مواضيع

الجهاد العلمي هو نوعٌ من جهاد النفس

والقتال يمثل جانباً من الجهاد، الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي ومع وجود الهدف ومع التحلّي بالإيمان، بهذا النحو يصبح جهادًا، ولهذا قال تعالى: <جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ>[1]، فالجهاد هو الجهاد بالنفس والجهاد بالمال.

ما هو موطن الجهاد بالنفس؟ هل ينحصر بالذهاب إلى الحرب وحمل الأنفس على الأكفّ لتقديمها؟ كلا، بل إنّ أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم من المساء وحتّى الصباح على مشروعٍ تحقيقي أو بحثي، وتنقضي الساعات دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت.

الجهاد بالنفس هو أن تضحّوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم وتعرضوا عن ذاك العمل الذي يدرّ كثيراً من المال والمدخول وتقضوا وقتكم في هذا المحيط العلمي والبحثي حتّى تستنبطوا حقيقةً علميّةً حيّةً وتقدّموها كباقة ورد إلى مجتمعكم، هذا هو الجهاد بالنفس، وهو في قسم صغير منه جهادٌ بالمال[2].

إنّني أعوّل كثيرًا على مسألة «الجهاد العِلمي»؛ لأنَّه يعتبر من المباني الأساسيّة للتيار الأصولي (المبدئي)؛ لقد كرّرتُ القول لعدَّة سنوات: يجب أن يُفسح الطريق أمام النهضة العلميّة، وإنّني مسرورٌ لِمَا يقوله الشباب من طلّاب الجامعة وبما يطرحونه من مسائل عندما ألتقيهم، إذ إنّني أرى أنَّهم يُعلّقون الآمال علينا في قضية الإنتاج العلمي، والتواصل بين العلم والصناعة، ودعم الحكومة للتقدّم والاكتشاف العلمي.

وأنا أقول لهم: إنّني مسرور بهذا؛ لأنَّ هذا ما نقوله نحن أيضًا، وقد أصبح ذلك عرفًا بين المجموعات الجامعيّة، إلّا أنَّ هذا ليس كافيًا؛ يجب علينا الذهاب نحو الأعمال الكبيرة.

لاحظوا! إنَّكم تستطيعون أحيانًا صناعة طائرة ـ اخترعها الآخرون وقاموا بصناعتها ـ يمكنكم صناعتها داخل البلد دون مساعدة أحد، وهذا عمل جيّدٌ جدًا؛ لأنَّه أحسن من شراء طائرةٍ جاهزة الصنع، إلّا أنَّكم تستطيعون أحيانًا صناعة أمرٍ جديدٍ بمستوى صناعة الطائرات في بلدكم، وهذا هو الذي نحتاج إليه، فينبغي علينا أن نضيف إلى ما يملكه البشر من ثروة علميّة، ولا يقولنّ أحدٌ: لا يمكننا القيام بذلك، بل هو ممكن.

لقد كان العالم في يومٍ من الأيّام لا يعرف تقنيّة الأجسام الدقيقة (تقنيّة النانو) ثمّ عرفها، واليوم يمكن أن يوجد المئات من الميادين الأخرى التي لا تعرفها البشريّة، إلّا أنَّه يمكن معرفتها، ويمكن التقدّم الى الأمام، وبالطبع هذا الأمر يحتاج إلى مقدّمات، إلّا أنَّه يُمكن تهيئة هذه المقدّمات من خلال الهِمم العالية.

لقد قلتُ يومًا من الأيام بين مجموعة من الشباب الجامعيين: إنَّ ما أؤمّله ليس بالكثير؛ إنَّ ما أنتظره وأتوقّعه منكم أيّها المجتمع العلمي الذي في البلد هو وصولكم بعد خمسين عاماً ـ أي نصف قرنٍ ـ إلى مصاف الدرجات العلمية العالية في العالم، فهل هذا التوقّع هو كثير على أمّةٍ تمتلك القابليّات؟!

ولكن إذا أردنا تحقيق ذلك، فعلينا أن نعمل من الآن بقوّة، وذلك مشروطٌ بعدم الكسل وبعدم الغفلة وعدم الطمع، وعدم الخوف من سلوك هذا الطريق، وإتاحة الفرص وتربية النخب العِلميّة.

في بعض الفروع الفارق كبير بيننا وبين باقي دول العالم، كالفروع التي ذكرتها قبل قليل، فلحسن الحظ ليس هناك بون شاسع بين ما توصّلنا إليه وما توصّل إليه العالم في التقدّم والحركة نحو القمم الشامخة، وبناءً على ذلك، فإنَّ إتاحة الفرص يُعدّ واجبًا من واجبات الحكومة.

إنَّ هؤلاء الشباب متعطّشون للعمل والمعرفة، بشرط أن تُهيّأ لهم الإمكانات، فضلاً عن أنَّه ليس لدينا شحّة في الأساتذة الجيّدين ـ والحمد لله ـ فقد كنّا نعاني في السابق (في أوائل الثورة) من شحّة الأساتذة في هذا البلد، لكنّ الوضع اليوم ليس كذلك، فلدينا أساتذة كثيرون ـ والحمد لله ـ وأكثرهم اليوم قد تربّوا في كنف هذه الأمّة، وترعرعوا على هذا الماء والهواء[3].


  • [1]– التوبة: ٤١
  • [2]– من خطاب سماحته في لقائه بأعضاء التعبئة للهيئة العلميّة للجامعات بتاريخ 23-6-2010م
  • [3]– من خطاب سماحته في لقائه بمسؤولي النظام ورجالاته بتاريخ 19-6-2006م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟