مواضيع

أصبح هذا المشهد من أروع المشاهد في حياتي

قُدّرَ لي أن أكون مع أحمد سليماني[1] منذ الطّفولة، وكنتُ حاضراً فوق رأسه وقت استشهاده، وإذا أردتُ أن أذكر كلمةً خاصّةً وحصريّةً عن هذا الشّهيد، يجب أن أقول أنّ هذا الشّهيد العظيم يستحقّ لقب الرّجل الطّاهر. في الواقع، يمكن أن يكون لدى النّاس مفهومٌ أنّه يُمكن الوصول إلى درجة «العبد الصّالح» بعد المعصوم.

كان الشّهيد سليماني من أكثر قادة فرقة ثار الله فاعليةً، فكان موجودًا أيضاً في عملية (طريق القدس) في القناة التي حفرناها، وعندما ذهبت إلى تلك القناة في منتصف الليل، رأيته، وعندما رآني اختبأ على الفور خلف الأشجار، وبعد ذلك أدركت أنّه اختبأ لكيلا أعيده. لم يُظهر نفسه قطّ في منصب القائد خلال فترة عمله كقائدٍ لفرقة ثار الله، ولم يشعر أحدٌ أنّه كان في منصبِ مسؤوليّةٍ على الجبهة.

كان على اتّصالٍ مع جميع القادة، وكان لديه درّاجة ناريّة تبقيه متّصلاً بالميدان باستمرار كي يبقى قريباً من الجبهة وساحة المعركة أثناء العمليّات. كان في حالٍ غريبةٍ عندما كان يتلو دعاء كميل ليلة استشهاده، فقد بقي بحالة سجودٍ من بداية الدّعاء إلى نهايته، وبدا كأنّه أُخبِر باستشهاده غداً في السّاعة العاشرة صباحاً.

عندما رأيته بعد استشهاده، كان نصف وجهه مغطّى بالدّماء والنّصف الآخر يلمع مثل ضوء القمر، وصِدقاً كان هناك سكونٌ خاصٌّ في وجهه. رُؤية هذا المشهد، جعله من أروع المشاهد في حياتي خلال مرحلة الدّفاع المقدّس.[2]


في النّهاية، استشهد الحاج أحمد سليماني في أكتوبر 1984 في مرتفعات ميمك مع مجموعةٍ أخرى من رفاقه.

حلق أحمد رأسي في تلك الدّنيا

على الرّغم من المسؤوليّات الهامّة التي تولّاها أحمد سليماني في فرقة ثار الله، كان يستغلّ دائماً كلّ فرصة لخدمة قوّات التّعبئة. كان حلق رؤوس الجنود أحد أعماله. يقول أحد رفاق الشّهيد في هذا الصّدد:

«كان يحبّ التّعبويّين حقّاً. جاء مرّةً إلى الخفير، اعتقدت أنّه جاء لإلقاء محاضرة، فرأيت طابوراً من عشرة أو خمسة عشر شخصاً أمام الخيمة الّتي ذهب إليها. قلت إنّ القوّات تريد بالتّأكيد التّحدّث معه ومشاركته مشاكلهم.

رتّبتُ وضعي وذهبت إليه، رأيته يفتح محلّ الحلاقة الخاصّ به ويحلق رؤوس الجنود!

قلتُ له: أخي سليماني، لماذا تقوم أنت بهذا؟ لدينا عددٌ من الجنود هذا هو عملهم في الأصل.

قال: سيّد فرود، بالله عليك لا تبطئ سوقنا!

عندما أراد المغادرة عند الغروب، ظهرت تقرّحاتٌ على أصابعه، فبكيت.

قال: العمل من أجل التّعبويّين له لذّةٌ خاصّةٌ للغاية.

ثمّ حدّق في وجهي وقال: يعني أن يأتي أحدهم يوم القيامة ويأخذ بيدي ويقول: حلق أحمد رأسي في تلك الدّنيا!

أنا لا أقول إنّ أحمد معصوم، لكنّ حركاته وسكناته كان تذكّر الإنسان بالمعصومين والأولياء».

كنّا لا ننام في اللّيل بسبب ديون أبينا

نشأ الحاج قاسم سليماني مع أحمد سليماني منذ الصّغر. إحدى ذكريات الحاج قاسم الّتي لا تُنسى هي عندما كان عاملاً مع أحمد. في حقبة ما قبل الثّورة، قرّر الاثنان القدوم من الرّيف إلى المدينة من أجل العمل للمساعدة في إعالة أسرهم. يتحدّث الحاج قاسم عن تلك الفترة على الّنّحو التّالي:

كانت حوالي الظّهر عندما دخلت حافلةٌ صغيرةٌ إلى كرمان وتوقّفت في إحدى السّاحات، نزل الرّكّاب بسرعة، وذهب مساعد السّائق ووقف على الأغراض وأسقطها من أعلى. من بين الكمّيّات الكبيرة من أكياس اللّبن الرّائب وأنواع الكشك وما إلى ذلك، كان هناك سريرَين خاصّين بنا. وبعد لحظات، لم تبقَ حافلةٌ ولم يكن هناك ركّاب. بقي هذين السّريرَين ونحن الشّباب نقف بجانبهما مع ضوضاء المدينة. في تلك اللّحظات الصّعبة والطّويلة، شعرنا بالحنين إلى الوطن بكلّ كياننا، وكنّا عاجزين حقّاً ولا نعرف ماذا نفعل.

كان علينا أن نفعل شيئاً، وقد جئنا في الأساس لفعل شيءٍ. كان وقتاً صعباً، وكان آباؤنا مدينين للحكومة، وقد أخذوا قروضاً زراعيّة، لكنّهم لم يتمكّنوا من إعادتها. كنّا لا ننام في اللّيل بسبب الحزن على انهيار الشّعب في يومٍ من الأيّام، واعتقال آبائنا وسجنهم، وكانت ذكرى مثل هذا اليوم تفرغ قلوبنا.

كان والدي مديناً بتسعمائة تومانٍ ووالد أحمد مدينٌ بخمسمائة تومان، والآن أتينا إلى مدينةٍ غريبةٍ للعمل. قال أحمد: «يا قاسم، لنقطع عهداً بأن لا نعود إلى القرية إلى أن نجمع المال الكافي والوافي!»

قلت: حسناً.

تصافحنا ثمّ قلنا يا علي وأخذنا أغراضنا ومشينا.

استأجرنا غرفةً في الأزقة الخلفيّة لشارع ناصري مقابل 15 تومان في الشّهر وكانت صاحبة منزلنا امرأةً عجوز اسمها آسيا. لم يكن عمرنا أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وكانت أجسادنا صغيرة ونحيفةً جدّاً لدرجة أنّه أينما ذهبنا للعمل، لم يقبلونا حتّى قاموا ببناء مدرسةٍ في شارع خراجو، الذي كان في نهاية المدينة في ذلك الوقت، وقاموا باستخدامنا مقابل اثنين تومان في اليوم! إنّ الثّلج الذي سقط في كرمان عام 1971 مشهور.

جئت فقط من أجل قاسم وأحمد

لقد مرّت ثمانية أشهر منذ قدومنا إلى كرمان، والآن لديّ ثلاثمائة تومان ولدى أحمد ثلاثمائة وخمسين تومان. كنّا نظنّ أنّنا أوفينا بوعدنا، والآن حان الوقت لرؤية والدينا.

دفعتنا الرّغبة في زيارة العائلة إلى السّوق واشترينا بمبلغ حوالي سبعين تومان، حتّى أنّنا اشترينا قطعةً تذكاريّةً لجميع أقاربنا. ذهبنا في الصّباح إلى المرآب واستقلينا حافلةً حتّى مفترق طريق زنجان. من هنا إلى هناك، تعطّلت الحافلة وكان أمامنا سبعةٌ وأربعون كيلومتراً لنصل، وكان الثّلج يتساقط. تقدّم راكبان إلى الأمام ووضعنا أقدامنا مكان أقدامهما بحذرٍ وتمدّدنا، لكنّنا فكرنا في حلٍّ أفضل، خصوصاً أنّ الثّلج كان كثيفاً وكان اليوم في فصل الشتاء قصيراً وعلينا الوصول إلى المنزل بحلول المساء.

قالوا: في مثل هذه الحالة، البطل الوحيد هو الّذي يستطيع القيادة. لقد سمعنا صوته. سمعنا أنّ هناك رجلٌ قويٌّ يرفع الحمير والأبقار بأسنانه، فذهبنا إلى منزله. في البداية لم يقبل على رغم إصرار مرافقينا وقال: «لم أشبع من روحي بعد!».

لكنّه وافق فجأةً. كان من المفترض أن يوصلنا إلى أعلى تلال رابرمقابل خمسة تومان عن كلّ شخص.

عندما جلسنا في مؤخّرة السّيّارة، عاد الأمل بالحياة إلى قلوبنا مرّةً أخرى، وتخيّلنا أنّ والدينا سعداء. مرّ البطل بتقلّباتٍ وانعطافات، فعندما كانت تعلق السّيّارة، لم يكن علينا أن نساعده، فقد كان يحرّك السّيّارة ويضعها جانباً لوحده!

عندما وصلنا ودفعنا له الأجرة، قال: «لا تظنّوا أنّني خرجت من أجل العشرين تومان!» ثمّ أشار إلينا وقال: «كان لأجل هذين الشّخصين فقط. أقرانهم الآن مستلقون تحت الكرسيّ، ويخشى آباؤهم وأمّهاتهم عليهم من أن تصيبهم نزلة بردٍ في وقتٍ ما. الآن هو وقت راحتهم ولعبهم، وليس العمل في المنفى. تُفٍّ لهم لهذا اليوم الّذي صنعوه لنا!».

بعد عشرة أو اثني عشر عاماً، رأينا البطل مرّةً أخرى. لقد جاء إلى الجبهة لخدمة جنود الإسلام.

نعم، كنت أقول، مشينا سبعة عشر كيلومتراً من رابر إلى القرية، وكانت أضواء البيوت تضاء مع وصولنا. وعندما انتشر الخبر في القرية، وأصبح يدور فيها، بقي النّاس معنا يحتفلون حتّى وقت متأخّرٍ من اللّيل.

  • [1] وُلد أحمد سليماني عام 1957 في مدينة بافت (قرية قناة ملك). خلال خدمته في الحرب المفروضة، شغل مناصب مختلفة، بما في ذلك نائب رئيس المخابرات والعمليات ونائب رئيس أركان فرقة ثار الله 41 في عمليّاتٍ مختلفة.
  • [2] كلمة الحاج قاسم في مؤتمر شهداء العشائر.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟