مواضيع

اليوم، البلد يحتاج إلى الجهاد العلميّ

الجهاد العلميّ ضروريٌّ لكم، يجب عليكم أن تدخلوا إلى ميادين العلم[1]، إنّ البلد اليوم بحاجةٍ إلى جهادٍ علميٍّ، وعندما أذكر العلم هنا فإنّ مرادي هو المعنى العام للعلم وليس العلوم التجريبيّة فقط، ونحن بحاجةٍ لجهادٍ علميٍّ، وسأتعرّض إلى بعض الأمور التي ذكرها الأخوة والأخوات، وإذا كان هناك مسألة تحتاج إلى بيان وتوضيح، فسوف أبيّنه في ذيل ما بيّنه الأصدقاء؛ ولكن يبدو لي أنّ القاسم المشترك بين جميع القضايا ـ التي أرى نفسي مسؤولاً ومُلتِزمًا بذكرها ومتابعتها وبإمعان النظر فيها بدقّةٍ وحرصٍ وتمحيصٍ، لأرى إلى أين ستصل ـ هو أن البلد بحاجة إلى جهاد علمي.

انظروا! إنّ للجهاد معنىً خاصًا، فالجهاد لا يعني مجرّد السعي، الجهاد في المفهوم الإسلامي عبارة عن ذلك الجهد المبذول ضدّ عدوٍ ما أو خصمٍ ما، وليس كلّ سعيٍ جهاداً، فجهاد النفس، وجهاد الشيطان، والجهاد في الميدان العسكري كلّها عبارة عن مواجهة عدوٍ أو مخالفٍ.

ونحن اليوم بحاجةٍ في مجال العلم إلى مثل هذا الجهد في البلد، حيث نشعر بأنّ هناك موانعَ علينا أن نزيلها، وعوائق يجب أنْ نُحطّمها، ونشعر أنّه في مجال توفير الإمكانات العلميّة يوجد جشع لدى أولئك الذين يمتلكونها ـ وهي الدول المتطورة علميًا ـ فعلينا أن نُظهر من أنفسنا في المقابل عزّةً ونهضةً وتحرّكًا نحو الأفضل.

إنّ العالم اليوم ورغم تظاهره بالسخاء العلمي هو في منتهى الخسّة والجشع من حيث العلم، فالذين تمكّنوا ـ ولعوامل مختلفة ـ أن يمتلكوا تطورًا علميّاً خلال فترةٍ معيّنةٍ واعتَلوا مركب التطوّر وتفوّقوا على غيرهم ـ وهم الدول الغربيّة المتطوّرة التي حصلت على ذلك منذ عصر النهضة بعد أن كان ذلك في أيدينا يومًا من الأيّام ـ هم أناسٌ احتكاريّون، فهم لا يريدون أن تتسع دائرة هذا العلم وهذه القدرة والقوّة، لهذا يعارضون أن تكون الشعوب متعلّمةً،‌ ولاسيّما بعد أن أصبح هذا العلم وسيلةً بأيديهم للسياسة.

إنّ الاستعمار ظهر من العلم، والعلم هو الذي مكّنهم وجعلهم أقوياء،‌ ولهذا جالوا العالم واستعمروه، وإلّا فإنّ الشعوب والأمم كانت تعيش مستقلةً، فأين بريطانيا وأين أندونيسيا؟! إنّهم إنّما استطاعوا أن يحتلوا تلك المناطق بوساطة أداة العلم، حسنًا عندما صار الاستعمار وليدًا للعلم وصارت القوّة الدوليّة والقدرة السياسيّة معتمدةً على العلم، رأت أنّه لا ينبغي لهذا العلم أن يكون بيد الآخرين، وإلّا فإنّه سيهدّد هذه القوّة، وها هم اليوم ما زالوا كما كانوا على هذا المنوال.

الآن، إذا كانت هناك أمّة تريد الوقوف على قدميها وتُصمّم على استخدام طاقاتها، ولحسن الحظّ فإنّ هذه المجالات قد تحقّقت لها بطريقةٍ ما؛ فأمّتنا هي كذلك؛ ولعلّ هناك شعوبًا وأممًا آخرين لو أرادت أمّةً منها أن تقف على أقدامها في قضية العلم لما استطاعت، لأنّها لا تمتلك تلك السابقة التاريخيّة ولا ذاك الاستعداد المحلي والإقليمي والذاتي؛ وبلدنا بحمد الله لديه كل هذه الأمور، كما أنّ الثورة قد حصلت، وبدأ التحرّك العظيم وتحقّقت الصحوة والشعور بالقوّة وبدأت حركة مهمّة أثمرت تطورًا وافرًا، وعلينا أن نُذعن ونعترف بأنّ هذه الحركة ما زالت في بدايتها، وأنّنا في بداية الطريق.

لقد أشار الأصدقاء إلى التخطيط لمئة سنةٍ مقبلةٍ، وبالطبع إنّني لا أعتقد بالتخطيط لمئة سنةٍ، لكنّني أستحسن هذا التفكير وهذه الروحيّة التي نشعر معها بأنّنا ما زلنا نخطو الخطوة الأولى رغم مرور ثلاثين سنة، وإذا أردنا أن نخطو عشر خطوات فهذا يعني ثلاث مئة سنة.

علينا أن نعلم أنّنا في خطواتنا الأولى، ويجب أن نعلم أنّنا نستطيع أن نخطوَ خطواتٍ أكبر، ويجب علينا أن نخلق هذا الشعور، وإنّني لأعتقد بأنّه سيتحقّق حتمًا مثلما حصلت هذه الحركة العلميّة العظيمة وهذه الإبداعات العلميّة وهذا الإنتاج العلمي والعبور إلى حدود العلم لم يكن ليخطر على بالنا، وهاهي قد طُرحت وقيلت وتوبعت وها أنتم ترون ثمراتها اليوم، وبناءً على هذا، بإمكاننا أن نخطو خطواتٍ أكبر وبإمكاننا أن ننجز أعمالًا كبرى[2].


  • [1]– من خطاب سماحته في لقائه بالآلاف من أعضاء التعبئة من طلاب الجامعات في جميع أنحاء الجمهوريّة بتاريخ 21-5-2007م
  • [2]– من خطاب سماحته في لقائه بأساتذة الجامعات بتاريخ 5-9-2010م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟