الجبهة الثقافية للثورة وضرورة العمل المؤسساتي
إن التحديات التي تواجهنا اليوم هي تحديات ثقافية وسياسية يديرها الغرب والنظام الرأسمالي، وفي جنبه الصهيونية التي تدار بغية تحقيق أهداف معينة.
وفي جنب هذا كله الحركات الرجعية البعيدة عن الإنسانية. فهؤلاء السلاطين والمسؤولون الذين حياتهم كحياة البهائم وأهدافهم عدوانية وأفكارهم متحجرة، وبالتالي فإن هؤلاء كلهم ضمن مجموعة واحدة في قبالنا. فلو أردنا أن نواجه ونقارع هذه الجبهات يجب أن يكون عملنا متنوعاً مبتكراً نابعاً من الطموح وتحقيق الغايات مع برنامج متقن ومدروس، وهذا الشيء لا يتحقق إلا من خلال تأسيس خط ردع مضاد. وهذا الخط أو الجبهة لا تؤسس بالأفراد أو المجموعات فقط، بل لا بُدّ من تأسيس جبهة واسعة تشمل جميع الأصعدة، وهذا الشيء لا يتحقق إلا بمشاركة الشعب؛ فمشاركات الشعب تنجز الكثير من الأعمال.[1]
فاليوم هناك جبهة كبيرة تتحدى شعبنا وتسعى للإطاحة ببرکات النظام بما أوتيَت من قوة، والتي من ضمنها مقارعة الاستكبار، فهم توصلوا لهذه النتيجة المهمة، أن قوام النظام بمحتواه، فيسعون ليل نهار سعياً حثيثاً لإفراغ النظام من محتواه، فهذا الغزو الثقافي الذي نشاهده اليوم في بلادنا هدفه إفراغ النظام من محتواه ومضمونه الإسلامي الديني. هذه هي النقاط الحساسة التي تستدعي توفر الوعي الشعبي. فيجب على شعبنا أن يدرك أهمية هذه الأمور؛ واليوم بحمد الله تعالى يتواجد هذا الوعي، فهذا بذاته أحد برکات الثورة الإسلامية والنظام الإسلامي، فالناس أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً؛ وأصبحت لديهم قدرة التحليل ومعرفة المصلحة من المفسدة.[2]
واليوم يجب على الكل أن يدرك أن العدو عاجز عن زعزعة هذا البنيان الرصين. ولكنهم يسعون إلى ثلم هذه المحتويات وإفراغها من الأفراد الذين كانوا في هذه الثورة وما زالوا فيها. فالجمهورية الإسلامية إذا فرغت من محتواها الإسلامي والثوري لا تبقى نظاماً إسلامياً. فلا قيمة للاسم من دون المحتوى، المحتوى أمر مهم ولازم. فوظيفتنا كلنا أن ندافع عن محتويات هذه الثورة وعن أصولها القيمة، ولا نسمح لأي شخص أن يستهين بهذه القيم والمثل، فهذه هي وظيفتنا.[3]
إن دول الاستكبار تحذر كثيراً من الجانب التبليغي، وتعد العدة لمواجهته، وكذلك الجانب السياسي، فعندما نسمي الجبهة المقابلة بجبهة الاستكبار فإن أصل هذه التسمية مستند على بعض الحقائق، وكذلك في الجانب الثقافي عندما نطلق على ثقافة العدو بالثقافة الغربية أو الغزو الثقافي فإن أصل التسمية مستند إلى بعض الحقائق؛ ولم يأت من العبث. والبحث المطروح الآن هو محاربة الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية… فعلينا أن نعد أنفسنا ونوحد قوانا مهما استطعنا لمقارعة هذه المخاطر.[4]
في الواقع لا يوجد على الصعيد السياسي والثقافي إلا خطّان وجبهتان، خط الثورة وأنصار الثورة والإمام الخميني (ق)؛ والخط الآخر أو الاتجاه الآخر هو جبهة أعداء الثورة. فاليوم جميع الأحزاب المختلفة الشرقية والغربية التي كانت في السابق عبارة عن أحزاب وتشكلات وتبعيات وأصعدة مختلفة أصبحت اليوم كلها تحت خيمة واحدة، ألا وهي خيمة محاربة النظام الإسلامي، فاليوم لا يوجد خطر أعظم من الغزو الثقافي وطرق العدو الثقافية.
فاليوم وعلى الصعيد الداخلي لا يوجد أخطر من الصعيد الثقافي، ومع الأسف؛ هناك نوع من الغفلة تسيطر على مجتمعنا والتي لا بُدّ من معالجتها بأسرع وقت ممكن. فأعداء الإسلام وأعداء هذا النظام قد اجتمعوا معنا في جبهة ثقافية وسياسية واقتصادية. وفي مقابلهم خط الثورة والإمام (ق) والذي يشمل جميع أفراده السابقين والجدد، ونحن لا نريد أن نضع فرقاً بين هذين الجيلين من الثورة، فالجيل السابق والقديم إن كان لديه خبرات وتضحيات فهي في سبيل الله تعالى، وهذا الجيل الجديد جاء بمجيء الثورة إلى الساحة. وفي الوقت الذي كنا نجاهد ونناضل لم يكن هذا الجيل سوى أطفال صغار، واليوم بحمد الله تعالى قد كبر هذا الجيل الجديد وإذا به يسبقنا في نوع الخدمات التي يقدمها للنظام والثورة، وعليه فلا يوجد فرق بين الذين يؤمنون بهذا النظام ويعملون بدافع إيماني والذين لديهم تاريخ طويل في خدمة النظام. فبأي تشكیل أو مؤسسة عملتم أو بأي حزب أو خطر سياسي کنتم فإنكم جزء لا يتجزء من هذا الجناح.
إن الثورة تنتج الفكر والشعارات، ومن جانب آخر تنتج الأحاسيس والعواطف، ولكن طالما كان البعض ينجرفون خلف عواطفهم وأحاسيسهم. والتي تشمل الشعارات والحروب والصراعات مع أمريكا، ولم ينجذبوا إلى فكر الشهيد مطهري أو غيره. فالذين لا يكون اعتقادهم راسخاً لطالما انجرفوا مع التيارات الضالة، وإن كانت ظواهرهم الثورية متشخصة وظاهرة، فخلال الخمسة عشر عام الماضية حصلت غربلات كثيرة لعناصر هذه الثورة وهذا الخط وکانوا مصداقاً لهذا القول: «ولتغربلن غربلة»[5]. إن الكلام هنا متوجه إلى جبهتنا، فإني أعتبرها كعدد أفراد يوم بدر، فاليوم أيضاً هو يوم بدر الكبرى، ولعل المشاركين اليوم في بدر الكبرى هذه سوف يكونون إن شاء الله من أصحاب الإمام المنتظر (عج) الثلاثمئة والثلاثة عشر، إن المشاركين في هذه المجموعة إذا كتب لهم العمر الطويل فإنهم بلا شك سيكونون من ضمن هذه الثلة الطيبة.
وهذه الجبهة لا تشمل المفكرين والفنانين فحسب؛ بل تشمل كل الجبهات السياسية والثقافية للنظام. التأكيد على مسألة الغزو الثقافي نابع من ما نشاهده من ترصد العدو للفرص لإضعاف الجمهورية الإسلامية، وأغلب هذه الفرص تكون على شاكلة إضعاف الإيمان ودحض الآمال وتشتيت الجبهات وجذب الاستثمارات، ولكن العقيدة الموجودة هو أن الأمر الذي يكون لله تعالى لا يبقى من دون رعاية ولو تخلى الجميع عنه، بما فيهم أنتم لا سمح الله، فإن الله تعالی لا يتخلى عن هذا الأمر، قال الله تعالى في محكم كتابه: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ>[6] فإن الله تعالى يسخر قوماً آخرين، وأكفاء أخرين يقيمون أمره وينشرون عدله، ولكن في النهاية فإن العمل سوف يتأخر وهو مما لا شك فيه. في الواقع إنه من أعظم الفخر أن يختارنا الله لعبوديته وإقامة أمره. والعمل المتوجه إلينا اليوم هو حفظ هذه الجبهة من التآكل، جبهة بدر الكبرى وهؤلاء الثلاثمة والثلاثة عشر شخصاً.[7]
- [1]– لقاء سماحته مع مدراء مؤسسة خاتم الأوصياء(عج)الثقافية
- [2]– لقاء سماحته مع جمع غفير من مواطني محافظة أذربايجان الشرقية بتاريخ 28-11-1387هـ ش
- [3]– خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 12-10-1376هـ ش
- [4]– كلمة سماحته عند لقائه جمعاً من مسؤولي النظام بحضور سماحة السيد أحمد الخميني بتاريخ 14-9-1369هـ ش
- [5]– نهج البلاغة، الخطبة 16
- [6]– المائدة: 54
- [7]– بيانات سماحته عند لقائه جمعاً من الفنانين ومدراء القطاع الثقافي في البلاد بتاريخ 22-4-1373هـ ش