مواضيع

مرسوم الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر

من كتاب عهد الأمير للمسؤول والمدير للإمام الخامنئي

إنّ هذا الكلام موجّه إلى مالك الأشتر العظيم، وسترون أنّ في طيّاتها نوعاً من القسوة والكلام الحادّ. يقوم الإمام (ع) بتوجيه الكثير من النّصائح بأسلوب حاد بحيث لو قام أحد بنصيحتنا بهذه الطّريقة لانزعجنا منه ولو قليلاً. ولكنّ مالك الأشتر هو الّذي وصفه الإمام (ع) في رسالة أخرى، قائلاً: «فإنّه ممّن لا يُخاف وهنه، ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البُطء عنه أمثل» أي كما أنّه إنسان مراقب لنفسه فإنّه كذلك حكيم وعالم؛ فهو لا يُسرع في المكان الّذي يستلزم البطء، ولا يُبطئ في المكان الّذي يستلزم السّرعة. كان الإمام (ع) يصف مالك الأشتر بهذا الوصف في رسالة بعثها إلى اِثنين من قادة الجيش في صفّين. 09/10/2005
ولقد قيل عن هذا العهد أنّه: «وهو أطول عهد كَتبه وأجمع كُتبه للمحاسن» أي ليس هناك رسالة تصل إلى مستوى هذه الرّسالة من جهة اشتمالها على محاسن الكلام والنّكات المعنويّة واللّفظيّة. ولا بدّ أن أذكّر أنّ أحد معاني كلمة «العهد» – وهي المقصودة هنا – هي «المرسوم»؛ يعني مثل المراسيم الحكوميّة الّتي توجه إلى شخص ما، كما وإنّ المراسيم الّتي يخطّها السّلاطين والرّؤساء وكبار القوم لها هذا المعنى. فالعهد هنا ليس بمعنى الميثاق، إذ هناك من يقول أنّه ميثاق مالك الأشتر. الميثاق يكون حين يتّفق اِثنين على أمر ما، ولكنّ هذا العهد ليس من هذا القبيل على الإطلاق؛ هو ليس إتّفاقاً، بل هو مرسوم وجّهه أمير المؤمنين (ع) إلى عامل لديه وكلّفه به. ولم يرسل المرسوم لعامله، بل سلّمه إيّاه كي يذهب ويعمل وفقاً لما فيه. 11/01/1998
للأسف فإنّ مالك الأشتر لم يستلم الحكم واستشهد في الطّريق؛ ولكن بقيت هذه الوثيقة التّاريخيّة بين النّاس. بأدلّة محكمة – من جهة السّند – ثبتت نسبة هذه الرّسالة إلى أمير المؤمنين (ع) ونقلها الجميع. إنّ ما ورد في هذه الرّسالة كوصايا من أمير المؤمنين (ع) إلى مالك الأشتر هي أمور عصريّة في يومنا هذا. فمع أنّ المؤسّسات الحكوميّة في ذلك الزّمن تختلف كثيراً عن المؤّسسات الحكوميّة في أيّامنا هذه؛ ففي ذلك الزّمن كان هناك العمّال والكُتّاب؛ واليوم لدينا المؤسّسات الحكوميّة أكثر تعقيداً والهيكليّات أكثر اتّساعاً؛ ولكن ولأنّه (ع) لم يتطرّق إلى العمل التّنظيميّ، أي لم تكن توصياته وأوامره مؤسّساتيّة، بل توجيهيّة وفحوائيّة؛ وهذه ثابتة في جميع الأزمنة. فلا فرق في من يملك زمام الأمور، أكان الوالي أو رئيس الجمهوريّة المصريّة أو أيّ صاحب منصب حكوميّ آخر في المؤسّسات المصريّة أو حتّى غير المصريّة. إنّ هذه الرّسالة صالحة اليوم لكلّ العالم الإسلامي ولكلّ من يعتقد بالأصول والقيم الإسلاميّة، ويمكن الاستفادة منها والعمل وفقاً لها، وفيها الكثير من الفائدة. 20/12/2000

المصدر
كتاب عهد الأمير للمسؤول والمدير | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟