مواضيع

وظائف مدراء المؤسسات تجاه أنفسهم

أولاً: تقبل المسؤولية إذا توفّرت فيهم الكفاءة

يجب على المسؤول أن يكون مستعداً للعمل، فإن الكسل والتخاذل إحدى الآفات التي تسقط المدير أو المسؤول.

إن الجدية والاهتمام في العمل والإحساس بالمسؤولية تجاه العمل والوظيفة التي يتولاها الشخص من أهم الأمور التي تقع على عاتقه، من هنا فإنه لا يكون مشروعاً لأي مسؤول كان في أي موقع إداري أن يتسلم أي مسؤولية إذا كان يعلم أنه لا يستطيع أن يقوم بأعبائها؛ لأن قبول العمل ملازم للتعهد تجاه الوظيفة، وهذا أمر لا يتحقق من دون الكفاءة.

ثانياً: الاستعداد الروحي والمعنوي، والاستعداد الأخلاقي

إذا أدى الإنسان مهامه على النحو الجيد فإن الأجر المترتب على ذلك مضاعف، وإذا قصر في أداء وظائفه فإن المؤاخذة مضاعفة أيضاً، فعلى الإنسان أن يوثق علاقته بالله تعالى كي يتجاوز هذه المراحل، وعليه بقراءة القرآن يومياً، ومن لا يتقن العربية فليتدبّر في ترجمات القرآن بتمعّن، وليفرغ عشر دقائق على الأقل من وقته يومياً لقراءة القرآن، ولنسعى ليكون هذا برنامجاً يومياً لنا.

كما لا بُدّ من الاهتمام بالصلاة والنوافل وبعض الأذكار الواردة، قال الله مخاطباً الرسول (ص): <يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً>[1].

فإذا أردنا أن نؤثر على الآخرين فعلينا أن نواجههم ونعاشرهم بالخُلق الحسن وأن نثبت لهم أن أخلاقنا قد تغيرت، وأن الإسلام قد ترسخ في نفوسنا ودخل إلى بواطن قلوبنا ونفذ إلى أرواحنا، وإلا فالكثير يدّعون الإسلام ولا يكون لهذا أي اعتبار وقيمة عند الله تعالى وأحياناً يترتب الضرر من خلال هذا الأمر والادعاء.[2]

وقد ذكرنا أنه كلما كان المدراء متعهدين ومؤمنین وحرصين على أداء وظائفهم وأعمالهم تجاه الناس والشعب والنظام الإسلامي، كلما ازددنا توفيقاً وسداداً.[3]

لا بُدّ من التوكل على الله تعالى وطلب العون منه تعالى، ولا بُدّ من توثيق العلاقة بيننا وبين الله تعالى يوماً بعد يوم من خلال الأعمال التي تقوي معنوياتنا وعدم الانشغال في الأعمال التي تبعدنا عن ذكره تعالی.

إن التوكل على الله والاستمداد منه يؤدي إلى زيادة النشاط والتوفيق، يجب علينا أن نشكره تعالى على توفيقنا لخدمة الناس من خلال المسؤوليات التي نتبوؤها ونسأله تعالی دوامها واستمرارها.[4]

ثالثاً: الإخلاص وصدق النية

إن الثورة تحتاج إلى أفراد مؤهلين صادقين، فالصدق والإخلاص شرطان أساسيان في كل خير، فإن افتقد الإنسان هذه الخصال فلن يكون موفقاً في عمله، وقد يُبتلى – لا سمح الله – بمعوقات ومشاكل.

إن الكفاءة في العمل يعني أن يؤدي الأفراد أعمالهم ويقوموا بوظائفهم بكل إخلاص وصدق نية.

رابعاً: تجنب طلب الدنيا والدعة

إن طلب الدنيا من المهالك التي لا ينجي منها إلا تقوى الله مع دوام المراقبة، أو الإشراف الدقيق الذي يمنع الإنسان من أن يتصرف كما يحلو له، فيضطر الأشخاص إلى مراعاة القانون، ومع ذلك تبقى هناك إمكانية ارتكاب المخالفات عبر الطرق غير المشروعة.

لقد كتبت قبل خمس أو ست سنوات إلى مجموعة من الشبان والطلاب الجامعيين الذين كان من المقرر أن يتسلموا في المستقبل القريب مهامهم في المؤسسات الحكومية، وشرحت لهم هذا الأمر وطلبت منهم أن لا ينخدعوا بملذات الدنيا ورونقها فإنها خداعة وكلنا معرضون لفخاخها، خصوصاً الشباب.

وهذا أمرٌ واجب على كل من يمكنه أن ينبههم على ذلك خشية الوقوع بذلك، وهذا أمر يشمل المسؤولين أيضاً ولا يختص بعنصر الشباب فحسب.[5]

إن أخلاقيات الإنسان وصفاته وخصاله هي التي ترسم أهدافه وتوجهاته، وقد جمع أمير المؤمنين (ع) كل الخطايا تحت مظلة حب الدنيا، «حب الدنيا رأس كل خطيئة»[6].

إن ما نشاهده اليوم من أشخاص فاسدين في المجتمع لم يكونوا بطبعهم فاسدين بل هناك أسباب أدت بهم إلى هكذا حال، فلعل البعض قد خُدِع بزخارف الدنيا وذاق طعم حلاوتها الزائلة فلم يستطع أن ينفك عنها، ومن ثم يوماً بعد يوم ترسخ حب الدنيا في قلبه فأصبح عبدٌ لها من حيث لا يعلم، من هنا كان على الإنسان أن يراقب نفسه وقلبه من الانجراف خلف الدنيا وزخارفها، فهي رأس كل خطيئة.[7]

والنقطة المهمة الأخرى: هي أن لا نقع في فخ الكسل والدعة وراحة الجسم، فإنها مهلكة أخرى، وهذا الكلام متوجه بالخصوص إلى قوات التعبئة فهم بطبيعة الحال عناصر نشطين في المجتمع ويجب عليهم المحافظة على هذه الخصلة الحسنة.[8]

خامساً: محورية التكليف وعدم الاعتناء بالمنصب والمقام

يجب علينا أن نجد أنفسنا في خدمة الناس في جميع المواقف وكل الأمكنة؛ عندما قرر مجيء الإمام (ق) إلى طهران كنا وجمع من الأخوة كالشهيد مطهري والشهيد بهشتي والشهيد باهنر وباقي الأخوة الأعزاء كالشيخ هاشمي والمرحوم رباني شيرازي والمرحوم رباني آملشي؛ نجتمع في جامعة طهران فنبحث مسألة مجيء الإمام، وبعض المسائل الأخرى، وكان الإمام (ق) سيصل إلى طهران بعد يوم أو يومين ونحن لم نقم بعد بتنظيم أمورنا، فعقدنا اجتماعاً لأجل هذا الأمر وقررنا أن نرتب الأمور حتى يصل الإمام (ق) فترجع جميع الأمور.

لم يتكلم أي منا بمسألة الدولة رغم أن البعض منا كان عضواً في مجلس قيادة الثورة، كنا نعمل سوياً ولم نكن نتطرق إلى مسألة الدولة.

اجتمعنا ووزعنا المسؤوليات وطلبت أن أكون أنا من يوزع الشاي، تعجب الجميع من هذا الأمر، فقلت لهم: ولما العجب، أعرف أنكم لن تعيّنوا أحداً لذلك، والأمور يجب أن تسير على ما يرام، لذلك لا مانع لدي أن أكون أنا من يقوم بهذا الأمر.

طبعاً كنت أعلم أنه لن يعيّني أحد لذلك، ولكني كنت على استعداد أنه إذا تطلب الأمر أن أكون أنا من يقدم الشاي، فلا مانع لدي.

هذه هي روحيتي، وهكذا كان اندفاعي، علينا أن لا نعير المناصب أي اهتمام إذ ليس الهدف هو تسلم المناصب، وإنما الهدف أن نقوم بمسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا.

في الفترة التي كنت فيها رئيساً للجمهورية قبل وفاة الإمام (ق)، وكانت فترة رئاستي قد أوشكت على نهايتها، لم أصدر أي إشارة إلى أي منصب أو مسؤولية، وكان البعض يراجعونني دائماً ويقترحون عليّ بعض المسؤوليات، كنت أنظر إليهم بأنهم أفراد لا يمتلكون حس المسؤولية، وكنت أرفض كل ما يقترحونه عليّ وأقول لهم: إن عملي منوط بأمر الإمام، فلو كلفني بتولي أي منصب كان حتى لو كان منصباً عادياً جداً في أي مكان في الدولة فكلي سمع وطاعة وإن لم يكلفني بشيء فسأطلب منه أن يسمح لي بأن أتفرغ لإدارة الشؤون الثقافية.

يجب علينا أن نعد أنفسنا لكل الفترات القادمة، فنكون مستعدين ما دامت الثورة بحاجة إلينا، وإن أفضل السبل أن نشبّه أنفسنا كالسلم الذي يساعد الناس في الصعود، وما الضير في ذلك إذا كانت مصلحة النظام والبلاد تقتضي ذلك.

يجب علينا أيها الإخوة الأعزاء أن نقدم الخدمة للثورة أين ما كنا إذا تلمّسنا الحاجة في ذلك.[9]

ولو شبّهنا أنفسنا بالمجموعة العسكرية التي تواجه العدو نجد أن هناك من هو موكل بالتخطيط، وآخر بالتنفيذ، وآخر بنقل الجرحى، وآخر بنقل العتاد، وهكذا…

وليست كل مهمة من هذه بأقل من نظيرتها، إذ الكل لا بُدّ له أن ينجز ما عليه من واجبات حتى تنجح المهمة، فلو لم يقوموا بعملهم مجتمعين لما انتصرت الحرب.

ونحن في أي موقع كنا في نظام الجمهورية الإسلامية علينا أن نعتبر أن هذا الموقع هو ثقل العالم وأن نكون واعين إلى أن جميع الأعمال أصبحت متوجهة إلينا.[10]

وقد توجه کثيرون إليّ بالسؤال حول المناصب التي سوف أتسلمها بعد انتهاء فترة رئاسة الجمهورية، وبما أن ميولي كانت ميولاً ثقافية فكنت أتصور أنه بعد انتهاء فترة الرئاسة سأقوم بإدارة عملٍ ثقافي ما، فعندما سُئلت هذا السؤال قلت: إن لم يكلفني الإمام بأي شيء، سأقوم بتسلم رئاسة مكتب العقيدة السياسية في مدينة زابل، والله يعلم أني صادق القول والنية فيما أقول. فباعتقادي يجب علينا إنجاز الأعمال والمهام من هذا المنطلق؛ ففي هذه الحالة يبارك لنا الله في أعمالنا.[11]

سادساً: التوكل على الله تعالی

أهم ما يقدمه الإنسان كوصية إلى عزيز أن يوصيه بالتوكل على الله تعالی کي يقوي قلبه وباطنه، فإذا كان باطن الإنسان مستحكماً أمام الأزمات فإن هذا سينعكس على ظاهره.

يجب علينا أن نقوي قلوبنا ونحصن بواطننا من الآفات وبذلك نتغلب على جميع ذلك، ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالتوكل على الله تعالى وطلب العون من ساحته المقدسة.[12]

إن السبب الرئيسي الذي أدى إلى انتصارنا في الحرب المفروضة هو: التوكل على الله تعالى والتقوى، والذي ينصرنا اليوم هو التوكل والتوجة إليه سبحانه أيضاً، وأهمها الحفاظ على التقوی وعدم الاهتمام بزخارف الدنيا.

وعندما نقول عدم الاهتمام بزخارف الدنيا لا نعني بذلك عدم الاكتفاء من الحوائج المادية، بل من الواجب علينا أن نسعى خلف حوائجنا المادية ليؤمن الإنسان معاشه اليومي ورفاهيته المشروعة، وهذا يختلف عن التعلق بالدنيا وآثارها فينسى الله تعالى وتكون كل حياته مطابقة لما تتطلبه العيشة المادية المحضة لا غير.[13]

سابعاً: عدم الإعجاب بالنفس وحب المدح

لطالما حذّرنا أمير المؤمنین (ع) من أن نعجب بأنفسنا، إذ لعلّ الإنسان يرى في نفسه بعض المميزات التي تميّزه عن الآخرين، كالفهم الجيد والقدرة البدنية العالية والذهن الوقّاد، أو لعلّه يمتاز بصوت جميل وبیان لطيف، فعليه أن لا يغتر بهذه الصفات مطلقاً، يقول الأمير (ع): «وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منه»؛ فالإنسان في بعض الأحيان لا يرى عيوبه بسبب غروره وإعجابه بنفسه.

يجب على الإنسان أن لا يرى هذه الصفات الإيجابية في نفسه فقط، بل يجب أن يرى الصفات السلبية الأخرى؛ لأن سبب الإعجاب بالنفس هو غض النظر عن هذه الصفات السلبية، وهذا هو الخطأ الذي نقع فيه.

والأمير (ع) يعطينا الميزان الصحيح لمشاهدة أنفسنا، فقد يستشعر الإنسان في نفسه بعض نقاط القوة والتميز لكنه إذا رجع إلى ذاته لم يجدها سوى مجموعة أوهام تسيطر على عقله؛ لأنه جعل مقياس نفسه هو الذي أدنى منه فاعتبر هذا الأمر فضيلة وصفة مميزة، في حين أنه إذا قاس الأمر مع من هو أعلى منه لما تخيل هذه الأوهام، فلا نثق كثيراً بما يميّزنا عن الآخرين.[14]

ثم يتابع أمير المؤمنين (ع): «وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين»؛ فأنْ يحب الإنسان المدح لنفسه فذلك يكون من أوثق فرص الشيطان التي سيستغلها لغوايتنا حيث يذهب إحسان المحسنين هباء، ويسلب الإحساس المعنوي والروحي منا.[15]

ثامناً: تجنب الاستبداد بالرأي

يجب على الإنسان أن يبتعد عن الاستبداد برأيه مهما علا شأنه، وفي قول أمير المؤمنين علي (ع) إلى مالك الأشتر: «ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكةٌ للدين وتقربٌ من الغير» فالتأكيد هنا بقوله (ع): «لا تقولن» يدل على أهمية اجتناب هذا الأمر، فالإحساس إني مسؤول يجب أن أطاع أمرٌ مرفوض تماماً.[16]

تاسعاً: تقبل المسؤولية والمساءلة

إن فن الإدارة يكمن في القدرة على تقبل المسؤوليات، إذ على للإنسان أن ينظم عمله وفق الأسس المنطقية، فيتحمل مسؤولية ما أُلقي على عاتقه ولا يخشى من توليها، فلا بُدّ بالدرجة الأولى وجود أساس منطقي قانوني يكون ملاكاً لمقتضيات الأمور كي لا تترتب أي مشاكل في أداء الوظائف.[17]

وإذا قام الإنسان بأعماله على وفق الأسس المنطقية، فحتى لو برز فيه نقصٌ ما فإنه سيكون معذوراً له أمام الله، قال تعالى: <لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا>[18]، ومعذوراً أمام الناس، فعلينا أن نسعى لترسيخ الأسس المنطقية في أعمالنا، ولا نعني بذلك عدم الوقوع بالخطأ مطلقاً لكن لا بُدّ أن نسعى إلى تحقيق هذا الأمر، أي البحث عن المنطق الصحيح وإدخاله ضمن أعمالنا، كما يجب علينا إنجاز الأعمال على النحو الأحسن والأفضل وفي سبيل تحقيق هذا الأمر ينبغي الاستعانة بالآخرين من أجل تأسيس العمل على الأسس الراسخة القويمة.[19]

إن المساءلة مبدأ إسلامي أصيل، ونعني به أنه على كل إنسان في أي منصب كان عليه أن يتحمل مسؤولية أداء وظيفته، ولا بُدّ أن يراجع نفسه في المقام الأول، فیری هل أخلاقه وسلوكياته والقرارات التي اتخذها متأثرة بميول أو رغبات؟ هل كانت قرارات عقلانية نابعة من التقوی أم كانت قرارات أنانية تحت تأثير الشهوات والرغبات والميول الشخصية؟ فلو استطاع الإنسان أن يجيب على تساؤلات ضميره وندائه الباطني، فإنه بطبيعة الحال يستطيع أن يجيب على كل مُساءلات الآخرين. <وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً>[20]، فالبصر الذي نمتلكه يستطيع أن يرى ويشخّص الحق من الباطل، وكذلك السمع يستطيع أن يسمع كلام الحق فيؤثر في قلوبنا، وكذلك القلب يستطيع أن يحس ويستشعر الحق ويتخذ القرارات الصائبة، وقد عبر عن هوية الإنسان الواقعية بالقلب، فهذه الوسائل سوف نسأل عن كيفية استخدامها يوم الدين.

قال رسول الله (ص): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، يعني: إن الذي يتأثر الناس بكلامه فإن مسؤوليته تكون أعظم يوم القيامة؛ فالكل يُسأل يوم القيامة عن أفعاله وقراراته وما نطق به؛ هذه حقيقة إسلامية لا بُدّ من التمسك بها. فكل إنسان إذا عرف أنه مسؤول أمام الكلام الذي ينطق به فسوف تؤثر هذه المعرفة على منطق کلامه وطريقة عرضه، فإذا علم أنه مسؤول أمام خطواته التي يتخذها فإنه سيكون حذراً في اتخاذ خطواته كلها. ونفس الأمر بالنسبة للشخص الذي لا يستشعر المسؤولية في اتخاذ قراراته فإنه سيكون حراً في اتخاذ قراراته غير مقیّد بنتائجها.[21]

من هنا على الإنسان أن يكون مسؤولاً أمام الأخطاء التي يرتكبها؛ ومسؤولاً أيضاً تجاه الأعمال التي كان لا بُدّ من تأديتها وقد تم تأخيرها. ففي بعض الأحيان لا يكون الخطأ في عدم أداء الوظائف بل في التقصير في أدائها حيث لم تُؤدى على النحو المطلوب، فهذا أيضاً نوع من التخلف والخطأ.[22]

عاشراً: التحرز من العجلة والرجوع عن الأخطاء

يجب على الإنسان أن لا يتسرع في اتخاذ القرارات، يقول أمير المومنين (ع): «وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها»[23]، فالعجلة مذمومة ولا تأتي بالخير لصاحبها أبداً، قال أمير المؤمين (ع): «أو التسقط فيها عند إمكانها»، ويعني بالتسقط الإهمال والتقصير وتسويف الأعمال.

والأمر الآخر هو: اللجاجة والإصرار على الخطأ فهو مهلك لصاحبه ولا يدر بالنفع عليه مطلقاً، من هنا يكمل أمير المؤمنين (ع) قوله: «أو اللجاجة فيها إذا تنكرت»[24]، فإذا شرع الإنسان في عمل ما وأشار عليه البعض بالترك لكنه أصر ووصل إلى طريق مسدود فالأفضل أن يقف ولا يكمل من منطق اللجاجة والعناد، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، واللجاجة والعناد أمران مستقبحان عقلاً، ثم يكمل (ع): «أو الوهن عنها إذا استوضحت»[25] فلو تبينت معالم القضية ووهنها فعلى الإنسان أن يتراجع فوراً عنها ولا يتقدم خطوة أخرى.[26]

الحادي عشر: التغلب على الموانع

يتجلى فن الإدارة في كيفية التغلب على الصعاب والموانع، فلا تقلل هذه الموانع من همم الإنسان فضلاً من أن تحبط معنوياته، فلا ييأس إذا واجهته الصعاب في طريق تطوره وتقدمه، بل على العكس، لا بُدّ أن يزيل هذه الموانع ويهدم أسسها ويلتف حولها. وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالعمل الحثيث والدؤوب.[27]

الثاني عشر: سرعة الإنجاز والدقة

يجب على الإنسان أن يمزج بين السرعة والدقة في عمله، وهي لا تعني العجلة في الأمور، بل المقصود هو السرعة المرافقة للدقة، وبها العمل يكون صحيحة. لا بُدّ أن لا نخلط بين المفهومين.[28]

ولا ينبغي أن يتملكنا القلق في أداء مهماتنا ووظائفنا، فإن القلق من أهم الأمور التي تعيق المسؤولين عن أداء وظائفهم، بل قد يؤدي إلى ظهور الكثير من الأخطاء.[29]

الثالث عشر: تفويض المسؤولية عند الحاجة

إذا أحس الإنسان مهما كانت مسؤوليته أنه لا يستطيع أن يؤدي عمله بالشكل المطلوب فلا يتردد أبداً في تفويض الأمر إلى الشخص المناسب… فبعض المسؤولين لديهم الكثير من المشاغل بحيث لا يستطيع أن يلفق بين عمله أومشاغله حينئذ عليه أن يسلم زمام الأمر إلى الشخص المناسب الذي يفرغ نفسه لهذه الوظيفة، فلا تكون الوظيفة والمعيار الوظيفي هي الهدف الأول لنا بل العمل وأداء الوظيفة هو المعيار.[30]


  • [1]– المزمل: 1-5
  • [2]– لقاء سماحته مع سماحة الشيخ محمد الريشهري والمقيمين على أمور الحج بتاريخ 13-12-1376هـ ش
  • [3]– لقاء سماحته مع جمع من مختلف شرائح المجتمع بتاريخ 10-4-1380هـ ش
  • [4]– لقاء سماحته مع رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء بمناسبة أسبوع الدولة وحلول مناسبة المنتصف من شعبان بتاريخ 4-6-1386هـ ش
  • [5]– بيانات سماحته مع مسؤولي ورؤساء تحرير الصحف الجامعية بتاريخ 4-12-1377هـ ش
  • [6]– خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 30-6-1387هـ ش
  • [7]– بيانات سماحته عند لقائه مع رئيس الجمهورية والمسؤولين التنفيذيين في الحكومة بتاريخ 9-4-1386هـ ش
  • [8]– بيانات سماحته عند لقائه جمع من أعضاء التعبئة الطلابية في الجامعات بتاريخ 31-2-1386هـ ش
  • [9]– بيانات سماحته عند توديع مسؤولي رئاسة الجمهورية بتاريخ 18-5-1368هـ ش
  • [10]– كلمة سماحته مع مسؤولي مؤسسة الإعلام الإسلامية بتاريخ 5-12-1370هـ ش
  • [11]– نفس المصدر
  • [12]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 18-6-1388هـ ش
  • [13]– خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 14-3-1372هـ ش
  • [14]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 17-7-1384هـ ش
  • [15]– نفس المصدر
  • [16]– نفس المصدر
  • [17]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بمناسبة أسبوع الدولة بتاريخ 4-6-1380هـ ش
  • [18]– البقرة: 286
  • [19]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بمناسبة أسبوع الدولة بتاريخ 4-6-1381هـ ش
  • [20]– الإسراء: 36
  • [21]– لقاء سماحته مع حشد غفير من مختلف تيارات الشعب المختلفة بتاريخ 26-1-1383هـ ش
  • [22]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 8-6-1384هـ ش
  • [23]– نهج البلاغة، الوصية 53
  • [24]– نفس المصدر
  • [25]– نفس المصدر
  • [26]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 17-7-1384هـ ش
  • [27]– لقاء سماحته مع أعضاء مجلس الوزراء بمناسبة أسبوع الحكومة بتاريخ 4-6-1381هـ ش
  • [28]– إن السرعة من دون الدقة تعني العجلة والتسرع
  • [29]– لقاء سماحته مع رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة بتاريخ 6-6-1385هـ ش
  • [30]– كلمة سماحته مع رئيس القوة القضائية ومسؤوليها
المصدر
العمل المؤسساتي في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟