مواضيع

تمسك الأمة بالدعوة إلى دين الله

أن تتمسك الأمة الإسلامية بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ونشر الرسالة الإلهية وتطبيق الشريعة والعمل بها في جميع الشؤون الخاصة والعامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل الخيرات والأعمال الصالحة التي تصب في مصلحة الإنسانية وتطوّرها المعرفي والتربوي والحضاري، قول الله تعالى: <كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه>[1]، أي: أنتم يا معشر المسلمين، أولكم وآخركم، خير أمّة أخرجت للناس وعرفتها البشرية، وهيّأت وعبّأت لخدمة المجتمع والإنسان ومنفعة الناس، وذلك لأسباب عديدة، منها:

  1. لكونكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتُضَحّون بأنفسكم وما تملكون من أجل حفظ الرسالة ومصالح الأمة والبشرية والمجتمع الإنساني إيماناً منكم بالله ذي الجلال والإكرام وتصديقاً له وعملاً بمقتضى إيمانكم، وإظهاراً للحق والعدل والخير والفضيلة والدين الإلهي الحق، وتعملون لخير المجتمع الإنساني ومصلحته وإيصاله لكماله المعرفي والتربوي والحضاري وسعادته قدر ماتستطيعون، وإعطاء كل ذي حقٍ حقه من الشعوب والأفراد، وإفساح المجال أمام أصحاب الكفاءات والقدرات والمواهب والنيّات الخيرة، ليحتلّوا مواقعهم المناسبة لخدمة الشعب والأمة البشرية على أساس الحق والعدل، وذلك كله بدافع الرحمة والشفقة على الناس.
  2. لتكميلكم أنفسكم بعقيدة التوحيد والمعارف الحقة والعلوم النافعة الطبيعية والإنسانية، والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والإيمان بالله سبحانه وتعالى إيماناً صحيحاً على الوجه الحق، وتعتصمون بالله (عز وجل) وتثقون به وتتوكلون عليه وتعملون بمقتضى إيمانكم ومعارفكم الحقة وما اكتسبتم من العلوم النافعة، وتتحمّلون المسؤوليات الرسالية الجسيمة والتكاليف الشرعية في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدين الإلهي الحق ونشره بالحكمة والموعظة الحسنة، وبكل الوسائل المشروعة المناسبة المتاحة لكم والعمل به وتطبيقه وتحكيمه في جميع الشؤون الخاصة والعامة، متفقون مُتّحدون فكرياً وروحياً وعملياً، متوادّون ومتحابّون ومتعاطفون ومتعاونون مع بعضكم البعض على البرّ والتقوى والإحسان وعمل الخيرات والصالحات للأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم في المجتمع الإنساني العالمي على وجه الأرض بسبب ما يجمعكم من أمر الدين والإيمان والمصير الواحد المشترك بينكم، كأنكم نفس واحدة، مما يكشف عن حقيقة الدين الإلهي الذي صنعكم وأهّلكم وأبعاده المعرفية والتربوية والحضارية، ويكشف عن حقيقتكم أنتم وعن خصالكم وصفاتكم وأعمالكم الصالحة النافعة للإنسانية، ويمهّد الطريق أمامكم لقيادة البشرية وهدايتها إلى الإيمان والدين الإلهي الحق، وإلى طريق الرشاد والصواب، وما فيه كمالها المعرفي والتربوي والحضاري، وخيرها ومصالحها الجوهرية وسعادتها في الدارين الدنيا والآخرة، وإخراجها من ظلمات الجهالة والكفر والسفاهة والحمق إلى نور المعرفة والإيمان والرشد والحكمة النظرية والعملية.

وأنتم بهذه الصفات الجميلة والخصال الحميدة والأعمال الصالحة، قد استحقّيتم الخيرية والفضل على سائر الأمم، وهي صفات وخصال وأعمال سوف تبقى في طائفة منكم أبداً، ولن تنقطع فيكم ما دامت الحياة الإنسانية على وجه الأرض، ومن يهمل هذه الصفات والخصال والأعمال الصالحة ويتركها منكم فإنها تزول عنه الخيرية والفضل وحقيقة كونه في خدمة البشرية وصلاحها ومصلحتها، ويكون حاله كسائر أحوال الأمم الضالة والجاهلة، بل يكون في الحقيقة أسوء حالاً منهم؛ لأنه وصل إليه من الهدى ما لم يصلهم، لكنه فرّط فيه وضيّعه ولم يكترث ولم يهتم به، يقول العلّامة الشيخ محمد رشيد رضا: «إنّ هذه الأمة ما فتئت خير أمة أُخرجت للناس حتى تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما تركتهما رغبة عنها أو تهاوناً بأمر الله تعالى بإقامتها، بل مكرهة باستبداد الملوك والأمراء من بني أمية ومن سار على طريقتهم ممن بعدهم»[2]، نعم، لقد جاء هؤلاء بأنظمة دكتاتورية منحرفة عن الدين الإلهي الحق، وبحكومات مستبدة ظالمة مفسدة، وفصلوا الدين عن واقع الحياة وعطلّوا الأحكام، ونشروا الظلم والجور والفساد، وأضعفوا الأمة وضيّعوا قدراتها ومقدّراتها، وألحقوها بالتبعية للأجنبي.

وقيل: قوله تعالى: <وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه>[3] أنه جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيماناً بالله سبحانه وتعالى؛ لأنّ من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو نحو ذلك وكفر ببعض فلا يعتدّ بإيمانه، وكأنه كفر بالله ولم يؤمن به.

وقيل: قدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله، في قوله: <تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه>[4] يدلّ على أهمية الفريضتين في انتشار الإيمان وتعميق جذوره في النفوس وتنفيذ القوانين الشرعية، وأن تعطيلهما يؤدي إلى ضعف الإيمان في النفوس، ويساعد على تعطيل القوانين الإلهية، وأنهما من مقتضيات حقيقة الإيمان وصدقه وكماله، وأنّ الإخلال بهما إخلال بالإيمان.

وقول الله تعالى: <وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ>[5]، أي: أنّ المؤمنين والمؤمنات جميعاً بعضهم أولياء بعض، ينتمون لدين إلهي واحد، ويحملون متحدين متضامنين متحابين رسالة إلهية خالدة، ويتناصرون فيما بينهم على الحق والعدل والخير والفضيلة والمصلحة العامة للأمة والمجتمع الإنساني، فمن لم ينصر إخوانه المؤمنين على الحق والعدل والخير والفضيلة والمصلحة العامة طمعاً في الدنيا أو خوفاً من الشدة والموت وبخلاً بالتضحيات، فقد خالف حقيقة الإيمان ومقتضى الولاية الإيمانية بين المؤمنين، ويأمرون بالمعروف وهو اسم جامع لكل ما عرف حسنه بالعقل والشرع من المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، وينهون عن المنكر وهو اسم جامع لكل ما خالف المعروف وينكره العقل والشرع من المعارف الباطلة والأفكار الهدّامة والأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة، وأنهم يفعلون ذلك لصلاح مجتمعهم وأحوالهم الفردية والمجتمعية، ولصلاح المجتمع الإنساني العالمي، ويؤدّون الصلاة بصورة صحيحة كاملة تتحقق بها حكمتها وآثارها في الفكر والشعور والسلوك والمواقف والعلاقات، قول الله تعالى: <إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ>[6]، ويؤدّون جميع الطاعات والعبادات التي فرضها الله (ج) عليهم، ويؤتون الزكاة ولا يبخلون بأموالهم في سبيل الله (عز وجل)، ويؤدّون جميع ما عليهم من الحقوق والمسؤوليات الاجتماعية، فتتكامل الولاية الإيمانية مادة وروحاً بالعبادات الشرعية والواجبات الاجتماعية، ويطيعون الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (ص) بتطبيق الشريعة الإلهية المقدسة والأحكام الولائية للحكومة الإسلامية في كل صغيرة وكبيرة، في الشؤون الخاصة والعامة في الحياة، ويستمرون على هذه الطاعة مهما كانت النتائج، ويصبرون على المصاعب والمحن والابتلاءات ويضحون في سبيل ما يؤمنون به ويطلبونه بحق في الحياة، وفي ذلك كله تتجسد حقيقة التوحيد وكمال الإيمان، وعليه: فالدين الإلهي الحق يقوم على العلم والعمل معاً، ولا دين ولا إيمان حقيقي صادق وكامل بدون العلم أو بدون العمل، وأنّ المتصفين بتلك الصفات العالمية المذكورة والمزايا الكاملة والسجايا الطيبة سيرحمهم الله تبارك وتعالى حتماً ولا محالة، بإنجاز ما وعدهم به وشملهم ببره وإحسانه في الدنيا بالاطمئنان الروحي والعقلي، وبالعصمة من الوقوع في الفتن، وفي الآخرة بالمغفرة والرضوان والجنة؛ لأن الله (عز وجل) قوي عزيز غالب على كل شيء، ولا يمتنع منه شيء يريده، فهو قادر على الرحمة والعذاب، وعلى إعزاز المؤمنين ونصرتهم، وإذلال الكافرين والمنافقين وهزيمتهم وإهلاكهم، وهو حكيم يضع كل شيء في موضعه اللائق به، وينزله في منزله الذي يستحقه على أساس العدل والمصلحة الحقيقية للعباد، ويحكم ما يريد فلا اختلال ولا وهن ولا ضعف ولا لغو ولا جزاف ولا لعب في أعماله وأفعاله سبحانه وتعالى.


  •  آل عمران: 110-[1]
  •  تفسير المنار، الشيخ محمد رشيد رضا، جزء 4، صفحة 54-[2]
  •  آل عمران: 110-[3]
  •  نفس المصدر-[4]
  •  التوبة: 71-[5]
  •  العنكبوت: 45-[6]
المصدر
رسول الرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟