مواضيع

الشهيد بين حياتين

كلمة لسماحة السيد مجيد المشعل رئيس المجلس العلمائي الإسلامي في مجلس الشهيد الرمضاني بتاريخ 6 يوليو 2014م

رحمك الله يا شهيد فخراوي، في الحقيقة له حضور مميز بابتسامته العريضة وانشراح صدره وطيبته، فعجباً لأبنائه وأهله وقراباته كيف يتحملون فراق هذه الابتسامة وهذا الوجه المشرق، ولكن كل ذلك بعين الله وكذلك أهالي الشهداء، ما يصبر على فراق فلذات أكبادهم هو معرفتهم بأنهم في سبيل الله سبحانه وتعالى وأنهم بعين الله، حديثي بصورة مختصرة حول حياة الشهيد والشهيد له حياتان وعنونت كلمتي المختصرة بعنوان ” الشهيد بين حياتين ” وهو حياة ما قبل الشهادة وحياة ما بعد الشهادة :

أولاً :

حياة ما قبل الشهادة : في الحقيقة إذا نتأمل في الروايات نجد أن الروايات تضع معالم كثيرة ومتعددة لتلك الحياة التي يعرج من خلالها إلى الشهادة، هناك روايات كثيرة بخصوص هذا الموضوع، وسوف أذكر بعضها ونستطيع بأن نختصرها بصورة إجمالية، ونقول إنها تلك الحياة القائمة على البصيرة والصبر والمقاومة، هناك حياة تملأها البصيرة المعرفية من خلال معرفة الله ومعرفة أوليائه وبحقائق الدين، وهناك صبر على التمسك بهذا الخط ومتطلباته، وما يقتضيه هذه البصيرة، فتصبح هناك استقامة، إذا توفر هذان الشرطان اللذان هم البصيرة والصبر فليمت أين ما كان فهو شهيد وهذا ما تدل عليه الروايات في جميع الموارد التي تذكر فيه الشهداء.

الاستقامة بدون البصيرة لا تؤهل الإنسان إلى الشهادة، فهناك روايات تقول كمن أناس ينافحون ويكافحون ويقتلون ولكن لا ينالون مقام الشهادة، لأنهم من غير بصيرة فنستنتج بأن البصيرة التي ليس معها الاستقامة هي بصيرة سلبية غير فاعلة وغير حيوية، ولم تقترن بالعلم بل بالعمل الصالح والجهاد، وهذه كذلك لا تؤهل الإنسان للشهادة فإذاً لابد من البصيرة والاستقامة، واقصد الاستقامة هنا بالمعنى العام لا أن ترفع سيفاً، بل من الممكن أن تستقيم بلسانك أو بقلمك وأن تكون مقاوماً للظلم والفساد والباطل وأن تكون مع الحق، فإذا توفرت هذان العنصران فليمت الإنسان اليوم أو غداً فهو شهيد.

عن رسول الله ( ص ) : سيكون عليكم أئمةٌ يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم ويعملون فيسوؤون العمل لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزا فمن قُتل على ذلك فهو شهيد.

هناك أئمة كفر سيكونون على الناس ويسيطرون على جميع ما يملكون ويمتازون بالكذب وسوء العمل ولا يرضون من الناس حتى يطبلوا لهم ويصدقون تكذيبهم لكن على المؤمنين بأن يستقيموا في وجه الظلام ويصبرون.

وهناك رواية أخرى عن رسول الله ( ص ) : كم ممن أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد وكم ممن قد مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديقٌ شهيد. وذلك لما يمتكنه من بصيرة واستقامة على خط الدين.

في هذا البلد المملوء بالتهميش والتمييز والسحق أمام أعين الجميع فأي مصداقية لهذا البلد؟ أين هي المقومات لهذا البلد؟ الكل مهدد فليس هناك أمن سياسي او اقتصادي وغيرهم، فالبلد فقد استقاره وأمنه وهؤلاء الشباب الذين يقضون ليل نهار في المطالبة بحقوقهم وهم معرضون للاعتقال والسجن أو الرصاصة أو يجرح أو يختنق بمسيلات الدموع ورغم كل ذلك نشاهدم بأنهم مهيئين أنفسهم ومستعدين لذلك من أجل حقهم ومظلوميتهم ومن أجل العدالة والكرامة وكل هذه الاشياء تندرج تحت البصيرة والوعي الديني والثقافي والفقهي وان اجتمعت معه الاستقامة والصبر فحتماً سوف تكون ممن مستعد بأن يبذل كل ما لديه من أجل المبدأ فالتمسك بالبصيرة والاسقامة هو المطلوب لكي يكون الشخص في طريقه إلى الشهادة.

كما ذكرت لكم بأن أبناء الوطن لما يمتلكونه من بصيرة واضحة فقهية سياسية وما يعيشونه من فهمٍ للمقاومة والصبر والتحمل في سبيل الله وفي سبيل كرامتهم وحريتهم فهؤلاء الذين نستطيع أن نقول عنهم مشاريع شهادة.

ثانياً :

حياة ما بعد الشهادة : الحياة بعد الشهادة لها مستويان، كذلك فهناك حياة عند الله كما يذكر الله عز وجل ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون )([1]) فهناك حياة النعيم الدائم بجوار الله سبحانه وتعالى بعيداً عن فتنة وعذاب القبر كما يذكر في الروايات بأن الشهيد بمجرد ما يصبه حرارة القتل أو المظلومية الله سبحانه وتعالى يرفع عنه عذاب وفتنة القبر ويعيش هناك حياة سعيدة دائمة.

هناك حياة أخرى أيضاً وهي حياة الخلد في المجتمع وتقع المسؤولية على عاتق المجتمع وهو السعي لإبقاء القيم التي بذلوا أنفسهم من خلالها، وأن يبقى لهم ذكر حسنٌ دائمٌ بين المجتمع، فالشهيد لم يختاره الله سبحانه وتعالى لكي يقطعه عن المجتمع، لكنه اختاره لكي يبقى شعلة يضيء في المجتمع، ويبقى الناس يعيشون في أجواء عطائهم وأنفسهم ويستذكرون حياتهم دائماً، فينبغي على الأمة أن تكون واعية لقيمة شهدائها فالمجتمع الذي يتنكر وينقطع عن شهدائه لا يستحق عطاء الشهداء ولا يستحق أن يستنير بدرب الشهداء ولا يستحق بأن يصل إلى النصر النهائي، فعلينا أن نحافظ على دماء الشهداء لكي نصل إلى النصر الإلهي.

إن الشهداء لم يقدموا أرواحهم من أجل مشاريع شخصية، بل قدموا أنفسهم لكي يرتفع الحق وينتصر الشعب والدين، وهناك نقطة مهمة وهي يجب أن لا يكون حماس الشعب أقل من حماس آباء الشهداء لأن الشهداء ليسوا أبناء آبائهم فقط بل هم أبناء المجتمع والأمة، فالمسؤولية تقع على عاتق المجتمع فلا ينبغي أن تكون ذكر الشهداء محصور فقط على عوائلهم بل يجب على كل المجتمع أن يتقدم قبل عوائلهم لإحياء ذكراهم وواجب علينا بأن نرعى هذه الدماء ونحافظ عليها.

و نحن في صدد ذكرى الأستاذ الحاج عبدالكريم فخراوي هذه الشخصية الكبيرة العزيزة على أرواحنا الذي عرفناه بالإيمان والصدق والوفاء والبصيرة والاستقامة نسأل الله أن يختارنا ويلحقنا بالشهداء والصديقين.


  • ([1]) آل عمران : 169
المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟