مواضيع

وضع القانون فوق كل شيء

اعلموا أنّ تطبيق القانون مهمّة عسيرة، إلاّ أنه مع كثرة مصاعبه أكثر فائدة على المدى القصير وعلى المدى البعيد من حالة انعدام القانون.

قد يتوجّه المرء بسيّارته إلى منزله مثلاً، إلاّ أنه يسلك طريقاً معاكساً لاتجاه السير الصحيح؛ رغبة في اختزال الطريق ولتصوره فائدة عاجلة، إلاّ أنّ المخاطر التي تكتنف مثل هذا المسير أكبر بكثير؛ بل ولا يمكن مقارنتها بفائدة كهذه، وهكذا الحال بالنسبة لجميع القوانين.

… البعض يتعامل مع القانون كما فعل أصحاب السبت، أصحاب السبت التزموا بحرفية القانون؛ أي حينما أمرهم ربّهم أن لا يصطادوا السمك يوم السبت، امتثلوا للأمر ولم يصطادوا، لكنهم فعلوا شيئاً صغيراً لم يكن قد حُرّم عليهم، وهو أنهم حفروا أحواضاً فدخلتها الأسماك وسدّوا عليها طريق العودة يوم السبت، وجاءوا يوم الأحد واصطادوها، هذا ظاهر القانون.

ولو أنكم لاحظتم لوجدتم هذا العمل على غرار تلك الحيل الشرعية التي قد تجري على قطعة نبات [نوع من السُكّر] مثلاً، وتترتب عليها أرباح ربوية هائلة مثلاً، وهو في حدود القانون وله ظاهر شرعي، إلاّ أنّ إمامنا الكبير(رضوان الله تعالى عليه) بما أنه كان فقيهاً متعمقاً ومطلعاً على روح وجوهر الدين، كان قد حرّم هذا قبل أن يقيم الحكومة الإسلامية[1].

أريد أن أقول للشباب الأعزاء أن يدققوا ويحذروا؛ لأن أي عمل غير مدروس سيساعد الأعداء. يتصل الشباب هنا أنا أفهم ذلك، وأقرأه، وغالباً ما يلخّصون الهواتف والرسائل ويأتون بها كل يوم وأراها وأرى أن الشباب مستمرين في عتابهم وألمهم وغضبهم، وأحياناً يعتبون عليَّ ويلومونني ويقولون: لماذا فلان صابر؟ لماذا فلان يلاحظ ويتحفّظ؟ أقول إنه في الظروف التي يعمل فيها العدو بكل كيانه وإمكاناته على التخطيط للفتنة، ويروم بدء لعبة خطيرة ينبغي الحذر والتدقيق لكيلا نساعده في هذه اللعبة. ينبغي التصرف بمنتهى الحيطة والتدبير، والحسم في الوقت المناسب. هناك أجهزة ومؤسسات مسؤولة، وهناك قوانين، وينبغي تطبيق نص القوانين بشكل قاطع وبدون أي تجاوز للقانون، لكن دخول أشخاص ليس لهم شأن قانوني وسمة قانونية وواجب قانوني ومسؤولية قانونية سوف يفسد الأمور، لقد أمرنا الله تعالى: <وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى>[2].

نعم؛ البعض يمارسون العداء، والبعض يمارسون الخبث، والبعض يدعمون الخبثاء.. هذه كلها أمور واقعة، ولكن ينبغي التحوّط. إذا خاض الإنسان في بعض الأمور من دون تدقيق وهضم للمسائل فسوف يُسحق أناسٌ أبرياء هم يمتعضون من أولئك.. وهذا ما يجب ألا يحدث. إنني أحذر الشباب الأعزاء، أبنائي الثوريين الأعزاء، من أن يقدموا على ممارسات منفلتة من عندهم، لا؛ كل شيء يجب أن يجري ضمن سياق القانون[3].

فصل الخطاب للقانون

تذكروا آخر وصايا الإمام؛ القانون هو فصل الخطاب، فاعتبروا القانون فصل الخطاب[4].

أنتم «البسيج» – شباب التّعبئة – يجب أن تتصرّفوا بطريقةٍ تجذب احترام النّاس وحبّهم، يجب أن تكونوا قدوةً في الأخلاق والتّواضع واللّطف والالتزام بالقواعد …

أكثر الأشخاص «تعبئةً» هو الأكثر التزاماً بالقواعد؛ لماذا؟ لأنّ الفرضيّة هي أنّ البسيج هم أكثر من يحترق قلبه لأجل النّظام، والقواعد هي الأدوات الحتميّة للإدارة السّليمة للنّظام، لذلك في مكان العمل، في بيئة المعيشة، يجب مراعاة الأخلاق واتّباع القواعد والالتزام بالانضباط[5].

نحن بحاجة حقاً إلى أن يكون القانون مؤشراً ومحوراً وفصل الخطاب في كل شؤون البلد. لو التزمنا بالقانون حقاً فسوف يساعد هذا الأمر مساعدة حقيقية على مرونة حياة الناس…

إذا شاع عدم الالتزام بالقانون تعقدت الأمور، وتفاقم زحام السيارات واختل المرور، وحصلت عقد مرورية، وتبددت مصالح الناس وسحقت. على الجميع احترام القانون.

… إن هذه الحالة كغيرها من الحالات التي ينبغي أن تنتشر ثقافتها من النخبة لتصل إلى عموم المجتمع، إذا لم تلتزموا أنتم النخبة بالقانون فلا تتوقعوا من عموم المجتمع الالتزام بالقانون، ندّعي أننا نخبة – سياسية أو نخبة علمية – لكننا لا نكترث للقانون في أمورنا وشؤوننا!

وفي خصوص هذه القضايا الجارية فقد كنت مصراً ولا أزال وسأبقى مصراً في المستقبل أيضاً على تطبيق القانون؛ أي أننا لن نتجاوز القانون حتى خطوة واحدة. قانون بلادنا قانون الجمهورية الإسلامية، لا شك أن النظام والشعب لن يخضعوا للعسف ولمنطق القوة مهما كان الثمن، لجهة المقابلة للالتزام بالقانون والانقياد له هي الدكتاتورية[6].

إنني أذهب أحياناً في الصباح إلى مرتفعات طهران، فعندما نتحرّك يكون الجو مازال مظلماً، وتكون الشوارع فارغة بعد صلاة الصبح، ومع ذلك فإننا نتوقّف عند كل إشارة حمراء احتراماً لقانون المرور، رغم أنّ الشوارع خالية ولا توجد سيارات، ثم نعاود الحركة مع اشتعال الضوء الأخضر.

ولقد شاهدت أحياناً أنّ سيارة تأتي من الجهة المقابلة، وفي نيّة سائقها تجاوز الإشارة الحمراء، فيتقدّم قليلاً، ولكنه سرعان ما يتوقّف ويعود أحياناً إلى الخلف، عندما يرى بعض السيارات المتوقّفة هنا وهناك عند الإشارات الحمراء؛ أي أنّ الانضباط الاجتماعي للفرد يؤثّر في شعور ضرورة الانضباط الاجتماعي لأفراد المجتمع الآخرين.

إنّ لسلوكنا الفردي تأثيرا حتى في بناء الثقافة وسوى ذلك من الأمور الأخرى، وعلى أية حال فإن الإرادة الإنسانية محور وملاك[7].

على الجميع أن يكونوا على حذر ورقابة، وألا يصدر عن أي أحد تصرّف مخالف للقانون، تحت ذريعة الدفاع عن الدين وعن الولاية؛ فلا حاجة لنا بمثل هذه التصرّفات.

نحن لدينا قانون ونظم، والثورة متجسّدة اليوم على شكل نظام، وهذا ما يوجب المحافظة على النظام برمّته، ويجب الحفاظ على احترام النظام واحترام المسؤولين[8].

القانون أساس عمل الثورة

الإمام بادر إلى تعيين الحكومة قبل أن تبلغ الثورة مرحلة الانتصار، وهذا ما تفتقر له الثورات أو الانقلابات التي سمّيت باسم الثورات في العالم، والتي عجّت بها العقود الوسطى من القرن المنصرم؛ فإذا ما وقعت ثورة في بلد ما ثورة حقيقية كانت أم انقلاباً يتخذ مسمّى الثورة فلن يبقى خبر عن الحكومة والتنظيمات الحكومية والقانون لفترة طويلة؛ حيث تمسك مجموعة من الأفراد باعتبارهم القائمين على الثورة بزمام الأمور في البلد، فيمارسون ما يحلو لهم وما يشتهون.

بَيْدَ أنّ الإمام لم يسمح بأن تشهد الثورة الإسلامية مثل هذا الوضع، إذ قام بتعيين الحكومة قبل أن تنتصر الثورة؛ كي يسود النظم[9].

الملاك هو القانون وليس الأفراد

ماذا يعني القانون؟ القانون يعني مصير البلد؛ القانون يعني مصير البشر في المجتمع؛ لأنّ الجميع تحت القانون وعليهم أن يطيعوه. يجب على الحكومة أيضًا الامتثال للقانون؛ كما يجب على القائد أيضاً أن يطيع القانون.

يظنّ البعض أن «ولاية الفقيه المُطلقة» الواردة في الدّستور تعني أنّ القائد مطلق العنان، ويستطيع أن يفعل ما يشاء! ليس هذا هو معنى الولاية المطلقة. يجب على القيادة تطبيق القواعد واحترامها، ومع ذلك، في بعض الحالات، إذا أراد المسؤولون ومستشاروهم العمل بموجب قانونٍ بحرفيّته، فسيواجهون مشاكل، وكذلك هو القانون البشريّ. الدّستور يفتح الطّريق، ويقول إنّه حيث لا يستطيع المسؤولون تنفيذ قانون الضّرائب أو لم يتمكّنوا أن يفعلوا شيئًا في السّياسة الخارجيّة والتّجارة والصّناعة والأكاديميّة – والبرلمان أيضاً ليس كما لو أنّك تأخذ شيئًا إليهم اليوم ويوافقوا عليه غداً ويجيبوك – القيادة هي المرجعيّة. في زمن الإمام(ق) كان الأمر نفسه أيضاً، كنت أنا الرّئيس في ذلك الوقت، وحيث واجهتنا صعوبات كتبنا رسائل إلى الإمام قدّس سرّه، وكان هو يعطينا الإجازة. بعد الإمام والحكومة السّابقة والحكومة الحاليّة في بعض الأحيان يكتبون رسائل حول قضايا مختلفة، أنّ الأمور صعبة هنا، نطلب إجازةً لنقض القانون في هذا المورد. القيادة تدقّق، وإذا شعرت بأنّها مضطرّةٌ للقيام بذلك، فإنّها تفعل ذلك. كما يتمّ إحالة المسائل الّتي تمثّل مشكلةً وطنيّةً مهمّةً إلى مجمع تشخيص مصلحة النّظام، هذا هو معنى الولاية المطلقة. والقائد، والرّئيس، والوزراء والنّوّاب جميعهم يخضعون للقانون ويجب أن يلتزموا به. القانون مهمٌّ جدّاً لدرجة أنّه يشكّل قالب عملنا أنا وأنتم[10].

الملاك هو القانون، أما أمزجة الأفراد فلا تعد ملاكاً، والقانون الذي صادق عليه مجلس الشورى الإسلامي وأقرّه مجلس صيانة الدستور معتبر لدى الجميع وحجّة، سواء راق لبعض الأفراد أم لم يرق لهم، ومادام القانون قانوناً فالكل ملزمون بالعمل به[11].


  • [1].  بيانات سماحته أمام رئيس الجمهورية وأعضاء الدولة بتاريخ 24-8-1997م
  • [2].  المائدة: 8.
  • [3].  بيانات سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 9-1-2010م
  • [4].  خطبة الجمعة بتاريخ 19-6-2009م
  • [5].  بيانات سماحته أمام نخبة قوات التعبئة بتاريخ 27-6-1989م
  • [6].  بيانات سماحته أمام أعضاء مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 24-6-2009م
  • [7].  بيانات سماحته أمام طلبة وأساتذة جامعات منطقة سمنان بتاريخ 9-11-2006م
  • [8].  بيانات سماحته أمام قادة حرس الثورة الإسلامية بتاريخ 15-9-1998م
  • [9].  بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2001م
  • [10]. بيانات سماحته أمام طلبة وأساتذة منطقة قزوين بتاريخ 17-12-2003م
  • [11]. خطبة الجمعة بتاريخ 8-1-2000م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟