مواضيع

وظيفة الحوزة كوظيفة الأنبياء: الجهاد والنضال

علماء الدين في الإسلام هم رُوّاد الإصلاح والرقيِّ والتقدّم، وقد أُلقيَت هذه المسؤوليّة على عاتق علماء الدين، وهو ما ورد في نهج البلاغة: «وما أخذَ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظّة ظالمٍ ولا سغبِ مظلومٍ»[1]، ومعنى ذلك هو أنّ عالم الدين لا يُمكنه أن يسكت أو يأخذ جانب الحياد حيال الظلم والإجحاف وتجاوز الناس على بعضهم بعضاً، فالحياد لا معنى له هنا.

إنّ القضيّة لا تنتهي بأن نعرض على الناس حكم الشريعة والمسائل الدينيّة، بل إنّ مهمّة العلماء هي مهمّة الأنبياء، «إنّ العلماء ورثةُ الأنبياءِ»[2]، فلم تكن مُهمّة الأنبياء تقتصر على مجرّد عرض المسائل الشرعيّة، ولو اكتفى الأنبياء بهذا الجانب وببيان الحلال والحرام للناس لما كانت ثمّة مشكلة تجاههم، و لما عارضهم أحدٌ.

وفي هذه الآيات الشريفة التي تلاها القارئ المحترم بصوته الحسن وتجويده الجميل، ورد قوله تعالى: <الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ>[3]، ولنا أن نتساءل: أيُّ تبليغٍ هذا الذي تندرج فيه خشية الناس وعلى الإنسان أن لا يخشاهم حينما يُبلِّغ؟ لو كانت القضيّة تقتصر على بيان جملةِ أحكامٍ شرعيّةٍ لما كان هناك سببٌ للخوف بحيث يُثني الله تعالى على الذين لا يخشون الناس ولا يخشون أحدًا إلّا الله.

ما هو سبب التجارب الصعبة التي عانى منها الأنبياء الإلهيّون طوال أعمارهم المباركة؟ وما الهدف منها؟ وقال تعالى <وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا>[4]، فما هي الرسالة التي ينبغي القتال من أجلها؟ وتعبئة جنود الله من أجلها والزحف بهم؟ هل كانت مجرّد ذكر بضعة عباراتٍ عن الحلال والحرام وبعض المسائل؟ لقد ثار الأنبياء لإقامة الحقّ، وإقامة العدل، ومقارعة الظلم والفساد، وتحطيم الطواغيت،‌ وليس الطاغوت هو ذلك الوثن الذي يُعلّقونه على الجدران أو يضعونه في الكعبة أيّام الجاهليّة، فذلك الوثن ليس بشيءٍ حتّى يطغى.

وإنّما الطاغوت هو ذلك الإنسان الطاغي الذي يفرض صنم وجوده على الناس اعتمادًا على ذلك الصنم المعلّق على الجدران، والطاغوت هو فرعون <إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ>[5]. هذا هو الطاغوت.

هؤلاء هم الذين حاربهم الأنبياء وقارعوهم ووضعوا أرواحهم على الأكف ولم يقعدوا ساكتين عن الظلم والتعسف وإضلال الناس.

هؤلاء هم الأنبياء؛ «إنَّ العُلماءَ وَرثةُ الأنبيَاءِ»، ونحن إذا كنّا نرتدي ثياب علماء الدين ـ سواء مِنّا الرجال أم النساء،‌ والسنّة أم الشيعة ـ فنحن في الواقع ندّعي ادعاءً كبيرًا ونقول: نحن ورثةُ الأنبياء! فماذا تعني وراثة الأنبياء هذه؟ إنّها تعني مقارعة كل تلك الأمور التي يُعَدُّ الطاغوت مظهرًا لها، تعني مقارعة الشرك، والكفر، والإلحاد، والفسق، والفتنة.

هذا هو واجبنا، وليس بوسعنا الجلوس والسكون، ثمّ نقنع أنفسنا بأنّنا عرضنا على الناس بضعة مسائل، إنّ التكليف لا يرتفع بهذه الأمور[6].


  • [1]– نهج البلاغة، الخطبة 3
  • [2]– الكافي، لمحمّد بن يعقوب الكليني، ج1، ص32
  • [3]– الأحزاب: ٣٩
  • [4]– آل عمران: ١٤٦
  • [5]– القصص: ٤
  • [6]– من خطاب سماحته في لقائه بعلماء وطلّاب شيعة وسنّة في كردستان بتاريخ 13-5-2009م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟