مواضيع

عناصر السلطة

ما تقدم يقودنا للبحث في عناصر السلطة ومصادرها لكي نستطيع أن نتبين الموقف العملي تجاه الشريعة الإسلامية المقدسة.

تحتاج السلطة التي تتولى زمام القيادة في الدولة إلى عنصرين أساسيين لكي تمارس مهامها:

النعصر الأول – القوة:

التي من خلالها تستطيع السلطة فرض إرادتها على إرادة المحكومين والقيام بدورها في إقرار النظام، وتنمية الموارد، وتحقيق أهدافها في تطوير الدولة، وبدونها تفقد السلطة مصداقيتها وواقعها على الأرض، بغض النظر عن شرعية الأساليب المتبعة لديها، فقد تتبع أساليب مشروعة مثل الإقناع، وقد تتبع أساليب غير مشروعة مثل الإغراء والتخويف والإرهاب.

العنصر الثاني – الشرعية:

المقصود بها ما به يسوغ للسلطة إعمال إرادتها، واستخدام قوتها لفرض النظام في الدولة، وبدون الشرعية تتحول السلطة إلى ظاهرة سلبية تتمثل في الاستبداد وتؤدي إلى ممارسة العنف والظلم ضد أبناء الشعب، مما يهدد مصالح الشعب، ويفقده الشعور بوجوده كشعب يمتلك إرادة حرة واعية، الأمر الذي يوجب عليه مواجهتها بهدف إصلاحها والقضاء على الظلم والاستبداد لديها، أو الثورة عليها وإزالتها واستبدالها بسلطة غيرها تتمتع بالشرعية؛ لأن القبول بالسلطة المستبدة من شأنه أن يقضي على الإرادة الحرة الواعية للشعب، ويقضي على كرامته الإنسانية واستقلاله.

ومصدر القوة هو الإرادة الاجتماعية الغالبة في الدولة، فمن يمتلك هذه الإرادة يستطيع أن يمتلك السلطة وأن يحافظ على ديمومتها، ومن يفقدها لا يستطيع الوصول إلى السلطة أو المحافظة على ديمومتها.

وعليه: فالسبيل إلى السلطة والمحافظة على ديمومتها هو الحصول على الإرادة الغالبة في المجتمع، وذلك عن طريق الهيمنة على مجموعة من الإرادات الفردية وتوجيهها توجيهاً يجعل منها إرادات متراكمة منسجمة تبلغ المستوى الذي تكون به الإرادة الغالبة، ليكون من خلالها الوصول إلى السلطة، بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية الموازين التي تقوم عليها من جهة كونها متطابقة مع موازين الحق والعدل والفضيلة أو مخالفة لها.

والمطلوب إسلامياً صدور السلطة عن الإرادة الشعبية الحرة الواعية، والتعبير الصادق عنها، والتداول السلمي لها، في ظل الشرعية الدينية ورضا أبناء الشعب.

أما مصدر الشرعية في الدين الإسلامي فهو لله تبارك وتعالى وحده.

ونخلص مما سبق إلى النتائج المهمة التالية:

النتيجة الأولى: إن الأمة تتحمل مسؤولية الحاكم، فإذا كان الحاكم عادلاً، فيجب عليها طاعته، وإذا كان الحاكم جائراً، فيجب عليها أن ترفضه، وأن تقف إلى صف القيادة الشرعية العليا المؤهلة بالعلم والعدالة والكفاءة للثورة عليه والإطاحة به أو الإصلاح، في سبيل تحقيق الدولة الإسلامية أو الدولة الإنسانية العادلة، وليس للمسلم الحق شرعاً في أن يخضع طوعاً لقيادة أو يطيع أمراً إلا استجابة لأمر الله تبارك وتعالى في ظل شريعته المقدسة العظيمة.

والخلاصة: فإن القيادة الإسلامية الشرعية العليا (الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول) تتحمل مسؤولية الحكم، وأيضاً مسؤولية الثورة والإصلاح.

النتيجة الثانية: يجب على الأمة الإسلامية أن تصون استقلالها وسيادتها ولا تقبل بالخضوع للاستعمار الأجنبي والمناهج الشرقية والغربية.

وقال الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 51 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ>[1].

النتيجة الثالثة: إن الأمة الإسلامية تتحمل مسؤولية تصحيح المسيرة البشرية كلها، وإيصال شعلة نور الحق إليها، وهدايتها إلى رشدها الإيماني، وتتحمل مسؤولية تحرير العالم من الأنظمة الطاغوتية وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية، وهذا فرض إلهي وتكليف رباني عليها أن تؤديه.

قال الله تعالى: <وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا>[2].

النتيجة الرابعة: يجب على الأمة الإسلامية أن تلتف حول قياداتها الشرعية المؤهلة التي تمتلك العلم والعدالة والكفاءة النفسية والعملية وتحافظ على قوتها ووحدة صفها وأن تصبر على المكاره ولا تلين في الشدائد والمواجهة.

قال الله تعالى: <وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ>[3].

وقال الله تعالى: <وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ>[4].

وقال الرسول الأعظم الأكرم (ص): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[5].

وقال آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي: «قال أحد الأكابر قبل بضعة عقود خلت: بني الإسلام على دعامتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، والثانية تعود إلى الأولى، بمعنى أن وحدة الكلمة تدور حول محور التوحيد، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذا الشعار، أي أن نعود إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة»[6].


  • [1] المائدة: 51-52
  • [2] البقرة: 143
  • [3] الآنفال: 46
  • [4] آل عمران: 105
  • [5] صحيح مسلم، جزء 8، صفحة 20
  • [6] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، صفحة 549
المصدر
كتاب الدولة والحكومة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟