مواضيع

من حوار مع سيد حبيب الله الموسوي

مسؤول نشر آثار الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه و ناشر ومحقق إیراني وهو أحد معارف الشهید في إیران منذ قرابة الثلاثین عاماً.


شخصية من أصول طيبة متعددة الأبعاد

أول ارتباطي مع المرحوم الشهید عبد الكریم فخرواي كان تقریباً قبل 28 سنة عندما تعرّفت علیه في معرض الكتاب الدولي الذي أقیم في البحرین ومن هنا ابتدأت معرفته به.

كان الشهید فخراوي من الناس الذین تتعلق بهم من أول معرفتهم ولا تستطیع مفارقتهم، ودائماً تتمنی أن تتواصل وترتبط وتكون علی علاقة به، وكان شخصاً هادئاً متواضعا نشطاً ومتحدثاً لبقاً، من تلك اللحظة إلی حین شهادته كنّا نمتلك علاقة قویة بالحدّ الذي لا اعتقد أن أحداً في الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة یمتلك علاقة وارتباطاّ أقوى وأكثر مني، وهذه العلاقة كانت محفوظة بحضوره المستمر في إیران وفي البحرین من أجل معارض الكتاب والزیارات والمعارض التي نذهب لها معاً في الإمارات وفي أماكن أخرى كقطر وعمان، وكان ناشراً وبائعاً للكتب وباعتبار المسائل المتعلقة بهذه الوظیفة والتصنیف كانت هذه حجر الأساس في علاقتنا به ونقطة الابتداء، و كان هذا باعث لتوسع العلاقة به ومع عائلته.

عائلة فخراوي هي عائلة كبیرة في جنوب إیران وهم في الأصل من منطقة تسمی ” بردستان ” و” دیّر ” من محافظة بوشهر، وجدّه كان معروفٌ جداً والذي یعدّ من الرجال أصحاب الشخصیات المحترمة والرزینة، والقاطنین هناك یذكرونه علی أنّه رجل محترم مشار له بالبنان، وكان یمتلك شخصیة جیدة ویمتلك المال أیضاً، ومحل اعتماد وثقة الناس، وكانوا منذ القدم أكثر ذهابهم وإیابهم بین إیران ومركزها مثل شیراز وطهران وبین البحرین عبر الطریق البحري، وهذه المناطق ( دیّر وبردستان ) ومناطق إیران الجنوبیة ينحدر منها أكثر العجم القاطنین في البحرین
الآن.

في الواقع الحدیث عن الشهید فخراوي لیس بالأمر السهل، فشخصیته ذات أبعاد مختلفة، كانت شخصیة تمتلك الطابع الاجتماعي، والثقافي والدیني، كثیر التواصل، خلوق، متقیّد ومحتفظ بالآداب والقیم الدینیّة علی مستوى معاملته وتنقلاته وحدیثه، وكان هذا بالأمر الجمیل بالنسبة لنا.

صاحب التدين العميق والعملي

بعض الناس عندما تتعرف علیهم تخالهم متدیّنین حسب ظاهرهم سواء من طریقة صلاتهم أو من إعفاء وإطلاق لُحاهم أو من حدیثهم المشتمل علی الأحادیث المنسوبة للأئمة الأطهار قال الصادق وقال الباقر (ع) ولكن لا ترى ذلك التدیّن الظاهري حین العمل وفي حیاتهم، والبعض تلحظ ذلك في حیاتهم ومعاملاتهم ومع عوائلهم و في الجوانب الإجتماعیة الأخرى، وكان الشهید رحمه الله من مصادیق ذلك من خلال بعض المواقف التي جمعتني به والتي لامستها عن قرب منه رحمه الله.

متقيّد بالحلال والحرام

كان في كل شؤون حیاته ومعاملاته یصرّ دائماً علی أن لا تختلط فیها مسائل الحرام والحلال، وأن لا تدخل أموال الآخرین مع بعضها البعض ومع أمواله، كان متقیّداً جداً بتلك الأمور الشرعیة، وكان من مقلدي السیّد القائد متواصلاً مع مكاتب استفتاءاته.
أنا أتذكر أنه قبل 20 سنة أخذ إجازة من الوجهاء لكي یساعد عوائل المعتقلین البحرینیین المحتاجة و الفقیرة، وأنا تشرّفت بزیارة كربلاء والنجف وكان یعطیني أموالاً لكي أوصلها إلی فقراء كربلاء والنجف.

لم ينسى موطن أجداده

وكان یساعد الفقراء والمساكین في منطقه آبائه وأجداده بردستان في السنوات السبع الأخیرة بالأخص في شهر رمضان، كان یطبع الكتب و كتب الأدعیة ویوزعها علی المساجد والحسینیات، وكان یطعم ساكني منطقته ( بردستان ) في لیالي العاشر وكان یعطیني أنا شخصیاً هذه الأموال وكنت أوصلها لهم، أي فقراء المنطقة وعددهم – الفقراء – بین الألف والألفین.

كان یحرص دائماً في كلّ سنة علی التشرف لزیارة مكة المكرمة وأداء العمرة وزیارة المدینة، وكان یتواصل معي عبر الهاتف بخصوص المسائل الشرعیة وهو في عرفة ومنی وفي البقیع وأماكن الحج والعمرة فیما یتعلق بالأخماس والنذور وما إلی ذلك، وكان یحرص أیضاً في كل سنة ما استطاع علی زیارة أئمة الهدى في العراق وعلی زیارة الإمام الرضا (ع) وأخته المعصومة (ع).

شخصية ثقافية منذ سن المراهقة

من الناحیة الثقافیة فإنّ شخصیّة الإنسان تأخذ طابعها وشكلها الخاص من سن المراهقة والشباب، وكان هو رحمه الله شخصیة ثقافیة من سن المراهقة، ومكتبة فخرواي هذه إنّما أسّسها لكي ینشر للأمة الثقافة الإسلامیة والشیعیة، ولم یكن لیطبع وینشر الكتب عدیمة الفائدة، بل كانت كتب هادفة انتشرت بالمئات في إیران وفي البحرین ولبنان باسم فخراوي، أسس مجموعات لترجمة أكثر من 250 كتاب قیّم لعلماء الدین والمذهب الشیعي من اللغة الفارسیة الی اللغة العربیة وأرسلها إلی بیروت للطبع ونشرها في كل الدول العربیة، وأكثرها كتب دینیّة وثقافیّة واجتماعیّة وربما بعد ذلك سیاسیّة، هو الشخص المثقف الذي أسّس مكتبة فخراوي بهدف نشر الكتب، وأسس مؤسسة البیان للترجمة وهي تلبي الطموح علی جمیع الأصعدة ومختلف الأعمار للشباب والصغار وللمراهقین وللعوام للطبقات الجامعیة والحوزویة والعمالیة ببیان واضح وطرح سهل یصل للقارئ وبدون مؤونة زائدة.

علاقة الشهيد العاطفية مع الأيتام

من هذه الناحیة كان الشهید رحمه الله یهتم ویحب الانشغال بهذا العمل باعتبار أن هذا العمل عمل عاطفي ومرتبط بالمجتمع بشكل عام، ولقد كنت أراه باستمرار كیف كان یغدق علی الیتامی من الناحیة المادیة، وكانت بعض العوائل تأتیني أنا شخصیاً وكنت أعطیهم من أمواله بأمر منه، وبالنسبة إلی أبناء أخیه محمد وعلي، فمن أول یوم عرّفنا علیهم وكانا حینها صغاراً لم نكن نعرف أنه بهذه العلاقة الوطیدة والقویة مع أبناء أخیه، ولو أردت المقارنة بین أبنائي وأبناء أخ الشهید فخراوي رحمه الله لوجدنا أن العلاقة التي تربطه بأبناء أخیه أكثر من العلاقة التي تربطني بأولادي، لقد كان یسعی وبإصرارعلی أن یترّبوا التربیة الإسلامیة، ویكونوا علی مستوى من الالتزام، وعلی مستوى من التفوّق الدراسي كذلك، وذهبوا أیضاً لبریطانیا للدراسة وهم الآن والحمد لله متعلمین ومثقفین وعادوا بعد ذلك للبحرین، وكان حریصاً أیضاً في مسألة الزواج أن یهیّئ الأرضیّة المناسبة للارتباط بعائلة متدیّنة واختیار المرأة الصالحة المناسبة لهم، وأنا الآن أصبحت قلق علی بنات الشهید فخرواي رحمه الله زهراء وسارة والذي كان یولیهم العنایة والاهتمام الكبیر، وأتمنی لهم جمیعاً أن یكبروا ویتعلّموا علی التربیة الإسلامیة.

كلمة أخیرة لعائلة الشهید ولعوائل الشهداء ولشعب البحرین

في البدایة یجب أن تعلم عوائل الشهداء أنه عندما یستشهد أحد أفراد العائلة فإنّ منزلة ومرتبة هذه العائلة ترتفع وتسمو، وأیضا یكون الشهید عند الله صاحب مقام ووجاهة، و كما في مضمون الروایة ” فوق كل ذي برٍ بر حتى يُقتل في سبيل الله فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بر ([1])، وهذه العائلة وهؤلاء الشهداء فلیعلموا هذه المرتبة والنعمة التي اكتسبوها بهذه الشهادة، وأنا أوصي جمیع عائلة الشهید فخراوي رحمه الله أن یسعوا دائماً لأن تكون روحه الطیبة دائماً في سعادة وفرح وأن یعلموا بهذه البركة التي حلّت علیهم، فالشهداء بدلیل الآیة المباركة هم أحیاء عند ربّهم یرزقون لذا فهم ینظرون إلی أعمال عوائلهم فلا یحزنوا ولا یؤذوا أرواحهم بالتقصیر في أداء الواجبات والفروض.

هذا بشكل عام، أمّا بالنسبة للثوّار في البحرین فإذا كانت الحركة والجهة والمقصد لله عزّ وجل فلیتیقّنوا ولیقطعوا بنصر الله عزّ وجل لهم، لأنّه من ینصر الله ینصره ویثبت أقدامه، نحن نرى أنّ الشعوب التي وقع علیها الظلم والقهر في الدول العربیة تحت ما یسمی بالربیع العربي یكون فیها المشروع الأمریكي والصهیوني حاضراً لكي یصادر مبادئ وقیم الثورة ویحرفها عن المسار الصحیح لكن في البحرین فظلامة هذا الشعب واضحة وكبیرة جداً، ویسعون لتصغیر واحتقار هذه الثورة، ویسعون لوضعها في الزاویة الطائفیة، سواءٌ في الإذاعات أو في شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت وفي المحافل والجلسات الدولیة والعالمیّة مثل الأمم المتحدة، وللأسف هم لا یساعدون الشعب البحریني، لكن الشعب البحریني معتقد بالحمایة والمساعدة والمدد الإلهي من الله عزّ وجل، فهم إذا قطعوا الخطوات في اتجاه الله عز وجل فإن الله بدون أي شك وتردید سوف یحمیهم.


  • ([1]) وسائل الشيعة، جزء 11، صفحة 10، حديث 21 
المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟