مواضيع

تفاوت جند الإمام الحسن(ع) مع جند معاوية

كانت الظروف الموضوعية للحكومتين والمنطقتين التي جاء منها الإمام المجتبى(ع) ومعاوية متفاوتة تمامًا ومختلفة. بعض الأمور الموجودة في المجتمع الذي يحكمه الإمام الحسن(ع)، لو وُجدت في أيّ مجتمع آخر وتحت ظلّ أيّ حكومة لتسبّبت بشللها. في المقابل، فإنّ المجتمع الذي يحكمه معاوية فيه بعض الميّزات التي تؤدي إلى الانتصار والظّفر أينما وُجدت.

يصف الكاتب العربي المصري -عباس العقاد[1]– حكومة علي(ع) ومعاوية على هذا النحو: «بعد موت عثمان حكم معاوية في منطقة لا يوجد فيها أيّ خلاف وكان الجميع متحدّين فيها قلباً ولساناً. وحكم علي(ع) في منطقة لا يوجد فيها أيّ اتّحادٍ واتفاقٍ مطلقاً، بل يسودها الاختلاف بالكامل»[2].

فمن الناحية الجغرافية حكم معاوية بلاد الشام؛ أي المكان الذي يقع بين الشام والحكومات الخارجية -حكومة الروم الشرقية، ومصر وشمال أفريقيا-، من جهة، وتقع الكوفة بينه وبين فارس من جهة أخرى.

بعد معاوية بسنوات، لم تحصل أيّ مواجهة بين حكومة الروم الشرقية والشام، لأنّ حكام الروم الشرقية من الشمال أيضاً -من جهة القسطنطينية- لم يكونوا يفكرون أبداً بمواجهة الشام. كان الوضع على نحوٍ جدير نوعمّا بالرجوع إليه، وطبعًا دراسته في الوقت المناسب، فعندما واجه الروم المسلمين في الشام، هزموا بشكلٍ جعلهم لا يفكرون بالعودة إلى منطقة الشام وفلسطين أبداً؛ لم يظنوا بأنهم سيعودون إلى الشام. تلك الجملة التي قالها إمبراطور الروم أثناء خروجه من الشام، عندما كان يودّع سوريا، سجّلها التاريخ كما هي[3]. وهذا ما كان دائماً؛ لسنواتٍ لاحقة وفي عهد حكومة بني أمية، كلّما حصلت مواجهات بين الروم والمسلمين، كان الرومان يفرّون من ميدان الحرب لأقل سبب كأن يروا حلماً، أو يتطيروا، أو يتفألوا بفألٍ سيء؛ لهذا لم يواجهوا المسلمين أبدًا. لذا، كانت الشام تعتبر منطقة مستقرة أمنياً من ناحية التحركات الخارجية.

وفي الطرف المقابل الكوفة، كانت فيها جماعات مختلفة، بعضهم مواطنين؛ والبعض الآخر مهاجرين جاؤوا من المدينة، أو مع أمير المؤمنين(ع) من الحجاز إلى الكوفة؛ وفئة جاءت من الأطراف إلى الكوفة بعد أن صارت مقر الخلافة وصارت تعتبر مركزاً وعاصمةً وازدهرت أوضاعها، وذلك بمقتضى فطرة الناس الطبيعية حيث يرغبون دائماً بالعيش في المراكز والمدن الكبيرة؛ والبعض جاء من الشام بشكلٍ مدروس وسكنوا في الكوفة، وكان فيها فئة تُعدّ طابوراً خامساً لمعاوية داخل مجتمع الكوفة؛ فإن رشاوى معاوية وإغراءاته، وسخاءه الذي لا حدود له وهذه لها قصة يطول شرحها، كلّ هذا أدّى إلى ارتباط هؤلاء الناس بالشام من داخل المجتمع الكوفيّ وفي ظلّ حكومة أمير المؤمنين علي(ع). كان مجتمعًا مضطربًا.

من ناحيةٍ أخرى كانت للشام ميزة -ليس من ناحية طريقة التفكير الإسلامية- بل ميزة عينية وخارجية، أمرٌ لا يمكن تجاهله وهو: لم يكن هناك غير العرب في الشام؛ أي لم يكن هناك غرباء من خارج المنطقة، كان أهالي الشام عربًا، لذا كانت الروح العروبيّة هي الطاغية. أولئك الذين كانوا على ارتباطٍ مباشر بجهاز الخلافة من داخل الشام، كانوا عربًا. وهكذا خلقت العصبية العربية نوع من الوحدة والتعاضد بينهم؛ بينما لم يكن الأمر على هذا النحو في الكوفة. كان هناك الكثير من الفرس في منطقة الكوفة والذين يُصطلح عليهم بـ «الموالي» وكانوا يرون أنّ لهم حقوقًا في المجتمع، وهكذا كان وهو أمرٌ صحيح؛ فكانوا يُبدون آراءهم، ويعبّرون عنها، وكان أمير المؤمنين(ع) ينصت إلى آراء جميع الناس عملًا بالسيرة الإسلامية، ويعمل بموجبها، كان يسمع لكلام هؤلاء[4] وكان هذا يؤدي بشكلٍ طبيعي، إلى انعدام الشعور بالانسجام بين الموالي والعرب كما هو عليه الحال في الشام.


  • [1] عبّاس محمود العقّاد (1889-1964م) أديب وشاعر وصحفي مصري، كان عضوًا في مجمع اللغة العربية في مصر.
  • [2] عبقريّة الإمام علی(ع)، ص 54-62.
  • [3] التنبيه والإشراف، ص135؛ البدء والتاريخ، ج5، ص 184-185.
  • [4] بعض الأدلة والشواهد على هذا الأمر:
  • الف) تعيين عامل للموالي: وقعة صفين، ص149-150.
  • ب) متابعة شكاوى الموالي: الكافي، ج5، ص318-319.
  • ج)الوصية بالتعامل الحسن مع الموالي: بحار الأنوار، ج34، ص319.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟