هذه من ضمن المزاعم عن الحرب
من الرّاسخ في أذهان النّاس -وقد أظهر البعض ذلك في الأفلام- أنّ كتيبةً كانت تتنافس خلف حقل ألغامٍ لترمي نفسها على الأرض وتستشهد! لو كان لدى المرء فهمٌ للحرب ومعرفةٌ جيّدةٌ بها، فإنّه يعلم أنّ مثل هذا الشّيء ليس حقيقيّاً، لأنّ شخصاً واحداً يكفي لفتح ممرّ. في الأساس، كيف يمكن أن يحصل هكذا شيءٌ في الحرب؟!
هذه من ضمن المزاعم عن الحرب؛ وبمجرّد أننا نعتقد بأن هذه الأمور تدل على الشّجاعة، فإنّنا نعظّم الكذبة لدرجة أن النّتيجة تصبح عكسيّة.
لم يكن لدينا في الحرب شيءٌ من هذا القبيل على الإطلاق، لكنّ شبابنا كانوا يفتحون الطّريق عبر عمليات هندسية يقومون فيها بمبادرات شخصية. برأيي، هذه المزاعم تؤدّي إلى التّساؤل وطرح علامات استفهامٍ حول مبادرات وجهاد الأخوة الّذين ضحّوا بأرواحهم خلال الحرب.
على سبيل المثال، من صفات الحاج علي محمّدى بور في الكتيبة 412 أنّه كان دقيقاً في تفاصيل العمل. مثلاً، لم يكن من الممكن ألّا يتفقّد بنفسه الممرّ الّذي كان من المفترض أن تعبره كتيبته ليلاً من أجل العمليّات. كان من المستحيل لديه السيّر في عمليّةٍ دون التّحقّق من الممرّ.
يعني أنّه كان يذهب حتّى نهاية الطّريق الّتي نسمح له بها -بحيث كان من الممكن أسره وكشفه لو ذهب أبعد من ذلك- ويتحقّق من الممرّ. كان يذهب عدّة مرّات برفقة قادة السّرايا للتأكّد من الطّريق، حتّى قبل أن تراها الكتيبة. كما كان يتفحّص المكان خطوةً بخطوةٍ؛ في أيّ نقطةٍ ينبغي أن تتّحرك الكتيبة ببطء، وأين تمكث، وأين لا تتكلّم، وأين تنام، وكيف ينبغي أن تدخل، وأين يجب أن تواجه الكمين وتردّ عليه. كان يخطّط لمواجهة كلّ سلاحٍ يقابله وينزع فتيل الألغام الأماميّة، حتّى أنّه كان يحصي عدد الألغام، مثلاً كم يوجد في المكان من ألغام الخنفساء، وألغام وولمر، والألغام المضادّة للمركبات، ثمّ يرسم خريطةً، ويدخل إلى ساحة العمليّة.[1]
- [1] من ذكريات الحاج قاسم سليماني عن الجنرال الشّهيد علي محمّدي بور.
تعليق واحد