مواضيع

برنامج الرسالة الربانية

<وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ 104 حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيل>

خاطب نبي الله الكريم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) فرعون، الذي أضفى على نفسه صفة الألوهية بغير حق، وزعم كذباً وزوراً أنه رب الأرض ومن عليها، وله ملك مصر وما فيها من الأنهار تجري بإرادته وتحت سلطته، وعليه يتوقف كل شيء في البلاد، وقد طغى وتجبر وأفسد في الأرض، وسفك الدماء المحرمة بغير حقها.

وأفهم موسى الكليم (عليه السلام) فرعون الطاغية وملأه، القسم الأول من الرسالة، وهو أنه رسول من موجود عظيم هو رب العالمين، الذي هو واجب الوجود ورب الأرباب، أي: مربي جميع الموجودات، والقائم على تدبير جميع العالم الأرضي والسماوي، أو العلوي والسفلي، بأنواع التدابير، ومن جملة التدابير أنه لا يترك الإنسان الذي هو أفضل الموجودات سدى، بل يرسل إلى الناس الرسل مبشرين ومنذرين لهدايتهم إلى الرشاد والدين الحق الذي فيه خيرهم وصلاحهم وكمالهم، وسعادتهم الحقيقية الفعلية في الدارين الدنيا والآخرة، ويعلمونهم ما يوافق استعداداتهم الذهنية من العقائد والمفاهيم والمعارف الإلهية الحقة، ويأتونهم من عند الله (عز وجل) بكل ما يلبي احتياجاتهم العصرية من التشريعات والقوانين لتنظيم حياتهم الخاصة والعامة، وما يهذب أنفسهم ويزكيهم من المواعظ والإرشادات والعبر والأعمال الصالحة ونحو ذلك. ولا يقدر أحد أن يتجرأ عليه ويدّعي كذباً بأنه أرسله ولم يرسله، ثم يأتي بما لا يشك أحد بحكم العقل والفطرة والطبع السليم في صدقه، وأنه قد اختاره واصطفاه لرسالته، وأرسله إليهم لكي يبلغهم رسالته، ويقيم عليهم الحجة البالغة التامة في ذلك. ومن كان مرسلاً من جهة من كان هذا شأنه، فالواجب عليهم بحكم العقل والمنطق والفطرة والطبع الإنساني السليم، أن يقبلوا منه ويخضعوا وينقادوا ويسلموا له ويعلموا بمقتضى رسالته إليهم، وعليه: دعاهم – فرعون وملأه – إلى الإيمان به واتباعه والتسليم لرسالته، قوله: <يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ>[1].

والعبارة من ناحية الشكل، تدل على أن الخطاب مقرون باللين واللطف والرعاية للأدب، وخال تماماً من كل لفظ يدل على الفحش والتحقير والإهانة ونحو ذلك، وفي نفس الوقت لم يتضمن ألقاباً وصفات التعظيم والتبجيل الزائفة، مثل: يا صاحب الجلالة أو يا صاحب العظمة أو يا صاحب الفخامة أو يا سيدنا أو أي نوع من أنواع التملق والتزلف وإظهار العبودية والخضوع أو نحو ذلك؛ لأن لسان الرسالة لسان صدق وأمانة وإظهار تام للحقيقة بكل جلاء ووضوح، يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «لأنه (أي موسى) يتكلم بلسان الله، ويبلغ رسالات الله التي يصغر عندها كل كبير … وبهذا ندرك سر سيرة الصلحاء الذين يترفعون على الفاسقين، ويخفضون جناح الذل من الرحمة للمؤمنين»[2] مع أن إظهار التبجيل والاحترام للحكام ليس فيه شيء في نفسه من الناحية الشرعية، وقد يكون مطلوباً من الناحية الأدبية والأخلاقية، وقد وجد في سيرة الأنبياء الكرام والأوصياء الهادين المهديين (عليهم السلام) ولكن المقام الذي كان فيه النبي الكريم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) كان يتطلب الصرامة والوضوح والواقعية، لكي لا يكون هناك لبس فتقع المفسدة، وينقلب الأمر إلى عكسه. فموسى الكليم (عليه السلام) يريد أن يخلع عن فرعون الطاغية المتجبر صفتي الألوهية والربوبية اللتين أضفاهما على نفسه كذباً وزوراً وبدون حجة أو دليل، ويرده إلى الرشد والصواب عما كان عليه من الطغيان والتجبر والفساد في الأرض، ويأخذ منه ما كان يتمتع به من امتيازات وصلاحية دينية ودنيوية غير واقعية وهي ليست له بحق، ولهذا اختار التوازن الدقيق بين الطرفين اللين والصراحة.

وكان في خطاب موسى الكليم (عليه السلام) الرسالي الواضح الصريح، ما يعتبر في الحقيقة والواقع، إنذاراً يدق ناقوس الخطر الوجودي لفرعون الطاغية وملئه الفاسدين ولنظامه الملكي الفرعوني المطلق؛ لأن المدلول الواضح المفهوم للكلام، هو أن فرعون وكافة نظرائه من الفراعنة الطغاة المتجبرين السابقين واللاحقين، ماهم في الحقيقة والواقع، إلا بشر كسائر البشر، ليس لهم في أنفسهم أن يتمتعوا بحق الملك والسلطة والتشريع وفرض إرادتهم على الآخرين وإخضاعهم لأنفسهم بغير إرادتهم أو بفرض حكم الأمر الواقع عن طريق القوة والخداع ونحو ذلك، ويجب أن يراقبوا ويحاسبوا على أعمالهم ويجازوا عليها جزاءً موافقاً لها كما هي عليه في نفسها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، أي أنهم يكذبون في ادعائهم الألوهية والربوبية والمالكية، فهم ليسوا بآلهة ولا أرباب، وإنما هم أولياء كذابون مفسدون في الأرض وأنهم مجرمون فيما يتمتعون به من امتيازات وصلاحيات: دينية ودنيوية استولوا عليها بدون وجه حق، وأن الإله والرب على وجه الحقيقة والواقع، هو إله ورب واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، المتصف بجميع صفات الكمال والغنى عن الكل والكل مفتقر إليه، وهو وحده الخالق للعالم والمالك له والقائم على تدبيره وإليه يعود كل شيء فيه ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض وإليه معاد العباد وحسابهم وجزاؤهم على أعمالهم.

وعليه: فقد نفى موسى الكليم (عليه السلام) عن فرعون الطاغية صفتي الألوهية والربوبية، ونسبهما إلى الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وهذه حقيقة وجودية فعلية يدركها العقل بالمنطق والبرهان السليم، ويميل إليها الإنسان بفطرته وطبعه الإنساني السليم، أي أن خالق العالم ومدبره على الحقيقة، يجب أن يكون واجب الوجود، أزلي أبدي غني في ذاته، عالم قادر مطلقاً، وهو وحده الذي يستحق الطاعة والعبادة، وفرعون مخلوق ضعيف حقير في نفسه، مفتقر إلى غيره في وجوده وصفاته وأفعاله، محدود العلم والقدرة والدراية، يتنفس ويأكل ويشرب وينكح ويلهو ويمرض ويموت ويدفن في الأرض أو يُحرق كسائر البشر، فهو ليس بإله ولا رب ولا مالك على الحقيقة قطعاً وبدون شك أو ريب أو تردد بحكم العقل والمنطق السليم.

وعليه: يجب على فرعون أن يعترف بحقيقة أنه بشر كسائر الناس، وأن يتوب عن دعوى الألوهية والربوبية وعما أخذه واستولى عليه بدون حق من السلطة والثروة والامتيازات والصلاحيات، وأن يعيد الحقوق إلى أهلها، وأن يتوب عن جميع المعاصي والذنوب الكبيرة والصغيرة، والظاهرة والباطنة، وعن جميع الجرائم والجنايات التي ارتكبها بحق الناس الأبرياء، وأن يأوب ويعود إلى الله (عز وجل) ويخضع إلى إرادته ويسلم إليه، وأن يؤمن برسوله الكريم موسى الكليم (عليه السلام) ويصدق رسالته ويقبل منه ما يبلغ به عن الله تبارك وتعالى ويعمل بمقتضاه ويقتدي به، فإن الله (عز وجل) لا يظلم عباده ولا يضل ولا يترك عباده سدى، وهذا يعني أن يتصف الرسل بالصدق والأمانة والعصمة وبجميع الفضائل والخصال الحسنة وصفات الكمال الإنساني.

ومما سبق يتضح أن ما جاء به موسى الكليم (عليه السلام) من عقيدة التوحيد والنبوة والرسالة يهدم الأساس الفكري والديني الباطل الذي يقوم عليه النظام الملكي الفرعوني الفاسد الضال، ويفقد فرعون الامتيازات والصلاحيات غير الواقعية الدينية والمدنية، وقد أدرك فرعون بفطنته ودهائه هذه الحقيقة بكل وضوح وجلاء، وعليه لم يقبل من موسى الكليم (عليه السلام) دعوته ورسالته، لا لأنه وجدها على غير الحق، أو لأنه لم يجد عليها دليل أو برهان، بل لأنه عاند وكابر من أجل ملكه وثروته وامتيازاته، فأعلن الحرب الضروس الشاملة ضد نبي الله ورسوله الصادق الأمين الناصح للعباد (عليه السلام)، وهي الحرب التي يجب أن يساهم كل إنسان عاقل حر أبي، يعي معنى الإنسانية ومدلولها، ومقومات وجودها وتطورها وتكاملها المعرفي والتربوي والحضاري، ويعرف حقيقة الإنسان ومبدأه ومعاده، والصراط المستقيم والنهج القويم في الحياة، في الدفاع عن موسى الكليم (عليه السلام) ومنهجه وخياراته في سبيل إزالة الزيف والباطل، وتحرير الإنسان وحماية وجوده المادي والمعنوي، وإقامة العدل وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتأمين مصالح الناس وما فيه خيرهم وصلاحهم وكمالهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة.

ثم أشار موسى الكليم (عليه السلام) إلى ما يتمتع به من صفات الكمال الإنساني، التي يجب أن يتصف بها بوصفه رسول كريم من الله رب العالمين، فقال: <حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ> أي: أن رسل الله رب العالمين، وجميع المؤمنين الصالحين، يجب أن يتحلوا بالصدق والأمانة، ولا يقولوا إلا الحق، وأنا متصف بغاية وكمال الصدق والأمانة، وواجب عليّ قول الحق والصدق، وليس هناك من هو أولى مني بقول الحق والصدق بين الناس، ولا يرضى مثلي لنفسه غير قول الحق والصدق.

كما يجب أن يتصف رسل الله رب العالمين سبحانه وتعالى بالعصمة، لكي يثق الناس فيهم ويصدقوهم ويأخذوا منهم ويتبعوهم ويقتدوا بهم، فيؤدي الرسل بذلك رسالة ربهم إلى الناس على أحسن وجه، ويطبقوها بشكل صحيح. ولأنه واحد منهم، ولديه الدليل الساطع القاطع على ذلك، فهو لا يقول على الله (عز وجل) إلا الحق الحقيق، ولا يمكن أن ينسب إليه شيئاً من الباطل، أو يأتي بخطأ، شأنه في ذلك شأن جميع الأنبياء والرسل الكرام والأوصياء (عليه السلام)، المنزهين عن جميع العيوب والنقائص، إذ ائتمنهم الله (عز وجل) على وصيه واصطفاهم لرسالته، فهم معصومون بحكم العقل والمنطق السليم ومقتضى الحكمة الإلهية البالغة، والقدرة الإلهية المطلقة ومنزهون عن كل رذيلة، لا سيما الكذب وقول الباطل والخيانة؛ لأنها على نقيض الرسالة والاصطفاء، ومخالفة لما جاءت به الشرائع السماوية ولما يميل إليه الإنسان بفطرته وطبعه السليم، ويحكم به العقل والمنطق.

وعليه فإن صفة الصدق صفة مؤكدة وملازمة للأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين (عليه السلام) وللمؤمنين الصالحين الأتقياء ولا تفارقهم، وهو ملتزم بالصدق تمام الالتزام، وحريص عليه كامل وتمام الحرص، أي: ملتزم وحريص كامل وتمام الحرص على أن يبلّغ عن الله (عز وجل) ما أرسله به كما هو، بدون زيادة أو نقصان أو تغير أو تبديل، تحت أي ظرف من الظروف العسر أو اليسر، السعة أو الضيق، الترهيب أو الترغيب أو نحو ذلك، ولو فعل غير ذلك لخالف الصدق وخان الأمانة، ولم يكن مستحقاً للنبوة والرسالة، بل يكون مستحقاً للمقت والغضب الإلهي، ولتعجيل العقوبة والعذاب الإلهي، قول الله تعالى: <وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ 44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ>[3] أي: لو قدر أن اختلق الرسول وافترى – وحاشا وكلا – بعض الأقاويل، التي لم نقلها، بأن تكلف شيئاً وجاء به من جهة نفسه ثم نسبه إلينا، ولو بزيادة حرف أو نقصان حرف، لعاجلناه بالعقوبة وانتقمنا منه أشد الانتقام، فأخذناه بقوة أخذ عزيز مقتدر من يده اليمنى إذلالاً له، وقبضنا عليه كما يقبض على المجرم المتلبس بالجريمة، ثم لقتلناه أبشع قتلة، بقطع شريان الوتين، وهو العرق الرئيسي الذي يصدر عن البطين الأيسر في القلب ويغذي الجسم بكامله بالدم، وفي ذلك تصوير لإهلاكه بأبشع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه، وفيه دليل على أن الله (عز وجل)، بمقتضى حكمته البالغة، وهو القادر على كل شيء، لا يهمل الكاذب عليه، بل يعاجله بالعقوبة، ومن المستحيل عقلاً، أن يؤيده بالمعجزات والبينات؛ لأن فيه تغرير بالناس وتشجيع على الكذب عليه، فإذا جاء بالمعجزات، وبرهن على صدقة بالأدلة الساطعة القاطعة، ونصره على أعدائه ومكّنه منهم، فهي شهادة من الله سبحانه وتعالى على صدق نبوته ورسالته. ولأن موسى الكليم (عليه السلام) جاء بالمعجزات والبينات، فهو صادق في جميع ما يقول وينسبه إلى الله (عز وجل) في جميع ما يدعو إليه.

وفي عبارة: <حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ> تأكيد على فضيلة الصدق وأهميتها في قيام الحياة واستقامتها، وأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر ولا يطاع إلا به، وأن الكذب رذيلة تنافي الإيمان الصحيح الصادق، وتخالف العقل والمنطق والفطرة والطبع السليم، وأن كل شخص يلتزم الصدق على مقدار عقله وفضيلته وسمو روحه وقربه من الله ذي الجلال والإكرام، وكل من استشعر عظمة الله  (جل جلاله) وأحبه وعشقه وسلك طريق طاعته، لا يحيد عن الصدق والأمانة ولا يكذب ولا يخون أبداً ما دام الإيمان حاضراً في قلبه، وهو الأمر، – أي: التزام الصدق والأمانة -، الذي ينبغي أن يكون عليه الناس جميعاً بحسب فطرتهم وطبيعتهم الإنسانية السليمة، وبما هم عقلاء وحريصون على سلامة مجتمعاتهم، لا سيما العلماء الفضلاء والأشراف والأعيان والنبلاء، والحكام والزعماء وكبار المسؤولين والقادة والموظفين والمهنيين والتجار والصناع وغيرهم، من أجل صلاح أنفسهم، وصلاح أحوال مجتمعاتهم، واستقامة كافة الأمور ووصولها إلى غاياتها المطلوبة وفق الدين والعقل.

وفي العبارة أيضاً تأكيد على ضرورة التزام الرسل والسفراء والوسطاء بخلق الصدق والأمانة في نقل الرسائل التي يحملونها، وحسن الأداء في القيام بوظائفهم والمهام التي تسند إليهم؛ لأن الكذب وخيانة الرسل في نقل الرسائل، وإخلال السفراء والوسطاء بوظائفهم وتقصيرهم في أداء المهام التي تسند إليهم، من شأنه أن يبطل الرسالات والسفارات والوساطات، وتؤدي إلى فساد وتدهور العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول، ونشوب الخصومات والصراعات والحروب، وينجم عن ذلك خسائر كارثية وخيمة مادية ومعنوية وبشرية، وتدمير ما قد بُني على كافة الأصعدة، مع أن الرسالات والسفارات والوساطات من لوازم الحياة في العلاقات الداخلية والخارجية بين الجماعات والمجتمعات والدول والأمم، وهذا يفرض الحذر الشديد والتدقيق في صفات وأخلاق وكفاءات الرسل والسفراء والوسطاء، لا سيما في القضايا المهمة والجوهرية والمصيرية، وأن الإهمال والتقصير في ذلك، مخالف للعقل والحكمة، وقد يؤدي إلى نتائج عكس المطلوب والمراد منها، والحكيم لا ينقض غايته.

ولأن دعوى النبوة والرسالة من رب العالمين التي جاء بها موسى الكليم (عليه السلام) دعوى عظيمة جداً، وتترتب عليها نتائج ضخمة وحاسمة ومصيرية في الحياة الشخصية للأفراد، وفي الحياة العامة للمجتمعات، في حالتي القبول والرفض، التصديق والتكذيب، ومنها هدم الأساس الفكري والديني الذي يقوم عليه النظام السياسي والاجتماعي برمته، أي: أن الدعوى تربط بين الأيديولوجيا (العقيدة) وبين السلوك والواقع بجميع أبعاده الفردية والمجتمعية وعلى كافة الأصعدة ومختلف المجالات الفكرية والأدبية والفنية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والحقوقية وغيرها، ولأنها دعوى بهذه الضخامة والأهمية الكبيرة، فإنها يجب أن تستند إلى دليل قطعي لا يقبل الشك والريب، ويكون في غاية الجلاء والوضوح ولا يقبل اللبس والاشتباه. فلا يمكن لعقل سليم أن يقبل مثل هذه الدعوى الخطيرة ويخضع ويسلم إليها ويعمل بمقتضاها، بدون أن يمتلك الدليل القوي القاطع المصاحب لها، كما أن رفضها أيضاً يجب أن يستند إلى دليل ساطع وقاطع، فالإثبات والنفي يحتاجان إلى دليل قطعي، وما يقال عن النبوة يقال عن الخلافة؛ لأنه تترتب عليها نفس النتائج في حالتي القبول والرفض.

وعليه: من الحمق والمؤسف جداً، أن ينخرط الكثير من الناس في خياراتهم المصيرية الكبرى في الحياة تحت تأثير العامة والتقليد ونحوهما وبدون هدى أو حجة أو برهان، وهو بدون شك مخالف للعقل والشرع والفطرة وعليه: فقد صرح موسى الكليم (عليه السلام) بأنه التزاماً منه بحكم العقل والمنطق، فإنه لا يدّعي ما ادعاه من النبوة والرسالة بدون حجة أو برهان، وإنما معه ما يؤيده ويصدّق دعواه من المعجزات الباهرات النيرات، والبينات الواضحات، والأدلة والبراهين العقلية الساطعة الواضحة القاطعة، فقال: <قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ>[4] وعبارة: <مِّن رَّبِّكُمْ> تدل على أمور عديدة مهمة، منها:

أ.   أنه رسول من الله رب العالمين، ويحمل رسالته إليهم، وأنه يمتلك الأدلة القاطعة التي تثبت هذا الارتباط المقدس العظيم، بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وليس الأمر أنه يمتلك مجرد علوم وقدرات ومواهب وملكات بشرية خارقة، وأنه منزه عن الأغراض والمصالح الخاصة، أي: أنه لا يبحث عن استحقاقات وامتيازات ولا صلاحيات لنفسه تستند إلى ما يمتلك من قدرات ومواهب وملكات وعلوم، أو أنه يريد أن يفرض حكم الأمر الواقع على فرعون وقومه، وإنما هدفه وغايته أن يهديهم إلى الله ذي الجلال والإكرام، ويعرّفهم به، ويرشدهم إلى دينه الحق وصراطه المستقيم والأعمال الصالحة التي فيها صلاح أنفسهم ومجتمعاتهم وخيرهم وكمالهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة.

ب. أن الله سبحانه وتعالى هو ربه وربهم ورب العالمين أجمعين على التحقيق، ولا رب لهم سواه، فهو الذي خلقهم، وهو مالك رقابهم، وبيده أمر تدبيرهم، وإليه مرجعهم وحسابهم وجزاؤهم على أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وأن الواجب عليهم بحكم العقل والمنطق والأخلاق والضمير والفطرة والطبع السليم، أن يخضعوا له ويسلموا، ويطيعوا رسله ويقتدوا بهم، وأن يتخلوا عن الأكاذيب والخرافات والأوهام والدعوات الباطلة، فإن في ذلك صلاح أنفسهم ومجتمعاتهم وخيرهم وكمالهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة.

ج. أن لا شرعية لنظام أو قانون أو حكومة لا تصدر عن الله رب العالمين أو يقرها.

والخلاصة، يجب على فرعون وملئه وقومه وجميع أهل مملكته، أن يصدقوا نبوة موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته، وأن يتبعوه فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ويقتدوا به في حياتهم، ويعملوا بمقتضى رسالته إليهم في جميع القضايا والمجالات وشؤون الحياة الخاصة والعامة.

ثم بيّن موسى الكليم (عليه السلام) إلى فرعون وملئه، القسم الثاني من رسالته إليهم، وهي تحرير بني إسرائيل من العبودية والاسترقاق، حيث كان فرعون وقومه يستخدمونهم كأرقاء أذلاء، وكان فرعون يقتل أبناءهم الذكور ويستحيي نساءهم للخدمة والمتعة الجنسية، ويستخدم مع قومه الأقباط رجالهم في الأعمال الصعبة الثقيلة الشاقة، مثل البناء ونقل الصخور والماء، والأعمال الدنيا السافلة المهينة – بحسب نظرهم – مثل: التنظيف ونحوه، ويعتبرونهم طبقة واطئة دنيا في النظام الاجتماعي الطبقي، وكان النظام الملكي الفرعوني، يمارس ضدهم التمييز في الحقوق مع المواطنين الأقباط، ويمنعهم من الهجرة والرجوع إلى أرض الميعاد فلسطين التي هي موطن جدهم يعقوب (إسرائيل) (عليه السلام) قبل هجرته إلى مصر في القرن الثامن عشر (18) قبل الميلاد على عهد حكومة ولده يوسف الصديق (عليه السلام) وذلك بهدف إبقائهم مستعبدين وخاضعين لسلطته وإرادته، ويستخدمهم في الأعمال المذكورة التي يحتاجهم في بلاده ويترفع عنها قومه الأقباط، وكان فرعون يفعل ذلك ببني إسرائيل رغم حقيقة كونهم من أولاد الأنبياء الكرام (عليه السلام) مما يدل على طبيعة النظام الملكي الفرعوني الذي لا يفكر إلا في مصلحته ومصلحة القائمين عليه، ولا يقيم وزناً للإنسان بما هو إنسان، ولا للدين والقيم الإنسانية والمبادئ السامية الرفيعة، وهذه طبيعة كل نظام ملكي دكتاتوري في العالم، طوال التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل، فقال موسى الكليم (عليه السلام) لفرعون مطالباً بحقوق بني إسرائيل الطبيعية: <فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ>[5] أي: طلب موسى الكليم (عليه السلام) من فرعون الطاغية، أن يرفع التمييز في المعاملة والحقوق عن بني إسرائيل، وأن يساوي بينهم في الحقوق والواجبات مع الأقباط على أساس المواطنة الكاملة، وأن يحرر بني إسرائيل من الرق والعبودية، ويتوقف عن استخدامهم في الأعمال الشاقة والسافلة بغير إرادتهم، وأن يتركهم وشأنهم ليقرروا مصيرهم بأنفسهم، ويمنحهم حق حرية السفر والإقامة، فيبقوا في مصر إن شاؤوا، ويخرجوا معه إلى الأرض المقدسة أرض الميعاد فلسطين إن أرادوا، أو يذهبوا إلى حيث يشاؤون.

وتعتبر مهمة تحرير بني إسرائيل من عبودية فرعون وقومه، العمدة العملية لرسالة موسى الكليم (عليه السلام) التي بعثه الله (عز وجل) من أجلها، قول الله تعالى: <إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 4 وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ>[6] أي: أن فرعون طغى وتجبر في ملكه وسلطانه، واستكبر على الله  (جل جلاله)، وأفسد في أرض مصر التي يحكمها بالحديد والنار، وادعى الربوبية واستعبد الناس في مملكته، وجعل أهلها طبقات وأصناف في خدمته، وفرقهم شيعاً مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شيء، وأوقع بينهم العداوة والفتن لتضعف قوتهم عن معارضته ومقاومته، وينقادوا له ويخضعوا لإرادته وسلطته، وينفذ فيهم ما يريد من قهره وسطوته، ويشايعوه على ما يريد طائعين أو كارهين، ويتصرف فيهم بحسب أهوائه وشهواته ورغباته، فصار بذلك من أهل العلو والاستكبار في الأرض لا من الأعلين النبلاء، وكان يستضعف طائفة من المواطنين في مملكته ويميز ضدهم، ويتعدى الحدود في ظلمهم والجور عليهم، وهم بنو إسرائيل؛ لأنه وجد أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما يريده فيهم من الشر والبطش، فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم، حتى بلغت به الحال معهم أن يذبح أبناءهم عند ولادتهم، ويستبقي بناتهم للخدمة والمتعة الجنسية، أي: كان يسعى للقضاء على مصدر قوتهم لكي لا يقووا ويثوروا عليه، ويبقي على ما يظن أنه مصدر ذلتهم وبه يخضعهم ويسترقهم، وكان جدير به أن يكرمهم؛ لأنهم من أولاد الأنبياء الكرام (عليه السلام)، وغايته من استضعافهم التخلص من المولود المنتظر الذي سيقضي على ملكه ونظامه الدكتاتوري الجائر؛ لأن كاهناً أخبره بأنه سيولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكه على يديه، وقيل: أن الأنبياء الكرام (عليه السلام) الذين كانوا قبل موسى الكليم (عليه السلام) قد بشروا بمجيئه وبهلاك فرعون وذهاب ملكه وخلاص بني إسرائيل على يديه المباركتين.

والآية الشريفة المباركة: تدل على أن ما كان يقوم به فرعون الطاغية من الجرائم والجنايات والاجراءات الاستباقية المذكورة، هي سلوك أحمق وإفساد في الأرض، إذ اجترأ على خلق الفتنة الطائفية والتمييز بين المواطنين لتفريقهم وإضعافهم، وقتل خلق كثير من الأطفال والمواطنين الأبرياء من أجل بقاء ملكه وليكون أبناء الشعب خاضعين لإرادته وسلطته، لتبقى له مصالحه وامتيازاته وصلاحياته غير المشروعة وغير الواقعية، وهذا ما يفعله الفراعنة الطغاة والحكام المستبدون الظلمة في العالم طوال التاريخ، رغم حقيقة كونه سلوك أحمق وإفساد في الأرض لا طائل منه ولا فائدة فيه ولا نفع، ولا يمكن أن يغير القدر وما تعلقت به الإرادة والمشيئة الإلهية، بل على العكس تماماً، يعجل في هلاكهم وزوال ملكهم وذهابهم من الدنيا متبوعين بالخزي والعار واللعنة، وفي الحديث الشريف عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه قال: «والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً أن الأبرار منا أهل البيت وشيعتهم، بمنزلة موسى وشيعته، وأن عدونا وأشياعهم، بمنزلة فرعون وأشياعه»[7].

وفي مقابل استضعاف فرعون لبني إسرائيل، كان الله (عز وجل)، يريد بتدبيره الحكيم المحكم أن يمن على بني إسرائيل المستضعفين الذين اضطهدهم فرعون الطاغية وملؤه الفاسدون المستكبرون وقومه المتواطئون معه، وتسلطوا على أبدانهم وأقواتهم ومقدراتهم ظلماً وعدواناً، ويتفضل عليهم بخلاصهم في المآل من بأس فرعون وقومه وظلمهم، ويجعلهم يرفلون في لباس العزة والكرامة والحرية والنصر والغلبة، ويثقلهم بالنعم الإلهية العظيمة المادية والمعنوية، ويجعلهم أئمة متقدمين في الدين والدنيا، ويقتدى بهم في الخير والطاعات، وقادةً أحراراً متبوعين بعدما كانوا تابعين خاضعين مقهورين، ويجعلهم الوارثين: يرثون فرعون وقومه السلطة والثروة والمقدرات بعدما كانت في يد غيرهم المفسدين، وأن يمّكن لهم في الأرض، بأن يجعل لهم مكاناً يستقرون فيه ويملكونه ويحكمونه، مصر والشام، ويجعلهم مقتدرين على الأرض، يتصرفون فيها كيف يشاؤون بعدما لم يكن لهم من المكان إلا ما يريد غيرهم أن يقرهم فيه ويملكهم إياه. وأن يري الله (عز وجل) فرعون الطاغية ووزيره وشريكه في جميع جرائمه هامان وجنودهما الذين بهم صالوا وجالوا وبغوا، حيث يمثلون الأداة القوية لتنفيذ الكثير الكثير من جرائهم وجنايتهم، يريهم من هؤلاء المستضعفين الذين كانوا يسعون في قمعهم وكسر شوكتهم بكل وسيلة وقوة، ما كانوا يحذرونه ويخافونه ويجتهدون في دفعه، وهو ذهاب ملكهم وسلطتهم وضياع ما كانوا يتمتعون به من الامتيازات والصلاحيات غير المشروعة وغير الواقعية وهلاكهم وتصفيتهم من الوجود على يد القائد الموعود المنتظر منهم، أي: كان ظاهر الأمر إحاطة قدرة فرعون وقومه ببني إسرائيل وإحكام السيطرة عليهم، وفي الحقيقة والواقع الخفي الذي لا تراه العيون، أنه الطريق إلى هلاك فرعون وقومه وزوال ملكهم، وهذا أمر قد تعلقت به الإرادة الإلهية وجرت به المشيئة والتدبير وفق السنن الإلهية الحاكمة في الكون والتاريخ.

فما كان يقوم به فرعون الطاغية وملؤه المستكبرون من التدابير والاحتياطات والإجراءات الاحترازية والضربات الاستباقية الحمقى، لا طائل منها ولا فائدة ولا نفع فيها وقد ذهبت جميعاً أدراج الرياح وبدون جدوى. فقد قتلوا كل مولود ذكر من بني إسرائيل، وأبقوا على موسى الكليم (عليه السلام) ليكون لهم قرة أعين. فكان المخلص لبني إسرائيل، وأتى فرعون الطاغية وقومه المتواطئون معه الخطر من مكمنه ومن حيث لا يعلمون ولا يحتسبون، وأوقعهم الله (عز وجل) بتدبيره الخفي الحكيم المحكم فيما كانوا منه يخافون ويحذرون ويهربون، وفي ذلك عبرة وموعظة بالغة لكل فرعون وطاغية وحاكم ظالم مستبد يأتي بعدهم. فقد هيأ الله تبارك وتعالى باصطفاء موسى الكليم (عليه السلام) وإرساله إلى فرعون وملئه، وبما أيده به من الآيات والمعجزات والبينات، إلى إخراج بني اسرائيل من مصر وأهلك فرعون وجنوده.

وعليه: فإن حصول هذه النتيجة، مشروط بأن يؤمن بنو إسرائيل بالدين الحق ويستقيموا على الطريقة ويسيروا في ركب ولي الله الأعظم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) ويطيعوه ويقتدوا به ويتوحدوا تحت رايته وقيادته، ويجاهدوا ويثابروا مستهدفين الحق والفضيلة، والتحرر من البغي والظلم والاستغلال، ويضحوا من أجل عزتهم كرامتهم ومصلحتهم الحيوية والجوهرية وحياتهم الطيبة السعيدة، تماماً كالمريض الذي يشفى باستعمال الدواء والعلاج الصحيح، فيكون موسى الكليم (عليه السلام) بقيادته الميمونة لهم، وبصبرهم وجهادهم المبارك تحت رايته، هو الوسيلة إلى نجاتهم وخلاصهم وهلاك فرعون وجنوده أجمعين؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يجري الأمور بأسبابها والغايات على وسائلها، وأن الله  (جل جلاله) مع المظلوم المجاهد الصابر، يقف معه ويؤيده ويمده بعونه وتوفيقه، وأن وسيلة النصر الإلهي، هي إخلاص النية في الجهاد تحت راية القيادة الربانية الشرعية، فمن ثار على الظلم والجور واستمات من أجل عزته وكرامته وأخلص نيته لله سبحانه وتعالى، نصره الله (عز وجل) على عدوه، ومن تخاذل واستكان وركع للظالمين وقبل بحكم الأمر الواقع ورضى به، خذله الله (عز وجل) وأوكله إلى من ظلمه وأركسه في الآخرة على منخره في نار جهنم، لأنه خذل الحق والهدى ونصر الباطل والضلال.

وعليه: فإن رسالة موسى الكليم (عليه السلام) تتألف من شطرين:

أ.   التبليغ بالرسالة الإلهية بما تشتمل عليه من عقائد ومعارف إلهية حقة، وقيم أخلاقية سامية، وأحكام شرعية، وسيرة وعبر، وغيرها، على أحسن وأكمل وجه، والتربية للمؤمنين وإرشادهم وتوجيههم لما فيه صلاحهم وخيرهم وكمالهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة.

ب. الشق العملي وهو تحرير بني إسرائيل من العبودية والاسترقاق، والنهوض بالمجتمع وتطويره والتقدم به على كافة الأصعدة الفكرية والأدبية والتقنية والعلمية والتكنولوجية والصناعية والتجارية والزراعية والاجتماعية والسياسية والقانونية والحقوقية وغيرها، وإقامة حضارة إنسانية شاملة ومتكاملة ومتوازنة مادياً وروحياً يتجسد فيها مفهوم الخلافة الإلهية للإنسان أحسن وأكمل تجسيد. وهذا يدل على أن الأنبياء الكرام والأوصياء الهادين المهديين المطهرين (عليه السلام) والعلماء الربانيين والأولياء الصالحين والمؤمنين العاملين المتقين، لا يكتفون بالتبليغ عن الله تبارك وتعالى والدعوة إليه والتربية للمؤمنين ومعالجة المشكلات والحالات والقضايا الفردية فقط، بل يهتمون بالشأن العام كثيراً، ويعملون من أجل صلاح الناس والمجتمعات، وعزة الإنسان وكرامته، والمحافظة على مصالح الناس الجوهرية والحيوية الخاصة والعامة، وينخرطون في قيادة حركات الإصلاح والمطالبة بالحقوق وعمليات المقاومة المشروعة والتحرير والثورات على الطواغيت والفراعنة والمستكبرين والمترفين المستغلين، ويحاربون الباطل والظلم والشر والرذيلة والاستكبار والاستبداد والاستعباد والفساد والتخلف والتحلل والانحطاط ونحو ذلك. فالواجب على المؤمنين الأعزاء، أن لا يقبلوا بفرض حكم الأمر الواقع عليهم وعلى المستضعفين، ولا بالذل والهوان وأشكال الظلم والتمييز ضدهم، وأن يرفضوا ذلك ويحاربوه ويقاوموه ويقدموا التضحيات اللازمة من أجل تحرير أنفسهم وأوطانهم والحصول على كافة حقوقهم الطبيعية والمكتسبة، والمحافظة على مصالحهم المشروعة وإظهار الحق، وإقامة القسط والعدل، ونشر الفضيلة، وتقرير مصيرهم بأنفسهم وفق آليات محددة.


المصادر والمراجع

  • [1]. الأعراف: 104
  • [2]. تفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، جزء 3، صفحة 374
  • [3]. الحاقة: 44-46
  • [4]. الأعراف: 105
  • [5]. الأعراف: 105
  • [6]. القصص: 4-6
  • [7]. تفسير جوامع الجامع، الطبرسي، جزء 3، صفحة 208
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟