مواضيع

جاذبة ودافعة الإمام الخميني

المعيار الآخر في برنامج الإمام ونهجه وطريقه المستقيم هو ما يتعلق بقضية جاذبة الإمام ودافعته. فللعظماء ميدان وسيعٌ من الجاذبة والدافعة. الكل لهم جاذبة ودافعة. فأنتم بتصرفكم تجذبون شخصاً إليكم وتؤلمون شخصاً آخر؛ هذه هي الجاذبة والدافعة. أما العظماء فإن جاذبتهم تؤدي إلى إيجاد شريحة واسعة. وكذلك دافعتهم فإنها توجد شريحة واسعة أيضاً. فإنّ جاذبة الإمام ودافعته أمرٌ مذهل وملفت للنظر.

إن أساس المبنى والمعيار لجاذبة الإمام ودافعته هو الإسلام؛ تماماً كما يدعو الإمام السجاد(ع) في الصحيفة السجادية مناجياً ربه -في دعاء استقبال شهر رمضان-. قلنا مراراً بأن أدعية الإمام السجاد في الحقيقة هي من أعظم كنوز المعارف الإسلامية. ففي هذه الأدعية معارفٌ لا يمكن للإنسان أن يعثر عليها في الروايات والمأثورات؛ وقد صرّح بها في هذه الأدعية. ففي الدعاء (44) من الصحيفة السجادية -وهو دعاء لاستقبال شهر رمضان حيث كان الإمام السجاد يدعو به- يطلب الإمام(ع) من الله أشياء في شهر رمضان وبين هذه الأشياء التي يطلبها هي: «وأن نسالم من عادانا»، ثم يقول بعد ذلك مباشرةً: «حاشا من عُودِيَ فيك ولك فإنه العدو الذي لا نواليه والحزب الذي لا نصافيه».

هكذا كان الإمام؛ فإنه لم يكن يعادي أحداً للأغراض الشخصية. وإن كانت هناك بعض الخلافات الشخصية فقد كان الإمام يضعها تحت قدميه؛ لكن عداء الإمام وحزمه من أجل الإسلام كان أمراً جدياً للغاية لديه.

إنه هو الإمام الذي فتح ذراعيه لجماهير الشعب في بداية النهضة وقبل 48 سنة، وبمختلف شرائحهم وأفكارهم، حيث احتضن الجميع من أية قوميةٍ كانوا أو أي انتماء أو مذهب. هو ذلك الإمام الذي قد طرد جماعات من حوله في بداية الثورة. فقد طرد الشيوعيين علناً، في ذلك اليوم كان عمل الإمام عجيباً بالنسبة للكثير منا حيث كانت لدينا نشاطات في بداية الثورة. ففي بدايات الثورة اتخذ الإمام موقفاً حازماً ضد الشيوعيين وقام بإبعادهم من حوله. كان الإمام حازماً وقاطعاً في قبال أتباع المنهج الليبرالي وعشاق الأنظمة الغربية والثقافة الغربية؛ وقد أبعدهم وفصلهم عن نفسه؛ فلم يجاملهم أبداً. وقد طرد من حوله الرجعيين -أولئك الذين لم يقبلوا الحقائق الإلهية والروح القرآنية للأحكام الإسلامية ولم يقبلوا ذلك التغيير العظيم-. وقد أدان الإمام هؤلاء الرجعيين مرات عديدة وبعبارات شديدة ومرة، وأبعدهم عن نفسه. فلم يتروّ الإمام في التبري من أولئك الذين لم يكونوا في نطاق دائرته الفكرية ومبانيه الإسلامية؛ في حين أنه لم يكن لديه عداوة شخصية معهم.

انظروا إلى وصية الإمام؛ إنه في هذه الوصية يخاطب أولئك الشيوعيين الذين ارتكبوا الجرائم في الداخل وهربوا إلى خارج البلاد. لاحظوا لهجة الإمام، إنه يقول لهم: تعالوا إلى بلدكم وتحملوا الجزاء الذي سيفرضه القانون والعدالة عليكم، واخضعوا للعقاب. أي تعالوا وتحمّلوا الإعدام أو السجن أو غيرها من العقوبات من أجل أن تنجوا بأنفسكم من العذاب والانتقام الإلهي. وهو يخاطبهم برأفة، فيقول: فإن لم يكن لديكم تلك الجرأة للمجيء وقبول المجازاة، فعلى الأقل غيّروا طريقكم وتوبوا ولا تعادوا الشعب الإيراني والنظام الإسلامي والحركة الإسلامية وأنتم هناك؛ فلا تكونوا عملاء للظالمين والمقتدرين.

لم يكن للإمام أي خلاف شخصي؛ ولكنه في ضمن حدود الدين كان يُعمل جاذبته ودافعته بقاطعيةٍ تامة. ومثل هذا الأمر كان أحد المعايير الرئيسية في حياته ومدرسته. فينبغي أن يكون التولي والتبري في الساحة السياسية تابعاً للفكر والمباني الإسلامية والدينية أيضاً؛ فكذلك هنا ينبغي للإنسان أن يجعل هذا الأمر ملاكاً ومعياراً له، ولينظر ماذا يريد الله سبحانه وتعالى منه.

وبهذا النهج الذي اتبعه الإمام وتجلى في كلماته وأفعاله، فلا يمكن للشخص الذي يعتبر نفسه في نهج الإمام ومن أتباع الإمام أن يواكب الذين يرفعون راية صريحة تعارض الإمام والإسلام. لا يصح أن نقبل أن أمريكا، وإنكلترا، والسي آي إي، والموساد، وطلاب السلطة، والمنافقين، وسائر المخالفين يتفقون ويأتلفون حول محور واحد ويجتمعون حوله ثم يدعي ذلك المحور أنه أيضاً على نهج الإمام! فهذا لا يصح ولا يمكن قبوله.

لا يصح الائتلاف مع أيٍّ كان. فعلينا أن ننظر إلى أعداء الإمام بالأمس ماذا كانت مواقفهم تجاهنا. فإن رأينا أن مواقفنا كانت على نحو بحيث تجعل أمريكا المستكبرة والصهيونية الغاصبة وعملاء القوى المختلفة والمخالفين والمعادين للإمام والإسلام والثورة يعظّموننا ويحترموننا فعلينا أن نشك في مواقفنا؛ وعلينا أن نعلم أننا لا نسير على الطريق الصحيح والمستقيم. فهذا معيارٌ، وهو ملاك. وقد اعتمد الإمام على هذا الأمر مراراً. كان الإمام يقول -ويوجد هذا الأمر في كتاباته وفي الوثائق القطعية لكلماته- إنهم لو مدحونا فعلينا أن نعلم بأننا خوّنة. فهذا أمرٌ مهم جداً.

عندما يأتي أشخاص ويتجهون بالضبط في الجهة المعاكسة لنهج للإمام، ويتخذون مثل تلك المواقف حول قضية القدس ويوم القدس، ويرتكبون تلك المأساة في يوم عاشوراء، ثم بعدها نظهر التأييد لأولئك الذين يخالفون بصراحة أساس مبادئ الإمام وحركة الإمام ونجعل أنفسنا إلى جانبهم ونمدحهم أو نسكت في قبالهم؛ وفي نفس الوقت نقول أننا أتباع الإمام! هذا غير ممكنٍ، ولا يمكن قبوله. كذلك الشعب يدرك هذا الأمر جيداً. فالشعب يشاهد ذلك ويعلمه ويعرفه ويدركه.[1]


[1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م

المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟