مواضيع

كربلاء قمّة العشق

في الرواية بأن أحدهم سأل الإمام الصادق (ع) عن الله تعالى: هل صدفت وأنت في وسط البحر وتغيرت الأجواء فهبت عاصفة ونزل مطراً شديداً فهاج البحر وتعرضت للأمواج العاتية؟ فقال: بلى، قال له الإمام (ع): هل انقلب بك القارب فصرت في عرض البحر تطلب النجدة؟ قال: بلى، قال الإمام (ع): عندما انقطعت بك السبل عن الدنيا ولكن في داخلك شعوراً أن لا زال هناك قوة تأخذ بيدك نحو النجاة فتعلقت بها بقلبك وأنجتك من الهلاك، هذه القوة هو الله سبحانه وتعالى.

يقول الفيلسوف الكبير آية الله جوادي آملي يُستفاد من هذه الرواية بأن مركز العلاقة مع الله هو القلب، ففي الوقت الذي يتوقف العقل عن التفكير وينقطع كل شيء يظل القلب متصلاً بالله تعالى، فهذه هي الروح والنفس الإنسانية التي تتصل بالله بالفطرة، لذلك البشر على مختلف معتقداتهم في الشداد والصعاب يلجأون بشكلٍ تلقائي إلى الله سبحانه وتعالى ويتضرعون إليه بالدعاء، وقد يكون منشأ ذلك بأن الإنسان يحمل في فكرته روح الإلهية، حيث يقول الله تعالى: <وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي>[1]، فالنفس هي التي تقرب أو تبعد الإنسان من الله وليس العقل، كثيرٌ من الأمور نعرفها بالعقل ولكن النفس تمنعنا من العمل بها، فنحن عقلاً ندرك بأن الذنوب والمعاصي أمرٌ قبيح عقلاً وشرعاً، ولكن نرتكبها لأن النفس الأمارة بالسوء تدفعنا إليها، كما أننا نعلم عقلاً بأننا علينا الإتيان بالعبادات والطاعات وأن نحرص على إقامة الصلاة في أول وقتها بحضور القلب وخشوعه، ولكن النفس الأمارة بالسوء لم تدفعنا لهذه الأمور وهي في حالة إدبار عن طاعات الله، وكذلك نصرة الحق والجهاد ضد الظالمين والطغاة حيث ندرك بالعقل بأننا علينا القيام بذلك ولكن النفس الذي استحوذ عليها حب الدنيا والركون إلى الدعة والراحة تمنعنا من ذلك، لنأخذ مثالاً على ذلك من كربلاء.

عبيدالله بن الحر الجعفي

في الرواية المعروفة حينما كان الإمام الحسين (ع)متوجهاً إلى كربلاء، في الطريق التقى بعبيدالله بن الحر الجعفي وقد نصب له خيمة، فدعاه الإمام (ع) إلى نصرته، فقال للإمام الحسين (ع): «إنا لله وإنا إليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها، والله ما أريد أن أراه ولا يراني»[2]، أي يعني هو هاربٌ حتى لا يلتقي بالحسين (ع)، «لكن فرسي هذه الملحقة، والله ما طلبت عليها شيئاً قطّ إلا لحقته، ولا طلبني وأنا عليها أحد قطّ إلّا سبقته، فخذها فهي لك»[3]، أي عرض على الإمام فرسه دون نفسه، قال له الإمام الحسين (ع): «أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا إلى فرسك»[4]، وقال له الإمام (ع): التفت إلى جواب عبيدالله بن زياد جيداً «يا بن رسول الله إني أعلم بأن الخارج معك والمقتول تحت راية نصر جدك ولكنها نفسي لا تدفعني». أي بأن النفس هي التي دفعت أناس ومنعت آخرين عن نصرة الحسين (ع)، ولكن ما هي الأنفس التي دفعت إلى نصرة الحسين (ع) والحق؟ هي تلك النفوس الغالية العاشقة التي تتجه نحو معشوقها الله؟ج؟.

القلب مكمن العشق

عودة إلى تعليق آية الله جوادي آملي على الرواية التي ذكرناها وتحديداً قوله: مركز العلاقة مع الله هو القلب والعشق محله القلب، إذاً العشق حالة من التفاعل والمحبة والذوبان اتجاه المعشوق وهذه حالة منشأها القلب فنقول قلب العاشق ولا نقول عقل العاشق، الذي يجعل من الإنسان بأن يرتقي إلى مدراج الكمال في علاقته مع الله سبحانه تعالى هو «العشق»، والذي يدفع الإنسان نحو التضحية في سبيل الله هو «العشق»، والعاشق هو مجنونٌ في معشوقه ولا يرى وجوداً سواه ولا يهمه إلا رضاه؛ فيدفعه جنونه بأن ينفني باتجاه معشوقه وهذا ما فعله الحسين (ع) وهو القائل:

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكاوأيتمـتُ الـعيالَ لكي أراكـا
فلـو قطّعتَــني بالحـبّ إربــاًلَـما مـال الفؤادُ إلى سواكا

ففؤاد الحسين (ع) هو العشق والجنون للوصول إلى المعشوق دفعه بترك الدنيا وما فيها وترك جسده الطاهر للسيوف، فمنطق العشق هو منطق «الجنون».

منطق العشق والجنون

الاستخدام الشائع لمنطق الجنون هو الاستخدام السلبي ولكن في علم العرفان وعند العرفاء فله منطق إيجابي.

العشق هو الجنون والعاشق مجنونٌ لمعشوقه، ودائماً منطق العشق وفقاً للمعادلات والمقاييس المادية يخالفه ما يسمى بالعقلنة والحكمة المبنية على الحسابات المادية.

فالمقولة العرفانية لسيدتنا زينب(عليها السلام) التي خرجت من مدرسة عرفان الإمام علي وفاطمة الزهراء (عليهم السلام) «ما رأيت إلا جميلاً»، فأي جميلٍ في أن يرى الإنسان أهل بيته وأخوانه وأبنائه مقطّعين إرباً إرباً، وفقاً للمنطق المادي والحسابات المادية هذه فاجعة وكارثة ولكن السيدة زينب(عليها السلام) العارفة العاشقة ترى بأن كل شيءٍ «جميل» في سبيل معشوقها وهو الله سبحانه وتعالى.

العقلاء الماديون يعبرون عن هذه المقولة وهذا الموقف بـ«الجنون»، والعرفاء والعشاق أيضاً يعدّون هذا الموقف «جنوناً»، ولكن شتّان بين ما يعنيه العقلاء والماديون وما يعنيه العرفاء العشاق من لفظ كلمة «جنون»، فالماديون يرونها بأنها معيباً وخلافاً للعقل، والعرفاء يرونها بأنها أمراً حسناً وهي قمّة العشق.

منطق الحسين (ع) والانتصارات

منطق الجنون هو منطق الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته (عليهم السلام)، وهو المنطق الذي حقق الانتصارات في زماننا هذا، ما فعله الحسين (ع) وفقاً للحسابات المادية والعقلائية يعدّ جنوناً بل تهلكة، فلذلك فإن أصحاب العقل والمصلحة نصحوا الحسين (ع) بعدم الخروج والمواجهة، والأسباب التي ذكروها وقراءتهم للمجريات كانت صحيحة، والحسين (ع) ليس أخف منهم عقلاً ولم تكن غائبة عنه ما قدمه أولئك من الأسباب والقراءة السياسية آنذاك، ولكن ليس هذا منطق الحسين (ع) في خروجه، منطق العقل والمصلحة هو منطق السياسيين، أما الحسين (ع) هو ثائرٌ وعاشقٌ والثورة منطقها «الجنون».

السيد القائد الخامنئي «أنا ثوري»

عندما ارتفعت لبعض أصحاب العقلنة والسياسية الذين يبنون مواقفهم بقدر مصالحهم وليست المبادئ في داخل الجمهورية الإسلامية، يعاتبون السيد القائد الخامنئي على خطابه القاسي بخصوص الشيطان الأكبر أمريكا قائلين: «بأن هذه الخطابات لم تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية»، فالسيد القائد الخامنئي أجابهم ورد على منطقهم المادي حيث قال: «أنا ثوري ولست دبلوماسي، أقول ما عندي بكل صراحةٍ وصدق»[5]، نعم هناك فارقٌ كبير بين الثوري والسياسي ومنطق كل واحدٍ منهما، وأبرز مثال في هذا الخصوص في أيامنا هذا هو موقف رئيس الزوراء العراقي حيدر العبادي حينما قال: «لم نجازف بمصالح شعبنا من أجل إيران»، شعبٌ مؤمنٌ محاصرٌ أوجد كل أوجه الدعم للعراق والأهم من ذلك كله هو أن إيران هي الدولة الشيعية الوحيدة القائمة في العراق، ولكن هذا هو منطق السياسة والسياسيين، المنطق الأقرب إلى خذلان الحق من نصرته، القائم على المصالح المادية وليس التكليف الشرعي، وفي المقابل هناك الحشد الشعبي الذي يتخد الحسين (ع) إماماً ويسير على نهجه فينطلق في موقفه من التكليف الشرعي ونصرة الحق وليس وفقاً للمصالح المادية، وهذا هو الفرق بين الثوري والسياسي، لذلك لو كان أبناء الحشد الشعبي في زمن الحسين (ع) لنصروه، وحيدر العبادي ومن على شاكلته لنصحوه لعدم تعريض نفسه إلى الخطر والتاريخ يعيد نفسه.

الحسين الثائر (ع)

ثار الحسين (ع) بمنطق العشق والجنون وحقق انتصاراً تاريخياً خالداً وفق معادلة «انتصار الدم على السيف» ورسم نهجاً جديداً للأحرار والمستضعفين في كل زمانٍ ومكان في مواجهتهم ضد الطواغيت والمستكبرين، فمن اقتدى بمنهج الحسين (ع) فالنصر حليفه، وهذا هو المنطق الوحيد الذي حقق الانتصار في كربلاء وإلى زماننا هذا.

الإمام الخميني العظيم (رضوان الله عليه)

في زمن المعادلات المادية جاء حفيد الحسين وخريج مدرسة عاشوراء والذي عرف الحسين (ع) حق المعرفة وضرب بالمعادلات المادية عرض الحائط وثار على خطى جده الحسين (ع) عاملاً بالتكليف الشرعي، ودافعه كان عشقه للإسلام العزيز حتى قيل بأن أكثر كلمة قد رددها في خطاباته هي: «الإسلام العزيز»، ويقول العارف شيخ بهجت(رحمه الله): «لكل إنسانٍ اسمٌ في عالم البرزخ واسم الإمام الخميني الذي ناله في ذلك العالم هو الإسلام».

بنهج الحسين (ع) وبمنطق العشق والجنون ثار على عرش الطاغوت الذي كان يمتد عمره لألف وخمسمائة عام، فكان أصحاب العقل والحكمة المادية أولئك الذين كانوا يتظاهرون بلباس الدين يستنكرون على فعله بل حاربوه بحجة أن فعله هذا سيجر على الطائفة بالويلات ورموه بالجنون والوقحين منهم بالخرف، وكانوا يقولون بمنطقهم المادي بأنه يريد أن يزيل رابع أقوى قوة في المنطقة آنذاك بعمامته وعباءته وسبحته، نعم الخميني (رضوان الله عليه) الثائر العاشق بعمامته المحمدية وعباءته الحسينية وسبحته المهدوية أزال عرش الطاغوت وبانتصاره هذا فتح الطريق إلى الانتصارات المتلاحقة التي نعيشها اليوم، كل هذه الانتصارات ببركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي جعلت من الشيعة أعزاء يؤثرون في المعادلات العالمية، وعندما حقق هذا الانتصار العظيم كشف عن السر وقال: «كل ما لدينا من عاشوراء».

حزب الله المظفر

في المنطق المادي لا يمكن لثلة قليلة أن تقاوم أقوى جيوش المنطقة فضلاً في أن ينتصر عليه وعلى حد زعم وقول أحد كبار علماء الشيعة آنذاك عندما تم مناقشة خيار المقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاصب قال: «العين لا تقاوم بالمخرز»، ولكن بالمنطق العاشورائي وتحت قيادة حسين هذا الزمان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) ومن بعده الإمام الخامنئي وبمعادلة انتصار الدم على السيف، وبمنطق العشق والجنون، وبدافع ثقافة الاستشهاد حققت القلة القليلة انتصاراً ساحقاً، ودمرت الصهيونيين وغيرت المعادلات الإقليمية، وفي خطابٍ لسماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله حفظه الله عن العمليات الاستشهادية موجهاً حديثه إلى الصهاينة المستنكرين الذين يقولون كيف يمكن لشاب أن يقوم بتفجير نفسه والقيام بعملية استشهادية قال: «لا يمكنني أن أشرح لكم ذلك، ليس عجزاً مني، وإنما أنتم لا تستطيعون استيعاب ذلك لأنكم لا تعرفون الشهادة ولا يمكنكم إدراك ذلك» نعم إذا كان بعض الشيعة لا يستطيعون إدراك منطق العشق والجنون فما بالك بالصهاينة، وحدهم العاشورائيين الكربلائيين الحقيقيين يعرفون معنى وعظمة الشهادة، فالشهادة سلاح العشاق والمجانين للوصول إلى معشوقهم والذوبان فيه.

نقطة لا بد من الإشارة إليه

الإنسان كلما كبر كلما ركن إلى الدنيا والدعة والراحة ويصعب عليه اتخاذ القرار بسرعة وشجاعة والسبب في ذلك هي التجارب المادية التي مرت عليه في حياته، فيصبح مقيداً بالحسابات المادية أكثر كما خوفه من تداعيات اتخاذ قراره عليه أكثر، ويعتبرون ذلك من الحكمة والعقلنة، وفي المقابل الشباب أكثر اندفاعاً وشجاعةً في اتخاذات قرارهم، وفطرتهم السليمة التي لم تلوثها الماديات، وتعشق الكمال الذي يتمثل في الله الكمال المطلق(عز وجل) وتدفعه الوصول إلى المعشوق، والشباب الذين يُحاربون من قِبل أصحاب الحكمة والذين يسمونهم بالطيش وعدم الحكمة هم الذين يغيرون مجرى التاريخ ويصنعون المستحيل، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز عندما يتحدث عن تحطيم الأصنام من قبل النبي إبراهيم (ع): <قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ>[6]، ويقول عن أصحاب الكهف: <إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى>[7]، وجبرائيل عندما نزل في غزوة أحد بسيف ذو الفقار قال «لا فتى إلا على ولا سيف إلا ذو الفقار»، نعم إنهم الفتية الذين امتدحهم الله تعالى ويحققون الانتصارات، وبنظرة سريعة إلى الشهداء في جميع الثورات، نجد أغلبيتهم الساحقة هم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-25 عاماً، ويقول السيد الإمام الخميني (رضوان الله عليه) عن هؤلاء الشهداء: «مسيرة المئة عام قد طووه في ليلة»، أي الوقت الذي يستغرقه العلماء والعرفاء للوصول إلى الله، لكن الشهداء قاموا بطيّه في ليلة وقد وصلوا إلى المقصد والهدف، فإذاً أيهما أعظم الحكمة العقلية أم العشق القلبي؟

الحسين صاحب الوجه المشرق

لنقف الآن مع مواقف أولئك الذين أسسوا منطق العشق والجنون وقدموا في هذا الطريق أروع الأمثلة للذوبان في المعشوق، أما إمامهم ومقتداهم الحسين (ع) فقد قيل في حقه في اليوم العاشر من محرم «كلما اشتد عليه البلاء ازداد وجهه إشراقاً»، أصحاب المنطق المادي يجزعون في البلاء ولكن الحسين العاشق (ع) يجد في البلاء لذة؛ لأنه يقربه من معشوقه الله سبحانه وتعالى، فكلما اشتد عليه البلاء اقترب من الوصول للمعشوق لذلك كلما ازداد البلاء ازداد وجهه إشراقاً وقلبه استبشاراً ونفسه اطمئناناً لأن لقاء المعشوق صار قريباً وهذا هو قمة الوصال وغاية المنى.

أصحاب الحسين (عليهم السلام)

أما أصحاب الحسين (عليهم السلام) فقد قال عنهم الإمام الباقر (ع): «أصحاب جدي الحسين (ع) لم يذوقوا أبداً مسّ الحديد»، أي أنهم لم يشعروا بضربات السيف وطعنات الرمح التي نالت منهم وهذا أمرٌ طبيعيٌ جداً، فإلى النسوة، أين الشعاع من نور الله المتمثل في يوسف فقطعن أيديهن ولم يشعرن بذلك فما بالك إلى أصحاب الحسين (عليهم السلام) الذين رأوا نور الله كله بل مظهر الله على الأرض وهو الحسين بن علي (ع) فذابوا عشقاً في الجمال الإلهي فهل يشعرون بضربات السيف وطعنات الرمح؟ وهم أساساً هل كانوا يشعرون بوجود شيء غير الحسين (ع)؟ فقد ذابوا بكامل وجودهم في وجودٍ واحدٍ اسمه الحسين (ع) وانعكس ذلك في أقوالهم وأفعالهم، فها هو سيد الأنصار حبيب (ع) في ليلة العاشر يريه الحسين (ع) مكانه في الجنة فيبكي ويسأل الحسين (ع): «هل أنا معك في الجنة؟» فما قيمة الجنة من غير الحسين (ع)؟

وها هو مسلم بن عوسجة يقول للحسين (ع): «والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ثمّ أُحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً»[8]، فهل لعاشقٍ مثل مسلم أن يشعر بحرارة السيف في سبيل الدفاع عن الحسين؟

وها هم الأخوان الغفاريان يستأذنان القتال وهما يبكيان، فقال الحسين (ع): لِمَ البكاء؟ وأني لأرجو أن تكونا أمامي في الجنة. فقالوا: ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي لأننا لا نملك إلا أرواحنا للدفاع عنك وعن حريمك.

ومن مثل هؤلاء؟ يشعرون بأنهم أمراء وهم يسترخصون أرواحهم للدفاع عن معشوقهم الحسين (ع)، لذلك يقول عنهم الحسين (ع): «أما والله إني لا أرى أصحاباً خيرٌ من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً» نلاحظ بأن الإمام قد أقسم بالله أولاً، وهو الإمام المعصوم، القرآن الناطق الذي لديه علم الأولين والآخرين، أي معنى حديثه بأنه لا يوجد أشخاص خيرٌ من أصحابي في الأولين والآخرين.

قمة العشق والجنون

موقفٌ لا يمكن لأصحاب المنطق المادي تبريره ولا لأصحاب العقلنة والمصلحة تفسيره بل حتى فهمه وإدراكه، لم يفهم هذا الموقف إلا أصحاب العشق والجنون بل قمة العشق والجنون، العباس (ع) يصل إلى المشرعة ويشعر ببرودة الماء ولم يشرب الماء وفاءً لمعشوقه الحسين وأطفاله (عليهم السلام)، بالمنطق المادي فإن على العباس (ع) أن يشرب الماء ويروي عطشه لكي يتقوى ويعود إلى القتال، فما فعله العباس يعتبر جنوناً ويفتقد للحكمة وهذا قرارٌ عاطفي يخالف العقلنة، أما وفقاً لعاشقٍ كالعباس (ع) الذي لا تديره الحسابات المادية فيسجل موقفاً لكي يتعظ به التاريخ ويكون محل تأمل للذين يقولون بأن هذا جنوناً، فأراد العباس (ع) بأن يكون هو على رأسه، فهو الذي ذاب عشقاً في سيده الحسين (ع) وهل العشق إلا الجنون؟

كربلاء القمة

كربلاء أُريد لها أن تكون القمة في كل شيء، قمة في المحاسن الأخلاقية والروحية والمعنوية.

الحسين (ع) قمةٌ في الرضا .. «خذ حتى ترضى»

زينب(عليها السلام) قمةٌ في العرفان .. «ما رأيتُ إلا جميلاً»

العباس (ع) قمةٌ في الوفاء .. ينزل المشرعة ولا يشرب الماء

الأكبر (ع) قمةٌ في التسليم .. «أو لسنا على الحق إذا لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا»

القاسم (ع) قمةٌ في الوعي .. «كيف ترى الموت؟ أحلى من العسل»

حبيب (ع) قمةٌ في الذوبان .. الحسين (ع) يريه مكانه في الجنة وهو يسأل الحسين (ع) غير مبالٍ بما رأى: «هل أنا معك في الجنة؟»

عابس (ع) قمةٌ في الجنون .. «حب الحسين أجنني»

مسلم (ع) قمةٌ في الفداء .. «والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ثمّ أُحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك»

الأصحاب (عليهم السلام) قمةٌ في العشق .. عن الباقر (ع): «أصحاب جدي الحسين (ع) لم يذوقوا أبداً مسّ الحديد»

قمةٌ في الخير والبر .. عن الإمام الحسين (ع): «أما والله إني لا أرى أصحاباً خيرٌ من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي»

قمة القمم كربلاء وكفى ..

للتأمل

يقول سماحة السيد هادي المدرسي: لا يُقاس الحسين (ع) بالزوار بل بالأنبياء ولا تقاس كربلاء بالمدن بل بالسماوات ولا تقاس عاشوراء بحوادث الدهر بل بمنعطفات الكون.


  • [1] الحجر: 29
  • [2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 44، صفحة 379
  • [3] الأخبار الطوال، أبو حنيفة الدينوري، صفحة 250
  • [4] نفس المصدر
  • [5] خطاب سماحته بتاريخ 7-2-2013 مع لقائه مع جمع من أعضاء القوة الجوية للجيش الإيراني
  • [6] الأنبياء: 60
  • [7] الكهف: 13
  • [8] الإرشاد، الشيخ المفيد، جزء 2،صفحة 92
المصدر
كتاب يسألونك عن عاشوراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟