مواضيع

حقيقة صلح الإمام الحسن (عليه السلام)

حسينية إرشاد طهران (13-4-1972)

“يا اَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا اِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَروا زَحفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الاَدبارَ * وَ مَن يُوَلِّهِم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ اِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ اَو مُتَحَيِّزًا اِلى فِئَـةٍ فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ”[1]

حرمة الهروب أثناء جهاد الأعداء إلاّ بهدف تعزيز القوى

المصدر القرآني للمسألة التي سنبحث فيها اليوم هو الآية: “يا أيّها الذّين آمنوا إذا لقيتمُ الذّين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار”؛ عندما يحصل اصطفاف بين جبهة الحقّ وجبهة الباطل، لا يجوز لأحدٍ [من المؤمنين] أن يفرّ من قتال الأعداء ويولّي ظهره لميدان الحرب. الإسلام في جوهره نوع من الاصطفاف بين جبهتي الحقّ والباطل، والكفر والإسلام، ولا يُجيز لأتباعه أن يولّوا أدبارهم لساحة المعركة عند مواجهتهم الأعداء – العدو الأصولي، والعدّو الأصلي، أعداء الثورة والرّجعيين .[2]

ميادين القتال أنواع٬ و هذا الحكم يصدق عليها جميعًا، سواء أكانت حروب نظامية بين جيشين، أو حروب سّياسية، أو حروب فكريّة وإيديولوجيّة، فهذا الحكم عام ينطبق على كلّ هذه الحالات، باستثناء حالة واحدة: “إلاّ متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئة”؛ فإذا كان التّراجع بهدف الاستدراك وتسديد ضربةٍ أقوى للعدو، عندها يحقّ للمقاتل المسلم أن ينسحب من ميدان الحرب، ليعيد الكرّة ويواجه العدوّ بأسلوبٍ أشدّ تأثيراً ويُسدّد له ضربةً أقوى؛ هذا هو روح هذه الآية.

صلح الإمام الحسن (علیه السلام) من أكثر الموضوعات تعقيداً في تاريخ الإسلام

كما تعرفون فإنّ بحثنا اليوم يدور حول تفسير حادثة حصلت في تاريخ الإسلام وعُرفت بصلح الإمام الحسن(عليه السلام) ومعاوية؛ ونحن في صدد معرفة الوجه الحقيقي لهذا الصّلح وفهم طبيعة عمل الإمام، كما يليق بعظمته ومقامه.

صلح الإمام الحسن (علیه السلام) هو أحد عُقد[3] التاريخ الإسلامي، ولربّما يصعب أن نجد حادثة في التاريخ تُشبه هذه الواقعة من وجوه عديدة. فكثيرة هي الوقائع التاريخية التي ظلّت محاطةً بالغموض للأجيال اللّاحقة، بل وحتى لجيلها الذي عاصرها، لكن واقعة صلح الإمام الحسن (عليه السلام) لا تُشبه أيًّا من تلك الوقائع.

أنواع الأحداث التّاريخية المبهمة

عندما ننظر إلى مختلف الأحداث التّاريخية المبهمة نجد هذا الإبهام على أنواع:

  1. إبهام بسبب تقادم الزمان والتّحريف

سبب هذا الإبهام تقادم الزمان؛ فالواقعة في ظرفها ومكانها تكون شديدة الوضوح، ومفهومة للناس، لكن مع مرور الزّمان تطالها يد التّحريف فيتغيّر شكل الحادثة؛ فينقطع حبل فهم هذه الواقعة عن الأجيال القادمة. والتاريخ الإسلامي يزخر بأمثلة من هذا القبيل؛ من ضمنها سيرة أئمّتنا -والتي ستكون موضوع محاضراتي في قابل الأيام- حيث لم تكن مبهمةً ومحجوبةً عن معاصريهم، أيّ الذين كانوا على ارتباطٍ بهؤلاء العظماء ونهلوا من نمير معارفهم وأفكارهم الصافي؛ بل أيدي الظالمين هي التي حرّفت هذه السّيرة فصرنا اليوم لا نعرف أئمّتنا حقّ المعرفة.

  • إبهام في زمن الواقعة واتّضاحه في الأزمنة اللاحقة

هناك نوعٌ آخر من الإبهام التّاريخي للواقعة لم يحصل بسبب تقادم الزمان؛ بل لعدم فهم معاصريها لها بشكل جيد٬ ولكن بعد العهد بها وظهور أفكار نيّرة وتوفّر مناخ بحثي مناسب، كشف عن حقيقة الواقعة، وتسنّى للأجيال اللاحقة معرفة الواقعة على حقيقتها بخلاف الأجيال المعاصرة لها. وهذا نوع آخر من الإبهام حصل في بداية الأمر واتّضحت حقيقته في آخره.

إبهام أسباب صلح الإمام الحسن(علیه السلام) حتى بالنسبة لمعاصريه

واقعة صلح الإمام الحسن ليست من أيٍّ من النّوعين أعلاه. ففي بداية حدوثها، كانت مجهولة لجميع الذين تعاطوا معها. فهذا حجر بن عديّ يسأل الإمام لماذا صالحت؟ ورجل حديدي مثل عدي بن حاتم يسأل [أيضاً] لماذا صالحت؟أصدقاء الإمام والمقرّبون منه عاتبوه بسبب الصّلح. متى؟ أثناء وقوع الواقعة. إذاً في زمانها كانت المسألة مبهمة لكثير من الناس، إن لم نقل للجميع.

دور المنصور العباسي في زيادة الإبهام حول صلح الإمام الحسن(علیه السلام)

على مرّ التاريخ وكلّما تقادم الزمان على هذا الحدث، اشتركت أيدٍ كثيرة – سواء أيدي الأعداء أو الأصدقاء- في زيادة شربكة هذه العقدة.

العدو المنصور العباسي مثلاً، خليفة زمانه المقتدر، والذي انتصر على بني أميّة بادّعاء النسب الهاشميّ والذي كان يرتوي من نبع الصلح في الحقيقة، فلو لم يكن صلح الإمام الحسن (عليه السلام)، لما كانت واقعة كربلاء، ولو لم تكن واقعة كربلاء، لم تقع جميع الثورات التي عرفناها إلى الآن حسبما يبدو من ظاهر الحسابات التّاريخية، والله أعلم على أيّ حالٍ كانت الدنيا وبأيّ شكل. وهذا هو الموضوع الذي يجب أن نتطرّق إليه اليوم. المنصور العباسي نفسه وحكومته وسلطته التي اغتصبها كلها بنحوٍ أو بآخر من نتائج صلح الإمام الحسن(علیه السلام). لقد ثار بنو العباس باسم بني هاشم وبحجّة الثّأر لدم الحسين (علیه السلام)، وأطاحوا بحكومة الجبر والطّغيان الأمويّة، لكن عندما وصل إليهم الحكم بدل الغاصبين الذين سبقوهم، استعملوا نفس الأساليب السابقة في الحكم. 

الإسلام لا يعادي الفرد؛ والتّشيع أيضًا لا يحارب الفرد؛ بل يحارب النّمط، يحارب الفكر. بنو أميّة وبنو العباس من وجهة نظر منطق الإسلام، وفريق الشّيعة التّابع للإسلام وأصدقاء وحماة الإسلام الحقيقي، هؤلاء لم يكن لديهم مشكلة معيّنة مع بني أميّة؛ بل كانوا يخالفون نهجهم في الحكم وفي بناء المجتمع، وفي إدارة الناس، كانو يخالفون هذه القضايا؛ بنو أمية وبنو العباس -هذه الألقاب-  ليست مطروحة، لذلك حاربوا المنصور العباسي وأخيه السّفاح ثم حاربوا أبناءه، والعجيب هو أنّ تلك الحروب كانت على يد بني الحسين -السّادات الحسينيين- من بني هاشم؛ هذه الوجوه المشرقة والمنيرة في تاريخ الإسلام وهي طبعًا غير معروفة لأكثر الناس.

  عندما كان المنصور العباسي يريد أن يتعرّض لأولاد الإمام المجتبى (علیه السلام)، كان يقدح في الإمام الحسن (علیه السلام) [قائلًا]: “وأمّا حسنهم”. في خطابٍه مجموعةٍ من الخراسانيين – ولا أعلم سبب زيارتهم للمنصور- قال: “وأمّا الحسن”، جدّ هؤلاء المتظاهرين  والثوار، هؤلاء الناس الّذين لا تعُجبهم حكومتنا الآن، جدّهم الأعلى الحسن، هو من باع الخلافة بحفنة من مال الدّنيا وركن إلى زاوية بيته ولم يهتمّ سوى بشهواته النفسانية ثم مات في فراشه.[4] [وكذلك] مسألة تعدّد زوجات الإمام الحسن (علیه السلام) [أيضاً]، وأنّه كان مطلاقاً،[5] يتزوج ثم يطلّق، فأصل هذا الكلام يعود إلى المنصور العباسي[6] وذلك حسب بحثٍ قام به أحد الكتّاب العرب المعاصرين، واللّافت أننا نحن الجهلة نكرر اليوم نفس كلام المنصور٬ كلام صادر من فم عدو وخصم، وأحياناً نتصدى لتبرير هذا الكلام. هذه أيادي الأعداء، هي التي تسعى لإخفاء الوجه الحقيقي والأصيل لواقعة الصّلح عن الناس، للإيحاء بأنّ صلح الإمام الحسن (علیه السلام) كان بمثابة بيع الخلافة أو الهروب من ميدان الحرب أو الخوف من الموت أو حبّ الاستمرار بالحياة.

هدف المنصور من الإفتراء على الإمام الحسن (علیه السلام)

طبعاً هدف المنصور واضحٌ تمامًا للباحث.

فإذا لم يشوّه المنصور سمعة الإمام الحسن (علیه السلام)، فكيف سيتمكّن من مواجهة ثائر عصره الكبير -محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن المثنّى[7] – وقمعه؟ كيف سيتمكّن من محاربة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى -حفيد الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)-؟ كيف سيتمكّن من قمع جميع هذه السّواعد المدرّبة والقوية التي جاءت من كلّ مكان كي تنزل ضرباتٍ ساحقة على جسد حكومته الذّليلة والغاصبة؟ عليه أن يهاجم الإمام الحسن (علیه السلام) وهذا ما فعله. والمؤسف أنّ أيادي الأصدقاء شاركت أيادي الأعداء في هذا المجال.

لم يكن الجيل المعاصر للإمام الحسن (علیه السلام) قد فهم المسألة، لكن بعد ذلك عندما كانوا يسألوا الإمام فيجيبهم بما يناسب أفكارهم كانوا يقتنعون ولا يستمرّون في الاعتراض، أو على الأقل لم يكونوا يبرّرون أو يأوّلون بشكلٍ خاطىء. لكن في الأجيال اللّاحقة، لا أقول بشكلٍ عام والجميع، بل أقول في الغالب، كلّ ما قيل حول واقعة الإمام المجتبى في إطار السرد التاريخي أو كتبت الأقلام في تبرير المسألة، لم يضف شيئاً عليها سوى الإبهام وتشويه سمعة الإمام المجتبى (علیه السلام) النقية.

هذه هي المسألة. لقد وصل الأمر في زماننا إلى حدّ أنّ أحد المستشرقين والذي يتظاهر في كلامه أنّه غير مغرض ومحايد، وأنّ المسألة بين معاوية والحسن (علیه السلام) بالنسبة له غير مطروحة من زاوية طائفية ومذهبية، وإذا به هو أيضاً يضيف إلى العقد عقدةً أخرى ويطرح افتراءات. يكتب “فيلب حتي[8]” أموراً عن الإمام المجتبى (علیه السلام) في تاريخ العرب مجرّد ذكرها ونشرها مدعاة للخجل، والعجيب أنّ مترجم الكتاب بدلاً من التنويه بأنّ الكاتب غير مطلع على جميع المصادر أو إنّها لم تكن في متاحة له٬  يكتب هامشاً يثبّت فيه الملاحظة فيزيد الطين بلّة.

تفسير كلمة الصلح بالاستسلام سبب القراءات الخاطئة لصلح الإمام الحسن (علیه السلام)

نحن اليوم نواجه هذه المسألة، فقد أصبح صلح الإمام الحسن (علیه السلام) مشكلةً ويجب حلّ هذه المشكلة والجميع يريد أن يفهم ما الذي حصل؟ ما الذي حصل حتى اتّفق الحسن (علیه السلام) الإمام الحق، وخليفة علي (علیه السلام) الكفء وخليفة النبي (ص)، مع معاوية بن أبي سفيان – خلف أبي سفيان بحقّ – على هذه المسألة أي مسألة الحكومة؟ نستشف من مجموع القراءات والاستنتاجات المطروحة لهذه المسألة أنّ المشكلة تكمن في أنّ مفهوم الصلح في عبارة صلح الإمام الحسن (علیه السلام) عند القرّاء عمومًا أو معظمهم يعني الاستسلام والتسليم.   

يظنون أنّه صلح أو استسلام الإمام الحسن (علیه السلام) أمام معاوية أو تسليم الإمام الحسن لمعاوية بن أبي سفيان.

ومن الواضح جداً أنّ توافق الإمام الحسن (علیه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان إمام الكفر ليس مقبولاً لأي إنسان – فضلًا عن أيّ مسلمٍ أو شيعي- بل إن توافق هذين الإثنين ليس مقبولاً وليس مفهوماً لأيّ أحد. لكن المسألة ليست هكذا؛ فالصلح ليس بمعنى الاستسلام والتسليم. صلح الإمام الحسن بمعنى ترك الحرب لمدةٍ من الزمن، وذلك للجهوزية من أجل توجيه ضربةٍ أقوى. صلح الإمام الحسن (علیه السلام) وفقًا للآية التي تليت وسمعتموها “تحرّفٌ لقتالٍ” و”تحيّزٌ إلى فئة”؛ هذا هو جوهر صلح الإمام الحسن (علیه السلام). ومن خلال مطالعة الكثير من الوثائق المتاحة عن هذا الصلح يتوضّح لنا الموضوع على هذا النحو ونأمل أن يتضّح أكثر هذا اليوم لجميع المستمعين الأعزّاء إلى حدٍّ كاف.

القراءة الصحيحة لبعض علماء القرن الثالث عن صلح الإمام الحسن (علیه السلام)

في الأجيال السّابقة طبعاً -في القرون القريبة من حادثة الصلح- كان هناك مثل هذا الفهم تقريباً عند البعض. لذا نرى في القرن الثالث للهجرة، صدور كتابين لكاتبين مسلمين ومؤرّخين شيعيين بعنوان “قيام الحسن”[9]. عرّفوا الصّلح بمعنى القيام، بماهية القيام؛ قيام الحسن. كلا الكتابين كُتبا في القرن الثالث للهجرة. إذاً لم يكن الموضوع مخفياً عن بعض الناس تقريباً وكان هناك من يفهم قضية الصلح.

سبب نزاع الإمام الحسن (علیه السلام) مع معاوية وجذوره

علينا أن نرى ما هو سبب النزاع بين الإمام الحسن (علیه السلام) ومعاوية، هل كان نزاعًا على الخلافة؟ إذا ما أخذنا هذا النزاع بمعنى النزاع بين شخصين كلّ منهما يدّعي أحقيّته في الحكومة والزعامة، فطبعًا ستظهر المشاكل التي نحن بصددها الآن، لكنّ النزاع بين الإمام الحسن ومعاوية لم يكن بين مدّعيين للخلافة؛ بل بين فكرين، كان الخلاف بين إيدولوجية ثورية تكامليّة [تهدف] إلى بناء الإنسان، وبين فكر رجعيٍّ يبرّر ويحلّل كل الأمور على أساس مصالحه الشّخصية. وبعبارة واضحةٍ جداً، وقابلةٍ للفهم في الثقافة الإسلامية، كان نزاعًا بين التوحيد والشرك والكفر والإيمان؛ وهذه هي ماهية الحرب بين الإمام ومعاوية في الأساس.

إذا عرفنا طبيعة النزاع بين الإمام الحسن (علیه السلام) ومعاوية على هذا النحو، سنفهم طبعاً أنّ هذا النزاع لا يعود إلى سنة أربعين للهجرة، أي سنة استشهاد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) وتصدّي الإمام المجتبى (علیه السلام) للحكم -المسألة تعود إلى نصف قرنٍ أو أكثر، فقد كانت قبل ذلك اليوم؛ أي [كانت في الأساس] بين خاتم الأنبياء (ص) وبين أبو سفيان. هذه هي الحرب التي اضطرّ الرسول (ص) لخوضها لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكة وعندما هاجر إلى المدينة وشكّل الحكومة الإسلامية ونظّم أتباعه بالشكل المطلوب، كانت هذه الحرب قائمة بين مكة والمدينة، هذه هي الحرب بين الموت والحياة وجميع آيات القرآن التي تدور حول القتال والجهاد، مصداقها العيني في ذلك الزمان هو الاصطفاف مع النبي (ص) أو مع الكفار والمشركين، وعلى رأسهم وأهم أركانهم كفّار قريش وعلى رأسهم أبو سفيان؛ هذه الحرب هي نفسها.

عندما جمع الإمام المجتبى (علیه السلام) المجاهدين التابعين له وأرسل[10] بعضهم إلى “المسكن”[11] وأخذ معه[12] بعضهم إلى المدائن[13]، وألقى على الجيش خطبة حثّهم فيها على القتال، في الحقيقة كان ذلك استمراراً للعمل الذي قام به والده أمير المؤمنين (علیه السلام) مع هذا الفريق وأسلاف هذا الفريق و[قام به] قبله النبي. لم يكن عمل الإمام المجتبى عملاً جديداً أي تعبئة الجيش وقتال معاوية. إنّ الانتقاد الذي وجهه بعض المؤرّخين البسطاء -إذا لم نقل المغرضين- إلى الإمام المجتبى بأنّه لماذا خرج الإمام المجتبى من الكوفة بمجرد حصوله على الخلافة وبيعة الناس له، وذهب إلى المدائن وأرسل البعض إلى المسكن خلال مدّة لا تتجاوز الشهرين؛ لماذا أسرع إلى حرب معاوية؟ وقد أوردوا هذا الإشكال على الإمام الحسن (علیه السلام)، فقد هاجموا قضية الإمام الحسن من مختلف الجوانب ومن جميع الجهات. البعض يقول لماذا ذهب الإمام الحسن (علیه السلام) إلى الحرب أصلاً؟ لماذا حارب معاوية؟ كان من الأفضل له أن لا يحارب. أولئك الذين يعترضون على الإمام الحسن (علیه السلام) بهذا الاعتراض لا يعرفون التسلسل التاريخي لنزاع الإمام المجتبى التاريخي مع معاوية؛ أساس هذه الحرب التاريخية عبارة عن حرب النبي (ص) مع والد معاوية هذا؛ أي أبو سفيان. لقد حارب النبي (ص) بني أمية ثمان سنوات؛ حارب قريش بقيادة أبي سفيان في السنوات الأخيرة. في السنة الثامنة للهجرة ذهب النبي (ص) إلى مكة بصحبة عشرة آلاف جندي وفتحها، واستسلم بنو أمية عندما رأوا جميع طرق الدفاع عن النفس مسدودة أمامهم؛ أي أسلموا ظاهريًا. اعتنق أبو سفيان وأبناؤه وجميع عشيرته الإسلام، وطبعاً لم يكن إسلاماً، بل استسلاماً أمام القوات الحربية. فباعتقاده أبو سفيان فإنّ الفكر يُستعمل للحفاظ على النفس. 

كانت مسألة [الحفاظ على] النفس تحظى بأولوية عند النّاس الذين يسيرون في الجهة المعاكسة لثورة الإسلام التكاملية. فإذا كانوا يقدّسون فردانيّتهم، أو يؤمنون بالتمايز الطبقي، أو بتفوّق العنصر العربي على الموالي، كل هذا لأجل أنفسهم ومصالحهم؛ لم تكن تعنيهم العقيدة٬ بل كانت العقيدة فداء النفس؛ على عكس جبهة التوحيد والإسلام حيث النفس فداًء للعقيدة والفكر٬ والأصالة للعقيدة. لذا عندما وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جيش النبي، وشعروا أن لا مفرّ أمامهم، اضطروا للاستسلام؛ كانوا إيمانهم ظاهري، بينما قلوبهم ممتلئة بالحقد على النبي وتوّاقة للانتقام. لا أظنّ أنّ هناك في التاريخ من يجرؤ ويدّعي بأنّ أبا سفيان آمن للحظة بالنبي (ص) بالمعنى الواقعي للإيمان. نعم٬ انبرى أشخاص عبر التاريخ للدفاع عن معاوية وغير معاوية، بل وحتى عن يزيد، بغية دمجهم بالمسلمين، لكن لا يمكن ذكر هذا الكلام عن أبي سفيان، لا يمكن ذلك أبدًا.

عندما وصل عثمان إلى الحكم، كان الرجل العجوز – أبو سفيان-  قد فقد بصره، لكنه كان مثل قائدٍ معنوي وحقيقيّ لبني أمية. وقد قال في إحدى الخلوات أنّ الحكم قد وقع في أيدينا؛ ما حاربنا محمداً لأجله لسنين، صار الآن بأيدينا؛ حذاري أن تضيّعوه٬ حافظوا عليه ليكون دولة بينكم.[14] ذهب إلى قبر الحمزة سيد الشهداء؛ أي الشخص الذي استشهد في حرب أحد – وحرب أحد هي الحرب التي قادها أبو سفيان بنفسه وكان القائد المباشر لها – وقال: “يا أبا عمارة”؛ وضرب بقدمه على القبر، يا أبا عمارة – وهي كنية حمزة- الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم، ويقصد حكومة عثمان.[15] فهنا حصلوا على ما يريدون. والمقصود هو أنه لا يمكن القول أنّ أبا سفيان أسلم بالمعنى الواقعي، بل استسلم كي تسلم روحه. إلاّ أنّ شكل العمل تغيّر؛ ففي السابق كانوا يواجهون الإسلام  ويقفون ضده بشكلٍ علني ويحاربون الإسلام بلا مواربة؛ مثل حرب أحد. لكن لاحقًا، عندما تم التعريف عن بني أمية على أنهم خلفاء النبي في المجتمع الإسلامي لم يعد هناك معنى للحرب العلنية مع الإسلام؛ فكانت الحرب النهائية تحت قناعٍ من الصداقة وطلب الخير.

يزيد بن أبي سفيان وأخ معاوية الأكبر، أحد الجنود الذين شاركوا في حرب الشام أو أحد القادة، ثم تولّى حكم تلك المنطقة، وحصل على دعم الخلفاء وحكم لمدّةٍ من الوقت من دون منازعٍ أو معارض، وفعل ما يريد لتطوير فكره الرّجعي والشركي، وسعى لسيادة فكر معاوية في الشام، وكانت سياسة معاوية تقوم على نفي الأحرار المتنوّرين من حوله ومن عاصمة حكومته. لم يكن يسمح لأيّ شخصٍ واعٍ بالتواجد في المجتمع الذي يحكمه. لقد رأيتم كيف نفى[16] أبا ذر، وبعد استشهاد الإمام المجتبى (عليه السلام) كان يتشاور مع مستشاريه بشأن الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان يعتقد بضرورة تنفيذ نفس الأسلوب معه، أي أُشير عليه بذلك، وهو أيضاً وافق بوجوب إبعاد الإمام الحسين (علیه السلام) عن مقر الخلافة ونفيه إلى مكان بعيد.[17]

هذه الحرب حرب بين الحق والباطل؛ بين الإسلام والكفر، بين التوحيد والشرك، بين الفكر الإسلامي الثوريّ والفكر الأموي المناهض للثورة. في السابق كانت المدرسة النبوية في مقابل المدرسة الأموية؛ لكن بعد سنوات صارت المواجهة بين المدرسة العلوية والمدرسة الأموية، وعندما حارب أمير المؤمنين (علیه السلام) معاوية، كانت حرب التوحيد ضد الشرك. الإسلام والإيمان الّلذان يحاربان الكفر، وكأن حروب زمن النبي (ص) تتكرر. وعندما وصل الدور إلى الإمام المجتبى (علیه السلام) فيما بعد، تكرّر المشهد نفسه؛ مع اختلاف الشخص الذي يدير المشهد. إذاً استمرّ الإمام المجتبى (علیه السلام) في السير على طريق جده النبي(ص) وأبيه أمير المؤمنين (علیه السلام)، ومشى على خطاهم في جميع المراحل منذ أن بدأت الحرب مع معاوية، وعبّأ جيشاً، ونظم الجنود وذهب إلى ميدان الحرب وأرسل بعض المخضرمين  إلى ساحة المعركة. لذا لم تكن الحرب بين هذين الإثنين حرباً بين متنازعين على حكومة؛ بل كانت حرباً بين فكرين أو حرباً بين فكر ثوريّ ومجموعة أشخاصٍ أو تنظيم مناهضٍّ للثورة؛ بدأت مثل هذه الحرب بين الإمام الحسن ومعاوية.

جهوزية جيش الإمام الحسن (علیه السلام) بعد الوصول إلى الحكم

والآن الإمام الحسن في مواجهة معاوية. والناس يؤمنون بالإمام المجتبى؛ أي بايعوه في الظاهر، ووافق على حكومته عامة الناس الذين كانوا يعيشون في نطاق الحكومة العلوية.

وصل الإمام المجتبى إلى الحكم في اليوم الذي كان فيه جيش أمير المؤمنين خارج الكوفة يستعدّ للانطلاق نحو الشام. فبعد أن عاد علي (علیه السلام) من حرب النهروان بعد القضاء على الخوارج، جهّز جيشاً -بل كان الجيش جاهزًا سلفًا من أجل هذه المهمة وحرب الخوارج٬ وعندما وقع حادث في تلك الأثناء حرف علي (علیه السلام) مسيره وذهب إلى هناك- لمحاربة معاوية[18]، وكان ذلك المعسكر موجوداً وفيه بعض الجنود، وليس بمقدور الإمام الحسن الامتناع عن الحرب وكان عليه أن ينطلق، ومتابعة ما بدأه أمير المؤمنين (علیه السلام)، وقد فعل الإمام كل ما يجب على القائد فعله.

طبعاً هذه الخبايا التاريخية والوقائع والحوادث التي وقعت في هذا المجال، ليس هاهنا مجال بيانها وشرحها؛ بإمكان الحاضرين مراجعة الكتب ذات الصلة – عربية أو فارسية- ومطالعة تفاصيلها، [حول] إرسال القادة؛ طبعاً هذه الحوادث التاريخية تزخر بالتحريف والتزييف. هناك بعض الأمور التي تُنسب إلى الإمام لا يمكن أن تصدر عن أيّ إنسانٍ عادي وعاقل، ومن الواضح أنّ يد التحريف هي التي أدخلتها بسبب العداوة أو أهداف مغرضة وليست عادية، ضمن المساعي لتشويه صورة الصلح أكثر وإخفاء القضية.

عزم الإمام الحسن (علیه السلام) على محاربة معاوية حتى النصر

إذًا انطلق الإمام المجتبى (علیه السلام) إلى ميدان الحرب، وأرسل مجموعةً أيضاً، وصار الإمام المجتبى (علیه السلام) في مقابل معاوية وجهًا لوجه.

وتموضع خيرة جند الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) – في حدود عشرة آلاف أو إثني عشر ألف و الخلاف كبيرٌ في هذه المسألة- تحت سماء المسكِن في مقابل جيش معاوية. الإمام المجتبى كان عازم على الحرب حسب ظاهر الأمر. لا يوجد أيّ ترديد في الحرب في كلمات الإمام المجتبى وخطاباته التي يُلقيها، أراد الاستمرار في الحرب حتى النصر، فكلّ شيء يدلّ على عزم الإمام على الحرب، ثم أرسل خيرة الجنود واستقروا مقابل جيش معاوية.

تفاوت جند الإمام الحسن (علیه السلام) مع جند معاوية

كانت الظروف الموضوعية للحكومتين والمنطقتين التي جاء منها الإمام المجتبى (علیه السلام) ومعاوية متفاوتة تمامًا ومختلفة. بعض الأمور الموجودة في المجتمع الذي يحكمه الإمام الحسن (علیه السلام)، لو وُجدت في أيّ مجتمع آخر وتحت ظلّ أيّ حكومة لتسبّبت بشللها. في المقابل، فإنّ المجتمع الذي يحكمه معاوية فيه بعض الميّزات التي تؤدي إلى الانتصار والظّفر أينما وُجدت.

يصف الكاتب العربي المصري -عباس العقاد[19]– حكومة علي (علیه السلام) ومعاوية على هذا النحو: “بعد موت عثمان حكم معاوية في منطقة لا يوجد فيها أيّ خلاف وكان الجميع متحدّين فيها قلباً ولساناً. وحكم علي (علیه السلام) في منطقة لا يوجد فيها ايّ اتّحادٍ واتفاقٍ مطلقاً، بل يسودها الاختلاف بالكامل”[20].

فمن الناحية الجغرافية حكم معاوية بلاد الشام؛ أي المكان الذي يقع بين الشام والحكومات الخارجية -حكومة الروم الشرقية، ومصر وشمال أفريقيا-٬ من جهة٬ وتقع الكوفة بينه وبين فارس من جهة أخرى.

بعد معاوية بسنوات، لم تحصل أيّ مواجهة بين حكومة الروم الشرقية والشام، لأنّ حكام الروم الشرقية من الشمال أيضاً -من جهة القسطنطينية- لم يكونوا يفكرون أبداً بمواجهة الشام. كان الوضع على نحوٍ جدير نوعمّا بالرجوع إليه٬ وطبعًا دراسته في الوقت المناسب، فعندما واجه الروم المسلمين في الشام، هزموا بشكلٍ جعلهم لا يفكرون بالعودة إلى منطقة الشام وفلسطين أبداً؛ لم يظنوا بأنهم سيعودون إلى الشام. تلك الجملة التي قالها إمبراطور الروم أثناء خروجه من الشام، عندما كان يودّع سوريا، سجّلها التاريخ كما هي[21]. وهذا ما كان دائماً؛ لسنواتٍ لاحقة وفي عهد حكومة بني أمية، كلّما حصلت مواجهات بين الروم والمسلمين، كان الرومان يفرّون من ميدان الحرب لأقل سبب كأن يروا حلماً، أو يتطيروا، أو يتفألوا بفألٍ سيئ؛ لهذا لم يواجهوا المسلمين أبدًا. لذا، كانت الشام تعتبر منطقة مستقرة أمنياً من ناحية التحركات الخارجية.

وفي الطرف المقابل الكوفة٬  كانت فيها جماعات مختلفة، بعضهم مواطنين؛ والبعض الآخر مهاجرين جاؤوا من المدينة، أو مع أمير المؤمنين (علیه السلام) من الحجاز إلى الكوفة؛ وفئة جاءت من الأطراف إلى الكوفة بعد أن صارت مقر الخلافة وصارت تعتبر مركزاً وعاصمةً وازدهرت أوضاعها، وذلك بمقتضى فطرة الناس الطبيعية حيث يرغبون دائماً بالعيش في المراكز والمدن الكبيرة؛ والبعض جاء من الشام بشكلٍ مدروس وسكنوا في الكوفة، وكان فيها فئة تُعدّ طابوراً خامساً لمعاوية داخل مجتمع الكوفة؛ فإن رشاوى معاوية وإغراءته، وسخاءه الذي لا حدود له وهذه لها قصة يطول شرحها، كلّ هذا أدّى إلى ارتباط هؤلاء الناس بالشام من داخل المجتمع الكوفيّ وفي ظلّ حكومة أمير المؤمنين علي (علیه السلام). كان مجتمعًا مضطربًا.

من ناحيةٍ أخرى كانت للشام ميزة – ليس من ناحية طريقة التفكير الإسلامية- بل ميزة عينية وخارجية، أمرٌ لا يمكن تجاهله وهو: لم يكن هناك غير العرب في الشام؛ أي لم يكن هناك غرباء من خارج المنطقة، كان أهالي الشام عربًا، لذا كانت الروح العروبيّة هي الطاغية. أولئك الذين كانوا على ارتباطٍ مباشر بجهاز الخلافة من داخل الشام، كانوا عربًا. وهكذا خلقت العصبية العربية نوع من الوحدة والتعاضد بينهم؛ بينما لم يكن الأمر على هذا النحو في الكوفة. كان هناك الكثير من الفرس في منطقة الكوفة والذين يُصطلح عليهم بـ “الموالي” وكانوا يرون أنّ لهم حقوقًا في المجتمع٬ وهكذا كان وهو أمرٌ صحيح؛ فكانوا يُبدون آراءهم، ويعبّرون عنها، وكان أمير المؤمنين (علیه السلام) ينصت إلى آراء جميع الناس عملًا بالسيرة الإسلامية، ويعمل بموجبها، كان يسمع لكلام هؤلاء[22] وكان هذا يؤدي بشكلٍ طبييعي، إلى انعدام الشعور بالانسجام بين الموالي والعرب كما هو عليه الحال في الشام.

اختلاف السياسات عند الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية

انتهاج معاوية لسياسات غير إسلامية

من ناحية كان معاوية يستعمل أساليب غير منسجمة تمامًا مع المفاهيم والقيم الإسلامية، بينما لم يكن الإمام علي (عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسن (عليه السلام) ليستعملا هذه الأساليب. كان معاوية سخيًّا حسبما يقول المؤرخون ويقول أحد الكتاب العرب حول سخاء معاوية: كان معاوية سخياً نعم، لكن في الأمور التي لو كان الإنسان يملك القليل من الدين أو الشرف لما رضي بهذا السخاء. أي أنه كان حاضراً لأن يتخطّى شرفه ويدوس عليه بسهولة، ومستعداً لتجاهل جميع القيم الإسلامية، فكان سخاؤه بهذا المعنى. كان يهب الأموال جزافًا، أموال بيت المال طبعًا٬ لأنّه في الأساس لم يكن لدى معاوية موردًا آخر لبذل المال، كانت جميع مصارفه لدعم حكومته وسلطته.[23]

التزام الإمام علي والإمام الحسن (عليهما السلام) بالأحكام الإسلامية

لكن في حكومة أمير المؤمنين (علیه السلام) أي في نظام الحكومة العلوية -حيث شأن الإمام علي (علیه السلام) والإمام الحسن (علیه السلام) شأن واحد لا يتجزّأ -هذه المسائل ليست مطروحة في الحكومة العلوية؛ … طلحة والزبير والكثير من الرؤوس الأخرى ابتعدوا عن الإمام علي (علیه السلام) وتركوه لوحده بسبب هذه العدالات[24]. ابن عم أمير المؤمنين وتلميذه الخاص[25] والمسلم المشهور بسمعة جيدة في المجتمع الإسلامي، أعني عبد الله بن عباس -الراوي المعروف الذي ملأ اسمه كتب الحديث الشيعية والسّنية ، أحد الشخصيات المغشوشة والمشبوهة في التاريخ –  ضاق ذرعًا بعلي (علیه السلام) ولم يتحمّل عدله فتركه وذهب إلى المدينة أو مكة[26] للحصول على حياةٍ مرفّهة، وانكبّ على تدوين أحاديثه وواصل زهده وعبادته. لقد تعب أصدقاء علي وأعداؤه من الزهد الذي يعيشه وعدالته في تقسيم المال العام ولم يتحملوه.

حسناً هذا معنى الالتزام بالأصول. معاوية لم يؤمن من الأساس بتلك الأصول كي يلتزم بها. لكن في حكومة أمير المؤمنين والإمام الحسن، الأصول محترمة، بل وتطبّق بدقة وصرامة؛ وهذا فرق آخر بين هنا وهناك. لقد كان معاوية شخصاً مرائياً، يعمل شيئًا في الخفاء ويُظهر عكسه أمام الناس٬ لقد كان الإمام الحسن منزّهًا من هذه الرذيلة المشؤومة ومن الرياء، وظاهر قضاياه [وتصرفاته] كان اتباعًا لما هو صحيح وتقتضيه المصلحة، كان الناس يعرفون ويفهمون ذلك. لقد كانت تقوى الإمام الحسن والتزامه بالأصول شديدة لدرجة أنّ البعض اعتبروه ساذجًا ]والعياذ بالله[، لكنّ المسألة ليست مسألة سذاجة. إذا كان الناس في الماضي يظنّون أنها السذاجة فاليوم يعرفون أنّها لم تكن كذلك. لقد نُعت علي (علیه السلام) بهذه السذاجة أيضًا، وقيل عنه هذه الأمور، لكن اتّضح لاحقًا بعد التمحيص والبحث والدقة، وبفضل تقدّم الأفكار، بأنها [أي منشأ هذه التصرفات] التزام بالأصول والمبادئ٬ وهي أهم شيء بالنسبة للإنسان الثّوريّ، وهكذا الأمر بالنّسبة للإمام الحسن (علیه السلام).

عادةً ما ننظر إلى القضايا من بعيد ونهمل التّدقيق والمتابعة الكاملة، لهذا اعتدنا على التسرّع في إطلاق الأحكام حسب الظاهر. وفي مسألة صلح الإمام الحسن (علیه السلام) أحد إشكالات العمل، هو وجود الأحكام المسبقة؛ الجميع أطلقوا أحكامهم وفكّروا في الموضوع بأنفسهم وتصوّروا المسألة بشكلٍ ما وأتمّوها. يجب إزالة الأحكام المسبقة وهذه هي إحدى إشكالات القضيّة.

الإمام الحسن (علیه السلام) كان يعيش في ظلّ هذه الأوضاع، وهذه الأجواء الاجتماعية الملبّدة، بينما كانت الأوضاع عند معاوية جيّدة ومناسبة ومنسجمة جداً لتطوّر شخصٍ بمثل تفكير معاوية وأهدافه.

كذبة ذكاء معاوية ودهاؤه السياسي

من الجيّد أن أذكر هذه المسألة أيضاً أنّ أحد الأمور التي تؤدي إلى التشخيص والحكم الخاطئ في موضوع الصلح هو أنّه قد أشيع عن معاوية أنّه شخص ذكي جداً وداهية[27]، والقاعدة تقتضي بأنّه إذا عُرف أحد الشخصين المتنازعين بالذكاء فسيعرف الآخر بالسذاجة. طبعاً هو كذلك. عندما تسمعون بخصومة شخصين وتعرفون أو تعتقدون بذكاء وصواب رأي وتدبير أحدهما، وإذا كنتم قد رأيتم منه فعلاً مجملاً ومشتبهاً تحملون على أساس تلك السابقة وتقولون: “إنّ هذا عملاً ذكياً، لا بدّ أننّا لسنا مطّلعين على صوابيّة هذا العمل”، وفي النقطة المقابلة، توصف أفعال الطرف الآخر في مواجهة شخصٍ ذكي ومقتدر، بالسذاجة وقلّة التدبير؛ والحال أنّ التاريخ يرينا أنّ إشاعة دهاء معاوية، أو ذكاؤه وحدّة رأيه، ما هي إلا إشاعةً لا أساس لها من الصّحة.

لم يكن معاوية رجلاً داهية، ولم يكن رجلاً ذكياً جداً. كان يستخدم أساليب لا يعد استخدامها ذكاءً، بل قلّة ضمير. ليس من الذّكاء أن يكذب الإنسان ويفتري وأن يصل إلى مآربه من خلال هاتين الصفتين في تعامله مع شخصٍ لا يتعامل بهما. هذا لا يسمّى ذكاء وشطارة؛ هذه شيطنة، نوعٌ من الشيطنة. نعم لا إشكال في وصف معاوية بفضيلة الشّيطنة في التاريخ، لكن التّدبير والعمل على أساس حساباتٍ معيّنة تختلف ماهيته عن الشّيطنة، كما أن الذّكاء يختلف عن الشّيطنة. وفي مقابل معاوية كان الإمام الحسن (علیه السلام) شخصاً لا يعمل بهذه الشيطنة.

لكن تدبير الإمام الحسن (علیه السلام) وذكاءه وحدّة رأيه يُدهش الإنسان الذي يدقّق النظر ويفهم ويحلّل قصة الصلح جيداً، يرى أنّه عمل بشكلٍ أعمق وأروع ممّا قد يصل إليه فكر أمثال معاوية الذي لا يستطيع أن يحسب له حساباً، لقد فكّر الإمام الحسن (علیه السلام) وعمل.

صعوبة الأوضاع واشتداد الفتن في عصر الإمام علي والإمام الحسن (عليهما السلام)

حسناً٬ الآن الإمام الحسن في مواجهة معاوية٬ الإمام بماضيه المشرّف ونمط تفكيره – أي نمط تفكير جده النبي (ص) – في ظلّ هذا الجو غير المناسب، وأنا لم  أتحدث بالتفصيل عن عدم التناسب هذا وأجواء المجتمع؛ يبدو أنّه كان عليّ أن أسهب في الشرح.

عندما فتحت جيوش الإسلام البلدان المجاورة واتّسعت رقعة الحدود الإسلامية من الناحية الجغرافية، لم يتعمّق الفكر بمقدار سعة الحدود الجغرافيّة للأسف. لقد أسلم الناس، ورضوا بالإسلام، لكن لم يكن كإسلام أبي ذر، ولا مثل إسلام الّذين كانوا تعلّموا في مدرسة قوية داخل الحجاز أو في المدينة أو في مكة؛ إنّهم أناس رأوا دينًا من بعيد وأعجبهم على أيّ حال، وجذبتهم دعوات الحرية في هذا الدين، والشّعارات الجذّابة والتي غالباً ما كانت تقترن بالعمل، فالتحقوا به [اعتنقوا الإسلام]. لكن هذا شيء، والتّعمق في العقائد والأفكار الإسلامية شيء آخر. التّواجد تحت مكبس التمارين الإسلامية الشّديدة، المشاركة في أنواع الميادين الجهاديّة الصعبة بأنواعها المختلفة والحصول على التّجارب المختلفة، وصقل النفس، مسألة أخرى، حيث كان أكثر الناس محرومين منها.

ثمّ إنّ صورة المتنازعين على الخلافة لم تكن واضحة للناس. اليوم يسهل علينا تعريف النّاس بوجه معاوية الحقيقي؛ اليوم لا يمكن لأحدٍ الدفاع عن معاوية في المجتمع الإسلامي والمعاويون مدانون في التاريخ؛ هذا يتعلّق بالحاضر٬ وكلّ ذلك ببركة صلح الإمام الحسن طبعاً وسنوضّح ذلك.

أما في ذلك الزمان، لم يكن الناس يعرفون معاوية كما أعرفه أنا وأنتم اليوم. في ذلك اليوم كان هناك شخصان يتنازعان على الخلافة – أقصد في زمان أمير المؤمنين، قبل الإمام المجتبى (عليه السلام) حتى – كان هناك شخصان يتنازعان على الخلافة في نظر عامة الناس، أحدهما صهر النبي (ص) وابن عمّه -علي بن أبي طالب- والآخر هو أخو زوج النبي (ص)، والصحابي، وكاتب الوحي[28] – معاوية بن أبي سفيان- لم يكن الفرق بين معاوية وعلي (علیه السلام) واضحاً للناس كوضوحه لي ولكم اليوم؛ كانوا ينظرون من بعيد ويحكمون بشكلٍ سطحيّ على القضية. الفرق في أنّهم كانوا يعتقدون أنّ أهلية معاوية للحكم أقل من أهلية علي (عليه السلام). كانت المسألة في هذه الحدود ولم تتجاوزها أكثر، طبعاً هذا يعود للأشخاص الذين كانوا يعيشون في مناطق بعيدة عن الكوفة؛ لم يكن الوضع على هذه الحالة مائة في المائة في داخل الكوفة وكان فيها الكثير من الناس الذين يعرفون حقيقة معاوية، لكن مع هذا كانت هناك مجموعة من الناس يحكمون على معاوية وأمير المؤمنين (علیه السلام) على هذا النحو.   

لهذا السبب انقضت سنوات حكومة علي (عليه السلام) الخمس بتلك المرارة. كانت المشكلة التي يعاني منها علي (عليه السلام) هي هذه النقطة٬ لم يكن هناك كفر صريح ضده لكي يحاربه طبقًا لآيات القرآن الكريم الصريحة. كانت المشكلة التي يعاني منها علي (عليه السلام) تداخل صفوف الحق والباطل في زمانه. كان الناس يحكمون على الظاهر ولا يفهمون الأمور كما يجب وقد قضى علي (عليه السلام) مدة طويلة من عمره الشريف في تبيين الحقائق.

ففي حرب صفّين يأتي أحدهم ويقف بوجه أمير المؤمنين ويقول يا علي! لماذا تحارب هذا الفريق؛ بينما نحن نرى أنهم يصلّون جماعة، نرى أنهم يقرؤون القرآن -هذه هي مصيبة السذاجة والسّطحية- نحن نرى أنهم يتلون الأذان ويعظّمون ذكر الرسول؛ لماذا نقاتل إخوتنا المسلمين؟ ثم أرسله أمير المؤمنين إلى عمّار، وقال له اذهب وقل هذا الكلام لعمّار واسمع ما يقوله لك بدقة.[29] عندما ذهب إلى عمّار، قال له: أقسم بالله! لقد رأيت هذه الراية، وشعار معاوية هذا، وراية بني أمية هذه، حيث كان نفس الشخص الواقف تحتها اليوم، أي معاوية، يقف تحتها في ذلك اليوم، وفي الجهة المقابلة للحرب رأيت نفس هذه الراية المنصوبة فوق رأس علي بن أبي طالب اليوم منصوبة هناك ويقف تحتها النبي وكان هذان الجيشان يتقاتلان تحت هاتين الرايتين.[30] أي كان يقول لماذا أنت ساذج إلى هذه الدرجة؟ لماذا أنت سطحيّ إلى هذا الحد؟ لماذا لا تنظر إلى السوابق؟ لماذا لا تقرأ الملف [منذ بدايته]، لماذا لا تفهم الحقائق؟ وإلاّ فمن الطبيعي جداً أن يلتحق بنو أمية -أعداء الإسلام- بالإسلام ظاهرياً عندما لا يمكنهم محاربة الإسلام بشكلٍ علني، طبيعي جداً، يجب أن يكون الأمر كذلك، لكن يجب معرفة حقيقة الأمر.

المشكلة التي واجهت الإمام أمير المؤمنين أنه أراد أن يُعرّف الناس حقيقة الأمر؛ هذه المشكلة لم تكن موجودة في زمن الرسول (ص)؛ وهذا هو الفرق بين زمن الرسول (ص) وزمن علي (علیه السلام). “ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن ذاك ضغث فيُمزجان فحينئذ يشتبه الحقّ على أوليائه[31]“هذا بعضٌ من فضفضة علي بن أبي طالب. يأخذون بعضاً من الحقّ وجزءًا منه، ويمزجونه مع الباطل؛ ويقدّمون باطلهم للنّاس في صورة الحقّ فيخضع لهم الرأي العام؛ يلبسون ملابس الحقّ ويأتون إلى ميدان الحرب لمواجهة الحقّ؛ يرفعون المصاحف بأيديهم ويُحاربون القرآن وعلي (علیه السلام)، وهو القرآن الناطق، كان على الإمام (علیه السلام) أن يوضّح هذا للناس.

لقد حارب أمير المؤمنين (علیه السلام) لمدة خمس سنوات – إلّا بضعة أشهر تقريباً – في هذه الحرب، حارب طلحة والزبير بسبب اختلاف الصفوف هذا، أي اختلاف الحقّ والباطل ، وحارب الخوارج للسبب نفسه أيضاً.

كان الخوارج براعم تفتّحت من شجرة بني أمية الخبيثة، وهناك احتمال قويّ بأنّ معاوية هو من حرّض الخوارج أساسًا، وأنّ رؤساءهم كانوا يأخذون الأوامر منه بشكلٍ مباشر.

حارب علي (علیه السلام) الخوارج، واشتبك مع بني أمية في حرب صفّين، واضطّر وأُجبر على التّحكيم، وحارب قبل هذا طلحة والزبير؛ وسبب كل هذه الحروب هو الاختلاف في الصفوف؛ لأنّ الحقّ لم يكن عارياً أمام الناس، ولم يكن بالإمكان ظهوره بهذا الشّكل.

لم يكن أمام علي (علیه السلام) من مفرّ سوى المضيّ في هذا الطريق، كانت الخسائر التي تكبّدها جيش أمير المؤمنين(علیه السلام) في هذا المجال طبيعيّة جدّاً. ولو كان الرسول (ص) موجوداً في نفس الأوضاع، لواجه نفس تلك المشاكل، من دون شك: حالة الخلط وسوء الفهم، وعدم وضوح الحقّ، وعدم تمايز الحقّ عن الباطل، وتمسّك الناس بشعارات الدّين الظّاهرية وترك أساس الدين ولبّه، والاهتمام بالقشور ونسيان الجوهر.

كان الناس قد نسوا أنّ الإسلام يعني التسليم لله دون قيدٍ أو شرط. نسوا أنّ الإسلام يعني اتّحاد جميع الطّبقات بعضها مع بعض إضافةً إلى جميع الحقوق والمزايا الاجتماعية. ونسوا أيضاً أنّ الإسلام لا ينسجم مع العنصريّة، ولا مع الاختلاف الطّبقي، ولا مع تخمة فريقٍ وحرمان آخر، لقد نسوا جميع هذه الأمور، وتذكّروا فقط أنّ الإسلام فيه صلاة، عندما يرون أنّ الصلاة موجودة، يستنتجون وجود الإسلام؛ تذكرّوا أنّ الرسول (ص) كان يأخذ الناس إلى الحج أو يُرسلهم إليه، وفي تلك الأيام كانوا يذهبون إلى الحج أيضاً، لذا كان بالهم مرتاحاً بأنّ الإسلام موجود، وهذا هو بلاء الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً، كان المسلمون غالباً ما يواجهون مثل هذه المشاكل، كانوا قد رضوا ببعض شعائر الإسلام الظّاهرية، شعاراتٍ دون محتوى، وبعيدة عن العقل، أجسادٌ منفصلة عن الروح وقشورٌ خالية من اللّب وخاوية؛ كانوا يُطمئنون أنفسهم بهذه الأمور؛ واليوم ما تزال نفس المشكلة قائمة.

في مجتمعٍ مثل هذا، مجتمع اعتاد على النظام الطبقيّ طوال اثني عشر عاماً من حكومة عثمان، واعتاد على الرّاحة والدعة والتمييز أيضاً؛ أراد أمير المؤمنين (علیه السلام) أن يُطبّق حكومة النبي (ص)، أراد أن يُعرّف الناس على الإسلام الحقيقي؛ وأراد أن يضخّ بين الناس روح الإسلام والتوحيد، والخضوع مقابل الله وعدم الخضوع لأيّ قدرةٍ سوى الله٬ لا أدري إن كنتم تُدركون مدى صعوبة هذا العمل! إنّه صعبٌ جداً! ليت الأمر تعلّق بنشر الدعوة في أوساط أناس لا يعرفون شيئاً عن روح الإسلام، ولم يسمعوا عنه شيئاً، فدعوة مثل هؤلاء الناس أسهل بكثير مقارنةً مع الناس الذين يعرفون بعض الأمور عن الإسلام، ولديهم تصوّرات خاطئة عنه، فهموا بعض المسائل من الإسلام، لكنّهم لم يفهموا كلّ الإسلام ولم يفهموا روح الإسلام، فإزالة الانحرافات واستبدالها بواقعياتٍ وحقائق أصعب من أصل إظهار الحقائق وتبيين ما هو موجود. كان عمل أمير المؤمنين (علیه السلام) هو هذا العمل الأوّلي، ومضت خمس سنواتٍ من حكومة أمير المؤمنين (علیه السلام) بالانشغال في مثل هذه الأمور.

أسباب انهیار [حكومة] الإمام الحسن (علیه السلام)

ورث الإمام الحسن (علیه السلام) هذا الوضع، إذ٬ من ناحية٬ كان الناس قد ذاقوا طعم الرخاء، ومن ناحية أخرى شاهدوا مظاهر الحياة الأرستقراطية في قطبين معاديين للإسلام، أي الروم وبلاد فارس، فمالت الحكومات الإسلامية نحو الأرستقراطية والترف وذلك عندما وافق الخليفة الثاني بشكلٍ صريح على عمل معاوية بعدما أخبروه بأنّ الأخير يبني قصراً أخضرًا، قصراً أرستقراطياً، فقال في الرد عليهم: “ذاك كسرى العرب”[32] أي لا بأس بعمله، فيجب أن يكون لدينا إمبراطورية عظيمة في مقابل الامبراطورية السابقة. 

خلق حبّ معاوية للأرستقراطيّة حالة جديدة بين الناس، فتحرّكت مشاعر الناس العاديين وغرائزهم، ودفعتهم إلى حب الراحة والرّفاهية واللهث وراء المناصب والتّنعم بالمادّيات.

لقد قضى الناس خمس سنواتٍ في الحروب، وهذه مسألة أخرى أيضاً، فقد قاتل أهل الكوفة وحاربوا لمدة خمس سنوات وكانوا متعبون، في مثل هذا الجو الاجتماعي، أراد الإمام الحسن (علیه السلام) أن يحارب معاوية. لقد ورث الإمام (علیه السلام) هذا المجتمع، مجتمعٍ بعيدٍ عن روح الإسلام، الأخيار قلّة فيه والعارفون بالإسلام فيه نادرون جداً. حكم الإمام الحسن (علیه السلام) في حكومة قلّ من يعرف فيها عقائد الإسلام٬ وقليلون جداً الّذين فهموا هدفه ورغبوا به. لكنّ معاوية كان يحكم مجتمعًا يوافق هوى معظم أفراده هواه؛ وما هو هوى معاوية؟ الوصول إلى مالٍ أكثر وسلطة أكبر٬ وتوزيع هذه الامتيازات على الأقرباء ثم أقارب الأقرباء ثم عامة الناس بالمقدار الذي يعتبره لازماً، ومن الطبيعي أن يوافق الناس على هذا الأمر، على الأقل رؤساؤهم موافقون على هذا الأمر بشدة.

ذكرت سابقاً ما قاله العقّاد من أنّ عليًا (علیه السلام) حكم مجتمعاً ليس فيه وفاق أو اتفاق، على عكس معاوية الذي حكم مجتمعًا خالٍ من أيّ اختلاف، هذا الوضع الذي أوجده معاوية ثمرة عشرين سنة من حكمه المستمرّ قبل ادّعاء الخلافة في تلك البلاد. من ناحية أخرى، كان معاوية يعتقد بشدّة بتأثير الرشوة فاتّخذها وسيلة ناجعة لشراء الذمم؛ لقد فهم الوضع بشكلٍ جيّد، بينما لم يكن يُعمل في حكومة الإمام الحسن (علیه السلام) سوى بمرّ القانون ومرّ الحق.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض الأشخاص في صفوف الإمام الحسن ممّن تلقّى الوعود والإغراءات من معاوية لا الرّشاوي، أغراه بالزواج من ابنته أو أخته، أو بحفنة من المال، أو قطع له وعودًا بأن يولّيه على إحدى البلاد[33]. وطبعًا لا يسمح الإمام الحسن (علیه السلام) لنفسه أن ينتهج نفس هذه السياسة٬ أي٬ مثلًا٬ أن يكتب لعمرو بن العاص أنّي سأولّيك على البلاد الفلانية إن تركت معاوية٬ ذلك أنّه لا فرق بين معاوية وعمرو بن العاص بالنسبة للإمام الحسن(علیه السلام) ؛ فعمرو بن العاص مثل معاوية ومعاوية مثل عمرو بن العاص. كل من يتواجد في تلك الصفوف، كل من يفكر مثلهم، حكمه واحد بالنسبة للإمام الحسن (علیه السلام)، والأشخاص ليسوا هم المعيار [كأشخاص] في نظر الإمام الحسن (علیه السلام)، فكل من يقف ضد الحق ويغاير الحق، باطلٌ في منطق الإمام الحسن، هذه هي الظروف التي كانت سائدة في تلك الفترة.

سنمرّ بسرعة على الأحداث التي لا أهميّة لها ونركّز على الوقائع التي يمكن البناء عليها أكثر والتي نحتاجها بشكل أكبر.[34]

كان الإمام الحسن (علیه السلام) يواجه هؤلاء القوم، ويواجه معاوية أيضاً، وحدثت أمورٌ في هذا السّياق وجَرَت جميعها في الجهة المعاكسة لمسير الإمام المجتبى (علیه السلام)، حيث انكشف ضعف عبيد الله بن عباس، وهذا الأمر لا علاقة له بالإمام الحسن (علیه السلام). لقد أرسل الإمام المجتبى إثني عشر ألف جنديٍّ للقتال وعيّن لهم شورى للحرب تتألّف من ثلاثة أشخاص. عيّن في المرتبة الأولى عبيد الله بن عباس وفي المرتبة الثانية قيس بن سعد بن عبادة وفي المرتبة الثّالثة شخصاً ثالثاً، لقد أرسلهم على رأس هذا الجيش وكان هؤلاء بمثابة خواص الشيعة ضمن الجيش المؤلّف من اثني عشر ألف رجلًا المجتمعين في “مسكن”.

يثبت المرحوم آل ياسين (رضوان الله عليه)[35]  بأدلّة متعدّدة، أنه تعيّن ولزم اختيار شخصٍ كعبيد الله بن عباس لقيادة الجيش – وليس لديّ المجال الآن لذكر هذه التفاصيل[36]– لقد قُتل طفلي عبيد الله على يد معاوية وكان ذاهبٌ لمواجهة قاتل طفليه، أليس هذا جيّداً؟ أن يُرسل لقتال معاوية، شخص قُتل طفليه على يد معاوية[37] فيكون في مواجهة قاتل طفليه؟ أضف إلى كونه هاشمياً، وكان هناك اختلاف دائم بين بني هاشم وبني أمية، إضافةً إلى كونه من الأقارب، فهناك اشتراك [بينه وبين الإمام الحسن (علیه السلام)] في الفكر، وفي المدرسة، وفي المجتمع، وفي الكثير من المناسبات، هو شريكٌ في كلّ ما قد تفترضوه. لقد أرسل الإمام المجتبى هذا الشخص، لكن الضعف البشري، والخيانة، والتشكيكات التي تؤدّي إلى الخيانة ولا شيء ينقذ الإنسان من إعصار هذه التشكيكات سوى الإرادة القوية والعزم الرّاسخ الثابت. ذهبوا إلى هذا الرجل، فخُدع بالمليون درهم أو دينار التي سيُقدّمها له معاوية. فانسلّ في جنح الظلام وغادر المكان، وعند الصباح استيقظ الناس فلم يجدوا قائدهم؛ فعرفوا فيما بعد أنّ عبيد الله غادر في منتصف اللّيل[38]. تسبّب هروب عبيد الله بن عباس بأوّل انكسارٍ في معنويات جيش الإمام الحسن (عليه السلام)؛ وهو أخو عبد الله الذي ذكرتُ اسمه سابقاً، وهذه الأسرة من أوّلها لآخرها لم تكن  مخلصة للإسلام، فأوّل هزيمة طالت جيش الإمام الحسن كانت على يد عبيد الله بن عباس.

بعدها نشر معاوية إشاعة في جيش “المسكن” الذي انتقلت قيادته لقيس بن سعد، مفادها أنّ الإمام الحسن تصالح مع معاوية وطالت معنويات الناس هزيمة أخرى؛ لظنّهم أنّ الإمام المجتبى قد وافق على الصلح، لكن هناك مجموعة لم تُصدّق ما قيل بسبب وجود بعض الأشخاص الّذين يتميزون بعمق تفكيرهم، وعلى رأسهم قيس بن سعد بن عبادة المؤمن الثوري الزاهد المتفكّر، لكن طبعًا هناك من ترك الجيش، بينما بقيت مجموعة على جهوزيّة وكانت الأكثرية. أمّا جيش المدائن، فقد كان بؤرة الاختلافات ومحور الاضطرابات وانعدام النظام في جيش الإمام الحسن (علیه السلام).

كلّ ما ذكرته سابقاً كان مجتمعاً في جيش المدائن؛ تلك الاختلافات المرتبطة بالعرق والعنصر والنسب التي كان لها تأثيرها من ناحية، والبعد عن مصادر الفكر الإسلامي والاكتفاء بالإسلام بشكلٍ سطحي فقط، كان له تأثيره أيضًا من ناحية أخرى، عصيانهم وعدم انسجامهم ووجود جواسيس معاوية وأتباع فكر معاوية بينهم، والخوارج الذين يحتمل كثيراً أنهم يستلهمون أفكارهم من معاوية كان لهم تأثيرهم أيضاً، وانتشرت إشاعات معاوية بأنّ الإمام المجتبى يريد أن يصالح لينتهي الأمر، فقام قيس بن سعد بالصلح، وهرب عبيد الله أيضاً؛ مما أدى إلى حصول اختلاف وانشقاق بين الناس[39].

هذه هي الطرق التي لا يستخدمها الإمام الحسن (عليه السلام) ولا يجب أن يستخدمها [بينما كان معاوية يستخدمها].

فمسألة الالتزام بالأصول، مسألة أعلى من جميع المصالح المؤقتة، فلا معنى لأن يقوم الإنسان – الذي يعتقد بالتوحيد كمنهج عمليّ وكأسلوب –  ولو بعملٍ واحدٍ ملوّثٍ بالشّرك، فهذا تضادٌ مع الأصول، والتزام الإمام الحسن (علیه السلام) بالأصول لا يُجيز له استخدام أساليب معاوية التي تليق بمعاوية ولا تليق بالإمام الحسن (علیه السلام).

استحالة انتصار الإمام الحسن (علیه السلام) على معاوية

صارت الأوضاع على نحو يتلخّص في هذه الكلمة، الإمام الحسن حيثما نظر حوله وجد أنّ احتمال النصر على معاوية لا يتجاوز الصفر. وأنا هنا مضطرّ لإحالتكم ثانيةً إلى الكتب المكتوبة في هذا المجال لإثبات هذا القسم من الأحداث. لكن حتى المؤرّخ الذي ليس لديه الكثير من عمق النّظر، [يرى] أنّه من المسلّم ومن الواضح عدم إمكانيّة التغلب على ذلك الجيش. إنّ احتمال انتصار الإمام الحسن على معاوية مع تلك المجموعة المحيطة به وإلحاق الهزيمة به يساوي صفراً، فلم يكن الانتصار ممكنًا.

 الإمام الحسن (علیه السلام) أمام خيارين صعبين

حسناً، الإمام المجتبى (علیه السلام) القائد الروحي والأخلاقي، الذي يبني فكرًا، ويحافظ على المدرسة، والمسؤول الأوّل عن حفظ القرآن ومدرسة الإسلام؛ يقف على مفترق طريقين -وسنتكلّم عنهما لاحقاً وليس الآن- ويواجه هذه المسألة وهي بما أنّ الانتصار العسكري في الحرب ليس ممكناً الآن، ولا يوجد احتمال له في الحرب المنظمة بين الجيشين، فهل يُقدم على حربٍ سياسية وأخلاقيّة، ليحفظ المدرسة والخط الفكري المسؤول عنه أم لا؟ في هذه “الـ لا”، طبعاً يوجد الكثير من الطرق والاقتراحات الأخرى، لو كنتم أنتم [مكان الإمام]، ما هو القرار الذي تتخذونه أمام هذا الترديد إذا كنتم أشخاصًا ملتزمين أخلاقيًا وتتحملون المسؤولية؟ لم يكن النصر العسكري في هذه الحرب المنظمة ممكن، فهل نضع يداً على يد؟ هذا خيار في هذه القضية، هل نقتل أنفسنا ببطولة؟ وهذا يُعدُّ خيارًا آخر؛ أو ننسحب [كما تقول الآية] “إلاّ متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ” لنجد طريقاً نحو النصر، وإن كان هذا الطريق لا يُعدّ نصراً أو طريقاً للنصر ظاهرياً؟

اختار الإمام الحسن (علیه السلام) الخيار الأخير، لأنّه وجد أنّ خسارته في الحرب العسكرية حتمية، ففضّل أن يوقف الحرب بشكلٍ ما حالياً، وأن يوقف العدوّ في المكان الذي وصل إليه، وأن يحفظ نفسه وزبدة المؤمنين في جبهة الحق والإيمان، ويدّخرهم و يخطّط لهجومٍ كبير في الفرصة المناسبة التي يوجدها لنفسه، وهذا القدر المسلّم أصولي وأخلاقي وقد يكون عسكرياً أيضًا. لقد اختار الإمام الحسن (علیه السلام) هذا الطريق، اختار عملاً له فائدة طويلة الأمد وبعيدة المدى؛ لهذا السبب لم يفهم غالبية الناس –  حتى أصدقاءه – ماذا فعل.

لم يفهم أصدقاء الإمام الحسن المقرّبين وأجبروا على السّؤال فيما بعد وقد أظهر الإمام الحسن رأيه وأوضحه لهم من زوايا معيّنة[40]، فلم يكن المطلب واضحاً لأحد في بداية الأمر؛ لا لمعاوية الذي كان عدواً، ولا لأصدقائه والمقرّبين منه، ولا حتى للأصحاب والأنصار القريبين.

مضار اختيار الإمام الحسن (علیه السلام) للحرب

نعم، كان بإمكان الإمام الحسن (علیه السلام) القيام بعملٍ يتناسب مع فهم الناس الأوّلي؛ فهو من أبناء بني هاشم، الذين قال عنهم الإمام السجّاد (علیه السلام) أن سجّيتهم الموت؛ الموت الشريف[41]، هم أولئك الذين فُتحت لهم أبواب الشّهادة ومستعدون لفداء الدين ومدرسة الإسلام بأرواحهم. الإمام المجتبى (علیه السلام) بهذا التاريخ العائلي – إن لم نعتبره تاريخًا فكريًا – كان من الممكن أن يُقترح عليه اقتراح في البداية: لماذا لم تذهب أنت مع هذه الثّلة القليلة لتُقاتل وتُقتل، لتستشهدوا وتكون الشهادة فخراً لكم كما كانت لأخيك الحسين (علیه السلام) ؟

هذا السؤال مطروحٌ في ذهن غالبية الأشخاص الذين يُناقشون هذه النقطة من قضية صلح الإمام الحسن، نعم هذا عملٌ حماسيّ. لو ذهب الإمام المجتبى إلى ميدان الحرب وأشعل حرباً ضاريةً في ذلك اليوم وقُتل هو وأصحابه وسالت دماءهم، لكان من الممكن أن ينظر عشرة أشخاصٍ أو عشرون شخصاً أو مائة شخصٍ بل وحتى ألف شخصٍ بإعجابٍ إلى هذه الحادثة ويمدحون فعل الإمام، لكن هذا العمل كان بمنزلة القضاء على مدرسة الإسلام بشكلٍ كامل.

لو قُتل الإمام الحسن (علیه السلام) في تلك الحرب، لكان ذلك يعني انفصال الإسلام عن المجتمع البشري إلى الأبد. نعم، كان هذا الأمر سيُشعر البعض بالفخر ويحصل الإمام على تقدير واحترام مجموعة من الناس في ذلك الزمان القريب، لكن الإمام الحسن (علیه السلام) تصرّف بشجاعة، وتنازل عن التقدير والاحترام الذي كان البعض سيكنّه له في ذلك اليوم، أو كان التاريخ سيسجّله له بشكلٍ ما، مثلاً يقرأ أحد الباحثين اسمه في أحد الكتب في زاوية من المكتبة ويقدّره، أو يشعر باحترامٍ له؛ لقد تنازل الإمام الحسن (علیه السلام) عن هذا الاحترام والتقدير، وتحمّل سباب أصدقائه وشتائمهم، واعتراض أنصاره المقرّبين، وتحمّل نظرة الأجيال المعوجّة حول الحادثة التي توالت عبر سنين، ودفع ذلك ثمناً لحفظ الإسلام وحفظ الدين.

الإمام الحسن (علیه السلام) أشجع الشخصيات عبر التاريخ

أعتقد أنّ الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام. نعم، قد تسألون هل هو أشجع من علي (علیه السلام) وأشجع من أخيه الحسين (علیه السلام)، الذي ضحّى بنفسه في ميدان الحرب الدموي بتلك التضحية العجيبة وأودى بحياته؟

أنا أعتقد أن غاندي أفريقيا الجنوبية أشجع من غاندي الهند بكثير. لقد تعرّض غاندي للضرب على أيدي أصدقائه في أفريقا الجنوبية، تعرّض للضرب على أيدي أولئك الأشخاص الذين تحمّل من أجلهم ألم الغربة وألم القتال وهاجر إلى أفريقيا الجنوبية، لقد اجتمعوا عدة مرات وضربوا غاندي، وارتفعت أصوات اعتراضاتهم عليه مراراً بأنك أنت من تسبب في حصول هذه الصعوبات و..؛ برأيي أنّ غاندي في أفريقيا أكثر إشراقاً وشجاعة من غاندي في الهند، الذي تهتف الفرق والجماعات باسمه.

نعم، الشجاعة الحقيقية هي أن يُقدم الإنسان على ما يتوافق مع مصلحة فكره وإيديولوجيته؛ حتى لو لم يفهم ذلك أحد. ولقد كان الإمام الحسن (علیه السلام) مستعدّاً للتضحية بنفسه واسمه وسمعته في سبيل المصلحة الحقيقية؛ كان راضياً أن لا يعرفوه في مقابل أن يتعرّفوا على الإسلام٬ وفي مقابل حفظ الإسلام. هذه هي خلاصة الموضوع بشكلٍ عام.

 هل كان الإمام الحسن (علیه السلام) يستطيع أن يستشهد في الحرب مع معاوية؟ لا، لم يكن ذلك ممكناً له.

من هو الشهيد؟ الشهيد هو الذي يُضحي بروحه، ويسفك دمه، في سبيل بقاء الفكر الذي يحترمه؛ هذا هو الشهيد. فالحسين بن علي شهيد لأنه قدّم نفسه كي تبقى القيم التي كان يحترمها في المجتمع الإنساني.

شهداء طريق الحرية طوال التاريخ، شهداء طريق الحقيقة والقيم الأصيلة، هؤلاء شهداء لأنهم كانوا مستعدين لتقديم أنفسهم ووجودهم وما يجعل الإنسان إنساناً، أي حياتهم، في مقابل أن يبقى ذلك الفكر، كانوا مستعدين بموتهم وقتلهم في سبيل فكرهم وهدفهم لضمان بقاء الهدف.

لكن قتل الإمام الحسن في ميدان “المسكن” لم يكن من هذا القبيل. إنّ معنى قتل الإمام الحسن (علیه السلام) في ميدان الحرب، هو انسحاب المنافس الوحيد لمعاوية من طريقه، انسحاب الشخص الوحيد القادر على فضح معاوية ونشر زيفه، في مقابل أساليب معاوية المبطنّة والمرائية، [فمقتل الإمام يعني] أن لا يجد معاوية مثل هذا الشخص أمامه. لو ضحّى الإمام الحسن (علیه السلام) بنفسه، لقُتل الشخص الوحيد الذي يمكنه رفع القناع عن وجه معاوية القبيح وتعريف الدنيا على حقيقة معاوية.

ما هو تصوّرك عن مجتمع يكون معاوية على رأسه ولا يوجد فيه أمثال الإمام الحسن أو الإمام الحسين؛ أن يكون هناك شخصٌ على رأس المجتمع معارضٌ بكامل وجوده؟ معترضٌ على التوحيد الذي يعني نفي جميع القدرات سوى قدرة الله، ومخالف بشدة للوحدة الطبقية، والانتفاع العام من الفرص والإمكانات والحقوق الاجتماعية؛ يقول بأصالة وموضوعية نفسه وكل ما يتعلّق به؛ ليس لديه ذرّة إيمانٍ بالإسلام ولا يلتزم بالإنسانية بمقدار رأس إبرة وهناك فكر واحد يُكوّن جميع أساليبه، وهو الاغترار بالنفس والعجب والتعلق بها.

المجتمع الذي يرأسه هكذا شخص، دون أن يكون هناك شخص عارف بالإسلام فيه، أو لا يكون هناك ملف للثورة الإسلامية في ذلك المجتمع، شخص يمكنه فضح نقاط ضعف معاوية، وتقديمها للتاريخ، – فهي سواء وصلت إلى المجتمع في ذلك الزمان أم لم تصل، لكنها ستصل إلى الأجيال اللاحقة على الأقل- إذا لم يكن مثل هذا الشخص في المجتمع، فما هو انطباعكم عن مثل هذا المجتمع؟

كان من الممكن أن يواجه الإمام الحسن (علیه السلام) وضعاً مثل هذا، أي عندما كان محاصراً في المدائن، مع أصحابه ضعاف الرأي والنفوس، ومع الأعداء المتربصين الذين حاولوا اغتياله عدة مرات بل وهجموا عليه بهدف قتله[42]، كان يمكنه في ذلك الوقت أن يصطحب مجموعة من أصحابه المخلصين وينطلق في الخفاء باتجاه “مسكن” ويقوم بهجوم مباغت مع جيشه الذي ينتظر أوامره هناك بقيادة قيس بن أسعد، يهاجمون قلب جيش الأعداء ويُقتلون جميعاً ويُقتل الإمام الحسن أيضاً. كان بإمكان الإمام الحسن (علیه السلام) أن يقوم بهذه الخطوة؛ طبعاً هذا عمل بمقدور الجميع فعله، لكن ما منع الإمام الحسن (علیه السلام) من القيام بهذا الأمر لم يكن الخوف، فالإمام الحسن لا يخاف الموت.

عدم الحاجة لإثبات عدم خوف الإمام الحسن (علیه السلام) من الموت بالوثائق التاريخية

انظروا، هناك مسائل لا تحتاج لأيّ سندٍ تاريخي، بل يمكن للإنسان أن يفهمها بقليل من التأمّل والتفكير. إذا أراد شخصٌ أن يعرف ما إذا كان الإمام الحسن (علیه السلام) يخاف من الموت أم لا، لا حاجة لوجود سندٍ تاريخيٍ يدل على شجاعة الإمام الحسن (علیه السلام) وأنه لا يهاب الموت. بل يكفي أن نعلم بأنّ الحسن بن علي (علیه السلام) من السّلالة الهاشمية، من سلالة الّذين يعتبرون الموت لعبة في أيديهم ولا يخافون منه. وهو ابن علي بن أبي طالب (علیه السلام) أسد الإسلام الشجاع وأسد الله ورسوله، وهو أخو الإمام الحسين (علیه السلام) الكبير والمطاع، هذه هي أسرته ومحتده الشريف. من ناحية أخرى٬ من يتنازل عن الخلافة وحكومة الإسلام ويواجه سيول الاتهامات، فهل ستغريه هذه الحياة ليرضى بمثلها ولا يفضّل الموت في سبيل فكره وعقيدته؟ إضافةً إلى هذا، إنّه يعرف معاوية أكثر من أيّ شخصٍ آخر وقد عايش هذه السلالة -آباؤهم وأفرادهم- ويعرف من أيّ فئة من الناس هم وأيّ طريقٍ سياسيٍ ينتهجون، إنّه يعرف بأنّ معاوية في نهاية المطاف لن يدعه وشأنه؟ هل تحتاج معرفة هذه [الأمور] إلى سندٍ تاريخي؛ يكفي أن نعلم نحن بأنّ الحسن (علیه السلام) من أيّ سلالة وفي أيّ زمانٍ كان يعيش. 

الوثائق التاريخية على شجاعة الإمام الحسن (علیه السلام)

لكن توجد وثائق تاريخية على شجاعة الإمام المجتبى (علیه السلام)، وقد ظهرت في عدة وقائع تاريخية معروفة.

في واقعة “ساباط”[43] هذه عندما قاموا بمهاجمته، ظهرت شجاعة الإمام.[44] وفي واقعة [قتل] عثمان عندما حوصر منزل عثمان، ثبتت شجاعة الإمام بشكلٍ واضح.[45] في حروب أمير المؤمنين، ظهرت شجاعة الإمام المجتبى وعدم خوفه من الموت بل إقباله عليه بشكلٍ واضح وجلّي في جميع تصرّفاته[46]، إضافةً إلى أنّ معاوية نفسه وهو عدو الإمام الحسن كان يمتدح شجاعته.

ربما تسألون كيف تلطّف معاوية ومدح الإمام المجتبى (عليه السلام)؟ يوجد الكثير من هذا المديح في التاريخ عن لسان معاوية وعمرو بن العاص وزياد بن أبيه وعبد الله بن الزبير وأعداء الإمام الحسن الألدّاء، عندما كانوا لا يعتبرون الإمام الحسن منافساً أو معارضاً لهم، لم يكن لديهم مشكلة في مدحه أيضاً. غالباً لا يمدح الإنسان منافسه؛ وهو غير مستعد لمدح أو تمجيد شخص يكون في الجهة المقابلة له أو يعتبره عدلاً له، لكن ليس لديه مشكلة في مدح من لا يكون في منطقته أو لا يخالفه. وهذا هو منشأ طمس ذكر المعاصرين غالباً؛ لكن يتمّ مدحهم كثيراً عندما يموتون، بسببب عدم وجود معارضة. لكن ما داموا أحياء لا يتمّ ذكرهم. معاوية لا يعرف الخسارة التي طالته بهذا الصلح؛ لم يكن يفهم أسلوب الإمام الحسن المستقبلي في مواجهته، لم يكن يدرك هذه الأمور.

لم يكن الزمن على نحوٍ يُوضّح جيداً ويُبيّن فعل الإمام الحسن، لهذا لم يكن يعلم ولم يعُد يعتبر الإمام الحسن معارضاً له، وبات مستعدّاً لمدحه ومدح شجاعته أيضاً.

فقد جاء في الرسالة التي كتبها معاوية إلى زياد بن أبيه في أحد المناسبات، يقول فيها أنّ هذا ابن من كان الموت يرافقه أينما ذهب؛ و”هل يلد الرّئبال إلّا نظيره”[47]؛ إذاً كان الإمام الحسن (علیه السلام) شجاعًا لا يهاب الموت، لم تكن الحياة مسألة مهمّة [بالنسبة له] لتجعله يتحمّل مثل ذلك الوضع.   

جهاد جميع الأئمة (علیه السلام) خلال مدة 250 عام من الإمامة

إذاً لماذا لم يختر الإمام الحسن (علیه السلام) الشهادة؟ بما أنّ الخوف من الموت لم يكن مطروحاً بالنسبة له، يجب البحث عن سببٍ آخر، وهنا تكمن النقطة الحساسة في بحثنا. وقد انتهى الوقت للأسف، سأُشير بشكلٍ مختصر وأترك باقي الموضوع للجلسة التالية. هناك سنذكر أنّ مسألة الصلح لم تكن مطروحةً لنا من وجهة النظر هذه؛ كانت مسألة أخرى مطروحة وهي اعتقادنا بأنّ أئمتنا كانوا يجاهدون.

يجب أن يكون هذا هو اعتقاد الشيعة، والتاريخ يشهد بأنّ أئمتنا كانوا منشغلين بالجهاد دائماً طوال مدة حياتهم البالغة مائتين وخمسين عاماً، وللإمام الحسن (علیه السلام) دورٌ أساسي وبارزٌ جداً في هذا الخط الطولي. كنا نريد أن نبيّن هذا الدور إلى حدٍّ ما. هذا هو موضوع الخطبة التالية، وسنترك باقي البحث إلى ذلك الوقت.

السبب الأساسي في موافقة الإمام (علیه السلام) على إيقاف الحرب

أقول هذا المطلب بشكلٍ إجمالي وهو أنّ الإمام المجتبى لم يكن مستعداً لأن يُقتل وذلك لأنّ قتله يعني فناء منافس معاوية وبمعنى إخلاء الساحة لمعاوية كي يتغطرس ما أمكنه ذلك ويفعل كل ما يحلو له، وهذا يعني فتح الطريق أمام معاوية لتغيير وجه الإسلام؛ بمعنى تسليط معاوية على بيت مال الأمة الإسلامية وأرواحها وأعراضها، وتسليط أتباع معاوية أيضاً على أرواح البشريّة وأموالها، وترك [الإمام] دوره الحساس وموقعه المسؤول، وحاشا للإمام المجتبى (علیه السلام) العظيم، وريث البيت النبوي والدوحة الهاشمية أن يتنازل عن مسؤوليةٍ عظيمة مثل هذه.

وافق [الإمام (علیه السلام)] على الصلح، كي يستطيع الاستمرار في منصبه، وتنازل عن الحرب مع معاوية وأوقف الحرب ظاهرياً، كي يستطيع البقاء في مقامه وفي عمله ألا وهو رصد الإسلام والمحافظة على القرآن وهداية أجيال التاريخ المستقبليين؛ كي يستطيع القيام بهذه الأمور في وقتها وكما يجب.

ظلامة الإمام الحسن (علیه السلام) ومحنته بعد الموافقة على إيقاف الحرب

طبعاً إنّ قبول الصلح كان مؤلماً للإمام (عليه السلام) بشكلٍ كبير، وفيه الكثير من العناء، وفتح عليه الكثير من الاعتراضات، وجعل الكثير يُسيئون الظن به، لقد تحمل آلاماً  كثيرة لكنها تُعتبر ضئيلة أمام هذا الألم الأول، إلا أنها غير قابلة للتحمل بالنسبة للإنسان، وفي النهاية قدّم الإمام نفسه في هذا الطريق وقاموا بدسّ السمّ للإمام بعد عشر سنوات[48].

كانت هذه الأمور موجودة، لكنها جميعاً محلولة بالنسبة للإمام المجتبى. من السهل جداً عليه أن يسمع من أصحابه الاتهامات والافتراءات والاعتراضات والانتقادات والإشكالات، ويسمع السباب من الأعداء، لكنّه عمل بما يمليه عليه واجبه على أكمل وجه في تلك النقطة التاريخية الحساسة، وسدّ الفراغ الموجود في زمانه، ومهّد الأرضية للحركات والثورات والنشاطات اللاحقة وخلاصة الأمر، مهّد لواقعة كربلاء.

صلح الإمام الحسن (علیه السلام) مقدمة لجميع الثورات من بعده

وأُكرر أنّه لولا صلح الإمام المجتبى (علیه السلام) لما كانت واقعة كربلاء، ولا واقعة “الفخ”[49]، ولا حادثة “زيد”[50]، لم تكن لتحصل جميع الوقائع التاريخية العظيمة التي قامت بها سلالة بني هاشم طوال حكومة بني أمية وبني العباس ولما كانت هذه الصفحات التاريخية المضيئة التي لكلٍّ منها دورٌ في إنارة وتبيين وجه الإسلام الحقيقي، ولكان الإسلام الموجود حالياً -إن وجد- هو إسلام معاوية، والقرآن -لو كان موجوداً- لكان قرآن معاوية، وإذا كان للإسلام نبيٌ لعرف باسم معاوية، ولكانت باقي الأسماء أسماء منبوذة في زوايا التاريخ. هذه خلاصة للموضوع الذي سنناقشه في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.

نسألك وندعوك اللهم باسمك العظيم الأعظم يا الله… إلهي بحق محمد وآل محمد، بيّن الحقائق لعيوننا


  • [1] سورة الأنفال، الآيات 15 و 16.
  • [2] هناك نقص في الشريط
  • [3] الموضوع أو الأمر المبهم والمعقّد الذي يصعب حلّه.
  • [4] تاريخ الطبري، ج8، ص93؛ مروج الذهب، ج3، ص300.
  • [5] صفة الرجل الذي يتزوّج كثيراً ويطلّق.
  • [6] حياة الإمام الحسن (ع)، قرشي، ج2، ص452-454.
  • [7] محمد بن عبدالله المحض (100-145ه) من أحفاد الإمام الحسن (ع) والمعروف بصاحب النفس الزكية. قام المنصور الدوانيقي هو وجماعة من بني هاشم بمبايعته هو وأخيه إبراهيم. كان يعيش في الخفاء طيلة مدة حكم السفاح. في زمان المنصور قام الأخوين. انطلق محمد إلى المدينة واستشهد على يد جيش المنصور في مكان يدعى أحجار الزيت.
  • [8] فيليب خوري هيتي (1978-1886م).
  • [9] رجال النجاشي، ص16-17 وص434-435.
  • [10] مقاتل الطالبين، ص71؛ اختيار معرفة الرجال، ص112؛ بحار الأنوار، ج44، ص51.
  • [11] المَسكِن موضع في الكوفي (الصحاح، ج5، ص2136) قريب من ساحل نهر الدجيل ودير الجاثليق. في عام 72 ه ق، في هذا المكان حصلت واقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير والتي أدّت إلى قتل مصعب وقبره معروفُ هناك.
  • معجم البلدان، ج4، ص125-128.
  • [12] الأخبار الطوال، ص216-217؛ إرشاد الشيخ المفيد (ره)، ج2، ص10-12؛ بحار الأنوار، ج44، ص46-47.
  • [13] المدائن أو التيسفون، في شرق نهر دجلة  في العراق، عاصمة ملوك الساسانيين في إيران، والتي سيطر المسلمون عليها عام 16 للهجرة. بقايا قصر أنوشيروان في هذه المدينة، هي مكان دفن صحابيين كبار مثل سلمان الفارسي. راجع: معجم البلدان، ج5، ص74-75. 
  • [14] أنساب الأشراف، ج5، ص12؛ مروج الذهب، ج2، ص342-343؛ بحار الانوار، ج31، ص197.
  • [15] شرح نهج البلاغه، ابن ابی الحدید، ج15، ص136؛ بحار الانوار، ج33، ص89.
  • [16] انساب الأشراف، ج5، ص542-543؛ امالی شیخ مفید (ره)، ص161-165؛ بحار الانوار، ج22، ص414-416.
  • [17] اخبار الدوله العبّاسیّة، ص81-83.
  • [18] مناقب آل ابی طالب(ع)، ج3، ص194؛ شرح نهج البلاغه، ابن ابی الحدید، ج10، ص100؛ بحار الانوار، ج33، ص394.
  • [19] عبّاس محمود العقّاد (1889-1964م) أديب وشاعر وصحفي مصري٬ كان عضوًا في مجمع اللغة العربية في مصر.
  • [20] عبقريّة الامام علی(ع)، صص 54-62.
  • [21] التنبیه و الإشراف، ص135؛ البدء والتاریخ، ج5، صص 184-185.
  • [22] بعض الأدلة والشواهد على هذا الأمر:
  • الف) تعيين عامل للموالي: وقعة صفين، ص149-150.
  • ب) متابعة شكاوى الموالي: الكافي، ج5، ص318-319.
  • ج)الوصية بالتعامل الحسن مع الموالي: بحار الأنوار، ج34، ص319.
  • [23] عبقريّة الامام علی(ع)، ص55-58.
  • [24] المعیار و الموازنة، ص112-114؛ فضائل امیر المؤمنین(ع)، ص94-95؛ بحار الانوار، ج29، ص31.
  • [25] امالی الشیخ المفید (رحمه الله)، ص235-236؛ شرح نهج البلاغه، ابن ابی الحدید، ج1، ص18؛ بحار الانوار، ج40، ص157.
  • [26] انساب الأشراف، ج2، ص169-176؛ اختیار معرفة الرجال، ص60-63؛ بحار الانوار، ج42، ص153-155.
  • [27] تجارب الأمم، ج1، ص574؛ تاریخ مدینة دمشق، ج19، ص182.
  • [28] لا يعتقد سماحته بأنّ معاوية كان كاتب الوحي.
  • [29] جئتك لذلك فقال عمار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة [لي؟] – وأومأ إلى راية عمرو بن العاص ـ قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهنّ ولا أبرّهنّ بل هي شرّهنّ وأفجرهنّ٬ أشهدت بدرا وأحدا ويوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرها لك؟ قال: لا. قال: فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وإن مراكز هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب فهل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ والله لوددت أن جميع من أقبل فيه [مع] معاوية [ممن] يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أترى دم عصفور حراما؟ قال: لا بل حلال قال: فإنهم حلال كذلك أتراني بينت؟ قال: قد بينت قال: فاختر أي ذلك أحببت  – بحار الأنوار، ج 32، ص 492 – المترجم.
  • [30] وقعة صفّین، ص340-341؛ بحار الانوار، ج32، ص491-492.
  • [31] نهج البلاغه، الخطبة رقم 50 (بتصرّف).
  • [32] انساب الأشراف، ج5، ص147 ( بتصرّف).
  • [33] علل الشرائع، ج1، ص220-221؛ بحار الانوار، ج42، ص33.
  • [34] جنابه: أنا آمل أن أعطيكم طرف خيط في موضوعنا اليوم كي تتمكنّوا من المطالعة بأنفسكم، والتفكير فيه أكثر.
  • [35] الشيخ راضي آل ياسين (1314-1372ه ق) عالم، ومحقق ومؤرخ شيعي ومن الأسر المعروفة في مدينة الكاظمية. له مؤلفات متعددة في مواضيع مختلفة، حيث كان كتابه “صلح الحسن” موضع اهتمام الكثير من العلماء. ترجم قائد الثورة الإسلامية هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية عام 1348ش.
  • [36] يمكن مراجعة كتاب “صلح الحسن” للكاتب الشيخ راضي آل ياسين (ره).
  • [37] أنساب الأشراف، ج2، ص456-458؛ ج2، ص614-617.
  • [38] مقاتل الطالبیین، ص73؛ ارشاد شیخ مفید (ره)، ج2، ص12-13؛ بحار الانوار، ج44، ص47-48.
  • [39] تاريخ اليعقوبي، ج2، ص215.
  • [40] بعض الشّواهد:
  • الف) روشنگری امام برای سلیمان بن صرد خزاعی (توضيح الإمام لسليمان بن صرد الخزاعي): الإمامة والسیاسة، ج1، ص185-187.
  • ب) بیان علّت صلح برای ابا سعید(تبيين سبب الصلح لأبي سعيد): علل الشرائع، ج1، ص211.
  • ج) خطبه ای امام حسن (ع)در جواب معترضان به صلح (خطبة الإمام الحسن (ع) للمعترضين على الصلح): بحار الانوار، ج44، ص19.
  • [41] الفتوح، ج5، ص123؛ اللهوف؛ بحار الأنوار، ج45، ص117.
  • [42] بعض الشواهد:
  • الف) الاغتيال في معسكر المدائن: أنساب الأشراف، ج3، ص34-35.
  • ب) الاغتيال حين الصلاة: علل الشرائع، ج1، ص220-221.
  • [43] ساباط إسم مدينة في المدائن يقال لها “بلاس آباد” في الفارسية. سميت ساباط على اسم ساباط بن باطا أخ نخير جان. راجع: معجم البلدان، ج3، ص166-167. 
  • [44] المراد من حادثة ساباط محاولة الاغتيال في المدائن، راجع: أنساب الأشراف، ج 3، ص 34 -35؛ إرشاد الشيخ المفيد (ره)، ج 2، ص 9 – 12؛ بحار الأنوار، ج 44، ص 45 -47.
  • [45] الفتنة ووقعة الجمل، ص 64 – 65؛ مروج الذهب، ج 2، ص 344 – 345.
  • [46] بعض الشواهد:
  • في النهروان: الاستيعاب، ج 3، ص 939.
  • في الجمل: مناقب آل أبي طالب (ع)، ج 4، ص 21.
  • في صفين: بحار الأنوار، ج 32، ص 563.
  • [47] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 16، ص 195.
  • [48] أنساب الأشراف، ج1، ص404؛ شرح الأخبار، ج3، ص128؛ بحار الأنوار، ج44، ص135.
  • [49] في ذي القعدة من عام 169 ه ق، ثار الحسين بن علي وهو أحد أحفاد الإمام الحسن المجتبى (ع)، في زمان حكومة الهادي العباسي وسيطر على المدينة، ثم غادر إلى مكة واشتبك مع الجنود العباسيين في مكان يبعد فرسخاً واحداً عن مكة ويدعى “الفخ” وقد استشهد في النهاية.
  • راجع: تاريخ الطبري، ج8، ص192-203.
  • [50] زيد بن علي بن الحسين (ع) والذي كان يعيش في زمن الإمام الباقروالإمام الصادق (ع)، ثار ضد هشام الأموي واستشهد في أول صفر عام 122 ه ق في الكوفة على يد الجنود الأمويين، بقي جسده مصلوباً حتى بعد موت هشام، وعندما جاء الخليفة الذي يليه أنزل جسده وأحرقه.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟