مواضيع

الإسلام؛ آخر نسخة من الله للإنسان

إنّ دين الله ليس فقط طهارةٌ ونجاسةٌ، إنّه ليس مجرّد أفعالٍ دينيّةٍ ظاهريّةٍ؛ إنّ دين الله خطّة سعادة الإنسان في الدّنيا والآخرة. كما يضمن هذا البرنامج النّمو الرّوحيّ للمجتمعات البشريّة وتطوّرها، فإنّه يضمن أيضاً تنشيط المواهب الفكريّة وتنمية شخصيّاتهم وقدراتهم. إنّ دين الله من النّاحية المعنويّة يلتفت إلى الحياة الدّنيويّة للإنسان ولديه خطّةٌ للسّعادة البشريّة، لقد حدّد أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في نهج البلاغة الغرض من بعثة نبيّ الإسلام الأعظم(ص) على النّحو التالي: «يُثيرُوا لَهُمْ دَفائِنَ الْعُقُولِ»؛ أي ليستخرجوا الكنوز الصّغيرة من النّاس وجعلها تؤتي ثمارها، كما نقرأ في زيارة الأربعين لسيّد الشّهداء(ع): «لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ»؛ قامت الثّورة الحسينيّة لإزالة غيوم الجهل والغفلة من أفق الحياة البشريّة وتوجيهها لتقودهم إلى الطّريق الصّحيح[1].

نقص المذاهب البشرية

إنّ من خصائص الدين الإسلامي المقدّس خصوصاً الفكر الشيعي الذي يمتاز بعدة أمور احتواؤه على جميع العوامل الضرورية لتكامل الفرد والمجتمع الإنساني؛ وهذا شيء مهم جدّاً.

فقد تُعرض على البشر ثقافة أو حضارة أو عقيدة، والتي قد تحتوي على نقاط إيجابية تؤدي إلى تفجير الطاقات الكامنة عند البشر وتحريك قابلياتهم، فيعملون ويبدعون ويبنون ويستثمرون ويعمّرون العالم، إلاّ أنّ في هذه العقيدة خلل يؤدي بالناس الذين حصلوا على منافع هذه العقيدة إلى التعرض لمختلف الأضرار والصعاب، وأحياناً تكون الأضرار أكبر من المنافع.

المثال البارز على ذلك التفكير الغربي الراهن، والثقافة الرأسمالية، والحرية الفردية والعلمانية الشائعة في الغرب.

وعليكم يا مَنْ تبلّغون الدين والقرآن أن تدقّقوا في هذه الأمور كثيراً.

وحينما نذكر الثقافة الغربية، لا نقول: إنّها فاسدة ومنحطة من ألفها إلى يائها …

ولكن لم تتوفر في هذه الثقافة عوامل الحفاظ على التكامل الحقيقي للإنسان فقد غفلها هؤلاء ولم يلتفتوا إليها.

فمثلاً لو صنعتم خزّاناً للمياه لتوفّروا للناس المياه الصالحة للشرب، وأحكمتم جدران هذا الخزّان وسددتم جميع نوافذه وتركتم منفذاً واحداً لدخول الماء فيه، وأحكمتم هذا كله ولم يبق لديكم قلق من هذه الناحية، إلاّ أنكم لم تلتفتوا إلى أنّ هذا الماء سيتسمم بسبب مجاورته لمعدن أو مادة معينة.

أجل؛ سيتجمّع الماء وسيكون بارداً زلالاً، وسيشعر الإنسان باللذة حينما يشربه إلاّ أنّه ملوث بالجراثيم والديدان.

فالذي أعدَّ هذا الخزّان لم يلتفت إلى هذا الجانب، وإنّما التفت إلى جوانب أخرى فقط.

كذلك أغلب العقائد البشرية من هذا القبيل، حتى العقيدة الرأسمالية، فلقد شاهدوا الجوانب التي تحثّ الإنسان على العمل وبذل الجهد والتطور والتكامل المادي والثروة والعلم وما إلى ذلك من الأمور وهي صحيحة إلاّ أنّهم لم يلاحظوا الجوانب الأخرى.

فالمجتمع الذي ترتفع فيه ناطحات السحاب وتزداد فيه الثروات و… ومع ذلك ينتشر فيه الفقر والبؤس بين أناس كثيرين، وفيه من يموت جوعاً، وفيه الاضطهاد، والأسوأ من هذا كله الفساد الشامل الذي دخل حتى إلى منازل الذين بهرتهم هذه الثقافة، فنغصَّ عليهم حياتهم.

إذاً؛ فقد تحوّل هذا إلى شيء ناقص وقبيح.

إنّ أهليّة العقيدة هي في توفّرها على جميع العوامل، وإلاّ فعالمية العقيدة جيدة ويمكنها غزو العالم إلاّ أنّها لا تتمكن من الحفاظ عليه، وبإمكانها أن تحافظ على الثروات الطبيعية، ولكنها لا تستطيع أن تحافظ على الطاقات الإنسانية، وبإمكانها أن تحرز تقدماً مادياً إلاّ أنّها لا تحرز تقدماً معنوياً، وبإمكانها إقرار المساواة بين الناس كالعقيدة الشيوعية – ولكنها لا تتمكن من القضاء على العنصرية والتمييز الطبقي بين الطبقات الراقية.

لقد عمد الشيوعيون إلى تخصيص المؤن، وقضوا على الثروات الخاصة ليتساوى الناس فالذي كان ثرياً انتكس، وتساوى الجميع، أي غدا الناس فقراء بأجمعهم، وفي موضع آخر قضوا على الأغنياء لينتفع الفقراء، وعلى كل حال هم يدّعون اليوم أنهم ساووا بين الطبقات الفقيرة.

المنهج الشمولي للإسلام

إنّ ميزة الإسلام إنّما هي في اشتماله على جميع عوامل التكامل الإنساني المادي أو المعنوي، ففي الإسلام هناك: <خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً>[2] و<قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ>[3]، والاستفادة من الثروات الماديّة والعمل والسعي، وتقبيل الرسول(ص) يدَ العامل، وعمل أمير المؤمنين(ع)، وهذا كله يُشير إلى شيء، وكذلك فيه هذه الحقيقة: وهي أنّ الذي لا يعمل لا يستجاب دعاؤه.

فقد حبس البعض أنفسهم في البيوت تمسكاً بقوله تعالى: <وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ>[4]! فقال النبي(ص): إنّ اللّه سوف لا يستجيب أيَّ دعاء لكم. لماذا؟ ليتّجه المجتمع نحو التنمية والبناء.

قارنوا بين أيام الإسلام الأولى حيث كان الناس يعيشون في الصُّفَّة، وبعد خمسين سنة حيث ملأت النِعَم المادية الدولة الإسلامية، فهذه التنمية كانت بسبب هذا البُعد.

كما أنّ الإسلام يدعو أيضاً إلى التكامل المعنوي، ويحثّ على زيارة بيت اللّه: <قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ>[5]، <وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ>[6]، فلا قيمة لحياة الإنسان الروحية والمعنوية إلاّ بالتوجه إلى اللّه، فبمجرد أن تغفلوا عن اللّه فسيفقد هذا القلب حيويته وستموت هذه الروح، وإذا تذكر عاد القلب إلى حيويته، وإذا طال أمدها ستتحول إلى جماد.

هذا ما يقوله لنا الإسلام وآيات القرآن: <أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ>[7]، <أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ>[8].

هذا ما يدعوا إليه الإسلام، وفي نفس الوقت يحثّ الإنسان على اكتشاف الثروات الطبيعية وإعمار الدنيا والإمساك بالمعدات المادية، وتسليح الذهن بالعلم، والتعرّف على الدنيا والطبيعة والمادة والثروات واكتشافها واستثمارها لأنّها تعود إليهم ـ، وفي الوقت نفسه يأمر الإسلام بإنجاز هذه الأمور قربة إلى اللّه، وعدم إغفال ذكر اللّه، وامتثال هذه الأمور بشكل عبادي؛ أي أنّ الإسلام يجمع بين السعي والإعمار المادي وبين الإعمار المعنوي.

لذا فإنّ الذي كان في الإسلام يسعى وراء الإعمار المادي هو أيضاً (أزهد خلق اللّه)، فأمير المؤمنين(ع) الذي يحفر القناة بيده حتى يخرج الماء منها كما يخرج الدم من منحر البعير، يخرج بثوبه الذي علاه الوحل ويجلس على حافة البئر ويأخذ صحيفةً ليكتب عليها: (أوقفت هذه البئر وتصدقت بها على الفقراء)؛ أي أنّه يعمّر الأرض وينفقها لوجه اللّه، فهو أكثر الناس إنفاقا وأكثرهم إصلاحاً، كما أنّه من الناحية المعنوية الأعلى والأسمى.

وقد جمع الإسلام بين هذين الأمرين[9].


  • [1].  بيانات سماحته في الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2006م
  • [2].  البقرة: 29.
  • [3].  الأعراف: 32.
  • [4].  الطلاق: 3.
  • [5].  الفرقان: 77.
  • [6].  غافر: 60.
  • [7].  الحديد: 16.
  • [8].  الرعد: 28.
  • [9].  بيانات سماحته أمام العلماء والداعين قبل شهر محرم الحرام بتاريخ 15-5-1996م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟