مواضيع

إثبات جهاد الأئمة المستمر طيلة 250 عاماً من الإمامة

في البداية هناك سؤالٌ يحقّ لكم جميعاً أن تسألوه، وأنا أعترف أنه لم تتم الإجابة على هذا السؤال بالتفصيل وبالاستناد إلى الأدلة المحكمة والوثائق التاريخية الواضحة. هذا السؤال هو: ما هو دور الإمام الحسن في مسيرة الأئمة الجهادية التي استمرّت مئتين وخمسين عاماً ضد الكفر والشرك؟ لقد سمعنا كل شيء عن الأئمة عدا أنهم كانوا يجاهدون خلال مدة حياتهم. أيّ جهاد؟ وضدّ من؟ بأيّ وسيلة كانوا يجاهدون؟ كيف كانوا يجاهدون وفي أيّ إطار؟ الجهاد له معنى اصطلاحي واضح في الإسلام، وللمجاهدين في سبيل الله وجوهٌ واضحة في القرآن وفي الحديث وفي التاريخ. فأيّ جزءٍ من حياة الأئمة يتطابق مع تعريف الجهاد الموجود في أذهاننا؟ أعترف بأنّ هذا سؤالٌ في محله.

في الجواب على هذا السؤال يجب أن أقول بشكلٍ مختصر وبعبارة واحدة، أنّه وبخلاف ما قيل لنا حتى الآن -سواء في الأحاديث أو التاريخ الذي نُقل لنا أو في الكتابات عن سيرة الأئمة-، فإنّ حياة الأئمة كانت موقوفة للجهاد. الجهاد بأيّ معنى؟ صحيحٌ أنّ الجهاد من مادة «جهد»: السعي، ويمكن إطلاق [لفظ] الجهاد على كل سعي. لكن باصطلاح المتشرّعة المسلمين، للجهاد معنىً واحد محدّد واصطلاح الجهاد يُطلق على أحد مصاديق السعي لا مطلق السعي. عندما يتمّ تبيين فروع الدين -أي تُذكر أساسيات الأحكام الإسلامية- يقولون الصلاة والزكاة والصوم والخمس والحج والجهاد. ولو كان الجهاد بمعنى مطلق السعي، لشمل الحج والزكاة والصلاة، وعندها لا معنى لذكره في قسم خاص.

الجهاد بشكلٍ مختصرٍ يعني النّضال. ما يُسمى النّضال اليوم في قاموس الثقافة الجديدة بل وفي قاموس الثقافة الثورية الجديدة بشكلٍ خاص هو الجهاد مقابل هذه الكلمة. يجب أن نمتنع عن تفسير آيات الجهاد والروايات التي تدور حوله وتطبيقها بمعنى السعي، وعندها قد يُعتبر سعي الإنسان للمطالعة بهدف البحث عن موضوعٍ نادر جهاداً أيضاً؛ هذا أمرٌ مقدس أيضاً، وهو أمرٌ جيد وضروريّ في مكانه، لكنه ليس جهاداً. الجهاد يعني مواجهة العدو، عدو مدرسة الإسلام الفكرية وإيديولوجية في ميدانٍ معين. اليوم لا يعرفون ميداناً معيّناً للمواجهة: توجد حروبٌ منظّمة، وحروبٌ غير منظّمة، توجد أنشطة سياسية، وأنشطة حزبية ومنظّمات وأعمال أخرى مرتبطة بهذه الأمور، توجد توعية للناس، وتبيين وتنوير الفكر المستهدف -تدخل جميع هذه الأمور في نطاق المواجهة- فضح جبهة الأعداء؛ هذه كلها تُعتبر مواجهة وكلمة الجهاد لا تشملها. لكن يجب أن يكون فيها مواجهة، المواجهة والاصطفاف تعني الجهاد، وهذا من أكثر الأمور المؤسفة في المسائل الإسلامية؛ ومن الخيانات المؤسفة التي حصلت بحق الأحكام الإسلامية، أحدها هو أنهم اعتبروا الجهاد مطلق السعي وهذا خطأ؛ وفي النقطة المقابلة، اعتبر البعض وفي بعض الموارد بأنّ الجهاد هو الحرب المنظمة في ظلّ الحكومة الإسلامية وهذا خطأ أيضاً؛ صحيحٌ أنّ أحد أنواع الجهاد عبارة عن الحرب المنظّمة في ظل الحكومة الإسلامية. عندما يكون الحاكم مسلماً والمجتمع مسلماً، يحصل جهاد من أجل الدفاع أو الهجوم أو لتوسيع رقعة الحدود الإسلامية، أو لنشر الفكر الإسلامي، لكن هذا ليس مصداق الجهاد الوحيد، فالحروب التي تتم بهدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي جهاد أيضاً. المواجهات التي تحصل في مجتمع غير مسلم لإيجاد مجتمع مسلم أو لتهيئة الأرضية لتأسيس هذا المجتمع، هذه تعتبر جهاداً أيضاً. واعتبار الجهاد مختصاً بالمعنى الأول أو الثاني هو تحريف فقهي واضح ومسلّم، إذاً هذا هو معنى الجهاد. وبهذا المعنى كان الأئمة منشغلين بالجهاد طيلة مدة مئتين وخمسين عاماً -أكثر أو أقل بقليل؛ لأنّ 250 عاماً ليست المدة الدقيقة، وأنا لا أتذكّر عدد السنوات الآن بشكلٍ دقيق- وقد استمرّ هذا الجهاد بهدوء منذ بداية إمامة الأئمة المعنوية- أي من اليوم الذي توفّي فيه النبي إلى اليوم الذي استشهد فيه الإمام العسكري(ع)- دون أدنى توقّف.[1]


  • [1] وفاة الرسول الأكرم(ص) عام 11هـ راجع: الطبقات الكبرى، ج3، ص5؛ إرشاد الشيخ المفيد (ره)، ج1، ص189؛ بحار الأنوار، ج22، ص514؛ شهادة الإمام الحسن العسكري(ع) عام 260 هـ، راجع: الكافي، ج1، ص503؛ أنساب الأشراف؛ ج9، ص300-301؛ بحار الأنوار، ج37، ص20.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟