مواضيع

مخاوف موسى وطلب مؤازرة أخيه هارون

<قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ 33 وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ>

لما كانت المواجهة مع فرعون الطاغية المتجبر تستدعي الشجاعة ورباطة الجأش وحسن التدبير والاستعداد، وكان موسى الكليم(ع) لطبيعة المهمة وخطورتها ومتطلباتها، ولحرصه الشديد على نجاح المهمة وحسن القيام بالتكليف وأدائه على أتم وأكمل وجه، فقد شكا إلى ربه وهو الأعلم بحاله أمراً واقعياً قد يكون عقبة أمام نجاح المهمة، ومراده: حسن الاستعداد والاطمئنان لما هو مقدم عليه، فقد قتل من الأقباط نفساً عن طريق الخطأ بدافع الدفاع عن المحرومين المستضعفين وإنقاذ المظلوم من الظالم بدون إرادة القتل، ولكن القتل حدث بدون قصد وتسبب في خروجه من مصر والاغتراب عن أهله ووطنه لمدة عشر سنوات، وأنه يخاف إن هو ذهب إليهم أن يقتلوه قصاصاً بدم صاحبهم، وسأل الله(عز وجل) أن يوفر له بعض الأمور الأساسية التي رأى أنها مطلوبة وفي غاية الأهميه لنجاح المهمة، وهي:

أ.  أن يشرح صدره ليسهل عليه الأمر وليحتمل ما يمكن أن يواجه من صعاب وتحديات ومشاق وعوائق.

ب. أن يعينه على البيان الواضح والإفصاح بشكل صحيح وسليم عن الرسالة؛ لأن الموقف يتطلب منتهى الدقة ولا يقبل أو يتحمل الخطأ، نظراً لما يتمتع به فرعون من دهاء وخبث يمكنه أن يوظف أي خطأ لقلب الحقائق وتضليل الناس وقلب الطاولة على خصومه.

ج. أن يجعل أخاه هارون الموجود في مصر ويكبره بثلاث سنوات شريكاً له في الرسالة وتبليغها؛ لتكون شراكته ضمانة لتبليغ الرسالة وإيصالها على أحسن وجه، خاصة وأنه يتوقع أن يحوطه فرعون ويخاصمه بقضية تربيته له في بيته وقتله الرجل القبطي الموالي لفرعون ونظامه ودولته أو نحو ذلك، فيغضب، فلا يستطيع بيان صدق دعواه وتبليغ الرسالة الإلهية إلى فرعون وملئه، فيتصدى في هذه الحالة هارون(ع) للنهوض بهذه المهمة ويقوم بتخليص الحق وبيان الحجة ورفع الشبهة، فهو قادر على المنافحة وغير مخصوم بشيء مسبقاً من جانب فرعون وملئه، فخوف موسى الكليم(ع) لم يكن على نفسه وإنما على الرسالة: <إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ>[1] أي: أخاف أن يكذبون إن لم يكن معي هارون بسبب عدم طلاقة لساني لمخاصمتهم ومحاصرتهم لي بشأن قضيتي: تربيتي في بيت فرعون وقتلي القبطي، فلا يتم تبليغ الرسالة وإقامة الحجة على فرعون وملئه، وأصبح أنا المدان بينهم، فخشية موسى الكليم(ع) كانت في الحقيقة والواقع على الرسالة وليس على نفسه، وهذا هو دأب الأنبياء الكرام(عليهم السلام) والأولياء الصالحين والمؤمنين المجاهدين العاشقين أنهم يخافون على دينهم وقضيتهم أكثر مما يخافون على أنفسهم وأهلهم وما يملكون، وأنهم يضحون بأنفسهم وأهلهم وما يملكون من أجل دينهم وقضيتهم وتكليفهم الشرعي الشريف المقدس ولا يضحون بالتكليف الشرعي ويبحثون لأنفسهم عن الأعذار والمبررات لإنقاذ أنفسهم ومصالحهم الدنيوية العاجلة مهما كان الثمن باهظاً والتضحية عظيمة، وعبارة <أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا>[2] لا تدل على عدم فصاحه موسى الكليم(ع)، بل تتضمن نفي أن تكون في لسانه لكنة، لأنها تثبت فصاحته.

د.  أن يعينه بتوفيقه وتسديده على طاعته وعبادته وتحمل المسؤولية، وأداء ما كلف به على أحسن وأكمل وجه وبنية صادقة وخالصة لوجهه الكريم الذي هو أكرم الوجوه إطلاقاً.


  • [1]. القصص: 34
  • [2]. نفس المصدر
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك – الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟