مواضيع

نحن نفخر بالحاجّة سكينة

نحن نفخر بالحاجّة سكينة[1] التي لم تكن تملك أحداً سوى ابنها، وهي منّا نحن الكرمانيّين. كانت سيّدة دؤوبة وسمراء تغمر الروحانيّة وجودها وهي مدعاة فخر لمدينتنا، هي والدة شهيدنا، وقد كانت تعمل في أفران الباطون لكي تربّي ابنها عليّ. أوصيكم بقراءة كتاب «كعليّ، كفاطمة» لكي تلاحظوا كيف ربّت هذه الأمّ علي شفيعي


طلبتُ من الله عزّوجل الموت من شدّة التّعب على الطريق

لا تتحدّث والدةالشهيد علي شفيعيالتي أمضت فترة طويلة في حرب الأعوام الثمانية كثيراً عن تلك الفترة؛ ونحن نعلم فقط أنّها كانت تعمل في البداية في لجنة الدعم التابعة للحرس الثوري في كرمان وفي المسجد الجامع وسائر المقرّات التي كانت تتكفّل إرسال المساعدات الشعبيّة للمجاهدين، إلى أن اقترح ابنها عليّ عليها أن يذهبا سويّة إلى الجبهة.

يحتاج ذكر تفاصيل الحياة المتلاطمة والحرمان الشديد لهذه الأم وابنها الوحيد علي؛ إلى كتاب منفصل.

تتحدّث الحاجة سكينة حول تلك المرحلة كما يلي: لقد تحمّلت صعوبات كثيرة حتّى استطعت تنشئة ولدي الوحيد، كان زوجي وابنتي في فراش المرض طوال ثلاثة أعوام، وكنت أنا بمثابة رجل المنزل وأمّ العائلة، وقد تحمّلت مصاعب كثيرة خلال تلك الفترة.

كان عليّ يذهب إلى المدرسة في الصّباح وكنت أنا أنطلق للعمل في أفران الباطون وكنت أعود إلى المنزل مع غروب الشّمس وقد أعياني التعب لدرجة لا أعود قادرة على المشي بعدها، فكنت أطلب الموت من الله جلّ وعلا؛ لكنّني لم أكن أسمح لولدي أن يعلم إلى أين أذهب وما الذي أفعله؛ لأنّني كنت أعتقد بأنّه سيألم لحالي!

كان ابني عليّ يسألني في تلك الأيّام: أمّي، لماذا تورّمت قدماك؟ كنت أجيبه أن ليس هناك شيء يا أمّي! هذا بسبب البرد. كنّا في تلك الأيّام وبسبب ظروف الحياة القاسية، نشتري رغيف خبز ونأكله طوال ثلاثة أيّام.

لم تكن الثّورة قد انتصرت بعد، حتّى توفّي والد وشقيقة عليّ، وبعدها لم نكن نملك أيّ مال. كنّا نمضي الأيام بقرص خبز، وكان ابني يقول: أمّي، هذا اختبارٌ إلهي.

أيّ طعام؟ كان الماء متوفّراً فقط وكان يتبخّر

كنّا نعيش في خربة وكان ابني يملك بدلة ثياب وحيدة، عندما كنت أغسل له بدلته لم يكن يملك لباساً آخر وكان يتحمّل في الطّقس البارد حتّى تجفّ ثيابه، وعندما كنت أسأله، هل تشعر بالبرد يا أمّي؟ كان يقول لا يا أمّي، عن أيّ بردٍ تتحدّثين؟!

كانت ظروف الحياة قاسية؛ فلم نكن نملك الكهرباء وكان عليّ يدرس على ضوء الفانوس، وفي ليالي الشتاء كنا نسدّ ثغرات الباب بالأوراق والأقمشة البالية؛ لكنّ الرياح الباردة كانت تتسرّب رغم ذلك إلى داخل البيت. كنت أنام في اتجاه الرياح وأحضن عليّ؛ كان ولدي يبقى على قيد الحياة بفضل دفئ حضني.

عندما كنت أخرج للعمل، كان ابني يسكب الماء في القدر ويتركه فوق شعلة الغاز حتى تغلي، كي لا يشعر الجيران بأنّنا لا نملك شيئاً لنأكله، وعندما كان أحد الجيران يأتي بطعام معيّن، كان يقول بأنّ والدتي جهّزت لي الطعام، لا نحتاجه! لكن أيّ طعام؟ كان الماء متوفّراً فقط، وكان يتبخّر. نعم، لقد كبُر إبني في ظلّ هذه الظروف.

في أحد الأيام، عندما عدتُ إلى المنزل، قال لي ابني: هل أذهب لأشتري الخبز؟ قلت له: لا يا أمّي، لا أملك المال اليوم، لم يعطني مسؤولي في العمل أجرة يومي، قال: لا إشكال في ذلك يا أمّي، لقد تناولت البارحة شقّ تمرة قبل النّوم، وسوف أنام جائعاً هذه الليلة.

يوماً ما عندما خرج ابني من المنزل، قال: أمّي، عندما كنت عائداً ودخلت الزّقاق، قلت أن يا إلهي هل سيكون لي نصيبٌ بكسرة خبز؟ تقدّمت فرأيت كيساً مليئاً بالخبز موضوعاً على جانب الطريق، أخذته وجئت به إلى البيت، غسلت الخبز الذي بداخله وأكلته، تعالي أنت يا أمّي وكلي معي أيضاً، قلت له: ولدي، هل نظرت إلى ما بداخل الكيس؟ قال: نعم، حدّثت نفسي بأنّني جائع، وقد أرسل الله لي هذا الكيس!

عندما ألقيت نظرة على ما في الكيس، لاحظتُ وجود خبز متعفّن، كان يغسله ويأكله.

طلب منّي اللواء قاسم سليماني أن أرافقهم إلى الجبهة

نعم، أولئك الآباء والأمّهات الذين ذهب أبناؤهم إلى الجبهة، ربّوا أولادهم عبر العمل في غسل ملابس الآخرين، ومن يرغب في تربية ابنه وإيصاله إلى مرتبة معيّنة، لا يحتاج حتماً أن يعيش ابنه في أجواء الرفاهية.

في بداية الحرب كنّا أنا وعدد من السيّدات في مركز إسناد ودعم جبهات القتال في كرمان، ثمّ توجّهنا إلى الخطوط الخلفيّة للجبهة وقد كنت هناك حتّى لحظة استشهاد علي.

لقد كنت إلى جانب أبناء إيران الإسلاميّة الشجعان في فيلق ثار الله وحضرت في الجبهة منذ اندلاع الحرب حتّى اللحظة التي أعلن فيها الإمام الخمينيّ(قدس سره) وقف إطلاق النار، وعدتُ بعدها إلى كرمان.

في بدايات الحرب عندما كنت أخدم إلى جانب المجاهدين في الخطوط الخلفيّة للجبهة، طلب منّي الحاج قاسم سليماني أن أرافقهم إلى الجبهة وأساعد هناك.

كنّا نقوم في الجبهة بكلّ شيء، كنّا نحضر في الخطوط الأماميّة حتّى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كما كنّا نعمل في المشافي وسائر الأماكن أيضاً، لقد كنت حاضرة في كلّ مكان؛ في غرب وجنوب البلاد أيضاً. كنت متواجدة في مراكز الدعم والإسناد في مختلف مناطق الجبهة الخلفيّة، كالأهواز، إيلام، قصر شيرين، شوش دانيال، آبادان، خرّمشهر.

عندما كنت مشغولة في وحدة الدعم في الخطوط الخلفيّة للجبهة، ذهبت برفقة عدد من السيّدات لكي نجلب مواد تنظيف الملابس من الفيلق، فرأيت علي هناك. كان منشغلاً بالحديث معي حين قال أحد الجنود لعلي: «أيها القائد.» ردّ عليه عليّ: «أنا تعبويّ عاديّ. لا تنادني بهذه الألقاب.» لم يكن ابني يخبر أحداً عن طبيعة مهمّته بسبب إخلاصه والمسؤوليّة التي كان يتولّاها. وقد قال لي في آخر لقاء بيننا أنّه من الممكن أن لا يعود. بعد شهادة عليّ رافقت الحاج قاسم سليماني والتقيت بزوجة الإمام الخمينيّ(قدس سره).

يا حاج قاسم، عليّ هذا شهيدٌ حيّ

يوماً ما جاء الحاج قاسم سليماني إليّ وقال: أرغب في أن أزوّج عليّ!

أجبته: لن يتزوّج عليّ.

أجابني الحاج قاسم: بل سيتزوّج.

قلت له: هو ينوي أن يتزوّج بعد انتهاء الحرب.

أجابني: سوف أقنعه بنفسي.

قلت له: ستكسب أجراً كبيراً إن فعلت ذلك.

جاء عليّ فسألته: هل ذلك صحيح، هل وافقت؟

قال الحاج قاسم: وكّلنا أمرنا لله.

سألته: هل عيّنت على إحداهن؟

قال: ستعرفين عندما يحين الوقت المناسب.

بعد عدّة أيّام علمت أنّه عيّن على ابنة السيّد كياني. لم أكن أعرفهم، لكنّ عليّ كان صديقاً لرضا وكاظم؛ أي إخوة عروستي. لقد كانا في صفوف المجاهدين أيضاً.

اتّفقوا على مولد طلبة العروس واتّجهنا ليلاً إلى منزل أهلها، قال الحاج قاسم: عليّ هذا شهيدٌ حيّ. لا يملك من مال الدنيا شيئاً، فإذا كنت راضية بالزّواج منه، قولي الآن، وإن لم تكوني راضية، أخبرينا بذلك الآن أيضاً. علي لا يملك شيئاً، لكنّه رجلٌ غيور وصاحب حميّة، صادقٌ ونقيّ.

عندما أخذنا الجواب الإيجابي، شعرتُ بأنّ قدماي لم تعودا على هذه الأرض، تسائلت: هل أنا في اليقظة أو المنام؟ لم أمت ورأيت عليّاً يرتدي بدلة العرس، إلهي ألف شكرٍ لك.

يجدر القول أنّ اللواء الشهيد علي شفيعي ولد في 9 تشرين الثاني من العام 1966 في مدينة كرمان، وبعد أن واجه صعوبات كثيرة في حياته، تمّ إرساله إلى الجبهات مع اندلاع الحرب المفروضة بصفته مسؤولاً مرافقاً وبيده الهدايا الشعبيّة التي أرسلها الناس للمجاهدين، وهناك بدأت رحلته الجهاديّة. انضمّ إلى الحرس الثوري عام 1983.

استطاع عليّ رغم صغر سنّه ومع بروز خصال بارزة في شخصيّته كالإدارة، التدبير، الإخلاص والتأثير في الكلام أن يتحوّل سريعاً إلى أحد القادة النشطين في الجبهة والحرب، وكانت له مشاركات فاعلة في عمليّات والفجر8، كربلاء 4، وبدر. ثمّ نال فيض الشهادة بسبب إصابته في محور «أم الرّصاص» في عمليّة كربلاء 4 في شهر كانون الثاني من العام 1987 عندما كان يبلغ من العمر 21 عاماً ولم يكن قد مرّ على زواجه أكثر من 4 أشهر.

  • [1] سكينة باكزاد عبّاسي المعروفة بالحاجّة سكينة؛ هي والدة الشهيد علي شفيعي أحد قادة مرحلة الدفاع المقدّس التي حضرت مع ولدها إلى جانب ولدها طوال أعوام الحرب الثمانية في جبهات الحرب، ووقفت إلى جانب المجاهدين وقدّمت في النهاية فلذة كبيدها ووحيدها لأجل هذا النظام وهذه الثورة.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟