مواضيع

التغلغل في اعتقادات المسلمين من أهداف العدو

حين كنتُ رئيساً للجمهورية توجهت لمنظمة الأمم المتحدة وألقيت كلمة حماسية جداً في الهيئة العامة بثتها عدة قنوات تلفزيونية أوروبية بثاً مباشراً. ولما كان من الممكن أن تترك هذه الكلمة تأثيرات كبيرة جداً، أوقفوا سفينة « إيران أجر » في الخليج الفارسي في نفس ذلك اليوم أو اليوم التالي!‌ كنت في نيويورك وشاهدنا كيف غطت جميع قنوات التلفزة مجريات سفينة «إيران أجر» وتلغيمها في الخليج الفارسي، وكيف استغرق هذا الحدث كل الأجواء الإعلامية في أمريكا بل العالم. السبب في خطوتهم تلك هو التعتيم علی الكلمة. والهجوم علی الأرصفة النفطية وغيرها نموذج آخر من المواجهة العملية الأمريكية. تركيزهم الأكبر طوال هذه الأعوام كان علی المواجهة العملية المتمثلة في خطوات سياسية واقتصادية ونصف عسكرية أو حتى عسكرية.

بعد أن أمضت أمريكا سنوات في مواجهة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني بهذا الأسلوب العملي توصلت إلی نتيجة فحواها أن المواجهة العملية غير كافية ولابد من البدء إلی جانب ذلك بمواجهة وخصام ومجابهة نظرية. فما هو المراد من المواجهة النظرية؟ المراد منها محاربة الجمهورية الإسلامية علی مستوی العقيدة وفي المجال الثقافي والأخلاقي. طبعاً كانت محاربتهم جادة من قبل أيضاً، لكنهم شعروا أن هذا يجب أن يكون حجر الزاوية. تصوروا أن الحرب العقدية بوسعها شل جزء هائل ورفع عقبة كبيرة. ظنوا أن الحرب في الصعد الأخلاقية‌ بمقدورها سلب الجمهورية الإسلامية قسماً كبيراً من إمكانياتها وأسلحتها.

أن نستطيع معرفة الخطة العامة للأعداء ضدنا فهذا بحد ذاته جزء‌ من قدراتنا الدفاعية، لذا يجب أن تلتفتوا إلی هذه النقطة. عدم معرفة ما يدور في رؤوس الأعداء وما يريدون أن يفعلوه غفلة قد تحرمنا من إمكانية المجابهة والدفاع. علينا معرفة هذا تماماً. منذ سنة 73 و74 بدأت حربهم العقائدية – الأخلاقية علی نحو تدريجي ومتصاعد. وقد شعرتُ ببدء هذه الحرب في ذلك الحين، وكان طرحنا قضية الغزو الثقافي وليد هذا الجانب من القضية. إلی‌ جانب التحركات العملية السياسية والاقتصادية وغير ذلك،‌ انطلق فعلاً غزو علی الصعيد الثقافي وبأدوات ثقافية.

الهدف من هذه المواجهة النظرية والهجوم العقائدي واضح ومعلوم. نظام الجمهورية الإسلامية معتمد علی الجماهير، والجماهير تحب هذا النظام وتدافع عنه انطلاقاً من إيمانها وروحها المعنوية وعقيدتها. هذه حقيقة أصبحت واضحة ومفهومة طوال هذه السنوات. إذا سلبت هذه الأدوات من النظام الإسلامي فمن البديهي أن يكون ذاك مهماً‌ جداً بالنسبة لمن تخامر ذهنه المؤامرات علی هذا البلد والنظام. لذلك لاحظنا أن هذه المواجهة اشتدت يوماً‌ بعد يوم منذ سنة 1994م و1995م، وبدأ التغلغل والاختراق لمرتكزات نظامنا العقائدية والقيمية علی كافة المستويات. وانطلق التشكيك وبثت الشبهات بشكل عميق وشامل حتی في أصل الثورة وجذورها الأعمق – كالإسلام، وعاشوراء، والتشيع، وعدم الفصل بين الدين والسياسة – وهي من المباني الفكرية الراسخة لدی رجال الثورة ومثقفي البلاد ورواد هذه الحركة العظيمة. أقاموا ندوات ومؤتمرات وأصدروا مجلات تخصصية خارج البلاد، واستخدموا المواقع المتوفرة لديهم داخل البلاد بمقدار ما استطاعوا. البعض منهم طبعاً لم يكونوا يفهمون ما يفعلون والبعض كانوا يفهمون ويتعمدون. فريق من العناصر الداخلية كانوا يدركون أية مساعدة كبری يقدمونها للأعداء، المساعدة التي ما تزال مستمرة إلی اليوم للأسف، وستستمر كأسلوب اختاره العدو.

لا يمكن التوقع من العدو أن يترك السبيل الذي اختاره لمواجهة الجبهة المقابلة إلاّ إذا يئس وطاشت سهامه وأدرك أن لا فائدة من هذه الممارسات. يبث العدو الشبهات في كل القضايا، ومنها القضايا السياسية والعقائدية، وقضية فلسطين، أو قضية حزب الله، أو المسائل العلمية. ما هو المخطط الرئيس للأعداء؟ مواجهة الجمهورية الإسلامية للاستيلاء والهيمنة علی إيران التي تتميز بتلك الخصائص التي نعلمها وقد ذكرت قبل قليل مدی أهمية إيران بالنسبة لمعسكر الاستكبار وأمريكا.

من جهة ثانية يحاولون تمهيد الأرضية في الداخل عن طريق فصم العری بين النظام والجماهير. أساس سياستهم هو أن يستطيعوا فصم الأواصر بين نظام الجمهورية الإسلامية والشعب. ويأتي الدور بعد ذلك لإعداد الرأي العام علی المستوی الدولي. لماذا يحتاجون لهذه التمهيدات؟ لأن أمريكا تدري أنها لن تنتصر علی الجمهورية الإسلامية من دون هذه التمهيدات رغم تفوقها العسكري. هذه حقيقة. التفوق العسكري ليس حاسماً علی الدوام[1]، أمريكا بحاجة إلی هذا التمهيد الداخلي لتتحقق لها الهيمنة العسكرية.[2]


[1]. بيانات سماحته أمام طلبة جامعة الشهيد بهشتي بتاريخ 11-5-2003م

[2]. نفس المصدر

المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟