مواضيع

ذكرى الشهداء الخالدين تزكينا وتوحدنا

من كلمة لزوجة الشهيد في ذكرى تأبين الشهيد بتاريخ 10 أبريل 2013م

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )([1])

بهكذا ابدأ حديثي في محضر الشهداء، أقف اليوم مأبنةً لشهيدي وشهداء الوطن، أولئك الذين أعطوا دمهم في سبيل حريتهم.

أبدأ بكريم .. أعمالي يا كريم وشوقي وأشواق الألوف نحوك تسري؛ لأنك كنت شعلة تضيء لكثيرين وفيءً يستضيء به المئات .. اليوم كثيرون يسألون أين كريم ؟

أين الكريم، تعال وانظر إلى هؤلاء الناس كيف شوقهم، وضعهم في كفة، وضع شوقي وشوق زهراتي الثلاث في كفةٍ أخرى ..

كريم .. كبيرةٌ هي مسافة الشوق إليك .. كم أفتقدك ويفتقدك الشعب ..

سلامٌ على تلك الدماء الزكية .. تلك الدماء التي أعطت العزة والخلود لهذا الوطن ..

سلامٌ على مداد الشهداء، منذ قطرات الأجداد في العشرينات، إلى دماء آخر شهيدٍ سقط وآخر نقطةِ دمٍ من جريح أُثخن في سبيل دينه ووطنه، وسلامٌ علينا من شعبٍ لا يبارح ساحاته، فتراه اليوم يؤبن شهداءه في ذكرى أولى وثانية وعاشرة .. ها هنا شعبٌ لا يفتؤا عن الحفاظ على عهده للشهداء .. سيبقى يلبيهم في ذكراهم في كل عام، وإن اختلفت مواعيدهم، إلا أن روح الوفاء عندهم حاضرة ..

طيلة وجودي في هذه المنطقة كنت ألحظ صورة الشهيد سيد علي أمين، وفي غيرها من المناطق التي زرت كالسنابس لا تبارح القرية صورة الشهيد هاني خميس والشهيد سلمان التيتون وبقية الخالدين من هذا الوطن، وهذا إن يعكس فهو يعكس روح الوفاء في الشعب المناضل المضحي، ويعكس عمق الوعي وترسخ الفكر في أن الحق في المطالبة بالقصاص من قتلة الشهداء ومحاسبة القتلى من أكبر مسؤولٍ إلى أصغر مسؤولٍ في النظام هي ثقافةٌ ثابتة في قاموس هذا الشعب لا تقبل التراجع، هي ثقافةٌ خارجة عن الحلول السياسية، فلا مناص من محاسبة القتلة، هذه نقطةٌ كنت أود الحديث فيها لأحيي فيها جميع الجهات وجميع النشطاء وجميع الشعب في رفضه على أن يساوم في دماء هذه الشهداء، ومن منطلق فهمي وحرصي أقول : لا يوجد أحد يراهن على دماء الشهداء لأنها دماءٌ سقطت لله عز وجل والله عز وجل هو المنتقم ممن أراقها ظلماً وجوراً وعدواناً، نحن والشهداء علامةٌ يجب أن نربي أنفسنا عليها، لا أحدثكم لأنني زوجة شهيد بل أحدثكم لأنني ابنة هذا الشعب ومن رحم هذا الشعب خرجت وعلى هذه الأرض عشت.

علاقتنا أيها الأحبة بالشهداء لا يجب أن تكون وليدة زمانٍ أو مكان، فعلينا أن نؤسس لعقلية الشهداء، ونربي أنفسنا كما ربى الشهيد المؤمن نفسه فأوجد نفسه مشروع شهادةٍ ونال الهدف، تعالوا للنظر في سيرة الخالدين من الشهداء الشرفاء من الغيارى المضحين فسوف نجد في كل شهيدٍ خصلة إن ضممناهم إلى بعضهم صنعنا مشروع الشهادة التي نريدها وتلك التي عنها نحن نبحث.

أيها الأعزاء نحن أمام وطنٍ ينادينا ويحتاج إلينا جميعاً، يحتاج إلى كل جهدٍ ليصبح وطناً حراً عزيزاً ومن أجل أن يرتقي وطننا ليكون وطناً يليق بنا ونليق به، هذا الوطن اليوم إذا نظرنا إليه فهو ينتظر منا أكثر مما نقدم له، تعالوا نبتكر .. نوجد .. نؤسس حالة من الابتكار الثوري التي يجعل من شارعنا يملك الأوراق تلو الأوراق، نجعل من شارعنا أوراقاً لا تقطف في سبيل المطالب بالحرية.

فلنعمل أيها الأحبة جنباً إلى جنب لنبني هذا الوطن، وليسدد كلٌ منا خطى الآخر في التحرك من أجل الحرية، لا يليق المقام في محضر الشهداء أن أبحث فيما يفرقهم، فوحدهم من أدركوا إن الوطن لا يعرف التحزب، فهنا دعوةٌ أخرى بأن نكون في كل حركتنا جامعين، إن لم تستطع القوة السياسية تجميع نفسها لظروف فلنجمع نحن هذه القوى وليفرض الشباب والشارع نفسه على هذه القوى في ضرورة توحدها وتماسكها، لأننا جميعاً في ذات السفينة التي إن أصبح لها ربانٌ آخر ستغرق، من هنا تعالوا لنبحث عن ما يليق بدماء الشهداء التي سقطت بعظام كريم التي سُحقت وجسد عباس المناضل وروح الوديع جاسم حبيب وكل الشهداء المضحين.

لا ختام في محضر الشهداء أقول إننا نملك من الإبداع ما يليق لتخليد هؤلاء الشهداء وجميع من سعوا ليكونوا رقماً في ذكرى شهداء المناطق الثلاث، وباسم عوائل الشهداء أجدد العهد للشهداء الخالدين بإننا ثابتون في طريقكم، وأن روحكم وهذا الدم الفوار الذي سقط من أجسادكم الندية سيبقى هو المحرك لنا لنتواجد في كل هذه الساحات وستبقى روحكم الملهمة والمرشدة هي الدافعة لنا لكي نقول لهذا النظام ولهذه السلطة ” هيهات منا الذلة “.

أختم كلمتي بالدعاء إلى أن يفك الله قيد أسرانا، ويرحم موتانا، ويتغمد أرواح شهداءنا بواسع رحمته وأن ينزل السكينة والصبر على قلوب الأمهات.


  • ([1]) الأحزاب : 23
المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟