مواضيع

إجراءات الإمام الباقر(ع)

ثم يأتي دور الإمام الباقر(ع). لقد كان الإمام الباقر في صراعٍ ومواجهة طوال حياته، وتعرّض للأسر مرّتين على الأقل، قبضوا عليه وزجّوه في السجن مكبّلاً بالقيود والأغلال. في إحدى المرّات كانوا يأخذون الإمام من المدينة إلى الشام بطريقة سيّئة جداً ومفجعة. عندما وصل الشام وقبل أن يدخل القصر على هشام بن الحكم -على ما يبدو- قال هشام بأنّ محمد بن علي سيأتي الآن، لكن التفتوا إنّ هؤلاء أناس يجيدون الحوار، وهم بارعون في الجدل والكلام، التفتوا ولا تعطوهم مجالاً لذلك. وعندما دخل الإمام الباقر إلى المجلس بعدها، قال هشام له -هذه الجملة التي قالها هشام وثيقة تاريخية لنا-: «يا محمد بن علي! لا يزال الرجل منكم قد شقّ عصا المسلمين -كم كان يحب الحفاظ على اتحاد المسلمين واتفاقهم- ودعا إلى نفسه وزعم أنّه الإمام!» هذا كلام واضح. ماذا يعني؟ أي هل تقولون للناس تعالوا إلينا واسألونا؟ فلقد كان هناك الكثير من الناس الذين يدعون الناس إليهم ليسألوهم في زمان الإمام، لماذا لم يكن لديهم مشكلة معهم؟ كم كان عدد فقهاء المدينة، ألم يكن محمد بن شهاب الزهري -قرة عين حكومة بني أمية- يفتي؟ ألم يكن يتكلم؟ ألم يكن يتكلم عن مسائل علمية؟ ألم يكن ينقل الأحاديث عن النبي؟ الإمام الباقر كان يتكلّم عن هذه الأمور أيضاً. هذا هو ذكر المسائل، ماذا يقصد هشام من «دعا لنفسه؟» الجملة التي تليها تفسّرها: «وزعم أنّه الإمام»، الإمام تعني الحاكم، إنّ مفردة الإمام المذكورة في جميع تعابير القرآن والأحاديث، تعني القائد والحاكم. وتعني اصطلاح الحاكم في أكثر التعابير طبعاً. كلمة حاكم في القرآن والحديث تعني كلمة القاضي التي نستعملها اليوم، وكلمة والي وإمام تعني الحاكم التي نستعملها اليوم. أي أن تعتبر نفسك صاحب منصب، تعتبر نفسك أميراً، إماماً، حاكماً على المسلمين وأنتم جميعكم كنتم كذلك. إنه يقول الصواب جميعهم كانوا على هذا النحو.

عندها لم ينفِ الإمام ولم ينكر كلامه، نحن لم نقل شيئاً كهذا، متى اعتبرنا أنفسنا أئمة؟ نحن نريد فقط أن نفتي للناس. الإمام(ع) لم يقل ذلك، بل الإمام أجابه بخطبة مفصلة -من حيث المضمون والمغزى لأنها ليست طويلة جداً- يلقي خطبة خالدة حماسيّة يثبت فيها أنهم هم من يجب أن يكونوا الأئمة والحكام وأنهم يفعلون الصواب إذا ما دعوا الناس إليهم. «نهض قائماً ثم قال أيّها الناس! أين تذهبون وأين يُراد بكم بنا هدى الله أولكم»؛ هذا المنصب لنا، كان للنبي وسيصل لنا. هذا هو وضع الإمام الباقر.

ثم يأمر الخليفة بإلقاء الإمام الباقر في السجن. وفي السجن يستمر الإمام الباقر بتبليغه المؤثر وخطبه النارية، فينجذب له السجناء ويؤخذون به، وعندها يجد هشام أن لا مصلحة في إبقائه في السجن فيطلق سراحه، لكنه يُضيّق عليه في المدينة. «فأمر به إلى الحبس فلمّا صار في الحبس تكلّم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحسن عليه»[1] هناك عبارة أخرى[2] لا يمكنني قراءتها الآن. لكن هذا كان وضع الإمام الباقر.

كانت هناك مواجهاتٌ من هذا القبيل بين الأئمة والخلفاء بشكلٍ دائم.


  • [1] مناقب آل أبي طالب(ع)، ج4، ص189.
  • [2] يقول سماحته في خطابات أخرى: «ثم خرجوا من الشام، وأمروا بإبعاد الإمام الصادق والإمام الباقر(ع) عن الناس، أي كانت أوامر هشام هي لا يحق لأحد الارتباط بهم أو التعامل معهم. لم يتم ذكر هذا الأمر حتى الآن، ولكن هذا الأمر بعدم التداول مذكور كثيرًا. حسنًا، له جانب إعجازي وشيء من هذه الأمور، لذلك يحب السادة أن يرووه وربما سمعتم عن الإمام باقر والإمام الصادق(ع) عندما ذهبوا ووصلوا إلى مدينة مدين، لكن أهل المدينة أغلقوا الأبواب ولم يسمحوا لهم بالدخول. لأن وكيل الخليفة قد ذهب بالفعل وقال إن هؤلاء أعداء أمير المؤمنين الخليفة فلا تدعوهم يرحلون. ثم صعد الإمام الصادق إلى قمة الجبل وتحدث إلى الناس وصرخ وفعل الكثير، وعندها تعرف عليه الناس وأفسحوا الطريق، ومن هذا الكلام حتى النهاية » (كتاب الحسين مسيرة متواصلة).
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟