كان واضحاً بارزاً على ذلك الإنسان الجليل، منحه الله تعالى – لهذه الأسباب – هيبة بحيث كان الآخرون يهابونه، وكان الأعداء مرعوبين منه بالمعنى الحقيقي للكلمة <كاَنَّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ فَرَّت مِن قَسوَرَةٍ>[1]، كزئير الأسد الذي يخيف الحيوانات، كان هتاف الإمام الخميني يخيفهم ويرعبهم، لقد انهزموا في هذه المرحلة.

مرحلة أخرى من مواجهتهم ومعارضتهم تمثلت في الهجمات الناعمة. أحد أنواع الهجوم الناعم هو هذه الأمور التي شاهدتموها: الحظر الاقتصادي، والإعلام المضلل وما إلى ذلك. هذه أعمال بدأها العدو منذ اليوم الأول ولا يزال يواصلها. تصوروا أنهم فرضوا على الجمهورية الإسلامية حظراً شالاً، فلم يؤثر حتى هذا. كانوا يريدون شلّ الجمهورية الإسلامية بهذا الحظر وبهذه المحاصرة الاقتصادية لكن الجمهورية الإسلامية لم تصب بالشلل. حصلت أعمال وإنجازات كبيرة في نفس فترة الحظر هذه. قرأتُ في أحد التقارير قول أحد الجنرالات التابعين للكيان الصهيوني، نشر في حينها في المجلات الأجنبية، قال: إنني عدوّ لإيران، ولا أحبّ إيران، لكنني معجب بها، فقد استطاعوا رغم وجود الحظر صناعة الصاروخ الفلاني. وذكر اسم أحد الصواريخ قد اختبر للتوّ في ذلك الحين، واستطاعوا اكتشاف أمره بواسطة الأقمار الصناعية أو ما شابه. قال: إنني معجب بهم! رغم الحظر وفي فترة الحظر ومن دون مساعدة الآخرين ورغم الضغوط الاقتصادية تم إنجاز هذه الأعمال. ومن مصاديق الحرب الناعمة التي شنوها ضرب دعامات الجمهورية الإسلامية وحماتها في بعض البلدان الأخرى. دمّروا بعض المجاميع التي تعد من دعامات الجمهورية الإسلامية وعمقها الاستراتيجي، وضربوهم في كثير من البلدان، إما دمروهم وإما وجهوا لهم ضربات، لكن هذا أيضاً لم يؤثر ولم يستطيعوا فعل شيء. لم ينفع أيّ من هذه الأساليب. إذن، فشلت حربهم الصلدة وحربهم الناعمة أيضاً.

و ما يحدث في المرحلة الثالثة – وهي حالة لا تتعلق بالحاضر، بل بدأت منذ سنوات، بدأت منذ سنين، لكنها تطورت يوماً بعد يوم – هي حرب ناعمة من نوع آخر. هذا هو الشيء الخطير، وهذا هو ما أنبّه له المسؤولين مراراً وتكراراً في مناسبات عديدة، وهو النفوذ والتغلغل إلى مراكز صناعة القرار واتخاذ القرار. إنه النفوذ لتغيير معتقدات الناس، والتغلغل من أجل تغيير الحسابات. نحن باعتبارنا مسؤولين نجلس هنا لدينا حسابات لأمورنا وأعمالنا، لدينا حسابات نجترحها، ونتيجة هذه الحسابات هي أن نتخذ الموقف الفلاني، وإذا استطاعوا تغيير حساباتنا سوف تتغاير مواقفنا. هذا أحد الأعمال الأساسية التي يقومون بها، تغيير حسابات المسؤولين، وتغيير المعتقدات لدى الناس، والتغيير في مراكز صناعة القرار واتخاذ القرار، المجاميع التي تصنع القرارات وتتخذ القرارات. هذا هو العمل الخطير الذي يجري فيه الهجوم على أسس الثورة، ويجري فيه الهجوم على الركائز الحافظة والمحافظة، فهم يهاجمون الحرس الثوري، يهاجمون إعلامياً، ويهاجمون مجلس صيانة الدستور، ويهاجمون القوى المؤمنة والشباب المتدين الحزب اللهي. الإذاعات الأجنبية والتلفزة الأجنبية والإعلام الأجنبي الآن طافح بهذا الكلام، ولا أدري كم هو متاح لكم الاطلاع على هذا الإعلام أيها السادة المحترمون، وكم ترونه، خصوصاً مع وجود هذه الأدوات التواصلية الحديثة. إنهم يعملون باستمرار على هذه المجالات ليوصلوا متلقيهم إلى هذه النتيجة. يهاجمون رجال الدين الثوريين، ويشوّهون سمعتهم دوماً بكلمات شتى من قبيل: رجل دين الحكومة وما إلى ذلك. بكلمة واحدة: السعي في هذه الحرب الناعمة منصبّ على تمهيد الأمور لإفراغ النظام من عناصر القوة، يريدون فعل ما يجعل النظام الإسلامي فارغاً من عناصره الداخلية التي تمثل أسباب اقتداره. وعندما يضعف النظام ويخلو من عناصر القوة في داخله ولا يكون مقتدراً عندها لن يكون القضاء عليه أو جرجرته ذات اليمين وذات الشمال عملية صعبة للقوى الكبرى. يريدون فرض التبعية على النظام الإسلامي.

هنا موضع الجهاد الكبير الذي طرحتُه قبل أيام من الآن[2]، <فَلا تُطِعِ الكٰفِرينَ وجٰهِدهُم بِه‌ جِهادًا كبيرًا>[3]. قالوا في التفاسير: إن المراد من هذا الضمير «به» هو القرآن، مع أن كلمة القرآن لم ترد في العبارة حتى يعود الضمير عليها. هذا ما قاله المرحوم الطبرسي في «مجمع البيان» والمرحوم العلامة الطباطبائي. يقول المرحوم العلامة الطباطبائي: إن سياق الكلام يدل على أن المراد من «به» هو «بالقرآن». وقد ذكرتُ هذا في الكلمة هناك، ثم عندما جئتُ خطر ببالي أن هناك وجهاً أوضح يوجد هنا، فـ «فَلا تُطِعِ الكٰفِرينَ وجٰهِدهُم بِه» یعني «بعدم الإطاعة». عدم الإطاعة هو ذلك المصدر الذي يشتق منه الفعل، وهو مستتر في ذلك الفعل. «فَلا تُطِعِ الكٰفِرينَ وجٰهِدهُم بِه»، أي بعدم الإطاعة هذا، «جِهادًا كبيرًا». إذن، عدم الإطاعة هو الجهاد الكبير. هذا المعنى أقرب إلى الذهن، وأنا طبعاً لم أتفحّص لأرى هل قال بعض المفسرين بهذا الرأي أم لا، ولكن هذا الاحتمال احتمال مهم على كل حال. هذا هو معنى الجهاد الكبير، الجهاد بعدم التبعية وعدم السير على خطى العدو. إذن، هذا هو مسار واتجاه هذا المجلس، مسار ثوري، ومواصلة لطريق الثورة وتكريس الإسلام وتحكيم دين الله.[4]


[1]. المدثّر: 49-50

[2]. كلمة سماحته في مراسم تخرج طلبة جامعة الإمام الحسين(ع) للضباط بتاريخ 23/05/2016م

[3]. فرقان: 52

[4]. لقاء سماحته مع رئيس مجلس خبراء القيادة وأعضاءه بمناسبة بدء دورته الخامسة 26-5-2016م

المصدر
من كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟