مواضيع

سياسة أمير المؤمنين

عندما اجتمع القوم على أمير المؤمنين للخلافة، وقبل أن يقبل علي أخبرهم علي بالسياسة التي سينتهجها في حال قَبِل الخلافة وقال لهم (ع): «اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ»[1]، أي سيحكم أمير المؤمنين بما يعلم من كتاب الله وسنة رسوله (ص)، فعلي الذي رفض قبل اثني عشر عامًا على أن يكون الخليفة ويحكم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين التي لا تمت إلى القرآن بصلة.

نؤكد على هذا المطلب الجوهري والمهم جدًا، وهو الحكم وفقًا لكتاب الله وسنة رسوله، وقوله (ع): «رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ» كان مقصودًا ورسالة واضحة أن أمير المؤمنين لم يراعِ الشخصيات والوجاهات التي ظهرت في مجتمع عهد الخلفاء الثلاثة والاستفادة من تاريخهم من النبي أو لقربهم أصبحت لهم حصانة ومكانة خاصة ورأي معتبر، وإنما سيعمل أمير المؤمنين وفقًا لمعرفته بالإسلام على أساس كتاب الله وسنة رسول الله وليس هناك أحد فوق القانون والمحاسبة ولن يحظى أحد بمعاملة خاصة والعطاء من بيت مال المسلمين حتى لو كان أخاه عقيل، فالقرارات التي تصدر لم تأخذ في اعتبار مصالح الوجهاء أو قبولهم بها من عدمه، بل المحور هو رضا الله تعالى وتطابق هذه القرارات مع القرآن والسنة، كان بإمكان أمير المؤمنين باسم السياسة والبراغماتية أن يتنازل بعض الشيء عن المبادئ لأجل هؤلاء بحجة دفع الضرر وعدم فتح جبهة داخلية، ولكن بكل إصرار أصرّ على إجراء الرأي الديني الإسلامي بكل حذافيره، فعلي قَبِل الحكم لإقامة العدل ودفع الضرر، ولاسترجاع حق المظلوم ولينتقم للضعيف من القوي، وهو القائل لابن عباس وهو يصلح نعله: «ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمةَ لها! فقال (ع): والله لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ، إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقَّا، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا»[2]، لذلك انقسم أعداء أمير المؤمنين إلى ثلاثة عساكر:

  1. الشخصيات الوجيهة والمعتبرة المعروفة.
  2. المليئين بالمال والقوة.
  3. المتظاهرين بالقداسة والتعبد.

سنتحدث عن خصائص المعسكر في العنوان التالي ولكن علي حارب هذه العساكر الثلاث بقوة ومن غير هوان إلى آخر نفس، إلى أن استشهد في هذا الطريق.

معسكر الشخصيات الوجيهة والمعتبرة والمعروفة

هناك شخصيات حظيت بامتيازات خاصة في عهد الخلفاء الثلاثة؛ لأن كان لها دور في عهد رسول الله أو قربهم من الخليفة نسبًا وعاثوا في الأرض الفساد، وبنوا لهم إمبراطوريات من بيت المال فكان لهم تأثير في القرار وفقًا لأهوائهم ومصالحهم بعيدًا عن تعاليم الإسلام، فظهرت وجاهات أصبحت لها حصانة ومن هؤلاء طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاس ومروان بن الحكم وعبدالملك بن مروان وغيرهم، وينقل التاريخ أنه تم الاستعانة بالفؤوس والمعاول لكسر الذهب الذي كنزه طلحة والزبير ليتم تقسيمه بين الورثة، هؤلاء مع مرور الوقت تحصلوا على هذه الامتيازات وتعوّدوا أن يتم معاملتهم معاملة خاصة وتكون لهم الحصة عند الخليفة، عندما جاء أمير المؤمنين ألغى كل هذه الأمور وعمل وفقًا لتعاليم الإسلام التي تقول أن الناس سواسية كأسنان المشط: <إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ>[3] فلا وجاهات ولا تمييز في العطاء من بيت مال المسلمين لأحد في تصنيف شرع الله، وكان صارمًا وحازمًا في هذا الأمر ولم يجامل ولم يدارِ لا القريب ولا البعيد، فلم يحتملوا عدل علي حتى أولئك الذين كانوا بالأمس من أصحابه وشهروا السيف في أحداث الدار وينقل أنه شارك في تشييع الزهراء كالزبير انقلب على الأمير فاجتمعت هذه الشخصيات مع عائشة التي كانت بالفطرة تحقد على أمير المؤمنين وفاطمة وكان عشق رسول الله لعلي وفاطمة يؤجج فيها مشاعر الحقد أكثر وأكثر، وقد حذرها رسول الله من الخروج لحرب علي ولكن اجتمعوا جميعًا والعامل المشترك بينهم هو عداوتهم لأمير المؤمنين الذي لا يمكن تحمّل عدله وخشونته في ذات الله، وحاربوا عليًّا في حرب الجمل التي سنتحدث عن جانب منها في عنوان منفصل وهزمهم أمير المؤمنين بإذن الله، هذا هو المعسكر الأول الذي واجهه أمير المؤمنين وهم الناكثون، أي نكثوا بيعتهم لأمير المؤمنين.

معسكر المال والقوة والتزوير

المال أي الثروة، والقوة أي السلطة السياسية، والتزوير أي علماء الدين، هذه القوى هي العامل الأساسي في الحرب على الله ودين الحق، فأي دعوة سماوية سيتم مواجهتها من الأغنياء أصحاب الثروة، والطواغيت أصحاب السلطة، والعلماء، والعامل المشترك بينهم جميعًا هو تعرض مصالحهم للخطر وخسارتهم لامتيازاتهم الظالمة، وفي زمن نبي الله موسى (ع) تمثلت هذه القوة في فرعون، وفي هامان المال، وحاربهم موسى جميعًا وهزمهم جميعًا، لكانت حربه شاملة ضدهم، أما في زمن أمير المؤمنين اجتمعت هذه العوامل في شخص واحد وهو معاوية فكانت أموال بيت المال تحت تصرفه واستخدمها في شراء النفوس والضمائر وأشباه العلماء الذين كان عملهم وضع الأحاديث وتزوير الحقائق باسم الدين بما يتناسب مع سياسة معاوية وحكم بني أمية، وبلغ التزوير حدًا حتى بلغ شتم أمير المؤمنين في الصلوات تقربًا إلى الله تعالى، وعندما بلغ نبأ استشهاد علي للشام كانوا يتساءلون مستنكرين: «وماذا يفعل علي في المسجد وهل كان علي يصلي؟» وجيش الشام الذي كان مواليًا لمعاوية أساسًا، عرف الإسلام على يد بني أمية فقد كان أول والٍ عليها بعد غزوها في زمن الخليفة الثاني هو يزيد (أخ معاوية)، ثم تلاه معاوية في الحكم وهذا التدبير من الثاني كان مقصودًا إذ زرع أعداء أمير المؤمنين في مفاصل مهمة من الدولة الإسلامية حتى إذا وصل الحكم لأمير المؤمنين يواجه أعداء من الداخل ولا تسمح له الفرصة لبناء الدولة الإسلامية على أسس سليمة وفقًا لتعاليم الإسلام، وهذا الذي حدث للأسف لاحقًا، وهذا هو المعسكر الثاني وهم المنحرفون والعازفون عن طريق الحق، وكان أمير المؤمنين موسويًّا نسبة للنبي موسى في حربه على معاوية التي اجتمعت فيه عوامل الضلالة والانحراف واستطاع أن يهزمه فكان بينه وبين هلاكه والقضاء عليه أمتار، ولكن وجود الحمقى في جيش الأمير حال دون ذلك.

معسكر المتظاهرين بالقداسة والتعبد

يقول الله تعالى: <وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ>[4]، وسبب نزول هذه الآية المباركة إن النبي (ص) كان مشغولًا بتقسيم الصدقات، «فقالَ رجلٌ: اعدِل يا محمَّدُ فإنَّكَ لم تعدِلْ. فقالَ: ويلَكَ ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ. فقالَ عمرُ بن الخطاب: دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ (ص): إنَّ هذا في أصحابٍ لَه يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ»[5].

إذًا الحديث هنا عن فئة كما ذكر التاريخ يقرؤون القرآن ويفقهون في الدين وزهاد في الدنيا وأشداء في الحرب ولكنهم يفتقرون إلى العقل، لذلك ضررهم على الإسلام إن لم يكن أكثر فلا يقل عن الكفار والمنافقين، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع): «إلى الله أشكو يقظة القائم وبلادة الأمين»[6]، كما قال (ع): «ما قصم ظهري إلا رجلان عالم متهتّك وجاهل متنسّك»[7].

هؤلاء الحمقى تمسكوا قشريًا بالقرآن الصامت وتركوا القرآن الناطق وهو أمير المؤمنين (ع) الذي من غيره لا يمكن معرفة القرآن فينحرف الإنسان عن جادة الصواب ويكون مصداقًا لقوله تعالى: <قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا>[8]، من أفعالهم أنهم قتلوا الصحابي الجليل محمد بن أبي بكر الذي قال عنه النبي (ص) أنه ثمرة فؤادي ووضعوا جثته في بطن حمار وأحرقوه، ثم في طريق عودتهم صادفهم خنزير فقام أحدهم برميه بالقوس واستنكروا عليه، فعندهم قتل النفس المحترقة قربة إلى الله أما التعرض لخنزير اعترضهم جريمة، هؤلاء تسببوا بجريمة بحق البشرية تمتد آثارها إلى القيامة الأولى، حالوا دون القضاء على معاوية وانتصار الأمير في صفين وأدى ذلك إلى:

  1. عدم عودة الحق المسلوب إلى أصحابه، أي إلى آل علي فتغير مجرى التاريخ وحرمت البشرية من الحكومة الإلهية.
  2. استمرار بني أمية في الحكم، ومن بعدهم بني العباس الذين ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين وقتلوا أحد عشر معصومًا.

قتلوا مظهر اسم الله الأعظم علي بن أبي طالب وهذا هو المعسكر الثالث وهم المارقون، أي الخارجون عن الدين وكما أشرنا هؤلاء أخبر عنهم رسول الله (ص) وأطلق عليهم المارقين ولنا معهم وقفة أخرى لاحقًا.

الانتصار للمبادئ

يتضح من سيرة أمير المؤمنين (ع) طريقة تعامله مع أعدائه، أن عليًا دائمًا ينتصر للمبادئ مهما كلف الأمر وليس من أخلاق علي البراغماتية التي يتغنى بها البعض ويعتبرها من الحكمة والعقلنة والذكاء السياسي فعلي لم يكن ليتنازل ولو عن جزء من المبادئ لتحقيق المكاسب المادية على المبادئ الإسلامية في حربه مع العساكر الثلاث واستشهد في هذا الطريق حتى قالوا عدلُ عليِّ قتلُهْ.

وهنا أمران مهمان يذكرها السيد القائد روحي فداه[9]:

  1. لو لم يكن أمير المؤمنين (ع) مريدًا للعدالة، وعوضًا عن ذلك تعامل مع العساكر الثلاث بلين بعيدًا عن الإصرار على المبادئ مع مراعاة الشخصيات الوجيهة المعروفة وتقديمهم للمصالح العامة للمسلمين كما فعل من سبقوه لكان أفضل خليفة نجاحًا على المستوى المادي ومن غير معارض ومنافس.

ولكن هيهات فعلي هو ميزان الحق والباطل والفرقان بينهما، وهو القائل: «وَاللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ»[10]، فليس علي ممن لا يجيد الأساليب القذرة وإنما هو أجل شأنًا من ذلك، وأخلاقه الإسلامية تمنعه من التساهل والانحدار، لذلك التزم بأخلاقه الإلهية حتى لو تعرضت مصالحه للضرر، فعلي لا يؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة، هذه أخلاق علي في قبال الأعداء، ولكن للأسف في مجتمعنا الذي من المفترض أنه من شيعة أمير المؤمنين لكنه يتعرض لبعضه البعض ولشخصيات ضحت في سبيل الإسلام ولهذا الوطن الحبيب بالغيبة والنميمة والبهتان والكذب، وكل ما يمكن أن يوظفه في هذا الخصوص وباسم الإسلام والدين لمجرد اختلاف في الرأي والمنهج الثوري والسياسي فأين نحن من أخلاق أمير المؤمنين.

  • أثبت أمير المؤمنين أن المفاهيم الإسلامية بمبادئها وأصولها قابلة للتطبيق سواء في فرض الإسلام عندما كان المجتمع الإسلامي صغيرًا أو بعد نمو المجتمع الإسلامي وظهور الوجاهات، كان بالإمكان إجراء العدالة ومحاربة الفساد والمفسدين وتطبيق المبادئ الإسلامية في كل زمان ومكان وبكامل حذافيره وهي سبب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

وللأسف نجد في زماننا هذا أن الناس تلجأ للكذب والغش والتزوير وكل الأخلاقيات المنحطة التي حرّمها الله من غير ورع وتقوى بحجة أنه لا يمكن أن نعيش في زماننا هذا من غير اللجوء إلى هذه الأساليب، سبحان الله منذ متى كانت معصية الله تعالى سبب سعادة الإنسان وتجلب الرزق! والله تعالى يقول: <وَمَن یَتَّقِ اللهَ یَجعَل لَه مَخرَجاً 2 وَیَرزُقهُ مِن حَیثُ لا یَحتَسِب>[11].

مواجهة النفاق

رسول الله (ص) واجه الكفر وحارب على التنزيل، أما أمير المؤمنين واجه الكفر وحارب على التأويل، الكافر مكشوف ولا يختلف أحد من المسلمين على مواجهة الكفر والقضاء عليه، بل هنالك تسابق من أجل ذلك والقرآن عند نزوله على النبي (ص) بيّن من هو النبي المقصود ومن هم الكفار، أما المنافق فمتستر بنفاقه فدائمًا ما يحدث خلاف المجتمع في ترشيح المنافق ومن ثم في مواجهته، والقرآن بعد النبي يدخل مرحلة التأويل فينفتح باب الاجتهاد فيظهر الكثير ممن يدعون ويرون في أنفسهم الأهلية لتأويل الآيات القرآنية لأنهم من الصحابة، وهناك من يستغل الوضع لتأويل الآيات القرآنية وفقًا لأهوائه ومصالحه الشخصية.

أما الكافر قد وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع المسلمين وتكليف المسلم في هذه الحالة معروف، أما الذي يقوم بتحريف القرآن فهو منافق وهو أخطر من الكافر بكثير؛ لأن المنافق لا يحارب نزول القرآن وإنما يوظف القرآن في تحقيق أهدافه، فيسدد ضربة للإسلام باسم القرآن، المنافق يعيش بين المسلمين ومطلع على تفاصيل المجتمع الإسلامي ويعرف نقاط الضعف عند المسلمين لذلك ضرباته موجعة ومخيفة ولقد رأينا في زماننا هذا الجرائم التي ارتكبها المنافقون في الجمهورية الإسلامية بعد انتصار الثورة.

بناءً على ما تقدم وضع علي (ع) كان أصعب بكثير من وضع رسول الله (ص)، فعلي واجه الكفر بلباس الإسلام وحارب شخصيات لها تاريخها وحضورها في المجتمع الإسلامي، فواجه العساكر الثلاث التي ذكرناها وكلها كانت ترفع شعارات إسلامية برّاقة وتحتمي خلف علاقتها برسول الله (ص) وتاريخها، والتكليف المناسب بحاجة إلى وعي كبير، عادةً ما يملكه الخواص وليس عامة المجتمع، لذلك أمير المؤمنين كان يؤكد دائمًا أن القضية ليست قضية شخصية وليست صراع على منصب وكرسي وإنما هو صراع حق وباطل وإجراء لحكم الله تعالى ولكن تمكّن النفاق في الأخير وراح علي ضحية للجهل والنفاق.

شرطة الخميس

من إبداعات علي (ع) تأسيسه لشرطة الخميس وهي في جيش الأمير الخميس، يعني الجيش الذي يتكون من خمسة أجزاء: المقدمة والقلب والجناحين والمؤخرة، والشرطة الذين اشترطوا على أنفسهم أن يخدموا أمير المؤمنين بأرواحهم وأن يقاتلوا إلى آخر نفس، وأن يحققوا أهدافه الإلهية، ويحافظوا على حكومته، وكانت تتكون من شخصيات تربت تربية عقائدية على أسس سليمة، ومن هؤلاء مالك الاشتر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وحجر بن عدي وحبيب بن مظاهر الأسدي وآخرين، وهؤلاء قسم منهم قضى في زمن أمير المؤمنين في ساحة الحرب أو في الغدر أو في الاغتيال أو تحت التعذيب أو التنكيل إلا أنهم جميعًا رغم قساوة الظروف لم يتراجعوا قيد أنملة وبقوا على ولائهم لأمير المؤمنين حتى قضوا، فضربوا أروع الأمثلة في العزة والإباء والولاء الناتج عن العقيدة الراسخة القوية، وقسم ضلّ ثابتًا على ولائه لعلي ونهجه والأعلى مقام بين شهداء الإسلام جميعًا من الأولين والآخرين وهو الاستشهاد تحت راية الامام الحسين (ع) في عاشوراء ونستفيد من هذا الإبداع العلوي:

  1. يجب أن نربي أبناءنا منذ الصغر على أساس عقائدي سليم ومتين.
  2. لا يمكن للحكومة الإسلامية البقاء والاستمرار من غير جيش عقائدي.
  3. الجيش العقائدي صمام أمان للنظام الإسلامي في قبال التهديدات الداخلية والخارجية.
  4. وحدهم من تربوا تربية إسلامية وعقائدية صحيحة لن يتزلزلوا وسيبقون ثابتين حتى آخر نفس تحت العواصف والشدائد.
  5. الجيش العقائدي سيبقى ثابتًا على نهجه العقائدي وولائه للأهداف الإلهية حتى بعد استشهاد قائده، أي في حضوره وغيابه، ويضل كل حياته يسعى لتحقيق الأهداف الإلهية إلى أن يستشهد في سبيل الله، وقد استفاد الإمام الخميني العظيم من إبداع جده أمير المؤمنين وأسس الحرس الثوري الجيش العقائدي الذي تتلخص مهمته في أمرين:
  6. الحفاظ على النظام الإسلامي.
  7. نصرة المظلومين والمستضعفين أينما كانوا دون اعتبار للسنن والقوانين الدولية.

فحتى لو قادة الجيش قرروا الثورة على النظام الإسلامي سيتصدى لهم الحرس الثوري، لذلك من يسعى للثورة على النظام الإسلامي من الداخل فهو يعيش حلم حزين غير قابل للتحقيق، ومن يعتقد أن إيران الإسلامية تحت التهديدات والضغوط ستتخلى عن نصرة قضايا الأمة الإسلامية والشعوب المظلومة المستضعفة فهذا لا يعرف معنى العقيدة وهو واهم حتى ينقطع النفس.

الحكومة الإسلامية

لماذا عندما نتحدث عن الحكومة الإسلامية نضرب المثل بحكومة أمير المؤمنين وليس النبي، بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن الباحثين والكتاب على مختلف مذاهبهم عندما يتحدثون عن الحكم الإسلامي يذكرون حكومة أمير المؤمنين كنموذج وذلك ليس تقليلاً من شأن النبي (ص) وإنما بسبب اختلاف الظروف الموضوعية والتفاوت الزماني بين النبي وأمير المؤمنين والذي أدى إلى ظهور نموذج الحكم الإسلامي في علي وليس النبي وهنا نذكر بعض هذه النقاط:

  1. النبي كان في مرحلة نزول الوحي، ما دام النبي موجودًا فالوحي لا ينقطع، إذًا التشريع الإلهي لم يكتمل ومنظومة القوانين الإلهية على جميع الأصعدة بما فيها الحكم الإسلامي ما زالت تنزل تباعًا والنبي يبينها للناس وبما أن الإسلام خاتم الأديان وقوانينه أبدية فبعض هذه التعليمات هي في مجال تطبيقها فيما بعد، أي ما بعد زمن النبي.
  2. النبي جاء بالدستور الذي هو منهج حياة للمسلمين وهو في كل زمان ومكان، وبالتالي تطبيق هذا الدستور بحاجة إلى عامل الزمان فالنبي هو وضع الأسس وجاء بترسانة القوانين التي ستثبت التجارب مع مرور الزمن أهليتها وصلاحيتها في كل زمان ومكان.
  3. النبي عاش في مجتمع مدينة صغيرة، فالحديث عن إدارة بقعة جغرافية محدودة وصغيرة وإن كان ذلك كافيًا لأصحاب الألباب البصيرة، ولكن عندما يكون الحديث إلى الجميع، مثل: حكومة أمير المؤمنين أفضل لأن الدولة الإسلامية في زمانه كانت مترامية الأطراف.
  4. دولة النبي كانت امتداد لمرحلة الثورة، طوال العشر سنوات كان النبي في حرب على مختلف الجبهات لتثبيت الدولة الإسلامية ولم يحصل هذا الأمر إلا بعد فتح مكة، أي مرحلة الانتقال من الثورة إلى بناء الدولة وبدأت عمليًا بأواخر عمر النبي (ص).
  5. حكومة أمير المؤمنين بدأت بعد مدة من الابتعاد عن تطبيق الإسلام المحمدي الأصيل من قبل الحكومات السابقة، لذلك يمكن القول أن حكومة أمير المؤمنين هي أول حكومة إسلامية حقيقية لأنها نجحت وصارت مضربًا للمثل.
  6. كما أشرنا، علي جُعِل كحاكم منتخب وليس كمعصوم، ولكن قام بتطبيق المبادئ الإسلامية التي ثبتت العدالة وقواعد الحكومة الناجحة فصارت حجّة على جميع الحكام بغض النظر عن معتقداتهم، وكل من يبحث عن إقامة حكومة عادلة وناجحة فعليه أن يبدأ بسيرة الأمير في الحكم التي هي انعكاس شخصية الحاكم الإسلامي وتطبيق للحكم الإسلامي.

  • [1] من كلام له (ع) لما أريد على البيعة بعد قتل عثمان
  • [2] من خطبة له (ع) عند خروجه لقتال أهل البصرة وفيها حكمة مبعث الرسل، ثم يذكر فضله ويذم الخارجين
  • [3] الحجرات: 13
  • [4] التوبة: 58
  • [5] صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم 3445
  • [6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، جزء 20، الحكم المنسوبة، حكمة 939
  • [7] غرر الحكم ودرر الكلم، صفحة 696
  • [8] الكهف: 103-104
  • [9] الذكر هنا بالمضمون
  • [10] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 33، صفحة 197
  • [11] الطلاق: 2-3

المصدر
كتاب مرج البحرين يلتقيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟