مواضيع

الوفاء من التأسيس إلى قلب الثورة وصناعة الحدث

انطلق تيار الوفاء الإسلامي في مرحلة لها تحدياتها الداخلية والخارجية، وكان لتيار الوفاء الإسلامي دور مهم جداً في صناعة الخطاب والوعي الديني، والحدث السياسي والميداني على الساحة البحرانية، بِدءاً من مرحلة ما قبل انطلاق الثورة في 14 فبراير 2011م، حيث كان للتيار دور رئيس في حفظ الخط الثوري انطلاقاً من صلوات الجماعة، والخطب الأسبوعية واللقاءات الدورية مع الناس والشباب في البلدات، وإقامة الفعاليات الاحتجاجية، وتوجيه النقد للعملية السياسية القائمة في ذلك الوقت، وصولا لمرحلة الثورة وأحداثها ومخاضاتها.

وفي العمر القصير نسبياً لتيار الوفاء الإسلامي فقد وجد نفسه قبال مرحلة جديدة، وهي مرحلة الثورة، وقد خاض التيار هذه المرحلة بجدارة، وكان وما زال رقماً صعباً في محطاتها المختلفة، وقبيل انطلاق الثورة تصدّر تيار الوفاء الإسلامي مشهد الداعين لها، والمنظرين لها، عبر النّدوات واللقاءات الجماهيرية. يستعرض هذا الفصل جملة من أبرز مواقف وأدوار تيار الوفاء الإسلامي على الساحة البحرانية من مرحلة التأسيس إلى الثورة.

جذور ثورة 14 فبراير

لم تكن ثورة الشعب البحراني في الـ 14 من فبراير من العام 2011م وليدة الصدفة، ولا مجرد تأثر بالنهضات الشعبيّة في دول المنطقة، إنما جاءت بناءً على تراكماتٍ سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة كانت تمر بها البحرين منذ عشر سنوات، ومن هذه التراكمات انقلاب الحاكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة على ميثاق العمل الوطني وإصداره لدستور عام 2002م بإرادة منفردة، وما تلا ذلك من تشعبات مضنية أرهقت واقع البلاد على المستويين الرسمي والشعبي، فقد قاد استفراد النظام البلاد إلى واقع متخلّف جداً، انعدمت فيه فرص التنمية الناجحة في الوقت الذي صعدت فيه القوى الموالية المستفيدة من شيوع الفساد، وتسيّدت على كل المستويات.

إلى جانب ذلك كانت جماهير المعارضة خلال العشر سنوات المظلمة ترى الواقع المتردي والمشتت بين حراك الجمعيات السياسية المسجلة رسمياً وبين قوى وحركات تيار الممانعة الذي يعمل من خارج الأطر الرسمية للدولة، حيث اعتمدت القوى السياسية الرسمية على العمل الرسمي الذي تفرضه أجندة الدولة كالعمل من داخل البرلمان – الصوري – وممارسة العمل المعارض ضمن القواعد والأطر المسموحة من قبل الدولة والمقننة في «قانون الجمعيات السياسية»، وفي نفس الوقت كانت هناك حركات أطلقت على نفسها «تيار الممانعة» استطاعت أن تلعب من خارج الأطر الرسمية من خلال الفعاليات السياسية والاحتجاجات الشعبية المتفرقة في المدن والقرى، والعمل السياسي والحقوقي الخارجي، والخطاب المباشر ضد النظام ورموز السلطة، وكان تأثير هذه الحركات في مد وجزر بسبب ما تعرضت له من حصارٍ أمني ضاغط حيث تعرّض بعض زعمائها وكوادرها للسجن على فترات، علاوة على جو الترهيب الذي مارسته السلطة على هؤلاء ومن يتفاعل معهم، كما أن الخلافات التي تعصف بين أبناء المعارضة قد سيطرت على المشهد بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى نفور عدد كبير من جمهور المعارضة عن التفاعل المباشر مع العمل السياسي المعارض باعتباره أداة فرقة وتشتيت.

لذلك كان لا بد من نور يضيء في وسط هذا الظلام، ويتجاوز إخفاق أقطاب المعارضة السياسية من بلورة برنامج سياسي شامل ومشترك، وكان لابد من طريقة تختلف عن أساليب العمل السياسي التقليدي في التغيير، ومؤمنة بقدرتها ومتطلعة لمستقبل أفضل، فلما هبّت نسائم الثورات في المنطقة كانت الجماهير في البحرين من أكثر الشعوب تحمساً لها، وبعد سقوط طاغية مصر، انبثقت ولادة أمل جديد لحياة حرة وكريمة مع خيوط الفجر الأولى ليوم الـ 14من فبراير في العام 2011م.

الخط الزمني للأحداث

أولاً: مرحلة ما قبل 14 فبراير

أشعلت تونس الشرارة وألهبتها مصر، فقد مثلت ثورة الشعب التونسي وتقدمها السريع مفاجأة صادمة للشعوب الإسلامية، ممّا أعاد لها الثقة في قدرتها على التغيير والتمرد على الواقع المتخلف في تلك البلدان، بعد أن أغرقت الأنظمة الحاكمة الدول الإسلامية في وحول الفساد والاستئثار بالسلطة وحرمان الشعوب من حقها في الحكم وإدارة الدولة، وقد فتحت الثورة التونسية بوابة النور للجماهير المسلمة والعربية الواقعة تحت سطوة القهر من حكم الديكتاتوريات، في وقتٍ كانت فيه الأنظمة السلطوية قد أجهزت تماماً على إرادات شعوبها، إلا فيما شذ وندر من حركات محدودة التأثير.

ولأن الدول الإسلامية والعربية كانت مهيأة بكل أسباب الانفجار الشعبي، لم نلبث زمناً حتى امتد شعاع الثورة التونسية إلى الدول المجاورة التي كانت ترى في التجربة التونسية مصدر إلهاماً لها، ومن أبرزها ثورة 25 المجيدة في جمهورية مصر العربية، والتي عزّز انطلاقها إرادة الشعوب الإسلامية، وأنعش فكرة التغيير الجذري في عقول ووجدان الشعوب التواقة للحرية والكرامة.

وقد عززت التجربتان في تونس ومصر الفكر الثوري لدى أبناء المنطقة الإسلامية، وبالتحديد عند الشباب، بعيداً عن المفاهيم والأساليب الحزبية التقليدية ومفهوم أن السياسة هي فن الممكن، فكان انطلاق الثورات في اليمن والبحرين وليبيا وغيرها حتمياً.

لم يكن الشباب في البحرين إلا بحاجة لفرصة سانحة وشرارة للانطلاق نحو تحقيق آماله العريضة بحقّه في تقرير المصير والتغيير، ذلك أن الشعب البحراني بشكل عام يمتلك تجربةً غنيةً جداً من النضال السياسي في الماضي وفي العهد الحديث، وآخرها تجربة حديثة تمتد لأكثر من 5 عقود، ابتداءً من ستينات القرن الماضي، وتاريخ البحرين السياسي يدلل بوضوح على أن هذا البلد لم يشهد بيئة مستقرة منذ دخول قبيلة آل خليفة البحرين قبل مائتي عام، وحتى انطلاق ثورته في فبراير العام 2011م، فقد كان المشهد السياسي مضطرباً بدرجات متفاوتة من القوة والتأثير، طول تاريخ الحاكم الخليفي.

فالحقيقة بأن الشعب البحراني كان يمتلك جميع مقدّمات الثورة وعواملها من النضج الفكري، والواقع السياسي والاقتصادي المتخلّف، وتراكم التجارب والخبرات، ورفض السلطة للإصلاح، والحنق الشعبي المتزايد، والإجماع على وجوب التغيير، لكن الحال كان ينتظر الفرصة التاريخية المؤاتية لهذا الفوران الحتمي، والتي حلّت فعلاً بالتزامن مع زلزال التغيير الذي هزّ العالم الإسلامي.

وقد تأثر الشباب والناس في البحرين بالإطار التنظيمي للثورة المصرية، الذي بدأ التحشيد لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلان عن يوم للغضب الشعبي العام، والرغبة في التمرد على التخلف، والقضاء على هاجس الخوف، ومحاربة نظم الفساد والاستغلال، وقد أتت عملية محاكاة التجربة المصرية في التنظيم والتحشيد ليوم الغضب الشعبي أثرها الكبير في التحشيد ليوم التحرك الحاسم في البحرين، واستخدم الشعب البحراني شبكات التواصل الاجتماعي لهذ الغرض، وكان من أبرز الأدوات الالكترونية التي أثمرت في خطف أنظار الجماهير في الداخل والمراقبين المهتمين في الخارج – لما يمكن أن يحدث في يوم الغضب الشعبي – هو موقع «بحرين أونلاين» الذي كان يعتبر أهم منصة الكترونية شبابية آنذاك، وقد شكل أبرز محطة تواصل بين الشباب الحالمين بالتغيير، لتبادل الأفكار والرؤى حول تحديد الموعد والمكان والشكل الذي ينبغي أن يكون عليه يوم الغضب، وتحقق ذلك فعلاً، حيث حدد الشباب 14 فبراير يوماً لانطلاق الثورة، وحددوا «دوار اللؤلؤة» مكاناً للاعتصام المركزي.

تيار الوفاء الإسلامي والحلفاء وتبنّي مشروع ثورة 14 فبراير

من بين العوامل التي أثرت في انطلاق يوم الغضب في البحرين، هو القائد الشعبي والرمز السياسي البارز والناطق باسم تيار الوفاء الإسلامي فضيلة الأستاذ عبدالوهاب حسين، حيث كان من بين طليعة المتحمسين لهذه الفكرة، والتي تبناها بشكل صريح ومباشر، فقد كان فضيلته المنظّر الأكثر بروزاً لهذا اليوم، وأول رمز سياسي ووطني تبنّى الفكرة وساند الشرائح الشعبية وعمل على التحشيد للثورة، وكانت خطواته الأولى:

تخصيص يوم الغضب الوطني كمحور للنقاش في مجلس فضيلته الذي كان يعقد ليلة الثلاثاء من كل أسبوع، ويحضره جمع كبير من الناس وخاصة الشباب، وفي 8 فبراير 2011م بالتحديد دعا الأستاذ عبدالوهاب حسين في مجلسه جميع النخب والجماهير للمشاركة الفاعلة في يوم 14 فبراير2011م، وأجمل سلة المطالب السياسية الرئيسة، وقدّم مجموعة من التوصيات والإرشادات للنّاس لضمان نجاح فعاليات هذا اليوم، وتم تطبيقها بالكامل تقريباً.

عقد فضيلة الأستاذ عبدالوهاب حسين في تاريخ 10 فبراير 2011م لقاء مفتوحاً مع أهالي جزيرة سترة – أحد أكثر مناطق البحرين سخونة – وكان ذلك بهدف حشد جماهير المنطقة للخروج والتظاهر، وكان يدير اللقاء الشاب المهندس الشهيد علي المؤمن والذي لحق بركب الشهداء بعد هذا اللقاء بأيام معدودة، وقد جدّد فضيلة الأستاذ في ذات اللقاء الدعوة للخروج في المناطق ابتداءً قبل الخروج للمناطق المركزية، وأكد على مشاركة جميع الفئات في هذا اليوم، ووجه الشباب لتنظيم أنفسهم كفرق ميدانية تعد العدة لهذا اليوم.

كما كان للتحشيد الذي قامت به الحركات الثلاث – تيار الوفاء وحركتي حق والأحرار – وجمهورهم أثراً إيجابياً تمثَّل في رفع المعنويات والحس الثوري لدى الشرائح الشعبية بشتى قناعاتها، والتي رأت في التحشيد والحماس في الشارع بشارة خير وعلامة قوة لا ينبغي إحباطها، في الجانب الآخر أثار التحشيد بعض الحركات السياسية الرسمية، فهي لم تكن في الأصل ترى إمكان إطلاق الثورة، أو أن القيام بالثورة خطوة صحيحة، وعملت لكي تثني القوى التي تحشد ليوم الغضب من الاستمرار في مشروع إطلاق الثورة، وعملت هذه الحركات على استخدام وسائط دولية صديقة للمعارضة البحرانيّة لثني قادة التحرك من التحشيد والتبني للثورة.

في يوم 13 فبراير، أي قبل يوم واحد من انطلاق يوم الغضب الوطني المقرر، استدعى الأستاذ عبدالوهاب هيئته السياسية ووجههم للمشاركة الفاعلة في هذا اليوم، مؤكداً لهم أن البحرين بعد 14 فبراير لن تكون كما قبلها.

وقبل أيام قليلة من القيام الشعبي تلاقت خطوات القوى الثورية – الوفاء وحق والأحرار – مع تصريح أمين عام جمعية الوفاق الإسلامي فضيلة الشيخ علي سلمان وخطاب سماحة آية الله عيسى أحمد قاسم في دعم التحركات الشعبية لانطلاق الثورة، فبعد انتشار خبر الاستعدادت الشعبية يوم الغضب الشعبي والتحشيد له على مستوى عال وكبير، صرّح سماحة الشيخ علي سلمان في خطبة الجمعة 11 فبراير، بحق الجميع في التظاهر السلمي، وقد لاقى هذا التصريح ارتياحاً كبيراً في أوساط الكثير من الناس، إلا أن الذي ضاعف من عملية التحشيد الشعبي وخلق حالة من الوحدة الشعبية والنخبوية هو خطاب آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم يوم الجمعة 11 فبراير بأن «الطوفان بدأ لا ليهدأ»، وحمل خطاب سماحته رسالة التأييد لحراك الرابع عشر من فبراير.

ثانياً: من الثورة وحتى دخول القوات السعودية

الثورة التي انطلقت من المسجد .. وموعدٌ مع الفجر

بعد أن أقام صلاة الفجر جماعة مع أهالي بلدة النويدرات، في مسجد الشيخ خلف، وكبّر معهم تكبيرات القيام من أجل الله والوطن، اصطف الأستاذ عبدالوهاب حسين مع بزوغ خيوط الفجر الأولى معتصماً على الشارع العام مع أبناء بلدته النويدرات، وشباب القرى المجاورة، وكانوا أول من يفتتح فعاليات ثورة الـ14 من فبراير 2011م.

أعطى وقوف أهالي قرية النويدرات والقرى المجاورة بمعية الأستاذ عبدالوهاب حسين معتصمين على الشارع العام للقرية، بعد صلاة فجر 14 فبراير، زخماً إعلامياً لانطلاق فعاليات يوم الغضب الوطني، وحفّز شباب المناطق الأخرى للالتحاق بركب المناطق المحتجة في الفعاليات التي أُقيمت في أوقات لاحقة من ذلك اليوم.

كما شارك آية الله الشيخ عبدالجليل المقداد وبقية القادة والرموز في التظاهرات التي انطلقت في بلدات متفرقة في ذلك اليوم، وانخرط كوادر تيار الوفاء الإسلامي في اللجان المناطقية وفي لجنة ميدان الشهداء الرئيسية لإدارة الاحتجاجات وفعاليات الثورة.

المشيمع والمتروك .. الدماء التي أوقدت الثورة

أشعل استشهاد الشابين علي المشيمع وفاضل المتروك في 14 و15 فبراير الغضب العام، فتدفقت الجماهير بأعداد كبيرة نحو التظاهر، ودخل الحراك في منعطف أكثر تطوراً، وضاعف من الغضب الشعبي التدهور السياسي والاقتصادي الذي كانت تعيشه البلاد، فضلاً عن دموية القمع العنيف ضد المحتجين السلميين، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة النزول الجماهيري للشارع، واتساع رقعة الخصومة السياسية مع السلطة، وكانت دماء المشيمع والمتروك الطاهرة بداية لثورة عارمة لم تشهد البلاد مثلها من قبل.

كان قادة الثورة كالأستاذ عبدالوهاب حسين وبقية الرموز الممانعين في قلب الحدث، يحضرون مراسم تشييع الشهداء، ويوجّهون الجماهير إلى الاستمرار والتواجد في الميدان.

مجزرة الخميس الدامي

قبل 14 فبراير، أصدر تيار الوفاء الإسلامي بياناً سياسياً حدد فيه بوصلة المطالب الأولية للثوار وقد حذر البيان من أن مطالب الثورة مفتوحة وتعتمد على التطورات، ومنها الطريقة التي يتعامل بها النظام مع المحتجين، كما حذر البيان أن «سفك الدم الحرام سيقابل بالمطالبة بإسقاط النظام»، وبعد شهادة علي المشيمع وفاضل المتروك بدأت الجماهير ترفع مطلب إسقاط النظام، والذي تصاعد وتم تبنّيه بشكل شعبي بعد مجزرة الخميس الدامي، ولبشاعة المجزرة التي تمت مع غلس ليل الـ 16 من فبراير، وعلى مقربة من الفجر، حيث غدرت قوات النظام بالمحتجين النائمين في محيط دوار اللؤلؤة، وأوقعت فيهم مجزرة بشعة راح ضحيتها 4 شهداء، ومئات المصابين ومجهولي المصير، صارت البحرين رسمياً محط أنظار المجتمع الدولي، وقد دخلت بعض القوى الكبرى على خط الأزمة مباشرة، كما وعلى مستوى الداخل فقد أدت المجزرة إلى تحول سياسي كبير على مستوى سقف المطالب.

ارتفاع سقف الثورة

كان لمطلب إسقاط النظام أثر إيجابي وهو كسر هيبة النظام المصطنعة، ورفع الكلفة لسياسات النظام، وتوليد الضغط السياسي على النظام في الداخل والخارج، كما كان لسقف إسقاط النظام دوراً مهماً في أن ترفع الجمعيات السياسية الرسمية من سقف مطالبها لترقى في حدها لسقف الملكية الدستورية، وتناغم الجمعيات السياسية مع نبض الثورة، فمطلب إسقاط النظام في الوقع قد حمى سقف الملكية الدستورية والتغيير الجذري من التراجع.

اللامركزية في التظاهرات الشعبيّة

طرح الأستاذ عبدالوهاب حسين مفهوم «اللامركزية»[1] في 10 فبراير 2011م، خلال الندوة الجماهيرية التي عقدت في منطقة سترة، وأدارها الشهيد المهندس علي المؤمن، وفيها وجّه الأستاذ عبدالوهاب حسين الجماهير للتظاهر في بلدات البحرين بشكل لامركزي، كما طرح الأستاذ مفهوم «اللامركزية» صراحة، في خطاب جماهيري آخر له أمام مستشفى السلمانية، بعد شهادة الشاب عبدالرضا بوحميد، وعودة الجماهير لميدان الشهداء مرة أخرى، وأوضح فضيلته أن انطلاق الثورة واستمرارها هو بفضل «اللامركزية».

وقد تجذّر مفهوم اللامركزية في العمل الثوري خلال الأحداث الأولى للثورة، وصارت منهجاً عملياً عند الجماهير، فلم تعد الجماهير – بفعل قرار «اللامركزية» – متّكلة على قرارات الأحزاب والتيارات السياسية الرسمية والتقليدية وتقريرها للفعاليات الميدانية، فقد شلّت اللامركزية قدرة السلطة على احتواء الثورة، كما وحافظت على التوازن بين القوى الثورية والسياسية، وأخرجت الثورة من أحادية الوصاية، وأعطت الجماهير والمجاميع المختلفة هامشاً كبيراً للتفكير والإبداع والتدرب على تحمل المسؤولية بعيداً عن الالتزام ببعض المحاذير التي قد تطرحها بعض الجهات السياسية، وتمكّنت جماهير الثورة بقرار شعبي من فتح دوار اللؤلؤة بعد إخلائه للمرة الأولى من قبل قوات النظام، فقد واجه الشهيد عبدالرضا بوحميد آليات الجيش التي كانت تحيط بدوّار اللؤلؤة بجسد عار تمزق بالرصاص.

دور رئيس في تشكيل واحتضان القوى الشبابية

برز دور المجاميع والقوى الشبابية في ثورة الـ14 من فبراير بشكل ملحوظ منذ انطلاق مسيرات الصافرية والديوان والإعلام والقلعة وفي فترة قانون الطوارئ، وقد تشكلت هذه القوى والمجاميع بداية انطلاق الثورة من قبل عناصر تنتمي بشكل أساس للخط السياسي لقوى الممانعة، وتعمل تحت إشرافها.

إعلان التحالف من أجل الجمهورية

يعتبر إعلان «التحالف من أجل الجمهورية» تطور ملفت في سياق أحداث ثورة 14 فبراير، ففي يوم 8 مارس 2011م، أعلن التحالف الثلاثي «الوفاء – حق – الأحرار» عن تشكيل «التحالف من أجل الجمهورية» كإطار سياسي للمطالبة بإسقاط النظام الملكي في البحرين، وإقامة نظام جمهوري ديمقراطي[2].

اعتبر المشكلّون للتحالف من أجل الجمهورية أن التحالف الجديد هو غطاء سياسي لخيار إسقاط النظام، وتأطير سياسي وتنظيمي لمشروع القوى التي تنادي بإسقاط النظام، وقد حمى «التحالف» الجماهير والحركة الشعبية المطالبة بإسقاط النظام من المصادرة أو إعادة التوجيه، كما قدّم الإعلان عن «التحالف من أجل الجمهورية» بديلاً نظرياً وعملياً لما يعتقده البعض من المعارضة والناس بأن الحكم الخليفي الملكي من المسلَّمات السياسية والتاريخية.

وقد أورد فضيلة الأستاذ خبراً من سجنه أنه التقى بمسؤول حكومي في السجن بعد أسابيع قليلة من سجنه، وأن المسؤول قد دعاه للتنازل عن مطلبه في إقامة جمهورية، حيث رد فضيلته قائلاً: «بخصوص مطلب الجمهورية، فهو خيار مبني على رؤية سياسية نتبناها، وهو ما زال مطلبنا لأننا نرى أن جميع الخيارات قد استُنفِذَت مع السلطة الحالية من أجل إصلاحها»، وبخصوص عرض المسؤول الحكومي على الأستاذ الإفراج من السّجن مقابل الاعتذار للحاكم الخليفي ورئيس الوزراء في رسالة مصورة لنشرها عبر التلفاز، فقد ردّ عليه الأستاذ: «أما مسألة الاعتذار فهذا من المستحيل، وعلى من أخطأ في حق الشعب أن يعتذر هو»[3].

الإفراج عن قادة المعارضة

شكل الإفراج بداية أيام الثورة عن الرموز المعتقلين، من تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق وناشطين آخرين على ذمة قضية «التنظيم الإرهابي» المزعوم، والذي تم اعتقال المتهمين فيه سنة 2010م كسب سياسي مهم للثورة، وإثبات على مقدرة الشعب حينها في فرض إيقاعه على النظام، وأضاف للحراك زخماً أكبر، وزاد من آمال الناس.

التظاهرات تتّجه إلى مواقع النظام السيادية

دعا تيار الوفاء الإسلامي مع حركتي حق والأحرار والقوى الشبابية إلى تسيير مسيرات شعبية إلى الديوان وقصر حمد في الصافرية والقلعة «وزارة الداخلية» ووزارة الإعلام، وهي مواقع سيادية يعتبرها النظام من الخطوط الحمراء، وأدخلت هذه المسيرات الثورة في مسار تصعيدي كبير، باعتبارها معاقل النظام، ويثبت ذلك ما رشح من كلام الشيخ محمد حبيب المقداد «معتقل» في إفادته بأن ابن الحاكم المدعو ناصر بن حمد آل خليفة كان يعذبه انتقاماً على تواجده في مسيرة الصافرية ، وقد كسرت هذه التظاهرات الخطوط الحمراء في العمل الاحتجاجي الثوري فأصبح النظام يستشعر التحدي والخوف من اقتحام الثوار لوزارات الدولة ومعاقل النظام، وأصبحت قوى النظام في حالة تأهب في داخل كل معاقل النظام الحساسة والمهمة.

قبل انطلاق مسيرة الديوان ارتقى الناطق الرسمي باسم تيار الوفاء الإسلامي فضيلة الأستاذ المجاهد عبدالوهاب حسين منصة ميدان اللؤلؤة وخطب فيما يخص التجاذب القائم حول المسيرة، ووجّه خطابه بضرورة الوحدة وتجنب الخلافات البينية، وفي الوقت ذاته أشار لضرورة عدم الوقوف في وجه انطلاق المسيرة، وبأن الاستعدادات لها وصلت لمرحلة لا يمكن معها إيقاف انطلاقها، بل وشارك فضيلة الأستاذ عبدالوهاب حسين مع آية الله الشيخ المقداد والأستاذ عبدالهادي الخواجة وآخرون من قيادات الوفاء في المسيرة، جنباً إلى جنب مع الجماهير.[4]

إغلاق المرفأ المالي

مثّل العصيان المدني بإغلاق شارع المرفأ المالي خط المواجهة الفاصلة مع النظام، باعتبار الشارع أحد الشرايين الهامة التي تربط العاصمة بما سواها على الصعيد الاقتصادي واللوجستي، ومركزاً للتجارة وتبادل الأموال، وإغلاقه يعني خنق النظام اقتصادياً بالكامل، وإن استمرار غلق الشارع يعني سقوط النظام الاقتصادي للدولة، مما يعني بالضرورة سقوط النظام السياسي معه على المدى المنظور آنذاك.

وقد نقل فضيلة الأستاذ عبد الوهاب حسين أنه اتصلت به مجموعة شبابية يوم إغلاق المرفأ المالي الكائن على الشارع الرئيسي المطل على ميدان اللؤلؤة، وأخبرته باعتراض بعض الجمعيات السياسية على خطوة إغلاق المرفأ المالي، باعتباره عصب الصناعة المالية في البلاد، وأن ذلك من شأنه استفزاز النظام، ودفعه لردة فعل كبيرة، فقال فضيلة الأستاذ للشباب: «لا ينبغي أن يتدخل أحد حول خطواتكم هذه، وسوف أتواصل مع هذه الأطراف لثنيها عن ضغوطاتها عليكم».

ثالثاً: فترة قانون الطوارئ

اعتقال القادة

أثّر اعتقال قادة الثورة بتاريخ 17 مارس 2011م[5] على الثورة بشكل كبير، حيث فقدت الساحة الرموز الأكثر إيماناً بمشروع ثورة 14 فبراير، والأكثر التصاقاً بالجماهير، وأهل الحضور والإرشاد والتوجيه المباشر للثوار والجماهير في الميادين، وكان غياب هؤلاء الرموز خسارة كبيرة للجماهير بشكل عام وللمجموعات الشبابية بشكل خاص.

تصدّي القيادات البديلة في تيار الوفاء الإسلامي

بعد اعتقال الصف الأول من قيادات تيار الوفاء الإسلامي دار الحديث حول مستقبل تيار الوفاء الإسلامي كتنظيم ومشروع وبرنامج عمل، وقابليته للاستمرار في ظل التحديات الأمنية والسياسية القائمة آنذاك.

عمل قادة الوفاء من العلماء والرموز في مرحلة ما قبل انطلاق الثورة على إعداد صف آخر من القيادات البديلة، وقد تسنّمت القيادات البديلة مهام جوهرية ضمن جسم التنظيم، كجزء من الإعداد والاختبار العملي، وقد أثبت قادة الوفاء من خلال هذا التدبير بعد النظر والاستعداد لمختلف الظروف.

وقد جرت بعض التساؤلات في بعض الأوساط المعارضة عن حجم التفويض لدى القيادات البديلة، وحقيقة قيادتهم للتيار، وفيما إذا كانوا يعتبرون امتداداً طبيعياً للرموز القادة المعتقلين، وقد قطع هذا الإشكال بيان مقتضب من داخل السجن، أصدره قادة التيار بتاريخ 5 نوفمبر 2012م، وقد جاء في نص البيان: «بسبب صعوبة التواصل مع القيادات التي في داخل السجن فإن المتصدين لقيادة التيار في الخارج هم الذين يتحملون مسؤولية كل البيانات و المواقف التي يصدرها التيار ولا تعبر بالضرورة عن آراء القيادات التي في داخل السجن».

وفي بيانٍ مقتضب للأستاذ عبدالوهاب حسين في نفس التاريخ أكد على هذا المعنى، وأضاف فيه قناعته بعدم صحة تصدي الرموز والقيادات من داخل السجن لتوجيه الساحة على المستوى السياسي والميداني، حيث قال في بيانه:

«بسم الله الرحمن الرحيم 

لن أتدخل في قيادة الساحة من داخل السجن لأني أعتقد بأن ذلك حق خالص أصيل للقيادة في الخارج.

وأن التدخل مخالف للواقعية و الحكمة و المصلحة ولن أضع اسمي على أي بيان عام يخرج من داخل السجن إلا ما يدخل في حكم الضرورة أو يتعلق بقضية المجموعة، وقد تصدر عني كلمات ودية.

وإني باقٍ مع قضية شعبي العادلة في داخل السجن وخارجه ولن أخالف عهدي مع ربي وشعبي».

صعود القوى الشبابية من رحم تيار الممانعة

نشأ تيار الوفاء الإسلامي على سواعد الشباب الذين كانوا يعملون تحت إشراف الرموز والقادة من ذوي التجربة والخبرة في ميادين العمل الديني والسياسي وغيره، وقد أولى تيار الوفاء الإسلامي رعاية خاصة للشباب، لحساسية دورهم وفعاليته، وقد برز دور الشباب بشكل ملحوظ منذ انطلاق الثورة في فبراير 2011م، مروراً بمسيرات الصافرية والديوان والإعلام والقلعة في فترة قانون الطوارئ، كجزء من الخط السياسي لقوى الممانعة، وأصبح الشباب في مراحل لاحقة قوة لامركزية في جميع المناطق، وكان لتيار الوفاء الإسلامي دور محوري في دعمهم معنوياً ومادياً في المدن والقرى.

الحوار مع السلطة[6]

قامت الجمعيات الرسمية بحوارين مع السلطة: حوار غير معلن مع ولي العهد إبان الاعتصام في ميدان الشهداء، وحوار معلن تم عقده بعد انتهاء فترة الطوارئ، وقد ذهبت الجمعيات الرسمية للحوار بشكل منفرد، ومن دون تفويض عام من القوى السياسية الثورية في الساحة والمتبنية لثورة 14 فبراير.

اتخذ تيار الوفاء الإسلامي وبقية القوى الثورية في بدايات الثورة مواقف صريحة ضد الحوار، وكانت القوى الثورية تمسك بورقة التظاهرات، واستطاعت هذه القوى أن تعطّل محاولات النظام لفرض تفاهمات سياسية تضر المطالب الأساس للثورة.

رابعاً: ما بعد فترة الطوارئ

المقاومة المشروعة

كان لتيار الوفاء الإسلامي دور بارز في التأسيس لمرحلة المقاومة المشروعة، من خلال العمل الثقافي والفكري والموقف العملي في الميدان، فبدأ في مطلع السنة الثانية من الثورة في نشر الخطب والإنتاجات الفكرية والفتاوى الشرعية للفقهاء حول مشروعية الدفاع عن النفس والمقاومة، ومفهوم السلمية من منظور قرآني، وقام التيار باستفتاء الفقهاء، فصدرت في الساحة فتاوى مجموعة من كبار المجتهدين في قم والنجف كآية الله الشيخ نوري الهمداني وآية الله الشيخ محمد سند، ولعل أكثر الفتاوى تفصيلاً هي فتوى آية الله الشيخ محسن الآراكي حفظه الله  لأهل البحرين والصادرة في 24 جمادى الأولى من سنة 1432 هجرية، والتي أعلن فيها «الوجوب على كل مسلم وبكل ما أوتي من وسائل الدفاع والمقاومة أن يدافع عن نفوس المؤمنين، وأعراضهم، وأموالهم، وعن بيوت الله، ومقدسات المسلمين»، وأوجب فيها تنفيذ القصاص ضد شرائح معينة من أعوان النظام المنفذين لعمليات هدم المساجد والمقترفين لجرائم التعذيب والاغتصاب الجنسي وغيرها، فبدأت الساحة الاحتجاجية في البحرين التي يقودها الشباب بتفعيل وسائل احتجاجية ودفاعية معينة كاستخدام المولوتوف ضد القوى العسكرية التي تقتحم القرى والبيوت.

وتم تدشين مرحلة الدفاع ضد قوات المرتزقة بعملية «راية العز» في قرية النويدرات، التي وقعت فجر الجمعة، 30 ديسمبر 2011م، واكتسب هذا الهجوم زخماً كبيراً، خصوصاً وأن المشهد الذي تم تداوله إعلامياً أظهر هروب المرتزقة بأسلحتهم من مواقع تمركزهم، ومطاردة الثوار لهم، وقد شكلت عملية «راية العز» الشهيرة حينها هاجساً مخيفاً لدى الأجهزة الأمنية وظهر ذلك جليّاً من خلال تغيير مواقع التمركز وتحصينها.

وتبعت عملية «راية العز» الكثير من العمليات ضد قوات المرتزقة في أماكن كثيرة من البحرين لتُدِخل الثورة في مرحلة جديدة تشهد مواقف من الردع والدفاع ضد المرتزقة بعد أن كان الثوار لا يحملون في أيديهم إلا الورود قبال من يعتدي على الحرمات والمقدسات، واكتسبت عمليات الردع والدفاع إجماعاً شعبياً بعد خطاب سماحة آية الله قاسم ودعوته «لسحق كل من يعتدي على عرض أو حرمات المؤمنات».

إضراب الخواجة

أعاد الإضراب عن الطّعام الذي قام به القيادي في تيار الوفاء الإسلامي الأستاذ عبدالهادي الخواجة بتاريخ 10 فبراير 2012م قضيته وقضية المعتقلين الآخرين للواجهة مرة أخرى، حيث استمر الإضراب لأكثر من شهرين، وتمكن الخواجة من خلاله من خطف أنظار وسائل الإعلام، والمنظمات الحقوقية، وعلى مستوى الداخل تبنّى الثوار إضراب الخواجة بشعار«حرية أو شهادة» وضاعفوا من حراكهم الميداني، حيث أدى إضراب الخواجة إلى تسخين الاحتجاجات على مدى شهر ونيف.

مسيرة الشعب

استطاع سماحة آية الله قاسم أن يجمع الجماهير وجميع التيارات والجمعيات والقوى الشبابية في مسيرة موحدة بتاريخ 9 مارس 2012م تحت عنوان «مسيرة شعب»، وقد كانت دعوته رسالة أبوية وقيادية لافتة، وقد بارك تيار الوفاء الإسلامي الدعوة لهذه المسيرة، وحشد طاقاته نحوها، كما باركت جميع القوى السياسية والثورية الأخرى الدعوة لهذه المسيرة، فكانت أضخم مسيرة في تاريخ البحرين، ولقد ضمت جميع الجماهير والجهات السياسية المختلفة ومطالبها وشعاراتها، وكان لخطابة سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم حفظه الله لكل القوى وتبنيه لمطلب «تقرير المصير» أثراً مباركاً في لمّ شمل القوى السياسية الرسمية والثورية تحت سقف سياسي مشترك، وفعالية شعبية مشتركة.

تفجير العكر الأول[7]

بعد تصاعد الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها مرتزقة النظام ضد أبناء الشعب، أدّت بعض المجموعات الشبابية بتاريخ 9 أبريل 2012م تفجيراً استهدف مشاة المرتزقة في داخل قرية العكر باستخدام قدرات ووسائل محلية، وكان استهداف المرتزقة مباشرة عبر التفجير أسلوباً لم تعهده المناطق في عملها الاحتجاجي، وعلى المستوى السياسي عبّر تيار الوفاء الإسلامي عن حق الشعب في الدفاع عن نفسه، ورفض توجيه الإدانة للمجموعات الشبابية المقاومة، ودعا لتوجيه الضغوطات نحو النظام، والعمل على فك الحصار الأمني المفروض على بلدة العكر.

الحضور الميداني لقيادات الوفاء

تميّز تيار الوفاء الإسلامي بمباشرة قياداته في الداخل للفعاليات الميدانية ولقاءاتهم المباشرة بالنّاس، وبعد انكشاف بعض الخيوط التنظيمية في عام 2015م، وتحديداً بتاريخ 18 سبتمبر 2015م تم اعتقال قيادات وكوادر مهمة في تيار الوفاء الإسلامي وقيادات ميدانية أخرى مؤثرة، وطالت الحملة الاستخباراتية المدعومة غربياً العديد من العناصر العاملة والمؤثرة على الأرض.[8]

مقارعة السياسة الأمريكية في البحرين

يقوم تيار الوفاء الإسلامي برصد سياسات أمريكا في البحرين، والتي ترمي لدعم الدكتاتورية الخليفية، ويقوم بتسليط الضوء عليها عبر البيانات السياسية والفعاليات الميدانية والإعلامية، كما يحرص على كشف الدعم الأمريكي للنظام الخليفي، وممارسة السفارة الأمريكية لدور ضاغط على بعض قوى المعارضة لتتناغم مع السياسة الخليفية، وقد شهدت الساحة بعد دعوات من تيار الوفاء الإسلامي عدة فعاليات ميدانية احتجاجية واسعة على الدور الأمريكي في البحرين، كما أن تيار الوفاء الإسلامي يقيم فعالية سنوية في 7 من ذي الحجة عنوانها «البراءة» والتي تصادف أيام شعيرة الحج، ويعمل التيار من خلالها على تسليط الضوء على الدعم الاستكباري للنظام الخليفي.

وقد شهدت سنة 2016م تدخلاً أمريكياً وبريطانياً مباشراً عبر العناصر الأمنية التي تشارك في الاقتحامات، وعبر تقديم التدريب والاستشارة العسكرية والأمنية، وتقديم الدعم التقني والالكتروني لتعقب الناشطين والشباب في مدن وقرى البحرين[9].

وقد عبر النظام الخليفي والإدارتان الأمريكية والبريطانية عن حجم ونوع الدعم والتعاون في أكثر من لقاء ومناسبة علنية، وقد أصدر تيار الوفاء الإسلامي دعوات عدة خلال عام 2016م لاستنكار الدور العدائي الذي تقوم به كل من أمريكا وبريطانيا من خلال تقديم الدعم للدكتاتورية الخليفية، وملاحقة الناشطين والمعارضين، وقد قام المواطنون بعد دعوات عامة من قبل تيار الوفاء الإسلامي برفع الشعارات المناهضة لأمريكا في المسيرات الاحتجاجية، كشعار «أمريكا الشيطان الأكبر» في اعتصام الفداء ببلدة الدراز، وسحق أعلام أمريكا وبريطانيا تحت الأرجل في العديد من المواكب والتجمعات الدينية احتجاجاً على دعم الدولتين للنظام الخليفي.

فمقارعة تيار الوفاء الإسلامي للسياسات الأمريكية موقف أصيل يعبر عن رؤى المؤسسين، يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «أعتقد أن شعار الموت لأمريكا كان ولا يزال شعاراً عبقرياً، وأن الحاجة إليه اليوم، أكثر إلحاحاً إليه في بداية ولادته السياسية على يد الإمام الخميني العظيم (ق)؛ لأن الشعرب العربية والإسلامية كانت (في ذلك الوقت) تدرك بوضوح لا لبس فيه عداء أمريكا إلى العالمين: العربي والإسلامي؛ لأنها كانت ظاهرة (في سياساتها ومواقفها) بمظهر العدو لهما، أما اليوم: فإن الوعي لدى الكثير من أبناء العرب والمسلمين أصبح مهدداً بالاختراق، بسبب ظهور العدو الرئيسي والشيطان الأكبر (أمريكا) بمظهر الصديق، وحامل مشعل الحرية والديمقراطية للعالمين: العربي والإسلامي، من أجل تنفيذ أجندتها السياسية الخطيرة في المنطقة، وفي مقدمتها تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين العزيزة، مستغلاً معانات الشعوب العربية والإسلامية من استبداد وظلم وفساد حكامها، وقد نجحت أمريكا في خداع الكثير من الناس، لا سيما المتمظهرين بالوعي، والمتشدقين بالحكمة والدبلوماسية والواقعية السياسية، مما يؤكد أهمية التركيز على شعار (الموت لأمريكا) في سبيل لفت انتباه الشعوب العربية والإسلامية المستضعفة إلى العدو الحقيقي لهم، والشيطان الأكبر (أمريكا) وتحصين وعيهم من الاختراق»[10].

المشير يتوعّد بتدخل الجيش

وبعد أسابيع من انحسار الحراك الاحتجاجي اجتاحت القرى والبلدات البحرانية موجة من الاحتجاجات الجماهيرية يوم الأحد «8 مايو 2016م» ضمن فعالية «العصف المأكول» التي نظّمها تيار الوفاء الإسلامي مع المجاميع الثورية، وارتفعت موجة الاحتجاج والتظاهر في العديد من البلدات ومنها: المرخ، ومقابة، والعكر، وسترة، وكرزكان وبلدات أخرى.

تعرض المتظاهرون وضمن فعاليات العصف المأكول في منطقة كرباباد لحملة قمع عنيف من قبل مرتزقة النظام الخليفي، والذي على إثره رد الثوّار بإطلاق زجاجات المولوتوف على مركبة للمرتزقة، فاحترقت بالكامل، وبسبب تصاعد الاحتجاجات الثورية التي عمّت مختلف مناطق البحرين، أطلق ما يسمى «المشير» في قوة دفاع البحرين في اليوم التالي تهديداً بأن قوة الجيش مستعدة لمساندة قوات وزارة الداخلية في عملياتها في شوارع البحرين.

قبضة في الميدان وقبضة على الزناد

برز دور تيار الوفاء الإسلامي في صناعة الأحداث الهامة خلال عام 2017م من خلال الدعم والغطاء السياسي لعملية تحرير سجناء جو المعروفة بعملية «سيوف الثأر»[11] ومرحلة «قبضة في الميدان وقبضة على الزناد»[12]، حيث ساهم تيار الوفاء الإسلامي في رفع المعنويات لدى الجماهير وإدخال حالة الخوف والإحباط في قلب النظام الخليفي ومن يرعاه، وكانت للعملية المذكورة أصداءً إعلامية وسياسية واسعة على المستويين العالمي والإقليمي.

أما خلفيات الإعلان عن مرحلة «قبضة في الميدان وقبضة على الزناد»:فترجع لتنفيذ النظام جملة من الإعدامات، ففي يوم الأحد الموافق 15 يناير  2017م تم تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص بأمر من الحاكم الخليفي في حق الشهداء سامي مشيمع «42 سنة»، عباس السميع «27 سنة»، وعلي السنكيس «21 سنة»، وقد أثار هذا الحدث العديد من ردات الفعل الغاضبة داخل البحرين، وكان من بين ردات الفعل بيان تيار الوفاء الإسلامي، بتاريخ 15 يناير 2017م[13] الذي عبّر فيه عن حق الشعب باستخدام كافة الوسائل للدفاع عن نفسه، تحت عنوان «قبضة في الميدان وقبضة على الزناد»، وكذلك إعلان القيادي في تيار الوفاء الإسلامي السيد مرتضى السندي في حفل بمدينة قم المقدسة، في مساء الاثنين الموافق 16 يناير  كانون الثاني 2017م عن فشل مرحلة «السلمية المطلقة» و«السلمية الاستسلامية»[14].

كان أثر الخطاب السياسي لتيار الوفاء الإسلامي واضحاً جداً، حيث تم تدوال بيان التيار وخطبة السيّد السندي على مستوى عالمي، وقد توالت خطابات التأييد من مناطق البحرين للدخول في مرحلة جديدة من الصراع مع النظام الخليفي، وتم ترجمة خطاب السيد مرتضى وبيان التيار لعدة لغات، وانتشر في العديد من المواقع الإقليمية والعالمية.

وقد شهدت البحرين عام 2017م أحداثاً مفصليةً أدّت إلى رسم خطوط جديدة في الثورة والدخول في مرحلة مصيرية، وتمثلت أهم الاحداث في:

الهجوم المسلح على سجن جو المركزي وتحرير «10» أسرى.

قيام سرايا المقاومة الإسلامية بتنفيذ 14 عملية ناجحة ضد مرتزقة النظام الخليفي.

إعدام «3» مواطنين.

دخول البلد في مرحلة جديدة بعنوان «قبضة في الميدان وقبضة على الزناد».

اغتيال الضابط هشام الحمادي.

شهادة رضا الغسرة وإخوته.

إدراج سماحة السيد مرتضى السندي ومعارض آخر على قائمة الإرهاب الأمريكية.

أنياب سياسية

بدأ المنهج الذي عمل تيار الوفاء الإسلامي على ترسيخه في الساحة عبر التعبئة الفكرية مروراً بمرحلة التنظير للمقاومة المشروعة، مروراً بمرحلة «قبضة في الميدان وقبضة على الزناد» يؤتي ثماره، وقد أعطى ذلك مؤشراً على امتلاك الخطاب والموقف السياسي للمعارضة البحرانية أنياباً تقلق النظام الخليفي ومن يرعاه من دول أجنبية كأمريكا وبريطانيا.

وأثبت ذلك حقيقة مهمة وهي: أن اعتبارات إرضاء المجتمع الدولي، أو «الدول ذات النفوذ»، والسير ضمن خطوطها الحمراء يجب أن لا يكون أولوية في مشاريع القوى السياسية والثورية الوطنية والمتحررة من النفوذ والهيمنة الأجنبية.

نداء داخلي لإنقاذ مصالح أمريكا

كرد فعل على تصاعد الأحداث في البحرين، وتنامي ظاهرة المقاومة المشروعة والمفتوحة أصدر النّائب الأمريكي جيم ماكجفرن، وهو رئيس لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان بتاريخ 1 إبريل 2017م بيانًا دان فيه مخطط ترامب برفع جميع شروط حقوق الإنسان عن مبيعات طائرات إف 16 إلى البحرين[15].

وقال ماكجفرن: «أنّ أمريكا تتحمل مسؤولية الدّفاع عن حقوق الإنسان في كل الدّول، ويجب أن لا يشكل حلفاؤنا استثناء على ذلك»، وأضاف أنّ «التقارير الإعلامية تشير إلى أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون سيزيل قريباً جميع شروط حقوق الإنسان عن بيع طائرات إف 16 وأسلحة أخرى إلى البحرين، وهو أمر مقلق بشدة، فمثل هذه الخطوة ستكون خياراً قصير النظر وغير مبدئي، وتزيد خطر انعدام الاستقرار في البحرين، كما تعرض أمريكا للخطر على المدى الطويل».

وأشار ماكجفرن إلى أن «القمع المنهجي من قبل البحرين للحقوق الأساسية والهجمات المستمرة على الكرامة الإنسانية للشّعب لن يؤدوا إلا إلى تأجيج التّطرف في البحرين، كما هو الحال في جميع أنحاء المنطقة».

تغيير قواعد اللعبة

العمل السياسي والفكري الذي عمل عليه تيار الوفاء بدأ يؤتي ثماره، من خلال تصاعد المقاومة المشروعة ضد النظام، وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 1 أبريل نيسان 2017م، تقريراً مطولاً عن البحرين، عَكَس الادعاءات والاعتقادات والهواجس الأمريكية التي لم تستطع الإدارة الأمريكية أو النظام الخليفي أن يثبتوها بالدليل، بعنوان «الولايات المتحدة ترى دوراً إيرانياً متصاعداً في تسليح المقاتلين البحرانيين»[16]، كتبه الباحثان المتخصصان بالشؤون الأمنية Souad Mekhennet وJoby Warrick ، وجاء فيه: «أن المحققين البحرينيين شكّوا في قدرات عصابة معروفة برمي عبوات المولوتوف، وبعد التعقّب تم اكتشاف مجمع تحت الأرض أنشأ أسفل منزل، لا يمكن رؤيته من الشارع، ولا يمكن الدخول إليه إلا من خلال باب يقع تحت خزانة في مطبخ».

كما وصف التقرير مفاجأة «أن الشرطة وجدت آلات خراطة ومضاغط هيدرولوكية لصناعة قذائف تخترق المدرعات، بالإضافة إلى صناديق من متفجرات «سي 4»، وبإمكانها إغراق سفينة حربية».

وقال المحققون في الاستخبارات الخليفية في تقرير قُدِم إلى مسئولين أميركيين وأوروبيين في خريف 2016م أن هذه الموجودات لم تُرَ في البحرين من قبل، وأنها تشير إلى تطور في القدرة التسليحية، وأنها بذلك تغيّر قوانين اللعبة. واطلعت «واشنطن بوست»على هذا التقرير السرّي، والذي شرح جانباً من عدم اطمئنان أجهزة الاستخبارات الغربية لما يجري في البحرين، والتي تعتبر من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الخليج، ومقراً للأسطول الأميركي الخامس.

وضم التقرير تفاصيلاً وصوراً كثيرة لعمليات الكشف عن أسلحة ومتفجرات اكتشفتها الأجهزة الأمنية في البحرين في عدة مناطق، وقالت مصادر للصحيفة أن ثلاثة مسئولين أمنيين أميركيين فحصوا ما تم تقديمه من أدلة.

وفي تاريخ 1 أبريل 2017م صرّح السفير البريطاني لدى البحرين سايمون مارتن في مؤتمر صحفي في مقر السفارة البريطانية بالمنامة: «نحن قلقون مما تواجهه البحرين من الإرهابيين، وقد اتخذنا موقفنا بشأن ذلك، وذلك لا يقتصر على البحرين فقط وإنما حتى على الدول المجاورة، نحن نواجه تحدياً في تهديد الأمن ويجب أن نواجه التحديات معاً لأنّ الإرهاب لا صديق له، كما نرفض تهديدات إيران للبحرين ودول الخليج.

وبعد 9 أعوام من بداية الاحتجاجات السلمية، فإن المسؤولين الغربيين والأميركيين يرون الآن خطراً يتصاعد ضد النظام الخليفي الحليف لهم»


  • [1]. اللامركزية: نظرية متطورة جسرها عبد الوهاب حسين بين ضفتي النظرية والواقع، حسين كاظم، موقع البحرين اليوم، تم الاقتباس بتاريخ 2 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:www.bahrainalyoum.co.uk
  • [2]. دليل كتابي من حركة أحرار البحرين (Written Evidence from Bahrain Freedom Movement)، تم الاقتباس بتاريخ 30 يونيو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:www.publications.parliament.uk
  • [3]. كتاب شهادة وطن، شهادة الأستاذ الفاضل عبد الوهاب حسين، صفحة 21، دار الوفاء للثقافة والإعلام(2013)
  • [4]. شاهد (الاستاذ عبدالوهاب حسين يتكلم عن مسيرة الديوان الملكي) على الرابط الإلكتروني: www.youtube.com
  • [5]. قوات الأمن تقتحم منازل لأفراد «مجموعة الـ25»، جريدة الوسط البحرينية، لقراءة الخبر راجع الرابط التالي: http:www.alwasatnews.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، الصورة (4)
  • [6]. الحوار الوطني في البحرين يواجه الجمود، مركز الجزيرة للدراسات، تم الاقتباس بتاريخ 2 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:studies.aljazeera.net
  • [7]. شاهد (تفجير العكر سحق المرتزقة 9 إبريل 2012)، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:youtube.com
  • [8]. راجع الملحق المصوّر التوثيقي، صورة (5)
  • [9]. البحرين: الاضطراب والأمن وسياسة الولايات المتحدة (Bahrain: Unrest, Security, and U.S. Policy)، قسم البحوث في مجلس النوّاب الأمريكي، الصفحة 18-24، تم الاقتباس بتاريخ 3 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني: https:fas.org
  • [10]. كتاب ذاكرة شعب، جزء 2، الأستاذ عبدالوهاب حسين، صفحة 9، دار العصمة – البحرين (2009)
  • [11]. راجع ملحق (7): عملية سيوف الثأر
  • [12]. بيان تيار الوفاء الإسلامي: قبضة في الميدان وقبضة على الزناد، لقراءة البيان كامل راجع ملحق (8): قبضة في الميدان وقبضة على الزناد
  • [13]. راجع ملحق (8): قبضة في الميدان وقبضة على الزناد
  • [14]. شاهد (مشاركة سماحة السيد مرتضى السندي في الحفل التأبيني للشهداء الابطال- قم 16-1-2017) من على الرابط الإلكتروني: https:youtube.com
  • [15]. ماكجفرن يدين بيع ترامب السلاح للبحرين دون اكتراث لحقوق الإنسان (McGovern Condemns Trump Move to Sell Weapons to Bahrain)، تقرير خبري، المركز الإعلامي لمجلس النواب الأمريكي، تم الاقتباس بتاريخ 4 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  •  https:mcgovern.house.gov
  • [16]. الولايات المتحدة ترى يد إيران بشكل متزايد في تسليح المقاتلين البحرانيين (U.S. Increasingly Sees Iran’s Hand in The Arming of Bahraini Militants)، كتب بواسطة سواد ميخنيت وجوبي واريك، صحيفة الواشنطن بوست، تم اقتباسه بتاريخ 2 مايو 2019م من على الرابط الإلكتروني:
  • https:www.washingtonpost.com

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟