مواضيع

الابن مُدلِّلًا أمَّه ..

كان عمي عمود خيمة عائلة فخرواي، وقد انكسر العمود الآن، ما زالت العائلة غير مستوعبة كسر عمودها، وما زالت غير قادرة على لملمة حزنها. كل علاقات عمي بعائلته خاصّة، لكنّ أخصَّها علاقته بجدّتي : والدته. فقد كان نسخةً منها في كل شيء، في صفاتها، وفي كرمها، وإصرارها، وعزيمتها، وتواضعها، وحنانها، وتقديم المساعدات للمحتاجين دون أن يعرف أحد. كانت جدتي تقدّم مساعدات لعدد من البيوت والعوائل لم يُعرف عنها ذلك أحد حتى أصبحت عاجزةً عن المشي، واضطرت إلى تكليف عمتي الصغرى بالتوصيل، كذلك كان عمّي كريم.

لقد أسمته جدتي كريم، فكان الاسم والمُسمّى، يُعطي دون أن يُعرف، حتى أقرب الناس إليه لا يعلمون بما يُعطي. له مساهمات كبيرة لعددٍ من الجهات الخيرية، بالإضافة إلى العوائل والفقراء والأيتام، وعددٍ من الجمعيات الخيرية والمآتم الحسينية، وكل إسهاماته يُقدّمها باسم فاعل خير.

أما عن علاقته بجدتي فقد كان مثالياً في تدليلها، حتى أنها تحب أن تفتعل الزعل كي يُراضيها ويُدلّلها أكثر. يأتي إلى زيارتها مرّتين في اليوم، الثامنة صباحًا والرابعة مساءً، بتوقيتٍ مُبرمَج وثابت، مهما كانت أشغاله وانشغالاته، وعندما يكون مسافراً يتّصل بها في هذين التوقيتين. كان مؤمناً أنّ زيارته لوالدته وبرّه بها ووصله إليها هو سرّ تيسير الأمور له، وفي أحلك الظروف التي يمرّ بها يأتي ويطلب من جدتي أن تدعي له. لم يكن عمي يترك أحداً غيره يأخذ جدتي إلى المستشفى أو أيّ مكان آخر. يقول مادمتُ أنا موجوداً لا أحد يتكفّل بها سواي. جدتي لا تحب ركوب الاسعاف، وبعد أن صارت غير قادرة على المشي، صار يأتي إليها، يركن السيارة عند باب البيت، يحملها فوق ظهره، ويأخذها للسيارة بنفسه. ولفرط عنايته بها وتدليله إليها، تقول إليه أحيانًا يكفي أخجلتني. يقول لها أنت أمي لو رميتِني بحجر وطردتِني من البيت، أعود لك في اليوم الثاني وأُقبّل يدك التي رمتني. لا أحد غيركِ يعتني بي.

أعتقل واستُشهِد فخراوي ولم يُخبرها أحد، لم يجرؤ أحد، ولا يضمن أحدٌ ماذا يمكن أن يحدث لها إن عرفتْ، تجلس صباحًا، تنتظره عند الثامنة كعادته، يطوف الوقت الذي لم يكن يطوف إلا وهو مُقبِّلٌ يدها، تنزل دمعتها باحتراق : متى يأتي حبيبي الذي يُدلّلني؟ لم أعد ( أزعل ) كي لا يراضيني أحد غيره ..

المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟