مواضيع

الرؤية الكونيّة التوحيديّة


هناك بصيرة يحصل عليها الإنسان من خلال اختياره للرؤية الكونيّة و من خلال فهمه لأساس المفاهيم التوحيديّة وعبر نظرته التوحيديّة إلى عالم الطبيعة.

الفرق بين النظرة التوحيديّة والنظرة الماديّة هو:

أنّه في النظرة التوحيديّة، العالم هو مجموعة منظّمة، مجموعة ذات قانون، طبيعة هادفة، نحن أيضاً كجزء من الطبيعة، فإنّ وجودنا، خَلْقنا وحياتنا لها هدف، لم نُخلق عبثاً في هذه الدنيا، هذا لازم من لوازم النظرة التوحيديّة.

إنّ معنى الاعتقاد بوجود إله عالم وقادر هو أنّه حينما فهمنا أنّ لدينا هدفاً يجب علينا أن ننهض للبحث عن هذا الهدف، هذا البحث والسعي بحدّ ذاته هو جهد مفعم بالأمل.

 نسعى لكي نجد هذا الهدف؛ و بعد أن نجده ونعرفه، يبدأ السعي للوصول إليه. في هذه الحالة، فإنّ كل حياة الإنسان تصبح سعياً، سعيٌ هادف وموجّه الاتّجاه.

من ناحية أخرى نعرف أيضاً من خلال الرؤية التوحيديّة، أنّ كلّ نوع من السعي والمجاهدة في سبيل الهدف، يوصل الإنسان حتماً إلى نتيجة.

هذه النتائج ذات مراتب، و هي بالتأكيد توصل الإنسان إلى نتيجة مطلوبة، وعندها فلن يكون لليأس والضياع والقلق معنىً في حياة الإنسان. عندما تعرفون أنّ وجودكم وخلقكم وحياتكم وأنفاسكم، كلّها ترتبط بتحقيق هدف فستتحرّكون وراء هذا الهدف، وستبذلون الغالي والنفيس للوصول إليه، و هذا السعي نفسه له أجرٌ وثواب عند الله تعالى الذي هو خالق الوجود. عندما تصلون إلى أيّة نقطة فإنّكم في الواقع قد وصلتم إلى الهدف. ولهذا فإنّه في الرؤية التوحيديّة لا يمكن تصوّر الخسارة والضرر بالنسبة للمؤمن. حيث قال تعالى: <قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ>[1]، هناك في انتظارنا واحدة من اثنتين و كلاهما حسنتان، إمّا أن نموت في سبيل الله، وهذه حسنى، وإمّا أن نزيل العدو من الطريق، وهذه حسنى أيضاً.

فهنا لا وجود للضرر أبداً، و في النقطة المقابلة تماماً تقع الرؤية الماديّة.

أوّلاً تعتبر الرؤية الماديّة أنّ خلق الإنسان ووجوده في العالم لا هدف له، فالإنسان فيها لا يعرف لماذا جاء إلى الدنيا. بالطبع هو يحدّد لنفسه أهدافاً في الدنيا مثل : أن يصل إلى المال، أن يصل إلى الحب، إلى المنصب، إلى اللذّات الجسديّة أو اللذّات العلميّة، نعم يمكنه أن يحدّد لنفسه أهدافاً كهذه، لكن أيّاً منها ليس هدفاً طبيعياً، ليس ملازماً لوجوده.

عندما لا يكون هناك اعتقاد بالله، فالأخلاقيّات أيضاً تصبح بلا معنى، وكذلك العدالة تصبح بلا معنى، ولا معنى لشيء سوى اللذة والنفع الشخصي. إذا اصطدم تقدم الإنسان بحجر وتأذّى في طريق الوصول إلى نفعه الشخصي يكون قد تضرّر وخسر.

و إن لم يصل للربح، إن لم يستطع أن يسعى، يصل إلى اليأس والانتحار وغيرهما من الأعمال غير المعقولة.

لاحظوا الفرق هنا بيّن الرؤية التوحيديّة والرؤية الماديّة، بين المعرفة الإلهيّة والمعرفة الماديّة. هذه هي أهم ركائز البصيرة.

عندما يدخل الإنسان في صراع على أساس هذه الرؤية، فإنّ هذا الصراع هو جهد مقدس، إذا خاض حرباً عسكريّة فإنّ الأمر كذلك.

الصراع في الأصل ليس قائماً على سوء الظن وسوء النوايا. الصراع يهدف إلى أن تصل الإنسانيّة – وليس فقط هذا الإنسان نفسه – إلى الخير والكمال والرفاهيّة والتكامل. بهذه النظرة تكتسب الحياة وجهاً جميلاً وتصبح الحركة في هذا الميدان الواسع عملاً حلواً ممتعاً.

يزول تعب الإنسان بذكر الله تعالى وذكر الهدف. هذا هو المرتكز الأساس للمعرفة، المرتكز الأساس للبصيرة.

هذه البصيرة هي أمرٌ ضروري جداً، هذا ما يجب أن نوفّره في أنفسنا.

البصيرة في الحقيقة هي أرضيّة جميع الجهود والمساعي الإنسانيّة في المجتمع. هذا أحد مستويات البصيرة.[2]


  •  [1]التوبة: 52
  • [2] 26-10-2010م
المصدر
كتاب التحليل السياسي في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟