مواضيع

الاستقلال مانع لنفوذ العدو

الاستقلال من أركان الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية. كان شعار الاستقلال إلى جانب شعار الحرية من أهم شعارات الثورة ولا يزال وسيبقى.

لاحظوا أنه بعد اندحار أسلوب الاستعمار المباشر – والذي كان سائداً في الماضي وكانوا يستعمرون البلدان بشكل مباشر – وقد نسخ ذلك الأسلوب، ظهر الاستعمار الحديث كبديل. والاستعمار الحديث هو أن لا تدخل القوى التدخلية الخارجية مباشرة إلى البلدان الأخرى وتديرها وتستعمرها، إنما يتربع على رأس تلك البلدان عملاء الاستعمار والذين يصغون لكلامه ويعتمدون عليه، وحيث إن الحكومة المعتمدة على الخارج غير ممكنة من دون الاستبداد، فقد كانوا يحكمون بطريقة استبدادية ويؤمّنون مصالح القوى الخارجية. هذا هو الاستعمار الحديث. وما كان الكفاح ضد الاستبداد قد وصل إلى نتيجة وما كان سيصل من دون مكافحة تلك القوى الخارجية التي تقف وراء الدكتاتور.

وكذا الحال اليوم أيضاً. إذا افترضنا شعباً طفح به الكيل من استبداد حكامه وثار وأطلق ثورته وحارب ذلك المستبد، لكنه استسلم لتلك السلطة المهيمنة الخارجية التي وقفت سنداً لذلك المستبد فسيكون مصير تلك الثورة والمسؤولين والمديرين فيها إما الهزيمة أو الخيانة، ولا يخرج الأمر عن هاتين الحالتين. إما أنهم سوف يمنون بالخيانة ويخونون ثورتهم وبلادهم، أو إذا أرادوا أن لا يخونوا فسوف ينهزمون ويمحون من الساحة. وكما لاحظنا في بعض هذه الثورات التي وقعت في الأعوام الأخيرة حيث حاربوا المستبد وغفلوا عن القوى التي تقف خلف المستبد وتسانده، أو فكّروا أحياناً بالمداهنة والمداراة معها، وتلاحظون النتائج اليوم. مكافحة المستبد ومصالحة المستكبر لا تؤدي إلى أية نتيجة. الثورة الموفقة الناجحة والمنتصرة هي التي ترى تلك القوة التدخلية التي تقف وراء الدكتاتور وتحاربها، لذلك عندما تحرّك شبابنا واستولوا على وكر التجسس الأمريكي ووجّهوا ضربة مهينة لأمريكا. قال الإمام الخميني: إن هذه ثورة أكبر من الثورة الأولى. الثورة الأولى أيضاً كانت ثورة، وكانت عظيمة ومنقطعة النظير، ولكن في هذه الخطوة الثانية أثبت الشعب الإيراني أنه يعرف الطبقة التالية للهيمنة والمشاكل، وهو عاقد العزم على محاربتها والنضال ضدها.

هنا يمكن فهم قضية الاستقلال. الاستقلال معناه أن يفهم البلد القوى التدخلية ويواجهها ويقف أمامها. ليس الاستقلال بمعنى سوء الأخلاق مع العالم كله، إنما الاستقلال معناه مجابهة تلك القوة التي تريد التدخل والأمر والنهي وإنفاق شرف الشعب ومكانته لصالح مصالحها. هذا هو معنى الاستقلال. من هو عدو استقلال شعب من الشعوب؟ القوى الخارجية التدخلية هي التي تهاب وتخاف من مشاعر الاستقلال في بلد من البلدان وتحاول إضعاف هذا الشعور لدى الشعب وعند أبناء ذلك الشعب السائرين في الدرب وعند قادته وروّاده، لذلك تنطلق أجهزتهم الإعلامية لأجل تثبيط الشعوب عن الاستقلال. يروّجون لفكرة أن الاستقلال السياسي للبلدان أو استقلالها الثقافي والاقتصادي يتنافى مع تقدمها. وأنتم تسمعون مثل هذا الكلام. المطلعون على الإعلام العالمي يسمعون مثل هذا الكلام. غرف العمليات الفكرية تنشر مثل هذه الأفكار في العالم باعتبارها أفكاراً فلسفية. وثمة أفراد في داخل البلدان – بما في ذلك بلادنا – ينشرون نفس هذا الكلام بالنيابة عنهم، ويقولون: إن بلداً ما إذا أراد أن يكون له مكانه بين مجموعة البلدان المتقدمة في العالم فلا مفرّ أمامه من أن يخفّض من ميوله للاستقلال، وإلّا فلا يجتمع أن يريد البلد أن يكون مستقلاً ويشدّد على مصالحه فقط ويكون له في الوقت نفسه مكان في منظومة التقدم العالمية.

هذا الكلام كلام خاطئ تماماً، وهو من صناعة الذين يعارضون استقلال البلدان. ما يأمله ويهدف إليه المقتدرون التدخليون هو أن يتدخلوا في البلدان ليستطيعوا بذلك تأمين مصالحهم، وليس من المهم بالنسبة لهم أن تسحق مصالح تلك الشعوب. إنهم مصرّون على التدخل. وهذا ما كان في النظام الطاغوتي. كانوا يتدخلون صراحة في من يكون لنا بهم علاقة ومن لا يكون لنا بهم علاقة، ومن نبيعه النفط وبأيّ مقدار نبيعه، وكيف نستهلك، ومن يتولى المسؤولية الفلانية الحساسة ومن لا يتولاها. ومثل هذا البلد سيصبح جهازاً أو وسيلة لمصالحهم، وتنسى المصالح الوطنية بالكامل. لن يعود هدف مديري البلاد ومسؤوليه المصالح الوطنية بل تأمين مصالح المتدخلين. والاستقلال يُنهي هذا السياق الخاطئ الخياني ويحول دونه. هذا هو معنى استقلال البلد. ليس الاستقلال بمعنى العزل مع البلدان الأخرى، إنما هو بمعنى إيجاد سدّ أمام نفوذ البلدان التي تريد تهميش مصالح ذلك البلد والشعب لصالح مصالحها هي. هذا هو معنى الاستقلال، وهو أهم الأهداف بالنسبة لبلد من البلدان.[1]


  • [1]. بيانات سماحته أمام قادة القوة الجوية للجيش الإيراني بتاريخ 8-2-2014م
المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟