مواضيع

المكسيك؛ أوّل الأهداف التجريبيّة

جدول المحتويات

تذكرون أنّنا قلنا بأنّ أمريكا شعرت بوجود عبئ رسالة تاريخيّة وعظيمة تجاه البشريّة على عاتقها، والذي كان عبارة عن إنتاج الحضارة، حقوق الإنسان والديمقراطيّة وتصنيعها ونشرها بكميّات كبيرة. من الطبيعي أن مثل هذا الحجم الضخم من الإنتاج، كان يفوق حاجة سكّان أمريكا بشكل كبير، وكما لاحظتم، نال الهنود الحُمر وذوو البشرات السمراء وأكثر من 90 بالمئة من المواطنين الأمريكيّين حصّة من هذه المنتجات.

لهذا السبب بدأ حكام الولايات المتحدة الأمريكيّة يفكرون منذ أواسط القرن التاسع عشر بتصدير الديمقراطيّة وحقوق الإنسان الإضافيّة لديهم إلى سائر الدول والمناطق حول العالم، لكي ينهضوا برسالتهم التاريخيّة حيال البشرية من جهة، ويتخلّصوا من جهة أخرى من فائض الحضارة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان و… المتوفّر لديهم، لأنّ بقائه في أمريكا كان سيسبب العديد من المشاكل لبلد مثل أمريكا!

المكسيك (جارة الولايات المتحدة الأمريكيّة الجنوبية) كانت أوّل دولة تذوق طعم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان المصدّرة من أمريكا. طبعاً، كانت المشكلة تكمن في أنّ المكسيكيّين لم يكونوا ملتفتين إلى أهميّة وضرورة استيراد الديمقراطيّة وحقوق الإنسان من جارتهم المتحضّرة في الشمال، وكان حكّام أمريكا مجبرين على تصدير كميّة من منتجاتهم الحضاريّة إلى المكسيك بقوّة السلاح وإشعال الحرب.

كانت الحقيقة أنّ مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكيّة كانوا يخجلون من مجاورة بلد مثل المكسيك! لأنّ المكسيكيّين لم يكونوا قد تذوّقوا طعم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، ولكي يعوّضوا هذا النقص، دخلوا عام 1847 في حرب مع المكسيك. يصف أحد الملازمين في القوات البريّة الأمريكيّة في رسالة له حول مراحل تدريب الشعب المكسيكي على حقوق الإنسان والحريّة التي أقامها الجيش الأمريكي بالنحو التالي: «أمرنا الجنرال لين أن نفعل ما بوسعنا، كان جنودنا يهاجمون المسكيكيّين بعد أن يسكروا جرّاء شرب المشروبات الكحوليّة. لقد كانوا يُعرّون نساء وفتيات المكسيك ويعتدون عليهنّ ويجمعون رجالهم ويرشقونهم بالرصاص جماعيّاً.

ونهبوا بيوت النّاس والكنائس وكلّ ما وصلت إليه أيديهم. كانت أجساد الناس مكدّسة فوق بعضها البعض! أدّت هذه الحادثة إلى أن أخجل من كوني أمريكيّاً.»[1] طبعاً، هذا الضابط الشابّ والخجول تواضع في كلامه! وإلا فلا داعي لأن يخجل أحدٌ من تصدير الديمقراطيّة!

على كلّ حال، استسلم المكسيكيّون بعد عام، وأعربوا عن استعدادهم تسليم ولايتي نيومكسيكو وكاليفورنيا للولايات المتحدة تقديراً لجهود الأمريكيّين. كتب مجلّة اينتليجنسر[2] الأمريكيّة في هذا الخصوص: «الشكر لله أنّنا نحن الأمريكيّين لا نأخذ أيّ شيء بالقوّة!»[3] فمقابل كلّ تلك المنتجات الحضاريّة القيّمة التي تمّ تصديرها إلى المكسيك، لم يكن ضمّ ولايتي كاليفورنيا ونيومكسيكو إلى أمريكا بشيء يُذكر.

طبعاً، أثبت مرور الوقت أنّ الأمور كانت تحتاج إلى تثبيت وترسيخ، فقام الأمريكيّون مرّة أخرى عام 1914 بتوجيه سفنهم الحربيّة إلى سواحل المكسيك لكي يطمئنّوا لتطبيق حقوق الإنسان وانتشار الحريّة في المكسيك، وطبعاً، كان احتلال بعض سواحل المكسيك وقتل المئات منهم ثمناً بخساً دفعه المكسيكيّون مقابل هذه الخدمة العظيمة![4]

اجتازت أمريكا ببسطها الديمقراطيّة في المكسيك أوّل اختبار تاريخيّ لها مرفوعة الرأس، واكتسبت التجارب الضروريّة لنشرها الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في جهات العالم الأربعة. وقد كانت تقنيّة تصدير المنتجات الحضاريّة الأمريكيّة إلى المكسيك مؤثّرة وسريعة لدرجة أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة سجّلتها باسمها وأعلنتها أسلوبها الدائم في نقل الحريّة، حقوق الإنسان والديمقراطيّة إلى المناطق في العالم التي تحتاج بشدّة إلى هذه المنتجات.


[1] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 225.

[2] Intelligencer

[3] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 227.

[4] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 471.

المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟