مواضيع

التعريف بموسى (ع) الكليم: اسمه وشأنه في بيت فرعون

هو نبي الله الكريم موسى بن عمران بن يصهر بن يافت بن لاوي بن يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليهم السلام)، قيل في اشتقاق اسمه: أنه مركّب من كلمتين، (مو) بمعنى: الماء في اللغة المصرية القديمة، (سى) بمعنى: الشجرة، وقد سُمِّيَ بذلك: لأنه وُجِدَ حيث ألقته أمه في الماء، بين ماء وشجر، وعليه فإن في اسمه تذكير بالقدرة وحسن التدبير الإلهي والمكر الرباني، ونعمة الله تبارك وتعالى العظيمة عليه وعلى آل عمران وبني إسرائيل، وقيل: أصله (سى) بمعنى الطفل.

وقد وُلِدَ موسى الكليم (عليه السلام) في مصر، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد (13ق.م)، وقد دأب فرعون في ذلك الوقت على قتل كل طفل ذكر يولد في بني إسرائيل المستضعفين؛ لأن كاهناً أخبر فرعون الطاغية بأن ذهاب نظامه الفرعوني الدكتاتوري الفاسد وملكه، يكون على يد رجل يولد في بني إسرائيل، قول الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين}[1].

ولما ولدت أم موسى الكليم (عليه السلام) به خافت عليه من القتل، فألهمها الله تبارك وتعالى أن تضعه في صندوق، وتلقيه في نهر النيل العظيم، وبشَّرها بأنه سيحفظه من القتل ولن يصيبه سوء، وأنه سيرجعه سالماً غانماً وسيجعله من المرسلين، قول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[2]، ففعلت أم موسى – وهي المرأة المؤمنة الصالحة من سلالة النبيين الكرام – ما أمرها الله  (جل جلاله) به.

فانتشله آل فرعون، وعندما فتحوا الصندوق وقعت عين امرأة فرعون عليه، فألقى الله تبارك وتعالى محبته في قلبها الطاهر الشفاف، وخافت أن يقتله فرعون كما هي عادته مع أولاد بني إسرائيل، وقد عرفوا بالطبع أنه منهم، وعرفوا أسباب وضعه في صندوق وإلقائه في النيل، فبادرت إلى فرعون واستوهبته الطفل، وقالت: سيكون قرة عين لي ولك، لا تقتله، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، قول الله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[3] وكان لفرعون بنات، ولم يكن له ولد ذكر، فاستجاب لطلبها ووهبها إياه، وقيل: إن فرعون نفسه قد أحب موسى (عليه السلام).

تأمل: إلهٌ وهو لا يستطيع أن يمنح نفسه الولد الذكر، ويشعر بالحرمان من هذه النعمة الكبيرة. ويزعم أنه أعلى الأرباب، ويقتل أطفال بني إسرائيل لكي لا يأتي الرجل الذي يقضي على نظامه وملكه، ثم يستضيف الطفل الذي يقضي الله (عز وجل) على يديه على نظامه وملكه ويقوم على تربيته، قول الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[4].

ولما علمت أم موسى بالتقاط آل فرعون لابنها شعرت بالخوف الشديد عليه، لأنهم سيعلمون قطعاً بأنه من بني إسرائيل، وقد دفعها خوفها الشديد عليه؛ لأن تبدي لآل فرعون بأنها أمه، لولا أن ربط الله (عز وجل) على قلبها وألهمها الصبر والسلوان، فامتنعت عن ذلك.

ومن جهة بيت آل فرعون فقد أتوا بالمرضعات لموسى (عليه السلام) فعافهن جميعاً، فتقدمت أخته مريم التي كلفتها أمها يوخابيد بأن تقتفي أثره فعرضت عليهم أن تدعو لهم امرأة صالحة ترضعه، فقبلوا بذلك، فجاءتهم بأمه، فاستأنس بها والتقم ثديها، ففرح فرعون ووعدها بأن يجزل لها العطاء، وهكذا أرجع الله (عز وجل) موسى الكليم (عليه السلام) إلى أمه سالماً غانماً وطمأنها عليه كي تقر عينها وتأنس به، وتعلم أن وعد الله حق وصدق، وأن الله لا يخلف الميعاد، قول الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ10 وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 11 وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ 12 فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[5].

وقد ترعرع موسى الكليم (عليه السلام) في البلاط الملكي الفرعوني، في حجر المرأة الصالحة الطيبة، آسية بنت مزاحم (رضوان الله تعالى عليها) وهي زوجة فرعون، وكانت من نساء بني إسرائيل وقد تزوجها فرعون الطاغية وفضلها على نساء قومه الأقباط، لما كانت عليه من الحسن والجمال والعقل والأخلاق.


المصادر والمراجع

  • [1]. القصص: 4
  • [2]. القصص: 7
  • [3]. القصص: 9
  • [4]. القصص: 8
  • [5]. القصص: 10-13
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟