مواضيع

الملامح المميزة للفرد المجاهد والشخصيّة الجهاديّة

من وجهة نظر الإسلام، الإيمان المجرّد عن العمل هو الحدّ الأقلّ للإيمان،‌ أمّا الإيمان الكامل والحقيقي فهو ذلك الإيمان المصحوب بالجهاد في ميادين العمل، قال تعالى: <وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا>[1]، فالمؤمن الحقيقي هو الذي يزاوج بين الإيمان وبين الجهاد والهجرة والنصرة؛ بهذا يمكن تمييز الشخص التعبوي، أمّا الفكرة الخاطئة والمنحرفة القائلة بالاكتفاء بالإيمان بعيدًا عن العمل والجهاد من أجل التقرب إلى الله، فيُردّ عليها بهذه الآية والكثير من الآيات الأخرى[2].

جاء في الحكمة الثلاثين من نهج البلاغة أنّه: «سُئل(ع) عن الإيمان»، فقال: «الإيمان على أربع دعائم»، والمراد من كونه على أربع دعائم هو أنّه إذا كانت هذه الدعائم متينة ومحكمة كان الإيمان مستقرًا وثابتًا، وأمّا لو كانت متداعيةً أو متزلزلةً، فإنّ الإيمان سيكون متزلزلًا بنفس تزلزل تلك الدعائم، فهو لن يسقط تمامًا، لكنّه سيكون متزلزلًا بنفس النسبة لتزلزل الدعائم؛ ثمّ يُبيّن الإمام(ع) تلك الدعائم الأربع وأنّها: «الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد».

فالدعامة الأولى هي الصبر والاستقامة في المجالات كافة، فلو كان لديكم برنامج محدّد، امضوا عليه واصبروا عليه حتّى نهايته، ولو كان لديكم عملٌ، أتمّوا ذلك العمل، ولو طرأت عليكم مصيبةٌ في الأثناء، فلا ينبغي لتلك المصيبة أن تفتّ من عزائمكم، إذا كان عليكم واجب، فعليكم أن تتحمّلوا من أجل القيام بذلك الواجب، فلا تملّوا وتتوقفوا سريعًا، ولو عرضت لكم معصية فعليكم أن تقاوموا ولا تستسلموا لتلك المعصية، والصمود يختلف باختلاف المواقف والحالات، إلّا أنّ معناه واحدٌ فيها جميعًا؛ لأنّه تلك القوّة الإنسانيّة وتلك الاستقامة والصمود،‌ غاية الأمر أنّها تبرز بنحوٍ مختلفٍ في موطنٍ من المواطن، فهناك الصبر على الطاعة، وهناك الصبر عن المعصية، وهناك الصبر على المصيبة.

الدعامة الثانية للإيمان هي اليقين، وكما ذكرنا فإنّ اليقين هو العلم، فلا ينبغي زعزعة أعمدة اليقين؛ ‌لا ينبغي للشكّ أن يأكل أعمدة اليقين كحشرة الأرضة، بل ينبغي أن يبقى اليقين قائمًا، نعم، لو طرأ على ذهن الإنسان تساؤلٌ بشكلٍ طبيعيٍّ، فلابدّ من السعي للعثور على جوابه حتّى يرتفع الشكّ، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يُشكّك نفسه ويتملّكه الوسواس، ولا أن يقضّ مضجع يقينه ويقين الآخرين، فتتحوّل بعدها اليقينيّات بسبب التردّد إلى مشكوكات.‌

الدعامة الثالثة للإيمان هي العدل، والعدل يعني وضع كلّ شيءٍ في موضعه، فالعدل لغةً هو الحالة الوسطى ومنها أُخذ الاعتدال، يعني: كلّ شيءٍ في موضعه من دون إفراط أو تفريط ومن دون الانحراف يمينًا أو شمالاً، ومن هنا قيل: «العدل هو وضع الشيء في موضعه»، أي لو وضع كلّ شيءٍ في موضعه لحصل ذلك التعادل والتوازن في نظام الطبيعة على أساس العدل والحقّ الذي خلق عليه.

فالعدل ضروريٌّ للإنسان في كلٍّ من تصرّفاته وحكمه ومواقفه وإظهار حبّه وبغضه، قال تعالى: <وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا>[3]، ومن هنا صار العدل دعامة من دعائم الإيمان، فطالما أنّ العدل موجود فالإيمان موجود.

الدعامة -الرابعة- والأخيرة هي الجهاد، والجهاد يعني المواجهة والنضال، فأنت تقول: أنا أقوم بمواجهة ونضال: أواجه مواجهة علميّة، وأواجه مواجهة اجتماعيّة، وأواجه مواجهة سياسيّة، وأواجه مواجهة مسلّحة، فكلّ تلك هي مواجهات، وهي تؤدّي معنى المواجهة، المواجهة -إذاً- تعني بذل الجهد وإفراغ ما في الوسع للتغلّب على عقبةٍ أو عدو، فإذا لم يكن هناك أيّ عقبةٍ أمام الإنسان، فلا وجود للمواجهة والنضال، فحينما يسافر الإنسان على الإسفلت، ويضع رجله على دواسة البنزين، ويكون خزان سيّارته ممتلئًا، فهنا لا يقال لهذا السفر نضالًا ومواجهة،‌ بل النضال والكفاح يكونان عندما تقف عقبةٌ أمام الإنسان، وهذا المانع يُسمّى في عالم البشر عدواً، أمّا في عالم الطبيعة فيُسمّى مانعًا طبيعيًا، هنا عليه أن يواجه هذه الموانع وأن يسعى ويجهد لكي يرفعها، هذه تسمّى مواجهة، هذا هو معنى الجهاد، وبهذا المعنى جاء استعمال لفظ الجهاد في القرآن والسنة، فليس المراد به في كلّ موطن الجهاد بالعمليّات المسلّحة، طبعًا ينطبق على الجهاد المسلّح في بعض المواطن، وينطبق على الجهاد غير المسلّح في مواطن أخرى.

بعد ذلك أخذ أمير المؤمنين(ع) يشرح هذه الكلمات ـ لكنّني لن أتعرّض لهذا الشرح، فهو شرح معنى كلٍّ من الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد، فقال مثلاً في الجهاد: «والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن» ومعنى المواطن هنا هو نفس ما نعبّر عنه باتخاذ الموقف، أي إن الإنسان لابدّ أن يكون صادقًا عند اتخاذ المواقف السياسية والاجتماعيّة، ومن هنا كان الصدق عند اتخاذ المواقف جهادًا في حدّ ذاته، وقوله تعالى: <مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ>[4]، هو بهذا المعنى.

الشعبة الأخرى من شعب الجهاد هي «شنآن الفاسقين»، ومعنى ذلك مفارقة تيّار الفسق والكفر، وأنا أقول هذا الأمر لكم خصوصاً؛ لذا انتهبوا جميعًا لما أقول:‌ عليكم أن تفصلوا أنفسكم عن هذا التيار وعدم مخالطته، أنتم تعرفونني، فنحن مع بعضنا منذ ثماني سنوات، وعلاقتي مع بعضهم تمتدّ إلى وقت أطول بكثير، فأنا وإن كنت لا أرى ضرورةً لقطع العلاقات مع الكفّار، ولكن لابدّ من تحديد الحدود بينكم وبين الكفّار والفسّاق، ينبغي أن تكون الحدود بينكم وبين من لا يقبل بالجمهوريّة الإسلاميّة،‌ فقد تكون هناك ضرورة إلى التعامل مع من لا يؤمن بالجمهورية الإسلاميّة، إلّا أنّ هذا لا يعني الاندكاك فيه وإلغاء الحدود فأنتم أنتم بأصالتكم، وهم هم بعدائهم، وأنا لذلك كنت أعتب دائمًا على بعض المسؤولين في النظام بسبب إلغائهم الحدود، وفي مرّةٍ من المرّات قلت لهم: إنّكم بإلغائكم الحدود جعلتم بعض الأفراد ينتقلون من هذا الطرف إلى ذلك الطرف وبالعكس فينتقلون بين الطرفين دائمًا، وهنا تكمن المشكلة؛ لأنّه يعني نسيان الحدود، لو أنّ هناك بلدًا ليست له حدودٌ واضحة، فلن يكون لها هويّة ووحدة جمعيّة؛ دعوا الحدود واضحة ومتمايزة حتّى يُعلم أين أنتم، وأين هم[5].


  • [1]– الأنفال: ٧٤
  • [2]– من محاضرته في لقائه مع مجموعة من الحرس الثوري بتاريخ 24-10-2010م
  • [3]– المائدة: ٨
  • [4]– الأحزاب: ٢٣
  • [5]– من محاضرة سماحته في لقائه برئيس الجمهوريّة وأعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 10-11-2004م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟