مواضيع

الجهاد الجامعي

يتألّف الجهاد الجامعي من كلمتين: الجهاد والجامعة؛ إذاً، يجب أن يكون فيه جهاد، وينبغي لهذا الجهاد أن يكون متناسبًا مع الجامعة أيضًا[1].

إنّ الجهاد الجامعي هو المولود المبارك للثورة الإسلاميّة، وهو كما ورد في القرآن الكريم في المقارنة بين مسجدين، حيث يقول عزّ وجلّ: <لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا>[2]، فهذا هو الحال بالنسبة للجهاد الجامعي الذي يعد من ثمرات الثورة الإسلاميّة الأساسيّة، وهذا لا يعني أنّ الجهاد الجامعيّ كان صحيحًا منذ البداية في كلّ الفترات الزمنيّة، وفي كلّ أشكاله ومبادئه الفكرية ومهما كانت نتائجه؛ كلّا، فنحن بني البشر نُخطئ أحيانًا في أفکارنا وفي أعمالنا ونصيب أحيانًا أخرى، وليس معيار الحكم هو هذه المنحنيات والمنعطفات؛ بل معيار الحكم هو في الهدف والاتجاه وفي الحفاظ على هذا الهدف حتّى إن أخطأ المرء في بعض الأحيان أو زلّت قدمه؛ إنّني أسلط الضوء على هوية الجهاد -الجامعي- الذي كان له العديد من البركات ولله الحمد[3].

لقد حقّق الشباب التابعون لجهاد البناء إنجازاتٍ كبيرة في تلك الأيّام، إلى الدرجة التي لم يُصدّق فيها حتّى الأشخاص الذين كانت تُنجز أمامهم تلك الأعمال؛ إنَّ الشباب الإيراني قادرٌ على تحقيق هذه الإنجازات.

لقد كانت الحكومة الإيرانيّة في عهد النظام الطاغوتي تستورد القمح من أمريكا، وكانت روسيا تصنع لهم مخازن القمح، فلم يكونوا قادرين على صناعة مخزنٍ واحدٍ للقمح! ويجب أن يأتي الروس من أجل ذلك؛ لأنَّ هذه الصناعة لم تكن موجودة في إيران آنذاك، ثمّ في الأعوام الأولى للثورة، جاء شباب الجهاد الجامعي، وقالوا: إنَّ الإمام الخميني أصدر أمرًا لزراعة القمح، حسنًا، القمح يحتاج إلى مخازن، فإلى أين نلجأ من أجل ذلك، ليس أمامنا سوى الاعتماد على عزمنا وابتكارنا، فبدأ الشباب بالعمل.

وكان الناس يرون أنّ مخازن القمح بدأت ترتفع ـ طبعًا كان حجمها صغيرًا في بادئ الأمر ـ لكنّهم لم يكونوا يصدّقون ذلك! إلى أن أصبح بلدنا اليوم أحد البلدان المهمّة في بناء مخازن الحبوب في العالم، ببركة جهود أولئك الشباب هذا هو العمل الجهادي.

لقد تقدّمنا في كلّ قطاعٍ من القطاعات الصناعيّة والتِقَنيّة والعلميّة والتحقيقيّة التي سلكناها بروحيّةٍ جهاديّةٍ[4].

على الجهاد الجامعي أن يأتي بالإنتاج الأفضل والأحدث، فعلى سبيل المثال لديكم أنشطة قرآنيّة، ولدى الكثيرين أنشطة قرآنيّة؛ وكلها أنشطة جيّدة ـ وأنتم تعلمون أنّني من الأشخاص الذين يشعر بمسؤوليّةٍ خاصّةٍ بالنسبة لمتابعة الأنشطة القرآنيّة منذ انتصار الثورة إلى الآن. أي إنّني أعتقد أنّ اجتماع الشباب في المساجد لتلاوة القرآن هو أمرٌ رائعٌ، وأنا أحبّ هذه الاجتماعات حتّى ولو لم يزد عدد الشباب في الواحد منها على عشرة أشخاص ـ لكنّكم إذا أردتم أن تكون لكم مثل هذه الأنشطة القرآنيّة، فإنّ أنشطتكم القرآنيّة يجب أن تختلف عنها خارج الوسط الجامعي، افترضوا أنّكم تريدون كالآخرين أن تقلدوا المقرئ الفلاني في اللحن والتجويد والصوت الحسن، هذا أمرٌ جيّد جدًا بالطبع؛ ولكنّ هذا، ليس ما نتوقّعه من الجهاد الجامعي في الأنشطة القرآنيّة؛ بل يجب أن يكون نشاطكم أرقى من ذلك، عليكم الاهتمام بباب الفهم الجامعي عند مواجهته للقرآن، عليكم أن تسعوا إلى فهم القرآن، ينبغي على مقرئكم أن يقرأ بطريقةٍ تجعل السامعين يلمسون معاني القرآن بقلوبهم؛ وينبغي أن تكون جلساتكم لتلاوة القرآن، جلساتٍ تدور حول مفاهيم القرآن أيضًا، إنّ هذه الأمور تحتاج إلى إبداعٍ وابتكار، والباب مفتوحٌ لكم.

من هنا فإنّ الجهاد الجامعي يتمتّع بهذه الإمكانيّات والأدوات وأنا أؤمن بالجهاد الجامعي اعتقادًا راسخًا، وقد حقّقتم إنجازاتٍ عظيمةٍ؛ وقمتم بأمورٍ جيّدةٍ وكما ذكرت لكم: <أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ>[5]، فالجهاد الجامعي أسّس على التقوى منذ بداية معرفتي به، وينبغي الحفاظ عليه على أساس الدين والتقوى.

كنّا نتحدّث مع الأصدقاء قبل قليل وقلت لهم: حاولوا ألّا تتغير هويّة الجهاد، إنّ ما تلحظونه من تغيير في هويّة عددٍ من الأشخاص وأفكارهم وأذهانهم بمقدار مئة وثمانين درجة منذ انتصار الثورة حتّى الآن لا يعدّ أمرًا طبيعيًا؛ كلّا؛ لا تقولوا: إنّه أمرٌ طبيعيٌّ؛ بل الطبيعي هو أن يتمسّك الإنسان بالفكرة أو الطريقة التي تقبّلها على أساس المنطق والاستدلال حتّى نهاية الطريق وأن يواصل طريقه فيها إلى آخر الطريق، ولو أنّ عمره لم يسعفْه فليمت في سبيل هذا الطريق.

وليس من الطبيعي أن نقول: فلنسلك طريقًا ما ونمضي فيه؛ وأحيانًا نفعل ذلك بكلّ شوقٍ وحماسٍ، ثمّ ننعطف عنه فجأةً انعطافةً قويّةً في نقطةٍ معيّنةٍ! ويستمرّ هذه الانحراف حتّى نصبح في الطريق المعاكس تمامًا، هذا ليس طبيعيّاً أبدًا، إنّ بعضهم يُبرّر ذلك ويقول: حسنًا يا سيدي، لقد كان ذلك في بداية الثورة؛ والآن ترك الزمان أثره فينا! كلّا، الزمان لا يُؤثّر إلّا في العناصر الضعيفة وغير المتأصلة وفي الاعتقادات غير الراسخة التي بُنيت على أساس العواطف فحسب؛ أو هو يؤثّر حينما يصاحبه الأطماع والأهواء النفسانيّة، قال تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا>[6]،‌ فالقرآن يقول هنا: إنّ الذين تولوا في غزوةِ أحدٍ و لم يقاوموا، كانت زلّتهم هذه بسبب ما كسبت أيديهم.

فإذا لم نعمل على تقوية الروح وتعزيزها فمن الواضح سيؤثّر فيها أيّ تماس مع الخارج، ثمّ تستمرّ هذه التماسات الواحدة تلو الأخرى، ثمّ فجأةً ترون أنّ طبيعة النفس قد تغيّرت؛ ولكن إذا تكوّنت هويّة الإنسان الدينيّة وهويّته الثوريّة تكويناً قويّاً راسخة كالصُلب والفولاذ وكان بناؤها على أساس التفكير والمنطق الصحيح، فسوف تزداد وضوحًا وجاذبيّةً ورسوخًا على مرّ الأيّام، هذا هو حال الإنسان وهذا هو حال الأنظمة، فلا تسمحوا أن تتغيّر هويّة الجهاد الجامعي ولا أن تتبدّل إلى هويّةٍ أخرى؛ إلى الهويّة غير الدينيّة وغير الثوريّة.

لقد ذكرت أمرًا في واحدٍ من اجتماعاتي هذه بأعضاء الجهاد الجامعي الأعزّاء منذ عدّة أعوام وكنتُ قد نسيته، فأحضروه لي وقرأته وتذكّرته، عليكم المحافظة على هذه الهويّة الإيمانيّة الصحيحة وإحياؤها، ولحسن الحظّ كان الأمر وما يزال بهذا الشكل حتّى الآن؛ لأنّ هيكليّة الجهاد الجامعي وأسلوب إدارته وأداءه والعلاقة بين الرأس والقاعدة والاتجاهات والأهداف التي فيه، كلّها كانت ممتازة ـ أمّا ما ذكرته ذلك اليوم: هو أنّ بعضهم يتصوّر أنّ الحركة الثوريّة تعني الحركة غير المنظمة والمصحوبة بالفوضى والانفلات وعدم الانضباط! إنّهم يقولون: سيّدي، كانت هناك حركة ثوريّة ثمّ انتهت!

هذا خطأٌ؛ فليس في منهج الحركة الثوريّة أيّة اضطرابات أو انعدام للانضباط، بل على العكس، إنّ النظم الثوريّة من أشدّ أنواع الانضباط وأقواها، إنّ الانضباط الذي ينتج من فكر الإنسان وقلبه وإيمانه هو من أفضل أنواع الانضباط، قد يُلحظ شيءٌ من عدم الانضباط في بداية الثورات ومنها ثورتنا وهذا أمر يعود إلى بداية الحركات الثوريّة؛ لأنّه من الواجب تدمير بناءٍ قديمٍ متهاوٍ واستبداله ببناءٍ جديدٍ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ لكن حينما شُيّد البناء الجديد على دعائم صحيحة، فإنّ الحركة على أساس ذلك تكون حركةً منظمّةً وجيّدةً وستتقدّم إلى الأمام وهذه هي الحركة الثوريّة؛ لذلك يجب أن لا يختلط علينا الأمر بين الثوريّة وبين الانفلات وعدم الانضباط وعدم تعرّف القانون والضوابط.

على أيّ حال إنّ الجهاد الجامعي من المؤسّسات التي نعقد عليها الأمل لمستقبل البلاد العلمي[7].


  • [1]– من كلمته عند تفقده لمؤسسة «رويان» للأبحاث بتاريخ 16-7-2007م
  • [2]– التوبة: ١٠٨
  • [3]– من كلمته عند تفقده لمؤسسة «رويان» للأبحاث بتاريخ 16-7-2007م
  • [4]– من خطاب سماحته في لقائه بالمزارعين بتاريخ 4-1-2006م
  • [5]– التوبة: ١٠٨
  • [6]– آل عمران: ١٥٥
  • [7]– من كلمته عند تفقده لمؤسسة «رويان» للأبحاث بتاريخ 16-7-2007م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟