مواضيع

الاعتقاد بالله والمحاسبات المعنوية

الإيمان بوعود الله والسعي لرضا الله

معيارٌ آخر في سلوك الإمام ونهجه والذي يُعد مهماً جداً هو قضية الحسابات المعنوية والإلهية. فالإمام كان يضع الحسابات المعنوية من الأولويات في اتخاذ القرارات والتدابير.[1]

كان الإمام الخميني في إيمانه بالله مصداقاً لهذه الآية الشريفة: <الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ>[2]. كان الإمام الخميني يعمل بـ«حسبنا الله ونعم الوكيل» من أعماق وجوده وكيانه، ويعتقد بها من صميم روحه.[3]

فالإمام كان يضع الحسابات المعنوية من الأولويات في اتخاذ القرارات والتدابير. فهذا ماذا يعني؟ هذا يعني أن على الإنسان عند قيامه بأي عمل لابد أن يجعل هدفه بالدرجة الأولى هو كسب رضا الله تعالى؛ لا الحصول على النصر أو الوصول إلى السلطة، أو تحصيل الوجاهة عند زيد وعمرو. فالهدف الأول هو رضا الله تعالى. هذا أولاً. ثم بعد ذلك الثقة واليقين بالوعد الإلهي. فعندما يكون هدف الإنسان رضا الله فإنه يثق ويطمئن لوعد الله، وهناك لن يكون لليأس من معنى ولا للخوف والغفلة والغرور.

لم يُبتلَ الإمام حينما كان وحيداً بالخوف أو اليأس؛ وكذلك عندما كان شعب إيران يهتف بنداء واحد باسمه، بل الشعوب الأخرى التي كانت تعشقه وتظهر ذلك، فإنه لم يغتر. وعندما وقعت خرمشهر أسيرة بيد المعتدين العراقيين لم ييأس، وكذلك عندما تحررت خرمشهر على يد المجاهدين الأبطال والمضحين لم يغتر الإمام؛ بل قال إن الله هو الذي حرر خرمشهر؛ أي نحن لم يكن لنا من الأمر شيء. وفي جميع الحوادث المختلفة في فترة زعامته كان الإمام العظيم على هذا المنوال. فعندما كان وحيداً لم يستوحش؛ وعندما صارت القدرة والغلبة بيده لم يغتر؛ ولم يغفل. فهذا هو الاعتماد على الله. فعندما يكون رضا الله فإن القضية تكون هكذا.

فيجب الثقة بوعد الله. فالله تعالى في سورة (إنا فتحنا) يقول: <وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ>[4] فمن خصائص المنافقين والمشركين هي سوء ظنهم بالله وعدم قبولهم وتصديقهم لوعد الله. فعندما يقول الله <وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ>[5] فإن المؤمن يتقبل هذا بكل كيانه؛ أما المنافق فإنه لا يقبل ذلك. يقول الله تعالى: <عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا>[6]. فهذا هو حال من يسيء الظن بالله تعالى.

إنّ الإمام كان واثقاً بوعد الله تعالى. إننا نجاهد لله، ونعمل لله، فنأتي بكل ما لدينا من جهد إلى الساحة؛ فالله تعالى هو يحقق النتيجة -كما وعد-. نحن نعمل من أجل التكليف؛ ولكن الله تعالى سيعطي أفضل نتيجةٍ على هذا العمل بالتكليف. فهذه إحدى خصائص سيرة الإمام ونهجه. هذا هو طريق الثورة وصراطها المستقيم.[7]

التقوى في المسائل الشخصية والاجتماعية

من الأمور الموجودة في هذا المجال هو التزام الإمام للتقوى بنحو عجيب. فالتقوى في القضايا الشخصية أمرٌ، وفي القضايا الاجتماعية والسياسية والعامة أمر أصعب وأهم جداً، ومؤثر للغاية. فماذا نقول لأصدقائنا ولأعدائنا؟ هنا يأتي دور التقوى وأثرها. فمن الممكن أن نكون معارضين لأحدٍ أو معادين له فكيف نحكم بشأنه؟ فلو حكمتم بشأن ذلك الذي تخالفونه وتعادونه بغير ما هو الواقع فإن هذا يُعد تعدياً عن نهج التقوى. وها هنا أكرر الآية الشريفة التي ذكرتها في البداية: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا>[8] القول السديد، أي: الثابت والصحيح؛ فهكذا ينبغي أن نتكلّم. أنا أريد أن أقول لشبابنا الأعزاء، شبابنا المؤمن والثوري، وعشاق الإمام الذين يتحدثون ويكتبون ويعملون، أن يلتزموا بشكل كامل. فلا ينبغي أن تجرنا المخالفة لأحد أن نتعدى ونتجاوز سبيل الحق فيما يتعلق بذلك الشخص فنظلمه؛ كلا، لا ينبغي أن نظلم أحداً.

أنقل لكم ذكرى عن الإمام: ذهبنا ذات يوم إلى الإمام. فسألته عن رأيه بشأن أحد الأشخاص -لا أريد أن أذكر اسماً-؛ إنه كان من الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي المعاصر، حيث سمعتم باسمه جميعاً، الكل يعرفونه تأمل الإمام قليلاً، ثم قال: لا أعرفه. ثم بعد ذلك ذكر عبارةً فيها شيء من الذم بشأنه. ثم انتهى الأمر. في اليوم التالي أو الذي يليه -لا أتذكر بالضبط- فذهبت إلى الإمام صباحاً حيث كان لدي عمل معه. فبمجرد أن دخلت إلى الغرفة وجلست، قبل أن أذكر ما جئت من أجله، قال الإمام لي: فيما يتعلق بذلك الشخص الذي سألت عنه أمس أو قبلها -هو فقط لا أعلم-. أي أنه قام بمحو تلك الجملة التي فيها شيءٌ من الذم والتي ذكرها بعد قوله «لا أعلم». انظروا، هذا أمرٌ مهمٌ جداً، فتلك الجملة لم تكن سباً أو إساءة أو تهمة؛ ولحسن الحظ فإنها قد مُحيت تماماً من ذاكرتي؛ فإما أن ذلك بسبب تصرفه المعنوي، أو بسبب ضعف ذاكرتي أنا؛ لا أعلم ماذا كان، ولكن ما أتذكره هو أنها كانت جملة فيها شيء من الذم. فما ذكره في تلك الليلة قام بمحوه بعد يوم أو يومين؛ فقال: كلا، هو فقط لا أعلم. لاحظوا، هذه من مصاديق الأسوة: <لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ>[9].

وبشأن زيدٍ الذي لا تقبلونه يمكن الكلام بطريقتين: إما أن يكون كلامنا مطابقاً للحق تماماً، وإما أن يكون فيه شيءٌ من الظلم. فالثاني هو السيئ، وينبغي اجتنابه. فلا تقولوا إلا الحق والصدق، وما يمكنكم قوله في محكمة العدل الإلهي، لا أكثر. فهذه من المناهج الأساسية لحركة الإمام وخطه والتي ينبغي أن نحفظها في ذاكرتنا.[10]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
  • [2] آل عمران: 173
  • [3] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2013م
  • [4] الفتح: 6
  • [5] الحج: 40
  • [6] الفتح: 6
  • [7] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
  • [8] الأحزاب: 70
  • [9] الأحزاب: 21
  • [10] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟