مواضيع

الجهاد يتلازم مع التفوّق في المجال الاقتصادي

لقد استشرفنا في «وثيقة الرؤية المستقبليّة العشرينيّة»[1] التي تُعدّ وثيقةً أساسيّةً حاكمةً على ما دونها، والتي تعدّ مرجعًا مهمّاً لنا، لقد استشرفنا فيها أنّنا سنبلغ بالبلد المرتبة الأولى في القطاعات الهامّة والحيويّة، ويجب علينا بلوغ هذه المرتبة.

وبالتأكيد فإنّ الآخرين لا يقفون منتظرين كي نجتازهم ونكون الأوائل، فهم يبذلون جهودهم في هذا المضمار أيضًا، فنحن نلحظ النشاطات الاقتصاديّة الحثيثة لبعض البلدان التي هي ضمن نطاق تنافسنا على المرتبة الأولى. ونحن طبعاً لا نتّبع بعض الأساليب التي تتّبعها هذه البلدان، ولن نتّبعها أبدًا؛ لأنّنا نتصرّف بأُسلوبٍ أنقى وأشرف وأنبل، لكنّنا نؤمن بقدرتنا على بلوغ المرتبة الأُولى عبر هذا الأُسلوب إذا ما زدنا من سرعتنا وانضبطنا أكثر، وهذا الأمر بحاجةٍ إلى جهادٍ، فنحن نحتاج إلى كلٍّ من السرعة من جهة وإلى التدبير من جهة أخرى حتّى نتمكّن من بلوغ هذه المرتبة.

إنّ سعينا لبلوغ هذه المرتبة ليس نزوةً، لنقول وصلنا إلى المرتبة الأولى، بل إنّ مصير الأُمَم مرتبطٌ اليوم بهذا الشيء، فإذا أخفق بلدٌ في أن يتطوّر أو في أن يُؤمّن نفسه اقتصاديّاً وعلميّاً ومن ناحية البُنى التحتيّة للتقدّم، فسوف يكون معرّضًا لتطاول الآخرين على الدوام. نحن لا نُريد أن نُصبح فريسةً للآخرين.

لقد كان بلدنا عرضةً للنهب والعدوان طوال مئتي عامٍ،‌ وأمّا أسباب هذا العدوان فكان من جهةٍ بسبب عجزت السلطة الملكيّة الهزيلة الفاسدة التي لم يكن هدفها سوى الأطماع الدنيويّة، ومن جهة أخرى كان بسبب الحِراك والحيويّة لدى الطرف المقابل -المعادي-.

لقد دخل البريطانيّون في سنة 1800م لأوّل مرّة إلى الأجهزة والمؤسّسات السياسيّة لبلادنا، فراحوا يتدخّلون ويزيدون من نفوذهم، وبدؤوا يستقطبون هذا الطرف وذاك الطرف، وقد فعلت الشيء نفسه بعض البلدان الأوربيّة الأخرى في نفس الفترة أو في فترة قريبةٍ من ذلك التاريخ، وخلال تلك المدّة؛ عندما دخل بلادنا أوّل سفيرٍ بريطانيٍّ عام 1800 م؛ إذ كان قادمًا من الهند ـ التي كانت تقبع تحت سلطة الاستعمار البريطانيّ، وكان فيها نائبًا يمثّل الإمبراطوريّة البريطانيّة يحكمها ـ وكانت مدينة بوشهر أوّل موطأ قدمٍ له بعد أن رست سفينته فيها، ومن هناك بدأ بدفع الرشاوى وشراء الضمائر، وبالفعل نجح في ذلك، فجميع مسؤولي البلاد آنذاك من أُمراء وشخصيّاتٍ رنّانةٍ قد انحنوا خاضعين لهدايا هذا السفير! ومنذ ذلك الوقت بدأ الأعداء بنهب بلدنا، لأنّه كان هشّاً ولا وجود للحسّ الوطنيّ فيه آنذاك، الأمر الذي سمح لهم بالتغلغل فيه وبسط نفوذهم عليه؛ ونحن لا نُريد استمرار هذا الأمر طبعًا، فثورتنا هي سدٌّ منيعٌ وفولاذي بوجه هؤلاء الأعداء، وهدفنا هو ترسيخ دعائمه أكثر فأكثر.

ونحن لن نسمح لهم بأيّ وجهٍ من الوجوه بالتدخّل في قضايانا الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة أو التحكّم في مصيرنا ومقدّراتنا مهما حصل، وهذا الأمر يتطلّب رصّ الصفوف في داخل البلاد، وأحد أهمّ دعائم هذا التراصّ هو «الاقتصاد».

ومن هنا، فإنّنا حينما نقول: نريد أن نكون في المرتبة الأولى، فهذا هو هدفنا من ذلك، وليس ذلك من باب النزوة؛ كلّا، الأمر ليس كذلك، بل إنّ مصير أُمّتنا مرتبطٌ به؛ لذا فإنّ الجهد المتواصل والمؤثّر، والذي يتمّ بذكاءٍ وإخلاصٍ، والذي يتمّ بالطبع من خلال تسخير جميع طاقات البلد، سيكون له تأثيرٌ في هذا المجال[2].


  • [1]– تمّ شرح المراد بهذه الوثيقة في بداية الفصل الرابع، فراجع. (المترجم)
  • [2]– من خطاب سماحته بالناشطين في القطاع الاقتصادي للجمهوريّة بتاريخ 17-8-2011م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟