مواضيع

نحن مأمورون بأداء الوظيفة وليس الحصول على النتيجة

كان يقول (الإمام الخميني(ق) – وقد سمعه الجميع – «إنّنا لا نقوم بالعمل من أجل النّتيجة، نحن نقوم بالعمل من أجل أداء التّكليف»؛ أي إذا افترضنا أنّ ما حدث بعد عودة الإمام من باريس لم يحدث؛ بل كان عكس ذلك – لنفترض، على سبيل المثال، أنّهم قتلوا كلّا منّا، وقضوا على الّذين كانوا على اتّصالٍ بالإمام ومن حوله، ثمّ أسروا الإمام نفسه، وأبعدوه مرّةً أخرى، واضطّهدوا الأمّة، وفعلوا أشياءً من هذا القبيل – لم يكن ليشعر الإمام بالهزيمة؛ بل لا يزال يعتقد أنّه انتصر، وهذا الّذي حصل؛ لم يُهزم الإمام. من يعمل من أجل أداء التّكليف انتصاره يتحقّق عندما يكون قادراً على أداء تكليفه، وانتصاره لا يتعلّق بتحقيق هدفه.

لن أترك طريق العشق، حتّى لو كان كصحراءٍ بلا ماءٍ أو عشبٍ؛ لأنّ النشاط، حتّى لو كان بالسّير في الصّحراء، أفضل من الجلوس بلا جدوى، وإذا لم أصل إلى هدفي، فأنا أحاول بأقصى ما أستطيع.

الأصل هو هذا الجهد والسّعي من أجل الله. بدأ الإمام(ق) حديثه، وفي اليوم نفسه الّذي تحدّث فيه في مدينة قم (سنة 1963م)، قال كثيرون لا تستطيع، ولن تنجح، وبعد أن بدأت مضايقات النّظام وقضيّة المدرسة الفيضيّة، ثم قضيّة 15 خرداد تضاعف عدد القائلين: «يا سيّدنا، لا جدوى، أنت تحاول عبثًا». بعد إبعاد الإمام عام 1964م، أعيد ترسيخ هذه الفكرة لدى كثيرين أنّه قدّس سرّه كان يكدح ويحاول ويسعى عبثاً؛ فكلّ التّوقّعات أظهرت النّتيجة نفسها. إذا أراد المرء أن يحسب بمنطق (اثنان ضرب اثنان يساوي أربعة)، فلن يكون سوى هذا. لكن ما دفع الإمام إلى عدم فقد الأمل رغم كلّ هذا الكلام ومواصلة حركته كان أداء التّكليف، لقد كان تكليفاً إلهيّاً. في ربيع عام 1986م – خلال أيام عيد النّوروز – وقع حادثٌ للإمام، كان حادثًا خطيراً للغاية، تعرّض قلبه لمشكلةٍ، أبلغونا لكنّنا لم نكن في طهران، فذهبنا بسرعة. قبل ذلك بأيّام، كنّا في خدمة الإمام في إحدى اللّيالي -عدّة أشخاص- وصادف حينها إحدى مناسبات ولادات الأئمّة(ع) -لا أذكر إن كانت مناسبة 13 رجب، الثّالث من شعبان أو 27 رجب، لا أذكر- وكان لديه في ذلك الوقت لقاءٌ مع النّاس، لكنّه استنكف قائلاً: «كلّا، أنا لست على ما يرام». لقد أصررنا باستمرارٍ أنّه ليس من السّيّئ أن يكون لديك لقاءٌ في الحسينية، ويأتي النّاس لزيارتك- أنا، الشّيخ هاشمي رفسنجاني والسّيد الحاج أحمد – لكن كلّ ما قلناه لم يدفعه للقبول. قال(ق) بحزمٍ: «كلّا، أنا لست على ما يرام». بعد أربعة أو خمسة أيام، كان العيد عندما ذهبت إلى مشهد وكان الشّيخ هاشمي رفسنجاني أيضاً معنا، ولم يكن أحدٌ منّا في طهران؛ على ما يبدو، في اليوم الثّاني أو الثّالث أو الرّابع من العيد، ساءت حالته، وحدثت تلك المشكلة لقلبه. إنّ السّيد أحمد – ابنه العزيز له حقٌّ عظيمٌ في رقبة كلّ النّاس، كلّ الأمّة. في الواقع، لقد حفظ الإمام(ق) لسنواتٍ عديدة – أعدّ كلّ ما يلزم لمثل هذه الحوادث. وصلوا إليه على الفور وأزالوا الخطر. لمّا ذهبت إلى [طهران] – بعد زوال الخطر- وذهبت لعيادته في ذلك المستشفى حيث رأيت بعض السّادة المحترمين، قلت له: سيّدي! كم كان صائباً أنّك لم تقبل الاجتماع في تلك اللّيلة الّتي أصررنا عليك فيها؛ فإنّك لو قبلت هذا الاجتماع، لكان قد تمّ الإعلان عنه، وكان النّاس سيأتون، وأنت ما زلت غير قادرٍ على لقائهم، وكان أثره ليكون سيّئًا للغاية لدى النّاس، لقد كان تقدير الله أنّه مهما أصررنا في تلك اللّيلة، فإنّك وقفت حازماً ولم تقبل تحت الّضّغط، فقلتَ لا، لن أقابل أحداً؛ كانت هذه مساعدةً إلهيّةً. قال لي جملةً هناك، وعندما خرجت ودوّنتُ مقولته تلك؛ هذا ما قاله حرفيّاً: «كما فهمت، كأنّ منذ بداية الثّورة حتّى الآن، هناك يدٌ خفيّةٌ في كلّ شيءٍ ترشدنا وتدعمنا».

كان هذا صحيحاً. كان الأمر كذلك حقّاً؛ وخلافًا لذلك، فإنّ الحسابات العاديّة – الحسابات السّياسيّة والاقتصاديّة والحسابات الّتي يقوم بها العالم كلّه ويتحرّك على أساسها – لا تعطي النّتائج التي ترونها؛ بل تعطي نتيجةً أخرى. الّذي مكّن الإمام من قيادة هذه الأمّة وإدارتها وتوجيهها وقيادة هذه الثّورة العظيمة كان علاقته بالله، اتّصاله بالله، وثقته بالله، كان حرفيّاً عبداً صالحاً بكلّ ما للكملة من معنى. لا أجد أيّ تفسيرٍ أفضل من هذا.[1]

رابطة «التكليف» مع «البحث عن النتيجة»

السؤال الآخر هو – وقد ذكر هذا أيضاً بعض الأعزاء هنا – كيف يجب أن تكون العلاقة بين «التكليف» و«النتيجة»؟ لقد قال الإمام الخميني: إننا نسعى لأداء واجبنا. فهل معنى ذلك أن الإمام الخميني لم يكن يفكر في النتائج؟ كيف يمكن أن يقال مثل هذا؟! الإمام الخميني الجليل الذي تحمّل بتلك الشدة والحدة وفي سني شيخوخته كل تلك الصعاب من أجل أن يؤسس النظام الإسلامي، وقد نجح، هل يمكن أن يقال إنه لم يكن يهتم للنتائج؟ لا بدّ أن معنى التكليف ونزعة التكليف أن يعمل الإنسان في سبيل الوصول إلى النتيجة المطلوبة على أساس تكليفه وواجباته، ولا يعمل بخلاف التكليف، ولا يقوم بأعمال غير مشروعة، وإلّا فالمساعي التي قام بها الأنبياء وأولياء الدين كانت كلها من أجل الوصول إلى نتائج معينة.. كانوا يسعون لتحقيق النتائج، فهل يمكن القول إننا لا نسعى للنتائج ولا نهتم لها؟ أي لتكن النتائج ما كانت؟ لا؛ طبعاً الشخص الذي يعمل بتكليفه من أجل الوصول للنتيجة، إذا صادف ولم يصل لنتيجته المرجوّة سوف لن يشعر بالندم، لأنه مرتاح البال من أنه عمل بتكليفه وواجبه. وإذا لم يعمل الإنسان بتكليفه من أجل الوصول للنتيجة، فإنه حين لا يصل سيشعر بالخسارة. أما الذي قام بواجبه وتكليفه ومسؤولياته ونفذ ما يجب عليه تنفيذه من أعمال، ولاحظ كما سبق أن ذكرنا الواقع وخطط وعمل على أساس الواقع، ولم يصل للنتائج المرجوّة في نهاية المطاف، فإنه لن يشعر بالخسارة، فهو قد أدّى واجبه. وعليه؛ إذا تصورنا أن نزعة التكليف معناها ألا ننظر أبداً للنتائج، فهذا تصور غير صائب.

في الدفاع المقدس وفي كل الحروب التي وقعت في صدر الإسلام في زمن الرسول الأكرم(ص) أو بعض الأئمة(عليهم السلام) كان الذين يخوضون غمار الساحة يعملون بواجبهم وتكليفهم. وقد كان الجهاد في سبيل الله تكليفاً. وكذا الحال في سنوات الدفاع المقدس، كان الدخول في هذه الساحة نابعاً من الشعور بالتكليف والواجب، الذين كانوا يسيرون للانخراط في هذه الساحة كانوا يشعرون بالواجب غالباً، ولكن هل كان هذا الشعور بالواجب والتكليف بمعنى أنهم لم يكونوا يفكرون بالنتائج؟ ولا يحسبون حسابات طريق الوصول للنتائج؟ ولم تكن لديهم غرف عمليات؟ وليس لديهم خطط وتكتيكات وغرف قيادة وتشكيلات عسكرية؟ لم يكن الأمر كذلك. إذًا،؛ نزعة التكليف لا تتنافى إطلاقاً مع السعي للحصول على النتائج وأن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصل على هذه النتائج، وكيف يمكن له تحقيقها، فيخطط حسب السبل المشروعة والميسّرة المفضية إلى تلك النتائج[2].


  • [1].  بيانات سماحته حين بيعة قادة وأعضاء لجان الثورة الإسلامية بتاريخ 8-6-1989م
  • [2].  بيانات سماحته أمام الجامعيين بتاريخ 28-7-2013م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟