مواضيع
عوامل التحول في موقف أهل الكوفة من الثورة
قد يستغرب أي قارئ للتاريخ التحول الغريب للكوفة، فبعد أن كانت هي المبادرة لاحتضان الثورة، وكانت تغلي وتتعبأ، أصبحت في حالة من الردة والتراجع حتى صار جيشها كافٍ لمحاربة الحسين لاحقًاّ!! فأين ذهبت كتبهم؟ 12 ألف كتابًا؟!! وأين ذهب 18 ألف الذين بايعوا مسلم بن عقيل؟
- الانتماء الفكري والعقائدي: تعتبر الكوفة مزيج من الانتماءات الفكرية والمرجعيات العقائدية، على الرغم من أنها كانت عاصمة أمير المؤمنين إلا أن سكانها ليسوا في أغلبهم شيعة لأمير المؤمنين، فهناك الشيعة الذين يرون إمامة الأئمة ويسلّموا لهم بالأمر في كل الظروف، وهناك فئة أخرى مخالفة كشيعة الأمويين وأتباعهم، وهم من خاطبهم الإمام الحسين في كربلاء لما جاؤوا لمحاربته وهم من الكوفة فقال لهم: «يا شيعَةَ آلِ أَبي سُفْيانَ»[1] ولم يقل لهم: يا شيعتنا، وهناك فئة أخرى من المناوئين لأهل البيت وهم الخوارج وهذا ظاهر، أما الأغلب من سكان المدينة فلا يحملون هوية عقائدية وهم مع من غلب أو من يلبي مصالحهم الضيقة أو على الأقل هم من يبسط يديه على الحكم!
- التنوع القبلي والعشائري: نعلم أثر التركيبة السكانية خصوصًا ذات البعد العشائري، ولأن مدينة الكوفة مجتمعٌ حديثٌ حيث تأسست في عهد عمر بن الخطاب وقطنتها قبائل متعددة ومتنوعة، ونعرف أثر الانتماء العشائري على سلوك أفرادها وولاتها، فبمجرد التأثير واستقطاب زعيم العشيرة يتم استمالة أفرادها وولاتهم، وهذا ما فعله معاوية من قبل في عهد الإمام الحسن (ع)، وها هو يكررها ابن زياد مع زعماء القبائل في الكوفة.
- الطابور الخامس والمعركة الإعلامية: يشترك فيه المنافقون والمرجفون وعملاء الأمويين الذين تم شراء ذممهم، فمارسوا دورًا تخريبيًا في أوساط المجتمع الكوفي عبر بث الإشاعات وممارسة الاغتيال السياسي والوشاية على العارضين وتثبيط العزائم والحرب النفسية التي جعلت أبناء البيت الواحد يختلفون مع بعضهم والزوجة تأخذ بيد زوجها وهكذا حتى قال قائلهم: «الحسين سلطان ويزيد سلطان وما لنا والدخول بين السلاطين».
- غلبة المصالح الدنيوية على المبادئ: هذه كانت طبيعة تلك المرحلة. المجتمع الكوفي ليس شاذًا عن الأمة، فبمجرد تعرض مصالح الأفراد الضيقة للضرر تجده يخالف مبادئه، ويتراجع عن مواقفه وينحاز لمصالحه الدنيوية، كالذي سأله الإمام الحسين عن أحوال أهل الكوفة، فقال له: «قُلُوبُ اَلنَّاسِ مَعَكَ وَسُيُوفُهُمْ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ»[2]. ولأن حال الأمة هكذا نهض الإمام الحسين للثورة وهو يضع النقاط على الحروف ويشخص حال الناس: «الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم، يدورونه ما درّت معايشهم، فإذا ما مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون»[3].
[1]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 45، صفحة 50-51
[2]– وقعة الطف، المجلد الأول، صفحة 158
[3]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 44، صفحة 383